البُعد العقدي والقيمي في السينما المصرية
تمهيد:
يعد الإعلام المعاصر من أقوى أدوات التأثير على المجتمعات؛ إذ يدلف إلى كل
بيت دون أذن، في الوقت الذي أصبحت الرقابة عليه - في عصر الانفتاح الإعلامي - من
أعسر الأمور، ما يستدعي التركيز على بناء المناعة في نفوس الأجيال، وتحبيب قيم
الخير إليهم، وبناء أنفسهم على حبّ الله تعالى، وحبّ رسوله صلى الله عليه وسلم،
والبذل لدينه، والتمسك بمنهجه.
هذا؛ وإن من أخطر الأمور وأهمها التي نحتاج إلى بناء المناعة ضدها، ما
ينتجه أرباب الإعلام مما يسمى الأفلام السينمائية التي أصبحت حقيقة واقعة في
العالم؛ إذ وصلت الإيرادات السنوية في صناعة الأفلام في الأسواق العالمية إلى أكثر
من 45 مليار دولار لآلاف الأفلام سنوياً.
وقد شعر كثير من الساسة وأصحاب القرارات والمراكز القيادية والسلطات
التشريعية والتنفيذية في مصر؛ بأهمية السينما المصرية، وخطورتها في تغيير الواقع،
والتأثير على المجتمع سلباً وإيجاباً؛ الأمر الذي دفع (شعراوي جمعة)[1] لمنع عرض فيلم (يوميات نائب في
الأرياف) إنتاج عام 1968م، بحجة إساءته للداخلية ولشخصه، ولم يعرض هذا الفيلم على
الشاشة إلا بعد تدخل الرئيس (عبد الناصر) شخصيّاً. كما منعت الداخلية فيلم (زائر
الفجر) 1972م، وفيلم (الكرنك) 1972م، وفيلم (إحنا بتوع الأتوبيس) 1979م، ولم يتم
عرضها إلا بعد تدخل الرئيس (السادات). ولو لم تكن السينما تمثّل تلك الأهمية
والخطورة في نفس الوقت؛ لما وصل الأمر برئيس أو وزير إلى أن يجلس لمشاهدة أحد
الأفلام لمنع عرضها أو إجازتها.
وتهدف السينما المصرية – بحسب ما يدّعيه منظروها وكتابها وهيئاتها - في
مقامها الأول، إلى الاهتمام بالأسرة، وتنشئتها، وتربيتها تربية صحيحة. وللسينما
تأثير على شخصية الإنسان، وذلك بتأثيرها الحركي عليه؛ إذ يبيّن الدكتور (سعد
إسماعيل) أنه قد شاع بين المتخصصين أن للشخصية مستويات ثلاثة، «هي:
المستوى
الأول:
مستوى الوعي والإدراك المعرفي؛ وتتم تنمية هذا الجانب عند الإنسان من خلال تزويده
بكمّ من المعلومات والمعاني والمفاهيم والحقائق، فضلاً عما يرتبط بهذا الجانب من
ناحية طريقة التفكير، ومنهج البحث، وأساليب الربط، والاستنتاج والاستنباط،
والتحليل والنقد.
المستوى
الثاني:
مستوى العاطفة والوجدان؛ وهو أخطر المستويات وأكثرها صعوبة، لتعلّقه بما هو داخل
الإنسان، فهو أشبه بالكهرباء التي لا نراها، لكننا نرى آثارها. ومن هنا فإن هذا
المستوى الذي يشتمل على الميول والاتجاهات والقيم، تتعرف عليه عادة بطرق غير
مباشرة، عن طريق ملاحظة تجلياتها السلوكية.
المستوى
الثالث: مستوى
حركي؛ وهو الذي يتصل بالمهارات العلمية المختلفة، ويقوم بالدرجة الأولى على حركة
البدن»[2].
مع غياب الوعي الثقافي والوازع الديني؛ بدأ السينمائيون وصناع الأفلام
المصرية، منذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين؛ استخدام ألاعيب السينما وسحرها،
واستنفار الجهود والإمكانات، وتجييش العقول والأفكار؛ لإعلان الحرب، وإرسال
الحملات السينمائية، الواحدة تلو الأخرى، إلى وجهة واحدة وغاية واحدة، هي القضاء
على الدين، والإساءة لمن يحملون لواءه؛ لتنفير الناس من الدين، ومن رجاله، وكأنهم
الطاعون أو الملاريا.
البُعد العقدي في صناعة السينما:
تعتبر الأفلام مجموعة من الصور – المشاهد - المكتوبة مسبقاً، فيقوم الممثل
بحفظ النص المكتوب ليمثله كما كُتب، ويُسهم المخرج في وضع اللقطات التصويرية
والحركات الفنية التي تحوّل المشهد إلى بُعد حقيقي في خيال المتلقي، فإذا كان
الكاتب يحمل فكراً مشبوهاً، فإنه سيقوم بصياغة الفيلم بفكره السيئ ليحوّله من النص
المكتوب إلى المرئي، ويُسهم معه المخرج والممثلون في هذا التصوير الخطير. ومن هنا،
يكمن البعد العقدي في صناعة السينما؛ حيث يدُسّ الكاتب فيها أفكاره، وآراءه،
وعقيدته، وهو ما تمّ بالفعل في أغلب الأفلام السينمائية، وبخاصة أن أغلب الكُتّاب
والمخرجين ممن يحملون فكراً علمانيّاً، أو فكراً مشبوهاً.
