• - الموافق2025/04/30م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
هل حانت لحظة التغيير الكبرى في المنطقة؟

كي نستطيع معرفة ما يدور في أذهان الصهاينة لمستقبل المنطقة؛ لا بد من تحليل مضمون المشروعات الغربية والصهيونية السابقة، وماذا أرادوا بها؟ وإلى أيّ مدًى حقَّقت النجاح؟


«إسرائيل تقوم في الوقت الحالي بتغيير وجه الشرق الأوسط».

هذا ما زعمه رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو في كلمةٍ له أمام ضباط جدد بالجيش الإسرائيلي منذ ما يقرب من ستة شهور.

وأضاف نتنياهو: «لكننا ما زلنا في عين العاصفة، وأمامنا تحديات كبيرة، ولا أُقلّل من شأن أعدائنا مطلقًا».

وعلى الرغم من أنّ الرجل لم يُوضِّح طبيعة التغيير الذي يتحدّث عنه، وما إستراتيجيته لتحقيق ما يسعى إليه؛ إلا أنّ المُلاحَظ أنه في الآونة الأخيرة انتشر ظهور مصطلح «الشرق الأوسط الجديد» في وسائل الإعلام، وكثر ترديده على لسان المسؤولين في الكيان الصهيوني -وعلى رأسهم بالطبع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو- في خُطَبهم المختلفة، خاصةً بعد طوفان الأقصى، وما تبعه من حرب إبادة وحشية وتدمير شبه كامل لقطاع غزة.

فما المقصود بهذا المصطلح؟ وهل يُرَاد به مشروع إعادة تقسيم جغرافي يتم فرضه على المنطقة؟ أم أن الأمر يتعلق فقط بتغيير نُظُم؟ وهل يختلف هذا عن مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحه ساسة الغرب والدوائر الصهيونية في تسعينيات القرن الماضي في أعقاب اتفاقيات أوسلو؟

وما مدى خطورة هذا المشروع؟ وماذا يملك من فرص وحظوظ نجاحه؟

وهل بالفعل حانت لحظة التغيير الكبرى في المنطقة؟

هكذا يبدو شعور رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو في هذه اللحظة التاريخية. وهذا الإحساس الذي يُعبِّر عنه نتنياهو، ويَعتبره فرصة، نابعٌ من اعتبارين:

الاعتبار الأول هو توابع طوفان الأقصى، وما أعقبه من حملة إبادة جماعية في غزة، وإضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة؛ سواء باغتيال رئيس الجمهورية الإيرانية، أو اغتيال قيادات وكوادر الذراع الرئيسي لإيران في المنطقة وهو حزب الله، ومِن ثَم إسقاط النظام السوري، والذي كان قد تحوَّل إلى ذراع أخرى للأخطبوط الإيراني.

الاعتبار الآخر: لكون مَن يتصوّر أن هذه اللحظة فرصة سانحة للتغيير، هو وصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في أقوى دولة اقتصاديًّا وعسكريًّا في العالم؛ ذلك الرئيس الذي ليس له نمط سابق يمكن قياسه، ويفعل ويتكلم ما يريده، بل يتحرَّك في خرق لكل قواعد وأعراف السياسة الأمريكية العالمية.

هذان الاعتباران يدفعان الكيان المحتل في فلسطين، ومن خلفه الحركة الصهيونية العالمية إلى الدفع بمشروعهم إلى الأمام، وهو المشروع الذي بدأ يظهر في الخطاب السياسي الرسمي، ويُعبَّر عنه بـ«الشرق الأوسط الجديد».

ولكي نستطيع معرفة ما يدور في أذهان الصهاينة لمستقبل المنطقة؛ لا بد من تحليل مضمون المشروعات الغربية والصهيونية السابقة، وماذا أرادوا بها؟ وإلى أيّ مدًى حقَّقت النجاح؟

 

المشروعات الاستعمارية السابقة

الخريطة الحالية للشرق الأوسط رسمتها دول خارج الإقليم (وهي أساسًا فرنسا وبريطانيا)، وتحديدًا منذ أكثر من قرن من الزمان، عبر اتفاق «سايكس بيكو» في عام 1916م، والذي كان بمباركة روسية وإيطالية، والذي كشفت عنه ونشرته روسيا بعد انتصار الثورة البلشفية بها في عام 1917م.

