الحل السياسي للأزمة اليمنية
على مدى عامين من القتال في اليمن تغير المشهد كثيراً، وأصبح أكثر تعقيداً مما كان
عليه من قبل، فلقد كان المشهد اليمني يوم سقوط العاصمة في يد الحوثيين يدلل بوضوح
على أن الرئيس السابق لا يزال يمسك بخيوط الأحداث في هذه البلاد، وأن الحوثيين لم
يكونوا سوى دمية في يده، وهذا ما أجمع عليه المراقبون للشأن اليمني وما أكدته
تحقيقات ومتابعات ميدانية أجرتها بعض الفضائيات مثل قناة الجزيرة وغيرها؛ فالوقائع
تشهد أنه لا وجود حقيقي لطهران في أحداث صنعاء وفي المشهد اليمني حتى تلك اللحظات،
ولكن يبدو الآن أن المشهد قد تغير كثيراً وأن الرئيس السابق قد فقد كثيراً من
الأوراق لصالح الحوثيين.
فبعد عامين من القتال لم يعد الحوثيون في موقع الدمية كما كانوا من قبل، فقد سعوا
إلى تعزيز حضورهم وتسجيل دور حقيقي في المشهد اليمني، يقوم على إعادة صياغة
للتوازنات مع حليفهم صالح الذي اضطرته ظروف الحرب للقبول بهم كحليف حقيقي، وعليه
فلا مفر من تقاسم مواقع النفوذ معهم، فأصبح الحوثيون اليوم يمسكون بكثير من خيوط
الأحداث التي كان يمسك بها الرئيس السابق، فلقد تغلغل الوجود الحوثي في كثير من
الأذرع الأمنية والعسكرية والنخب الاجتماعية أيضاً، مستغلين في ذلك أجواء الشحن
الطائفي والغضب الشعبي إزاء ما آلت إليه الأوضاع في البلد.
ولعل الحدث الأخير، المتمثل في قصف الصالة الكبرى في صنعاء والذي قتل فيه كثير من
العسكريين، قد مال بميزان التوازن بين صالح والحوثيين لصالح الحوثة، فلم يعلم
بالضبط حجم خسائر الطرفين، لكن ردة فعل الرئيس السابق وكثير من أسماء القتلى تدل
على أن الخسائر الأكبر كانت في جناح صالح.
مثل هذه التغيرات يجب أن تكون حاضرة في حساباتنا ونحن نتحدث بين الفينة والأخرى عن
خيار الحل السياسي للأزمة اليمنية، فالحوثيون مؤهلون أكثر من أي وقت مضى للاستفادة
القصوى من أي حل سياسي. فالحل السياسي سيفضي حتماً إلى بقاء الحوثيين كطرف سياسي
قوي في الواقع اليمني أقوى مما كانوا عليه قبل الحرب، فالنفوذ هذه المرة سيكون
نفوذاً حقيقياً وليس مجرد دمية في يد الرئيس السابق كما كانوا فيما مضى.
ولهذا فالحل السياسي في النهاية هو الخيار الأمثل للحوثيين لإنهاء الأزمة ولو
تظاهروا بأنهم غير جادين في تحقيقه. لأن الحل السياسي سيبعد عنهم خطراً يهدد وجودهم
بالكامل وسيبقيهم قوة سياسية معترفاً بها ولها وزنها في المشهد اليمني. والحق أن
وجود الحوثيين كجزء من الوجود الزيدي في شمال الشمال اليمني أمر لا مفر منه، ولا
يمكن رفضه في إطار الاعتراف بالوجود التاريخي الزيدي في اليمن، والاعتراف بالزيدية
كجزء من النسيج الاجتماعي اليمني، لكن المسألة بالنسبة للحوثيين ستتجاوز الحدود
اليمنية وستكون لها تداعياتها وأبعادها الإقليمية، فالإيرانيون سيعملون جادين على
تحقيق اختراق وحضور سياسي في الواقع اليمني، مستغلين في ذلك وجود الحوثيين كقوة
سياسية رئيسة معترف بها في الواقع اليمني كنتيجة لما سيفضي إليه الحل السياسي.