السيطرة العلمانية على السوق السينمائية:
مما لا شك فيه أن السيطرة العلمانية على صناعة السينما هي الظاهرة الأقوى
بلا منازع، بل تكاد تكون السمة الأبرز في صناعة الإعلام؛ لذا فإن الحديث عن
الأفلام السينمائية يعني الحديث عن فكر علماني مستترٍ، وكتابة تفوح منها رائحة
الحقد على الدين، وأفكار تدعو إلى الانحلال والفساد الأخلاقي ومحاربة القيم[3].
من أبرز
الأنماط التي استخدمتها السينما المصرية قديماً وحديثاً لرجال الدعوة والعلم –
المتديّنين -:
النمط الأول:
الدجال والمشعوذ:
تقوم السينما المصرية بتقديم (رجل الدين) أحياناً في قالب الدجل والسحر
والشعوذة، والعوالم الخفية، والأعمال، حيث نجد المتدين ما هو إلا شخص مجذوب، أو
شخص أشعث أغبر رث الثياب، صاحب الكرامات، موصول بالله بهتاناً وزوراً، أو يكون في
قالب رجل ساحر نصاب صانع للأعمال السحرية، متصل بالعالم العلوي أو السفلي، فضلاً
عن البخور والإضاءات الخفية التي نراها في المكان الجالس فيه، يضاف إلى ذلك مطالبه
الغريبة، مثل: «عرف ديك يتيم، نملة ذكر، ورجل سحلية حامل»، وما شابه ذلك.
النمط الثاني:
الشيخ الطاعن في السن:
وهو شيخ كبير مسن، أبيض اللحية والثياب، هادئ النبرات، مبتسم يجلس في إحدى
زوايا المسجد الخالي من الناس والجماعات، وكأن المسجد ما كان إلا له ولأمثاله من
الشيوخ والمسنين، ترى عليه إضاءة بيضاء لا تدري من أين تأتي، يلجأ إليه بطل الفيلم
حين تتراكم عليه المشكلات ليسأله ماذا يفعل، فيرد عليه بآيات وأحاديث تتناسب وما
يواجهه، ويدعو للصبر، لكنه لا يقدم حلولاً عملية تخرجه من مشكلته.
النمط الثالث:
شخصية المأذون الشرعي:
تعتبر شخصية المأذون في السينما المصرية أكثر الشخصيات نمطية، فلا يكاد
يخلو فيلم مصري من ظهور هذه الشخصية لدقائق معدودة أو لثوانٍ متفرقات، وبذلك لم
تعد الشخصية رغم نمطيتها على الشاشة تعبر عن نفس وصفها الحقيقي في الحياة، بل
اتخذت مسنداً لإثارة بعض الأحداث في الفيلم المصري، خاصة المرتبطة بنهاية الأفلام[4].
النمط الرابع:
الشخصية الضعيفة:
وهو قالب آخر من قوالب السينما المصرية في تصويرها لـ (رجل الدين)، إذ نجده
في هذا القالب رجلاً ضعيفاً سلبياً، لا يمكن الاعتماد عليه، ذلك الذي يلجأ إلى
الدين هرباً وانعزالاً لأنه لم يستطع مجاراة الحياة بصراعاتها ومعاناتها
وتحدياتها، أو أن الفتاة التي كان يحبها تركته أو خانته، فلم يستطع الخروج من هذا
المأزق إلا من خلال الظهور في قالب المتدين. ويمتد هذا القالب ليصور رجل الدين في
شخصية ضعيفة هزيلة عديمة الإرادة، في شيخ القرية المعمّم، الذي يظهر دائماً في
صورة الجبان أمام عمدة قريته، أو فتوة حارته، موظفاً الدين لخدمة مصالح هؤلاء، لا
يستطيع أن ينبس ببنت شفة.
النمط الخامس:
الإرهابي:
وهو النمط الأكثر والأشهر شيوعاً واستخداماً وتكراراً في الأفلام المصرية؛
إذ نجد أن المتدين ليس سوى إرهابي متطرف متزمّت، يعاني من كثير من الكبت، قامت
إحدى الجماعات المتطرفة كذلك بتجنيده، تلك الجماعات التي تحرم كل شيء على غيرها،
حتى الماء والهواء. ويأتي هذا التجنيد في الغالب، وهذه العلاقة، من خلال صلاة هذا
المكبوت في أحد مساجد المنطقة، في الأحياء الفقيرة المعدومة خاصة، فيتعرف المكبوت
هناك على أشخاص يتقربون إليه، ويتودّدون له، فيجد معهم ملاذه، ويعثر على ضالته
التي فقدها، ليقوموا هم بدورهم في استدراكه إلى مقاصد الدين التي تدعو وتهدف – في
زعم السينمائيين - إلى القضاء على كل ما هو حي، وأن الذي ليس معنا هو ضدنا، ويبدأ
ذلك بارتداء الثياب القصيرة، وإطلاق اللحية، مروراً بتكفير الآخرين، منتهيّاً
بعمليات تخريبية في سبيل الدفاع عن العقيدة في زعمهم.
النمط السادس:
المنافق المدَّعي:
وهو ذلك القالب الذي يظهر كثيراً على شاشة السينما المصرية، ذلك المتدين
المنافق الذي يُظهر غير ما يبطن، ويقول غير ما يعقل، ويستخدم الدين وسيلة للنصب
والاحتيال والتربح، والمتاجرة الرخيصة، واستمالة العقول، والوصول إلى تحقيق
نزواته، متوارياً في مسبحة يحملها، أو لحية يطلقها، أو جلباب يقصره، أو مسجد يصلي
فيه، يتمتم بكلمات غير مفهومة كأنه يسبح، تدور عيناه في السماء تارة، وعلى النقود
تارة ثانية، وعلى فتاة جميلة يراها تارة ثالثة؛ ليعود إلى منزله في آخر يومه ليشرب
الخمر، ويمارس الرذيلة، وهو أمام الناس تقي ورع لا يتحدث إلا بما جاء في القرآن أو
السنة، وإذا ما طلب أحد منه مالاً أو عارضه في أمر كشر عن أنيابه وتغيرت نبراته،
وبدأ بالسباب واللعان!