ثم جاء مؤتمر «سان ريمو» في إيطاليا لعام 1920م للحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، والذي كرَّس توزيع العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وشرق الأردن على بريطانيا وفرنسا. وقد تم تقنين تلك الترتيبات الجديدة بين القوى الاستعمارية الأوروبية لتقسيم تركة «رجل أوروبا المريض» آنذاك، وهي الدولة العثمانية، عبر صكوك الانتداب التي أصدرتها عصبة الأمم -التنظيم الدولي آنذاك-، وقامت بموجبها بتسليم البلدان العربية للقوى الاستعمارية، وتضمَّن صك الانتداب على فلسطين إلزام بريطانيا بتنفيذ وعد بلفور، والذي يعطي فلسطين لليهود ليُقيموا عليها دولتهم.

وبعدها تم تنصيب نُظُم سياسية موالية للغرب، ثم زرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة، وأخيرًا جاء الغزو الفكري وحرب الأفكار، ومِن ثَم تم طرح مفهوم جديد للإسلام تحت مسميات عديدة: إسلام ليبرالي، أو اشتراكي، أو أمريكي، أو فرنسي، أو غيرها من المسميات، وكأن الإسلام في نظرهم مكعبات يجري تشكيلها، وفق أفكارهم ومناهجهم وأطماعهم.

أي أن المشروعات الاستعمارية لمنطقتنا كان لها بُعْدَان: بُعْد جغرافي يسمح بتقطيع المنطقة إلى أجزاء ومِن ثَم رسم الحدود بينها، وبُعْد فكري خاصّ بتغريب المجتمعات الإسلامية والتلاعب بمفاهيم الإسلام نفسه.

وبعد انتقال مركز زعامة القوى المنتصرة من أوروبا إلى أمريكا، لم ينقطع الحديث عن إمكانية إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وتغيير المفاهيم، خاصةً مع بروز الكيان الصهيوني بطموحه في الهيمنة والسيطرة. وانعكس ذلك في الإعلان عن مشاريع تغيير للمنطقة جديدة، مثل مشروع المؤرخ بيرنارد لويس، أو كتابات رالف بيترز (حدود الدم)، أو حتى أطروحات تم نشرها مِن قِبَل بعض مفكري الغرب.

ثم جاءت الدعوة إلى «الإبراهيمية»، وهي كأيّ مشروع يرتكز على ركائز ثلاث: الفكرة، وحامليها، وإستراتيجية تحقيقها. فظاهر فكرة مشروع «إبراهيم» كما يزعم أصحابه، يدور حول التركيز على العامل المشترك بين الإسلام والمسيحية واليهودية، باعتبارها أديانًا إبراهيمية، نسبةً إلى النبي إبراهيم -عليه السلام-.

أما مَن يحمل هذه الفكرة والقائمون عليهم: فهم عدة فئات؛ منهم رجال دين أو علماء من كل ديانة، ومنهم الساسة المؤثرون في سياسة دولهم، ولهم طموح إقليمي ومشاريع إستراتيجية للمنطقة، ومنهم أيضًا الدبلوماسيون الذين يتحركون بين الدول المعنية لإقناع الساسة والتأثير عليهم، ومنهم الجماعات الصوفية؛ حيث تُمثّل الصوفية قيمة روحية مشتركة بين الإسلام والمسيحية واليهودية؛ كما يرون.

أما من حيث الإستراتيجيات؛ فقد جرى استخدام ما يُطلَق عليه الدبلوماسية الروحية، لمحاولة تغيير النظرة السلبية من الشعوب العربية والإسلامية، تجاه المشاريع الصهيونية.

وهناك من يرى أن الدبلوماسية الروحية ليست إعادة تموضع، ولكنها جاءت تحقيقًا لإستراتيجية شاملة؛ فالإستراتيجيات التي كان يجري بها تسويق المشروع الصهيوني في السابق كان ينقصها البُعد الروحي أو الديني.

 

المشروع الصهيوني

مع منتصف الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي، بدا أن الدولة الصهيونية قد وصلت إلى مرحلة الاستقرار، خاصةً مع قدوم آلاف اليهود من الاتحاد السوفييتي، وانحسار المقاومة العربية للمشروع الصهيوني، وهنا حدث ما لم يكن في الحسبان، وهو اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1987م، والتي جعلت الذهن السياسي للدولة الصهيونية يُعيد التفكير بصورة جدية في حلّ لمشكلته الديموغرافية؛ فنشأ حلّ الفصل ومسألة الدولتين: دولة خالصة لليهود، وكيان غير محدد للفلسطينيين.

