• - الموافق2025/04/30م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الأمن القومي الصهيوني...  هل ينجو من «جدار أريحا»؟

يُبرّر معهد دراسات الأمن القومي الصهيوني الفشل الواضح في تبعات هجوم السابع من أكتوبر، أو معركة طوفان الأقصى؛ بأنه ناتج عن عدم القدرة العملية على حماية وتنفيذ الطبقات الثلاثة مِن قِبَل المستوى السياسي والقيادة العسكرية


في إطار المُحاسَبة الداخلية؛ تناقش المؤسسات العامة الصهيونية حالة الوهن التي أغرقت المجتمع الصهيوني في مستنقع من الصراعات الداخلية، والتي تُحيلها إلى الفجوة التي أظهرها هجوم السابع من أكتوبر عام 2023م، وتركت صدمةً كبيرةً على قدرة تقييم قوة الردع العسكرية وتماسك المجتمع الصهيوني، وأظهرت أن ثلاث طبقات متشابكة تتكوَّن منها الدولة القومية اليهودية أظهرت عجزًا واضحًا في الصمود خلال الأزمة. وهذه الطبقات هي: عقيدة الأمن القومي الصهيوني، والإستراتيجية الأمنية، والإستراتيجية العسكرية.

ويُبرّر معهد دراسات الأمن القومي الصهيوني الفشل الواضح في تبعات هجوم السابع من أكتوبر، أو معركة طوفان الأقصى؛ بأنه ناتج عن عدم القدرة العملية على حماية وتنفيذ الطبقات الثلاثة مِن قِبَل المستوى السياسي والقيادة العسكرية.

وتشير التقييمات السياسية والعسكرية إلى أن القيادة السياسية في الدولة العبرية انحرفت عن تطبيق المبادئ الأساسية لعقيدة الأمن، خاصةً مبدأ الردع، ولم تُحافِظ على تطبيق الإستراتيجية العسكرية للجيش، وفشلت في تعزيز فكرة الأمن القومي القائمة على «يهودية» الدولة.

كما يؤكد المعهد أيضًا أن مفهوم الأمن القومي الصهيوني ليس مُصاغًا رسميًّا في وثيقة مكتوبة معتمدة، بل هو عبارة عن مبادئ توجيهية ضمنية تطورت منذ خمسينيات القرن الماضي نتيجة توليفة أنتجها الصدام مع المحيط الديمغرافي والصراع الديني على الهوية، والذي أصبح يُؤثّر حاليًّا في صناعة القرار، بعد أن أصبحت سطوة اليمين الصهيوني المتطرف تسيطر على مؤسسات بارزة في الدولة العبرية؛ مثل: أجهزة الشرطة ومحاولات «الكاهنية» الاستيلاء على «الشاباك» الذي يُعدّ حارس البوابة في الدولة. 

فوفقًا لصانع القرار الصهيوني، تتضمَّن عقيدة الأمن عدة مبادئ؛ أولها الرؤية الوطنية للدولة، مثل بناء وطن قومي للشعب اليهودي، وكذلك تحديد الظروف الأمنية الأساسية، ومعالجة العداء الإقليمي. أما منهج الأمن القومي فهو قائم على هندسة المؤسسة الأمنية والمخرجات الإستراتيجية المطلوبة التي سيعتمد عليها النشاط السياسي للدولة لإظهار قوتها وقدرتها على الصمود في محيطٍ يرفض قبولها، ويجبر على القبول بمعادلة تعايش (الجدار الحديدي) التي تُفرض عليه بالقوة الرادعة بدلًا من النصر الحاسم.

وكذلك يمكن التركيز هنا على أن مفهوم الأمن القومي الصهيوني يعتمد بصورة كبير على عناصر حيوية ومهمة؛ مثل: تأمين الحدود الأمنية، سواء من خلال قوة الردع والهجوم، أو تفعيل الشراكات الأمنية مع الجيران، بالإضافة إلى طبيعة العلاقة مع الأقليات مثل العرب داخل الدولة، ويهود الشتات الذين يُشكّلون قوة تأثير كبيرة لحماية الدولة.

أما العقيدة الأمنية؛ فإن الدولة العبرية تستند فيها إلى ثلاث ركائز حدَّدها «ديفيد بن غوريون»؛ وهي: الردع، والإنذار المبكر، والنصر الحاسم.

ويعتمد ذلك على سلاح الجو والصواريخ البالستية، والتفوق الدفاعي، والذي يعتمد بصورة كبيرة على الدعم الغربي، ولذلك يمكن النظر إلى فشل السابع من أكتوبر -بالنسبة للمنظومة الصهيونية- على أنه أصعب اختبار فشل في تجاوزه صانع القرار السياسي الصهيوني، وأحد أهم الأسباب في ذلك هو أن العبء الثقيل للمشكلات الأمنية الذي فرَضه الواقع أصبح يختلف كليًّا عن العقود السابقة، وأبرز هذه التحديات أن العدو الذي تقاتله الدولة العبرية أصبح يشترك معها في نفس الأرض؛ أي أن المقاومة الفلسطينية تقاتل على أرضها وبين شعبها، وليس كما حدث في لبنان خلال عام 1982م؛ حيث تمكَّنت الدولة العبرية من الاستعانة بعملاء وجواسيس الديمغرافية، مثل النظام السوري، والموارنة في لبنان؛ لطرد منظمة التحرير الفلسطينية، والقضاء على الوجود الفلسطيني في لبنان؛ رغم أنها تحاول حاليًّا استغلال تحالفاتها العربية للضغط لنزع سلاح المقاومة، لكن الأمل بتحقيق ذلك منقطع.