مما سبق يتبيّن أهمية رصد وبيان عوار السينما المصرية؛ لذا جاءت هذه
الدراسة لتركز على البعد العقدي والقيم الدينية في السينما المصرية، لبيان مدى
وجود الدين في هذه الأفلام، وكيفية تصوير السينما للدين ورجاله، والخلفية الفكرية
للأدوار المتناولة[5].
ويأتي التساؤل الرئيس في سؤال واحد جامع شامل لمقاصد الدراسة والغاية منها،
وهو: هل تؤدي السينما المصرية دورها المنوط بها في غرس القيم الأخلاقية والدينية
والأسس والقواعد الصحيحة داخل الأسرة المصرية والمجتمعات الشرقية عموماً؟
عيّنة الدراسة:
بما أن السينما المصرية تزداد كماً وكيفاً في أساليب الإنتاج، وعدد
الأفلام، وكثرة دور العرض، وبما أنها الأكثر انتشاراً وتأثيراً على نظائرها في
الشرق كله؛ فقد ارتأت الدراسة أخذ عينة محددة من الأفلام التي تم إنتاجها بين عام
(1425هـ - 2005م) وعام (1430هـ - 2010م)، أي على مدار ست سنوات، بحيث تنتقي
الدراسة من هذه السنوات أشهر خمسة أفلام لها صيتها وشهرتها وتأثيرها على المجتمع،
وهذه الأفلام هي: دم الغزال إنتاج 2005م، وعمارة يعقوبيان إنتاج 2006م، ومرجان
أحمد مرجان إنتاج 2007م، وأنا مش معاهم إنتاج 2007م، وبالألوان الطبيعية إنتاج
2009م. وسيكون الحديث في هذا المقال عن أربعة منها؛ وذلك للاختصار.
وتستعرض الدراسة أفلام العينة من خلال قراءة نص الفيلم المكتوب
(السيناريو)، وهو ما يسمى حبكة الفيلم، مع التركيز على الجوانب العقدية المختارة
كعينة لهذه الأفلام، ثم تحليل ونقد هذه الأحداث المختارة، وذلك من خلال نوعين من
المخالفات؛ هما: المخالفات العامة لجميع الأفلام التي ترتكز عليها فكرة الفيلم
أصلاً وموضوعاً، والمخالفات الثانية وهي الخاصة المختارة لكل فيلم.
القسم الأول: المخالفات العامة:
أولاً: قلب موازين المشاعر والحواس:
أبرز صفة للحضارة الغربية أنها تنزع إلى الجسد، وتؤمن بالصورة، ولا تعترف
بغير المحسوس، وهذا هو سبب البحث عن اللذة الآنية التي نقلها الإعلام في صورة
السينما، ما سبّب قلب موازين المشاعر والحواس لدى المتلقي، لتنقل مشاعره وحواسه
إلى حاسة واحدة، هي حاسة البصر، وثقافة إعلام الصورة، فلا يقنع إلا بما يراه، ولا
يؤمن إلا بما يشاهده، وهذا هو عالم الواقع المفرط[6].
وقد تجسّدت هذه المخالفة - بشكل كبير - في مشاهدة خروج المرأة، وتصويرها
على أنها متعة وقتية غير مقيدة، بل إن التخلف يكمن في وضع القيود على المرأة في
لبسها وخروجها وسلوكها؛ ولذا تصور السينما كل امرأة متحررة على أنها رمز للتقدم،
بينما تصور المرأة المحتشمة على أنها المعقّدة المريضة التي لا يحبها أحد. وتكمن
خطورة هذا النوع من التزييف في أن المتابع لو أراد إشباع كل رغباته الجنسية وغير
الجنسية كلما ظهرت؛ لانهارت الحضارة والثقافة والمجتمع بين ليلة وضحاها، ذلك أن
الحياة في هذه الحالة ستتحول إلى فوضى، يتخذ فيها بعضنا بعضاً موضوعات لإشباع
نزواتنا فحسب، بل ستتحول حياتنا في هذه الحالة إلى تهتك متواصل، ينتهي بالدمار
والعناء[7].
وقد يتطور الأمر في قلب موازين المشاعر والحواس إلى تفريط كبير يقود
الفتيات إلى أمراض خطيرة، بسبب التغيرات الكبيرة التي تطرأ على سلوكهم، من جرَّاء
مشاهدة السينما الإثارية، حتى سجل الطب الحديث مرضاً جديداً اسمه (دش سيندروم)[8]. بل ثبت أن فنون المغازلة والإثارة الجنسية والتدخين والجريمة قد تعلمها
الشباب والفتيات من خلال السينما[9].
ثانياً: الدعوة الصريحة للإباحية:
لا يكاد يخلو فيلم سينمائي من وجود دعوة صريحة للإباحية، وذلك من خلال
علاقة محرمة بين رجل وامرأة بشكل صريح أحياناً، أو بشكل إيحائي أحياناً أخرى،
فالمرأة في الفيلم السينمائي تمارس أعمالاً لا يقبلها غالب المجتمع المصري، لكن
الكاتب والمخرج وفريق الفيلم يخرجونها في صورة سلسلة متتابعة، تشعر المتلقي بعد
حين أن هذا العمل من المرأة أو الرجل ليس محظوراً أو ممنوعاً.