ومِن ثَمَّ كانت اتفاقية «أوسلو» التي أعلنت عن مولد إستراتيجية صهيونية جديدة تستبدل النظرية القديمة (الدولة الإسرائيلية الكبرى) لتحلَّ محلها (الدولة الإسرائيلية العظمى)، والتي تقوم على فكرة وجود دولة لليهود ذات حدود معروفة يتم التفاوض عليها لاحقًا مع الفلسطينيين؛ تُلبِّي الشروط التوراتية والتاريخية للشعب اليهودي، وتهيمن هذه الدولة على المنطقة من حولها بأدوات الهيمنة المختلفة؛ سياسية وعسكرية واقتصادية وتكنولوجية، وغيرها.

وما لبث أن توقَّف مشروع «أوسلو» بعد تعثُّر مفاوضات كامب ديفيد بين إيهود باراك وياسر عرفات برعاية أمريكية، ومِن ثَمَّ اندلعت الانتفاضة الثانية، والتي جعلت مشروع اليسار الصهيوني في مهبّ الريح، ولذلك ظهرت حاجة الصهيونية إلى مشروع إستراتيجي جديد يُحافظ على وجود الدولة اليهودية التي اجتمع ضدها تهديدان؛ تهديد القوة الفلسطينية القريبة من الدولة الصهيونية، وهي المقاومة الفلسطينية، والتي تمثلت في الانتفاضة وتحوُّلها التدريجي إلى انتفاضة مسلَّحة. والتهديد الآخر هو التهديد الديمغرافي الفلسطيني، ففي ديسمبر من عام 2020م ولأول مرة تخطَّت نسبة السكان العرب داخل أجزاء فلسطين التاريخية نسبة السكان اليهود.

قبل ذلك حاول اليمين الصهيوني بزعامة شارون طرح مشروع إستراتيجي جديد، يجمع فيه بين الطرح اليساري وهو الدولة الإسرائيلية العظمى، والطرح القديم وهو الدولة الإسرائيلية الكبرى.

ولكنَّ هذا المشروع كان يحمل في طيّاته بشكل غير مُعلَن فكرة إلغاء حلّ الدولتين، والتي نصَّت عليها اتفاقية أوسلو، واستبدل ذلك بترك تحديد مستقبل الفلسطينيين للمفاوضات الدائمة واللانهائية، وقام بفصْل أكثر مناطق فلسطين تمرُّدًا على المشروع الصهيوني، وهي قطاع غزة، ثم قام بالانسحاب منها وإبقائها في حالة حصار وعزلة، والتعامل عسكريًّا معها في إطار ضربات جوية وتغلغل بريّ محدود، كل بضع سنوات.

ثم جاء نتنياهو ليُكرِّس المشروع الصهيوني السابق، مع إضافة الاستيطان في الضفة الغربية، والذي تتباين سرعته وفق الظروف الدولية والداخلية، والذي يعني في حقيقته ضمّ الضفة إلى الدولة العبرية، وفي نفس الوقت البدء في تفعيل مشروع الدولة الصهيونية العظمى، بالمُضي في مسار التطبيع مع المحيط الإقليمي.

تزامَن تطوُّر الفكرة الصهيونية مع تطبيق إستراتيجية أمنية لحماية تلك الفكرة.

وقد تحدث عن هذه الإستراتيجية واستطاع تجميعها أحد الكُتّاب الصهاينة، وهو «ديفيد رودمان» في مقالٍ له نُشِرَ عام 2001م، وبحسب الكاتب؛ تتضمَّن تلك الإستراتيجية ثمانية مفاهيم أمنية أساسية، عملت -بحسب رأيه- على توجيه السلوك والتفكير الإسرائيلي على مدى عمر الدولة، وهي: الجغرافيا، القوة البشرية، الكَمّ ضدّ الكيف، المناورة الهجومية، الردع، التهديدات التقليدية وغير التقليدية، الاعتماد على الذات، وأخيرًا مساندة القوى العظمى.

فهذه المفاهيم الثمانية تترتب على بعضها، فالجغرافيا وافتقاد الكيان الصهيوني للعمق الإستراتيجي يترتب عليها اعتماد المناورة الهجومية، ونقل القتال إلى أراضي الغير، وهكذا.

وفي كتاب «مخطط إستراتيجي للساحة الإسرائيلية الفلسطينية»، الصادر عن معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب؛ يطرح المؤلفون المرتكزات التي يقوم عليها مشروع الدولة اليهودية الذي تحاول «إسرائيل» تثبيته حتى في ظل غياب شريك فلسطيني أو تفاهم فلسطيني صهيوني على قضايا الحل النهائي، وهو مخطّط -كما ذكر الكتاب- يقوم في بُعْده الإستراتيجي، على إيجاد حالة من الهدوء العام لفترة طويلة، يمكن التوصل بَعْده لشكل من التفاهمات على مستوى دولي وإقليمي وعربي، خصوصًا مع تلك الدول العربية التي تُوصَف بالبراغماتية.