فإيران التي تتطلع لتحالف إستراتيجي مع الحركة الحوثية والتي قدمت كثيراً من الدعم
لها ستكون حاضرة بقوة في المشهد اليمني عن طريق الحوثيين فيما بعد الحل السياسي،
أما الحوثيون فسيعملون بدورهم على توسيع وتعزيز التعاون مع إيران ولو لم تكن جميع
الأبواب مغلقة أمامهم، وهنا يكمن خطر على الوجود السني في خريطة تقاسم النفوذ في
الداخل اليمني، فالتجارب تثبت أن إيران ما دخلت أرضاً إلا أفسدتها والعراق خير دليل
على ذلك، والأخطر أن إيران قد تستفيد من تعاطف بعض القواعد الشعبية للحوثيين معها
لدورها المساند في الأزمة فتعمل على نشر الإمامية الإثنى عشرية في أوساطهم، وفي هذا
خطر داهم وكبير على الوجود السني في اليمن وعلى الأمن القومي للمحيط السني حول
اليمن أيضاً. ولا يمكن القول إن كثافة الوجود السني في اليمن ستجعل من المستحيل على
إيران فعل شيء فلقد كان العراق بلداً ذا أغلبية سنية.
أكثر من ذلك فإن الحل السياسي سيشعر الإيرانيين أن الحملة العسكرية للتحالف في
اليمن قد فشلت، وهذا ما سينعكس سلباً على كثير من الملفات المفتوحة في المنطقة وفي
مقدمتها الملف السوري. وبشكل عام فإن الوجود الحوثي كقاعدة راسخة للإيرانيين في
اليمن سيعطي السياسات الإيرانية دفعة قوية في المنطقة بشكل عام.
ولهذا فإن الحديث عن حل سياسي دون النظر إلى ما ستؤول إليه الأمور هو ضرب من
اللامبالاة بمستقبل هذه الأمة. فالتغيرات التي تفرضها الحروب على المستوى السياسي
والأمني قد تكون خطرة جداً، ولهذا لا بد من متابعة وملاحظة هذه التغييرات لتكون
حاضرة في حساباتنا في أي قرار قد يتم اتخاذه، حتى لا نتفاجأ مستقبلاً عندما نرى أن
الحرب قد أفرزت واقعاً مكن للحوثيين وإيران في اليمن أكثر مما كانوا عليه قبل
الحرب.
وبشكل عام وكجزء من إستراتيجية محاصرة الأخطار المحدقة أينما اتجهت الأحداث في
اليمن وغيره من البلدان، نحتاج نحن أهل السنة إلى إعادة رصف الصفوف ومعالجة الجراح
فيما بيننا، فالأداء الضعيف لجبهات أهل السنة في بلدان غالبيتها سنية يدلل بوضوح
على وجود تمزق في النسيج الاجتماعي لأهل السنة. المرحلة الحالية التي تمر بها الآمة
تفرض أكثر من أي وقت مضى ضرورة معالجة التصرفات الهوجاء لبعض السفهاء، التي أدت إلى
إحداث ضرر بالغ بتماسك النسيج الاجتماعي لأهل السنة في اليمن وغيره، فقد أحدث أصحاب
الفهم السقيم شروخاً عميقة وانقسامات كبيرة في الواقع السني، ولم يزل هذا التدمير
قائماً ومستمراً، فكم يتملكك الأسف والأسى على واقع أهل السنة مثلاً عندما تراهم
مجتمعين يؤدون صلاة عيدهم في مسجد واحد على طريقة أهل السنة من أئمة السادة
الشافعية، فيأتي إليهم من يتكلم باسم السنة ويكون من أول أعماله شق صفهم بحجة أن
السنة إقامة صلاة العيد في المصلى وليس في المسجد، فبمثل هذه التصرفات يبدأ التمزيق
ليمتد إلى التبديع ثم التخوين القائم على أوهام ووساوس ثم محاولات الإقصاء، لتسود
حالة من العداء المفتعل تعصف بمجتمعات أهل السنة في كثير من البلدان. يجد الطرف
الأخر المناوئ لأهل السنة في هذا العداء فرصة لتمرير مخططاته ومؤامراته في مجتمعات
السنة وبلدانهم. وللأسف إن كثيراً من حالات العداء هذه وتمزيق الصف تمول من أموال
محسنين من أهل الخير لا يعلمون حقيقة ما يُفعل بأموالهم في واقع أهل السنة.
إذا كان الوجود السني والمستقبل السني يهمنا، وكنا ندرك أنه خط دفاع متقدم عن
مقدساتنا في عمق بلاد الإسلام، فيجب أن تتوقف تصرفات السفهاء هذه، ويجب على العقلاء
تدارك الأمور والأخذ على أيديهم، فالقضية ليست منافسة بين جماعات ومدارس أهل السنة،
فنحن اليوم نعيش أمام صراع قد يهدد الوجود السني بالكامل في كثير من الدول
الإسلامية، كما هو حاصل في العراق اليوم.