هذا، وإن تصوير المشهد يكون على خطوات، منها: أن المرأة تتعرف على رجل تبدأ
بالخروج معه، فإذا حاول أحد أهلها منعها من الخروج توجّهت سهام الفيلم إلى تشويه
صورة المانع، باعتبار الرجعية والتخلف، بل إن أحداث المنع تكون غاية في العنف،
وتفكيك الأسرة والقسوة، بينما السماح والانفتاح يكون في أسرة متماسكة متحابة، كما
تصورها هذه الأفلام. وتنساق هذه الصور لتجعل الحجاب مجرد قطعة قماش؛ بل إنها في
بعض الأفلام إذلال يهدف إلى تحطيم صورة الذات والتقدير الذاتي الذي يسلب إنسانية
المرأة وكيانها واحترامها.
ثالثاً: الهجوم على الدين:
يتمثل الهجوم في الأفلام السينمائية على الدين في صور شتى، منها: الهجوم
على الرأسمال الرمزي لدى المسلمين بطريقة عنيفة ورمزية أيضاً، أي باستخدام مقولات
لها قيمة عند المتلقي لهذه الأفلام، مثل: العلم، والتطور، والانفتاح؛ وهذه كلها
أمور لها قيمة يقبلها أي فرد عاقل سويّ؛ لذا فإن الطرف الذي لا يقبلها فإنه يلقى
هجوماً عنيفاً، ومن هنا تكون المقابلة الظالمة بين التقدم والعلم والتطور من جهة،
والدين من جهة أخرى، كأنهما لا يلتقيان. فالأفلام تجعل الدين والمتدين سبباً من
أسباب رفض التقدم الذي تصوره في الانفتاح، وخروج المرأة، والسفر للخارج،
والاختلاط، فإذا منعها الدين كان هذا منعاً للتطور[10]. يضاف إلى ذلك؛ الهجوم اللفظي على بعض شعائر الإسلام، كاللحية، والثوب،
وتحية الإسلام، وشعائره الأخرى، وربما تأتي في سياق التهكم في ثنايا هذه الأفلام.
رابعاً: الهجوم الثقافي:
يتمثل هذا النوع من الهجوم في صور مختلفة لا يخلو منها فيلم من الأفلام،
ويظهر هذا في الهجوم على التاريخ الثقافي بعبارات ملتبسة وغامضة، بحجة تغيّر أحوال
الزمان والمكان، وتنوع الظروف، وجعل الفرد يعيش في حالة اغترابية مع تاريخه
المجيد، فهو يتلقى تعليمات منتثرة هنا وهناك عن الدين، لكنه يشاهد في السينما ما
ينقص بناءها، ويشوه صورتها[11].
ويدخل ضمن هذا النوع حرب المفاهيم والمصطلحات، مثل مصطلح الذكورة والأنوثة؛
إذ لا يتم تداوله بشكل بيولوجي يوضح الفروق التشريحية والفسيولوجية والاجتماعية؛
بل يتم تداوله بمعنى الجنوسة، أي أن أفكارنا عن المرأة والرجل تقدم على تصوراتنا
الاجتماعية، وتنشئتنا الفردية، ولا علاقة لها بالجنس البيولوجي البشري.
وتكمن الخطورة هنا في أنها تدعو تدريجيّاً إلى التحول من واقع الفرق بين
الرجل والمرأة، إلى مصطلح النوع الاجتماعي الذي يشير إلى الخواص الاجتماعية،
والمشاركة في النشاطات الاجتماعية كفرد في جماعة محددة. وبما أن هذه الخواص هي
سلوك وتصرفات يتم تعلمها، فهي غير قابلة للتغير، وهي تتغير بالفعل عبر الزمن،
وتختلف باختلاف الثقافات، وهذا أمر غاية في الخطورة؛ لأنه يفيد بأن الأنوثة
والذكورة بالمعنى العضوي منفصلة عن البنية النفسية، والأدوار الاجتماعية للفرد،
وأن هذه الأدوار هي مفاهيم اجتماعية مكتسبة، وليس لها علاقة بالطبيعة العضوية
والفسيولوجية لكلا الجنسين، فالتربية الاجتماعية هي التي تحدد الأدوار الاجتماعية[12]. ويظهر هذا المعنى الخطير في الأفلام حين يؤسس لفكرة مشاركة المرأة في كل
شيء، وأن من قال المرأة تختلف عن الرجل يتم اتهامه بالإقصاء والتخلف، وأن للمرأة
الحق في اتخاذ ما تشاء من السلوك، وكذلك الرجل.
إضافة إلى ذلك؛ إحلال نموذج الإنسان الاقتصادي الذي يسعى إلى إشباع رغبته
عبر ما يشاهده من الصور، ويتضح هذا في إظهار المرأة الجميلة التي تنفق على
ملابسها، وأدوات التجميل، والسهرات، والإنفاق الباذخ؛ على أنها هي الصورة المثلى
للمرأة، حتى أثر هذا في بنات الجيل، فسعين إلى تقليدهن بشكل مخيف، من خلال انتشار
عمليات التجميل، واستخدام هرمونات النمو، والملابس الفاضحة التي تقلد بها الفتاة
من تراها في السينما، وتحوّل الجسد إلى طالب للذات فقط[13].
خامساً: مخالفات عقدية متفرقة:
وتتمثل المخالفات العقدية في أمور كثيرة، لعل من أهمها:
أ - كثرة الحلف بغير الله تعالى، مثل: (وحياتك)، و(حياة النعمة)،
و(غلاوتك)، والحلف بالأبوين، وغيرها؛ وهي كثيرة في نص الفيلم السينمائي، حتى إنه
لا يكاد يخلو منها فيلم واحد، وهذا يخالف نصاً صريحاً من نصوص السنة النبوية، فعن
(ابن عمر) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بغير الله فقد كفر، أو أشرك)[14].