وكذلك، فإن القدرة على التفكير الإستراتيجي الشامل، بالنسبة لصانع القرار الصهيوني، قد انتهت منذ خسارة الدولة العبرية للجيل المُؤسِّس الذي اعتمدت عليه الحركة الصهيونية في تدشين الكيان، واستُبدل حاليًّا بـ«لوبيات» الضغط من اليمين واليسار. وأصبح الجيش والمؤسسة الأمنية في حالة ارتباك؛ بسبب عدم قدرته على التعاطي مع الطبقة السياسية التي تريد استثماره لتعزيز وجودها، ولذلك حذَّر الجنرال السابق «إسحاق بن بريك» من أن يؤدي الانقسام الحالي إلى حربٍ أهليةٍ، وهذا الأمر أشار إليه المُعارض اليساري «يائير لابيد» الذي تحدَّث عن إمكانية اغتيال رئيس الشاباك «رونين بار» مِن قِبَل اليمين المتطرف بزعامة «بتسائيل سموتريتش وإيتمار بن غفير».

لذلك يحاول عضوا الكنيست «غادي آيزنكوت و يولي إدلشتاين» حلّ هذه المعضلة؛ من خلال سنّ مشروع قانون إستراتيجية الأمن القومي لتجاوز فشل السابع من أكتوبر، وفي حال اعتماده سيكون هناك ربط بين أداء الحكومة والتقييم الإستراتيجي السنوي الذي يُقدّمه مجلس الأمن القومي للجنة الأمن القومي في الكنيست.

ويستخلص من هذا المشروع وجود إستراتيجية ومنصة حوار دقيقة بين طبقات صناعة القرار جميعها؛ للتأكد من القدرة على حماية الأمن القومي الصهيوني، وتوفير أُسس ردع يمكن من خلالها خلق فترات هدوء تسمح بتنمية اقتصاد الدولة ومجتمعها.

فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ نتج عن الخلافات السياسية بشأن الإصلاح القضائي، وتغلغل الخلاف بين تيارَي اليمين واليسار في مؤسسات الدولة، والخلافات مع الإدارة الأمريكية؛ تحذيرات استخبارية بتأثر الردع الظرفي، ولم تدرك القيادة السياسية خطورة ذلك وتأثيره على العدو، وهي اللحظة التي استغلتها المقاومة الفلسطينية لمهاجمة المواقع العسكرية الصهيونية.

لذلك يمكن قراءة الوضع الراهن في سياق عملية «جدار أريحا» أو ما يُعْرَف بـ«حلقة النار» التي تُحيط بالدولة العبرية، والمتمثلة في المتغيرات على حدود سوريا، واستمرار الحرب في غزة، وفشل قدرة الجيش على حسم المعركة في غزة، واستمرار حماس في تجديد قدرتها القتالية، وكذلك التفسيرات الخاطئة لقدرة حزب الله في سياق سيطرة الجيش اللبناني على الحدود، وفشل الدولة العبرية في حسم ملف الصواريخ القادمة من اليمن، واستمرار التوتر في الضفة الغربية، مع إضعاف السلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى الطوق الشعبي العالمي الذي بدأ يُفرَض على الوجود اليهودي؛ كل ذلك يؤدي إلى تفسير واضح، وهو فشل سياسي صهيوني على صعيد ملف التطبيق، وكذلك عدم القدرة على بناء إستراتيجية الأمن القومي في ظل تعاظم الفجوة بين اليمين واليسار في الدولة العبرية، وتحوَّل هذا الأمر من ظاهرة سياسية إلى فِكْر أيديولوجي يضع لبنة انقسام اجتماعي داخل الدولة بين فكر الدولة الدينية والدولة الديمقراطية.

بالإضافة إلى ما سبق؛ فإن خلاصة هذه المقالة تُوضّح أن مفهوم الأمن القومي الصهيوني القائم على التعاون مع الجيران والتطبيع كقدرة فوق استخباراتية، قد اختبرته الحرب الجارية في غزة بصورة كبيرة جدًّا، وأظهرت حدود ما يمكن أن تحصل عليه الدولة العبرية من حلفائها.

بالإضافة إلى ما سبق، فإن الانقسام الحاصل في الداخل الصهيوني لا يمكن مُعالجته دون حالة إصلاح سياسي تُغيِّب اليمين الصهيوني المتطرف، وهو أمر غير وارد مطلقًا في ظل تغوُّل اليمين في المؤسسة الأمنية والجيش، وكذلك فإن قدرة الجيش على الردع ظهرت خلال عامين من القتال في غزة لم يتم فيها حسم المعركة، ولو حتى في بلدة بيت حانون شمال القطاع، فالقدرة القتالية للمقاومة أصبحت أكبر كفاءة من السابق أمام خسارة العدو القدرة على الردع، وليس أخيرًا أزمة الدبلوماسية الصهيونية التي خسرت الكثير في المحافل الرسمية والشعبية عالميًّا.

 


أعلى