ولكن ذلك الهدوء الذي كان يطمح إليه الكيان الصهيوني كسَره «طوفان الأقصى»؛ والذي أرْبَك المعادلات والإستراتيجيات والحسابات، مما استدعى تغيير تلك الإستراتيجيات والتفكير في مخطط جديد.

 

ملامح مشروع نتنياهو الجديد

تبدو الكتابات والحديث عن الخطط الجديدة للمنطقة قليلة، لذلك سنحاول تجميع القِطَع المبعثرة من تلك الأدبيات والتصريحات؛ لنفهم ما يجري حاليًّا من إعادة رسم خرائط المنطقة.

لعل أبرز ما جاء في هذا الشأن من غير اليهود الصهاينة، هو حديث الرئيس الأمريكي ترامب عن تهجير أهل غزة، وإعادة التفكير بها كمنطقة سياحية عالمية على نهج شاطئ ومنطقة الريفيرا الفرنسية.

ولكنّ ترامب لم يُفصِّل، وإن كان قد ألمح في هذا السياق إلى أن الكيان الصهيوني دولة صغيرة، ويحتاج إلى أن يكون أكبر. وردًّا على سؤال مراسل صحفي حول مدى تأييد ترامب لضم إسرائيل للضفة الغربية، قال ترامب: «إسرائيل صغيرة جدًّا في الشرق الأوسط، مثل رأس هذا القلم مقارنة بالطاولة، هذا ليس جيدًا!».

أما نتنياهو فهو أول مَن طرح أن هناك تغييرًا سوف يحدث في المنطقة؛ في البداية كان تصريحه الذي ذكرناه في أول المقال في شهر يناير الماضي.

وبعدها بشهرين بدأ يتحدث بشيء من التفصيل عن خطته، ففي حفل ترقية رئيس الأركان الجديد، قال: «إن قواته وصلت إلى قمة جبل الشيخ في سوريا، وغيَّرت وجه الشرق الأوسط».

وهو يقصد احتلاله لمناطق في سوريا، في أعقاب تمكُّن الإسلاميين من إسقاط نظام بشار الأسد في دمشق، وتشكيلهم حكومة جديدة في سوريا.

وأكمل نتنياهو: «حربنا ليست في غزة فقط، خُضْنَا حربًا متعددة الجبهات، وستكون نتائجها واضحة لأجيال قادمة».

وعاد نتنياهو ليصرح في إحدى جلسات محاكمته في قضايا فساد، إلى أن ما يحدث يُعدّ «هزة أرضية لم تشهدها المنطقة منذ اتفاق سايكس بيكو».

ولكن نتنياهو لم يتحدث عن مشروعه هذا فقط بعد حرب الطوفان، ولكنه طرحه من قبل ذلك، وللمفارقة قبل الحرب بأسبوعين فقط؛ ففي كلمةٍ له ألقاها في الثاني والعشرين من سبتمبر ٢٠٢٣م أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ78، فاجأ نتنياهو الحاضرين برفع خريطة، شملت مناطق مكسية باللون الأخضر الداكن للدول التي تربطها اتفاقات سلام مع إسرائيل، أو تخوض مفاوضات لإبرام اتفاقات سلام مع الكيان الصهيوني.

وضمَّت المناطق المكسية باللون الأخضر دول مصر والسودان والخليج والأردن.

ولم تشمل الخريطة أيّ ذِكْر لوجود دولة فلسطينية؛ حيث طغى اللون الأزرق، الذي يحمل كلمة إسرائيل، على خريطة الضفة الغربية المحتلة كاملة، بما فيها قطاع غزة.

ثم رسم نتنياهو سهمًا أحمر يبدأ من منطقة خضراء أخرى في الشرق الأقصى، وهي الهند التي ترتبط هي الأخرى بعلاقات جيدة مع الكيان الصهيوني، ويمرّ عبر بلدان الخليج والأردن ثم «إسرائيل» نحو أوروبا. وهي إشارة إلى خط تجاري بحري وبرّي مُفترَض سيربط الشرق الأقصى بأوروبا.

وبعد إلقاء خطابه في الأمم المتحدة، كتب نتنياهو تغريدة على حسابه على موقع «إكس»، قائلاً: «إن أعظم إنجاز في حياتي هو أن أقاتل من أجلكم «الشعب الإسرائيلي»، ومن أجل بلدنا... شابات شالوم».