ب - ومنها كثرة اللعن والسب والشتم؛ حيث تحمل بعض هذه الأفلام ألفاظ الشتم
والسباب في مواضع مختلفة، بل بعضها يصل بها السب إلى لعن الأموات، ففي أحد هذه
الأفلام تكرر لفظ: (يلعن ميتين أهلك) ثلاث مرات، وقد ورد النهي الشديد عن لعن
المؤمن في أحاديث كثيرة، نكتفي بذكر بعضها، فمنها ما جاء عن (ثابت بن الضحاك) رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعنُ المؤمن كقتله)[15]. وعن (سمرة بن جندب) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا
تلاعنوا بلعنة الله، ولا بغضب الله، ولا بالنار)[16].
ج - ألفاظ السخرية والتنابز، وعيب الخلقة والشكل، وهي كثيرة جداً، فيقابل
الواحد منهم صاحبه ليقول له: «إنت مشفتش شكلك في المراية، زي العنزة الممصوصة»...،
وهكذا من ألفاظ السخرية والتنابز التي يتلقاها الجيل الناشئ ويحفظها. وقد حرم الله
تعالى السخرية في قوله: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً
مِّنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلا
تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ
بَعْدَ الإيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِـمُونَ} [الحجرات: 11].
القسم الثاني: المخالفات الخاصة:
الفيلم الأول: دم الغزال:
لا شك أن مثل هذا الفيلم يعد اختزالاً للدين، وتشويهاً لصورته السامية في
غاياتها وتطبيقاتها، ذلك من خلال عرض صورة الدين والمتدينين في صورة منفردة مشوّهة
بالتطرف والادّعاء والوصولية والكبت، دون تقديم صور إيجابية أخرى يستطيع المشاهد
البسيط المتعلم وغير المتعلم التفرقة من خلال الصورتين بين الطيب وغير الطيب،
والجيد والسيئ، إلا أن السينمائيين بذلك أثبتوا للمشاهد صورة واحدة للدين ورجاله،
لتثبت هذه الصورة في أذهانهم دون غيرها، ومن ثم تكون سبيلاً لتنفير الناس منه[17].
وقد احتوى الفيلم عدة مشاهد غاية في السوء، بدءاً من منع الشيخ (الفولي) -
أمير الجماعة الكبير في الحارة - «ريشة» من دخول المسجد إلا بعد أن أملى عليه
شروطه وشروط الجماعة، وكأن المسجد حكر عليه دون غيره، مروراً باستغلال (ريشة)
الدين للوصول إلى هدفه، واستغلال الجماعة هي الأخرى (ريشة) لتحقيق أغراضها،
والوصول إلى غايتها، عبوراً إلى مشاهد التخريب والإرهاب التي يقوم بها (ريشة) وكل
أعضاء الجماعة؛ ليصبح (ريشة) هو الشيخ المسؤول عن تطبيق شريعة الله، ليهدد ويروّع
الآمنين البسطاء في الحارة، ويحرق متاجرهم ويكسر محتوياتها بالعصي والهروات
والجنازير، وصولاً إلى الذروة في النزوات والشهوات؛ إذ قد عرض الفيلم مشهداً في
ذهاب الشيخ «ريشة» إلى الراقصة التي كان يعمل معها مسبقاً، والتي منعها منذ قليل
من مواصلة عملها لمخالفة شرع الله، وإلا أقام عليها الحد، يذهب (ريشة) إليها
ليمارس معها الرذيلة، حتى يصل إلى اغتصابها بالقوة في مشهد غاية في السوء والإهانة
لصورة الدين والمتدينين، وذلك عندما رفضت الراقصة (بدرية) قيامه بعمل هذه الفاحشة
معها.
والفيلم محاولة مستميتة من المؤلف لتشويه الدين، واختزاله في الجماعات
المتطرفة، وصور الكبت والنفاق والوصولية، ليكون بذلك ممن قال الله فيهم: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ
عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ
غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 32].
وقد كان من الأولى أن يستخدم المؤلف والمخرج والممثل السينما المصرية أداة
للوصول إلى الله، لا للوصول إلى الشيطان. فكان بدلاً من أن يعرض نماذج من الواقع
الذي تعيش فيه معظم الحارات والأماكن البسيطة، ما يؤثر على عقلية المشاهد، ويوحي
إليه بأن هذا هو العام الذي لا فرار منه، وهو القضاء الذي سار عليه البسطاء؛ كان
الأجدر به أن يبيّن نماذج أخرى عن هؤلاء الفقراء البسطاء، الذين لا يجدون من
يعولهم، ولا يجدون مالاً ولا طعاماً ولا نكاحاً، ومع ذلك فهم مؤمنون بقضاء الله،
صابرون عليه، يقومون على أداء الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان، بل يعملون قدر
استطاعتهم، آملين أن تكتب لهم زيارة لبيته الحرام، حتى يغفر الله لهم الذنوب.
بل كان من الأولى أن يوضح أن هؤلاء البسطاء مع فقرهم الشديد، يصل بهم الحال
لأن يعطوا لقمتهم وطعامهم - متى توافر لديهم - لمن هو أفقر منهم وأتعس؛ ابتغاء
مرضات الله. كما كان من الأولى على السينمائيين والمخرجين أن يتناولوا صور العلماء
والمتدينين، الذين أخذوا على عاتقهم تبليغ دين الله، والدعوة إليه، وبيان سماحته.
الفيلم الثاني: عمارة يعقوبيان:
قدم الفيلم مجموعة من الشخصيات الفاسدة التي تعيش دنياها من أجل مصالحها
الشخصية، دون أن يقتصر الأمر فقط على الفقراء والبسطاء؛ إنما تطور الأمر إلى أن
كان المهندس (زكي الدسوقي)، سليل الأسرة الثرية، يبحث كل يوم عن داعرة عاهرة في
الخمارات والملاهي، لينام إليها ويقضي معها لذته ونزوته، ويبحث الصحفي (حاتم
الرشيد) هو الآخر عمن يشبع رغبته الشاذة، ويبحث (الحاج عزام) عن امرأة يقضي معها
وطره سراً في رداء التديّن، كما يبحث عن تجارة أربح مالاً، حتى لو كانت هذه
التجارة هي تجارة في أرواح الناس، من خلال المخدرات والسموم؛ وهؤلاء جميعاً من
الأغنياء الذين لا يحتاجون لشيء من الدنيا. قدمهم الفيلم في صورة سلبية مسيئة
للغاية، دون أن يظهر صورة أخرى إيجابية لأحد الأغنياء، الذين يوقفون أموالهم،
ويهبونها جميعاً من أجل إسعاد غيرهم من بني البشر، بعيداً عن عرقه وعقيدته؛ ليمكن
للمشاهد التفرقة بين الفريقين، ويعرف يقيناً بطلان ما عليه هؤلاء الأغنياء.
كما يقدم الفيلم مجموعة من الفقراء، متمثلين في الفتاة (بثينة)، والشاب
(طه)، ومدام (سعاد)، وكيف أن الفقر ألجأهم إلى بيع أنفسهم، وإشباع رغبات ونزوات
الآخرين بثمن بخس دراهم معدودة. وكيف أن (طه)، متمثلاً في الجماعات الإسلامية،
أصبح إرهابيّاً متطرفاً دون أن يقدم الفيلم صورة إيجابية للدين والمتدينين، فضلاً
عن شخصية (سعاد) الفاسدة أخلاقيّاً في حقيقتها، التي جاءت لتقدم نموذج المرأة
المحجبة، وهي تلك التي تتخلى عن قيمها ومبادئها نظير الفراش الجنسي، وحفنة من
الأموال[18].
وقد كان من الأجدر أن ينتهي الفيلم بأن يعود (طه) إلى الدين الصحيح، وينبذ
هذه الجماعات المتطرفة، ويلجأ إلى الأزهر والعلماء، ويصحح أفكاره ومبادئه، وأن
يأخذ بالأسباب، ويرضى بقضاء الله وقدره، ويستعين بالله تعالى على قضاء حوائجه.
وبذلك يكون الفيلم قد قدم نصرة للدين، لا أن يكون نموذجاً حيّاً لهدم الدين ونبذه
والتنفير منه.
الفيلم الثالث: بالألوان الطبيعية[19]:
يعد هذا الفيلم قاصمة الظهر للسينما المصرية؛ لما احتواه من أمور عديدة
غاية في السوء، تخالف جميعها مقاصد الشريعة الإسلامية. ولعل هذا الفيلم هو ما
أَذِن لخروج مثل هذه الدراسة، حيث أساء بكل وقاحة وجرأة لذات الله تعالى،
وللمؤسسات التعليمية والتثقيفية، وللعلماء، والطلبة والشباب. والأدهى من ذلك أن
القائمين على هذا الفيلم من الممثلين، هم شباب، لعل دورهم في هذا الفيلم هو الأول
لهم، ما يدل على سوء التربية، وانعدام الأخلاق، وغياب وازع الدين!
والحق أننا إذا قمنا بتحليل كل ما جاء في الفيلم، ما وسعتنا دراسات عديدة؛
لما جاء مخالفاً في حق الله، ثم حق الأمة العربية، إلا أننا نكتفي بالتلميح عن هذه
الأخطاء، لاستياء النفس عن مواصلة الحديث عما جاء في هذا الفيلم الداعر.
ففيما يتعلق بالأحداث المتعلقة بذات الله تعالى بصورة عامة في هذا الفيلم،
فهي ظاهرة من خلال ما قام به الشاب (يوسف) الذي كان يناجي ربه طالباً الهداية
والتوفيق والسداد، لكنه كان يناجيه وكأنه صديق له، فنجده لا يتحرى أقواله، ولا
ينتقي ألفاظه، فيقول مثلاً طالباً من ربه أن يلين قلب والدته عليه لتوافق على أن
يدخل كلية الفنون الجميلة: (خليها ترضى عني وحياة حبيبك النبي، أصل الجنة تحت
أقدام الأمهات، وكدا عال أوي، حلاوة يعني). وأمور أخرى كثيرة، كأن ينادي ربه
ويقول: (أنت عاوز مني إيه؟)! أو قوله بسخرية: (أنا عدوك، أنت فاهمني؟)! وغير ذلك
كثير[20].
ومن الأمور السيئة كذلك التي عرضها الفيلم، ما قدمه من بنات عاريات تماماً،
تقف بكل جرأة ووقاحة واعتداء على أوامر الله ومقاصد شريعته، ليقوم الطلبة برسمهن؛
حتى يكونوا بذلك من الفنانين البارعين!
كما تضمن الفيلم بعض الألفاظ النابية التي لا تخرج من فم جاهل، ناهيك عن أن
تخرج من فم دكاترة الكلية، وذلك في غير مشهد من الفيلم، من ذلك ما وقع من الدكاترة
أنفسهم في مخاطبتهم للطلبة: (خليك حمار؛ خليك جاموسة في وسط
البهايم؛ كل ما هتتعلم أكتر كل ما هتتعذب أكتر؛ إحنا هباب وزفت وأتران؛ إحنا مش
هنتغير). وما جاء على لسان يوسف: (طز في الكلية وفي العميد وفي الطلبة وفي الجميع).