وقبل طرح نتنياهو هذا بشهور، عرض وزير مالية الحكومة الصهيونية، المتطرف «بتسلئيل سموتريتش»، خريطة «إسرائيل» في باريس، ولكنه ضمّ الأردن والأراضي الفلسطينية، وعلّق قائلًا: «لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، وهو اختراع وهمي لم يتجاوز عمره الـ100 سنة»؛ على حد تعبيره.

ولكنّ الأخطر هو ما تسارع الصهيونية الدينية في تنفيذه هذه الأيام، وبخطوات غير مسبوقة؛ حيث يفخر الصهيوني «إيتمار بن غفير» بتدنيس المسجد الأقصى في عهده، ويصرح: «ما لم نفعله منذ 30 عامًا في الحرم القدسي تم في عهدي. وأنا سعيد بقيادة هذا التغيير الهائل».

ويواصل بن غفير: «أنا فخور بتخفيف الضوابط الصارمة والغريبة التي كان يتعين على اليهود الالتزام بها في الحرم القدسي على مر السنين». وأضاف: «أقول لرئيس الحكومة: إن تحقيق أحلامنا بات بين يديك الآن».

وبالفعل، في الأيام الأخيرة أصبح اليهود قادرين بالفعل على الصلاة في الحرم القدسي بحرية أكبر وحتى الانحناء في بعض الأحيان «السجود الملحمي» دون تدخُّل الشرطة.

وتذكر التقارير الصحفية أن نحو 65 منظمة متطرفة تعمل بشكل منظم، وبدعم مالي ضخم، على تهويد مدينة القدس والمسجد الأقصى.

وبذلك يتبين لنا أن المشروع الصهيوني قد بات معلنًا؛ فالتحالف بين الصهيونية السياسية والتي يمثلها نتنياهو وكتلته اليمينية، وبين الصهيونية الدينية والتي يتحدث سموتريتش وبن غفير باسمها، قد نتج عنه، مشروع إستراتيجي يتضمن الآتي:

أولًا: في الداخل الفلسطيني: محو اسم فلسطين من الخارطة، ومِن ثَم تهجير الفلسطينيين من غزة ومعظم أجزاء الضفة واستيطان اليهود مكانهم، لتعديل الميزان الديموغرافي، وتحويل فلسطين لدولة يُشكّل فيها اليهود غالبية ساحقة، وتهويد الأقصى وإزالته وإقامة الهيكل مكانه.

ثانيًا: في دول الجوار: الضغط على نُظُم الدول المجاورة للكيان، مصر والأردن وسوريا ولبنان، وتهديدها بعمل عسكري، إذا لم تتكيَّف مع المشروع الصهيوني في المنطقة، وحماية حدودها من وجود أي مقاومة تُهدّد الأمن الصهيوني.

ثالثًا: في الدائرة الإقليمية: التفوق العسكري والتكنولوجي، ومنع صعود أيّ قوة إقليمية تحاول أن تنافس دولة الكيان أو تعرقل مشروعها في الداخل الفلسطيني أو في دول الجوار، وكل دول الإقليم ستدخل في حلف اقتصادي يقوده الكيان... باختصار يريد نتنياهو إعادة صياغة النظام الإقليمي برُمّته.

التصدي للمشروع الصهيوني

لا شك في خطورة المشروع الصهيوني على الأُمَّة الإسلامية، وخاصةً ما يتعلق منه بتهويد الأقصى أو بتحريف مفاهيم الإسلام أو تهجير الفلسطينيين.

لقد بلغ الصَّلف والغرور بنتنياهو أنه يقول في إحدى خطبه: «بضغطة زر، يمكنك تركيع أُمَم؛ فقط إذا كنت تملك الرغبة».

والسبيل الوحيد للحد من هذا العلو والصلف، ووقف زحف هذا المشروع أمام الأمة، هو دعم المقاومة الفلسطينية، والوقوف خلف صمود أهل غزة في جميع المجالات؛ لأن قدَرهم أن يكونوا هم رأس حربة الأمة للتصدي للمشروع الصهيوني، واصطفاهم الله -عز وجل- لدفع أثمان المجازر والإبادة الصهيونية.

ولكن قبل كل ذلك، لا بد من بلورة تصوُّر عربي أو إسلامي مشترك لمستقبل المنطقة من منظور المصالح الإستراتيجية الخاصة بالأمة الإسلامية.

لحظة التغيير في المنطقة لا ينبغي لها أن تكون صهيونية وفق آمال بني صهيون، بل يستطيع المسلمون قَلْبَها لتكون لحظة تغيير حقيقي لواقع الأُمَّة ومستقبلها، نحو صعود شامل وبنَّاء لتُحقِّق الأُمَّة كينونتها، ولتصبح بحقٍّ خير أُمَّة أُخرجت للناس.

أعلى