والحق أنه لا يوجد توجيه وإرشاد لمثل هذه النوعية من الأفلام الهابطة، التي
تمثل العار للسينما المصرية، وللممثلين والمخرجين والمنتجين، بل والشعب المصري
قاطبة، كما تمثل الإساءة لدين الله والتعدي على حرمات الله تعالى، وحرمات العلم
والعلماء؛ لأن هذه النوعية من الأفلام باطلة شرعاً لاحتوائها على كل ما يخالف دين
الله دون تقديم أدنى صورة إيجابية أو موازية![21].
إن الحديث عن الأنماط والقوالب المنفردة التي يقدمها السينمائيون ويكررها
صانعو الأفلام، لا يمكن لأحد أن ينكر وجودها في واقع المسلمين، فالتطرف الديني لدى
البعض موجود بين أتباع كل الرسالات السماوية، والنفاق وادّعاء التدين، واستخدام
الدين كستار لأغراض أخرى، فترى أن بعض الصور والأنماط التي تعرضها السينما المصرية
ليست بعيدة من الواقع أبداً، لكن السينمائيين والمخرجين باستخدامهم تلك الأنماط
دون غيرها في أفلامهم، وبإصرارهم على هذه الصور دون غيرها من صور إيجابية؛ إنما
يقومون بذلك بترسيخ صورة واضحة للدين والمتدينين في أذهان الناس وعقولهم، صورة
سلبية تنفر من الدين بدلاً من أن تدعو له، وكان الأولى بهم لو صدقت نواياهم في
أنهم لا يريدون تشويه الإسلام أو التنفير منه، أن يحملوا لواء نصرته والعمل على
إيجاد حلول لقضاياه، وإزالة الشوائب التي يلحقها به الحاقدون والناقمون عليه، ضد
أي وصم له بالجهل أو التطرف أو الجمود، أو الانعزال أو الكبت. كان
الأولى بهم أن يقدموا نماذج الدين الحقيقي، ذلك الدين السمح الذي يدعو إلى الحب،
وإلى الطهارة، وإلى العفة، وإلى الكرم، وإلى حب الله، وحب الناس، وإلى المعاملة
الطيبة التي شرعها الله لعباده في تعاملاتهم مع غيرهم من غير بني جلدتهم، لتظهر
بذلك الصورة الإيجابية، وإن كانت في توازن مع الصورة السلبية، فتظهر الصورتان
جنباً إلى جنب، حتى يستطيع الرجل البسيط التفرقة بين الدين ومن يدّعونه، وبين
المتدين الحقيقي والمنافق الدجال المشعوذ، لترسخ هنا في العقول حقيقة الدين،
وطهارة رجاله.
الفيلم الرابع: مرجان أحمد مرجان:
يكفي الفيلم سوءاً مصطلح (أنتيم) الذي
استحدثه مخرج الفيلم، وأصبح كلمة مشهورة في أوساط الشباب والفتيات، وتعني (صديقة)،
وهي العلاقة التي لا تنتهي بالزواج. وصوَّر الفيلم رفض فكرة (الأنتيم) على
أنه رفض متخلف، بل لا بد من قبولها بشكل تام. وقد
سُئل المخرج (علي إدريس) عن
ذلك في لقاء أجرته معه مجلة (المصري اليوم)،
ونشر على موقعها الإلكتروني، عدد (1124) الخميس 12 يوليو 2007م:
س: الفيلم
دافع عن فكرة الأنتيم، وهي العلاقة التي لا تنتهي بالزواج، فهل هذا رأيك الشخصي؟
ج: بالتأكيد، فأنا لا أقدم أفكاراً غير
مقتنع بها، وأنا شخصيّاً لدي أنتيم، أي صديقة، وزوجتي السيناريست زينب عزيز تعرف
ذلك، ولا توجد مشكلة؛ لأن علاقة الأنتيم ليست علاقة مشبوهة، فهي صداقة بين اثنين
متفقين في الأفكار والميول.
وقد تحدث بعض الشباب والفتيات في بعض المنتديات على الشبكة الدولية
للمعلومات، عن انتشار ظاهرة الأنتيم بعد عرض هذا الفيلم.
بعد هذا العرض المختصر عن العبث القيمي والعقدي الذي تغرسه هذه السينما في
نفوس الناس، أوصي بما يلي:
- ضرورة اهتمام العلماء - الأزهر خاصة - بالمجال السينمائي المصري، وتفعيل دور
الرقابة الدينية عليه، بحيث لا يصدر عن السينما ما يتعارض والصورة الصحيحة لدين
الله.
- قيام الأدباء الإسلاميين بتبنّي أفكار
المواضيع الإسلامية الواقعية، والكتابة فيها، بحيث تكون مادتها متاحة للسينمائيين
والمخرجين للعمل بها، وعرضها على السينما المصرية، بدلاً من الأعمال الأخرى
الرخيصة المبتذلة التي تسيء إلى الدين والقيم.
- تفعيل الدور الرقابي على السينما، بحيث
لا تكون هناك ألفاظ خارجة نابية، أو مناظر عارية تثير الغرائز.
- وضع قوانين إعلامية حازمة تلزم
المؤلفين والمخرجين والسينمائيين بالالتزام بما ينص عليه الدستور من أن الشريعة
الإسلامية هي المنهج الذي تسير عليه الدولة، ومن ثم تكون السينما قناة هادفة
لتحقيق مبدأ نشر هذا المنهج، من خلال عرضها للدين والمتدين في صورته الصحيحة.
- صدور قوانين قضائية تقضي
بمعاقبة كل من يتجرّأ على دين الله، أو مخالفة القوانين الإعلامية الصحيحة النقية،
التي تحافظ على الدين، وعلى المجتمع المسلم.
:: مجلة البيان العدد
318 صفر 1435هـ، ديسمبر 2013م.
[1] وزير داخلية سابق، ونائب رئيس مجلس
الوزراء المصري في عهد جمال عبد الناصر.
[2] علي، سعيد إسماعيل (1995م): فلسفات
تربوية معاصرة، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد 198.
[3] حلقة من برنامج الشريعة والحياة: (المسلم
المعاصر وتحديات السينما).
[4] العقيدة والدين في السينما المصرية، ص 193،
مرجع سابق.
[5] أعرضت الدراسة عن الحديث حول الكُتَّاب
والمخرجين، رغبة في دراسة الفيلم من خلال القصة المكتوبة (السيناريو)،
وإلا فبعض الكتاب يُصرحون بعلمانيتهم، وبغضهم للإسلام، بل إن بعض المخرجين هم من
النصارى، ويخرجون أفلاماً تهاجم الإسلام.
[6] جان، بودريان (2008) المصطنع والاصطناع، ترجمة: د. جوزيف
عبد الله، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت؛ إسماعيل، محمد حسام الدين: الصورة
والجسد؛ دراسات نقدية في الإعلام المعاصر؛ حجازي، مصطفى: حصار
الثقافة، بين القنوات القضائية والدعوة الأصولية حصار الثقافة.
[7] ماركوز، هربرت (1988م): الإنسان
ذو البعد الواحد، ترجمة: جورج طرابيشي، دار الآداب، بيروت، الطبعة
الأولى.
[8] ثابت، سعيد: دراسة
جريدة الوطن السعودية، العدد (696) على عينة قوامها (500 طالب).
[9] البشر، بشرين فد (1415هـ): أساليب
العلمانية في تغريب المرأة المسلمة، دار المسلم، الرياض، الطبعة الأولى.
[10] تكررت هذه الألفاظ في الأفلام المصرية
وخاصة أفلام العينة المختارة.
[11] ألفاظ تتكرر في أفلام العينة، مثل: (الكلام
ده من ألف سنة ممكن)، (انتهى
عهد الوصاية على المرأة)، (الست
الآن متعلمة، مش محتاجة لمحرم)، (انتو
لسه عايشين في تفكيركم القديم)، إلى غيرها من الألفاظ والعبارات التي
تهاجم التاريخ، والمراد به المحافظة على الدين.
[12] صلاح الدين، رأفت: المرأة
بين الجندرة والتمكين www.lahaonline.com/articles/view/17463.htm .
[13] دراسات نشرها عدد من المعاهد والجامعات،
مثل: المعهد الوطني حول الميديا والعائلة
بأمريكا على موقعهم الرسمي، وجامعة زايد بالإمارات، ودراسة مهمة أجرتها الدكتورة
عزة كريم رئيسة المركز الوطني القومي للبحوث الاجتماعية في القاهرة حول تأثير
السينما والفيديو على الفتيات www.nrc.sci.eg .
[14] سنن الترمذي، كتاب النذور والأيمان، باب
ما جاء في أن من حلف بغير الله فقد أشرك. وقال: حديث
حسن؛ المستدرك على الصحيحين. وقال: حديث
صحيح. ووافقه الذهبي.
[15] البخاري - الجامع
الصحيح المختصر -، كتاب الأدب، باب من كفّر أخاه بغير
تأويل فهو كما قال؛ صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه.
[16] سنن أبو داود، كتاب الأدب، باب في اللعن؛
سنن الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في اللعن، وقال: حديث
حسن صحيح، وقال الألباني في تحقيق السنن: صحيح.
[17] للصورة الذهنية أثر كبير في المتلقي، بحسب
ما أثبتته العديد من الدراسات الإعلامية. للاستزادة: صالح،
سليمان (2005م): وسائل
الإعلام وصناعة الصورة الذهنية، مكتبة الفلاح للنشر، الكويت، الطبعة الأولى.
[18] في الآونة الأخيرة كثرت ظاهرة الهجوم على
الحجاب، واعتباره قطعة قماش لا تمنع صاحبته من الانحراف، بل إن غالب الأفلام تخرج
الفتاة المتقلبة المزاج التي تعيش بوجهين، تخرجها بالحجاب، ثم تقع في الرذائل.
[19] الفيلم لقي اعتراضات كثيرة من النُّقاد،
ولم يتم إقامة مؤتمر صحفي بعد عرضه في المرة الأولى في نسخته التجريبية، بسبب
مشاهد الجنس الكثيرة، كما قال المحللون. كما عارضت لجنة البحوث بالأزهر عرض الفيلم
لتطاوله على الذات الإلهية. دفع الله، خالد جاموس: البعد
الليبرالي الصرف في معالجة الفيلم لعقلية التحريم. صحيفة
سودانايل الإلكترونية: www.sudanile.com . وحول الاعتراض على الفيلم من الأطياف
المختلفة، انظر: نجار، هشام: بالألوان
الطبيعية إنهم يرسمون القبيح. مقال على موقع: www.egyig.com
[20] مع ملاحظة أن الصور الملتقطة حال الدعاء
في الفضاء الخارجي تلتقط صورة السحب والقمر وهو يخترق بضوئه الأجواء، ثم يصحبها
تعاقب سيئ جداً في الصورة النمطية للأدعية. وهناك
من كتب معتبراً هذا تجديداً في الفن، مثل نادر عدلي في مقال له يؤيد الفيلم في
جريدة الأهرام المصرية عدد (44979) في 29 /1/ 2010م.
[21] أجرى أحد المواقع السينمائية استفتاءً
لرواده حول الفيلم، مع ملاحظة أن رواده من متابعي الأفلام، فكانت النتيجة الصادمة
لهم: 8 % جيد جداً، 3 % جيد، 89 % منافٍ
للأخلاق العامة وسيئ.