الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين.. وبعد:
من السهل جداً أن تجد من يتحدث عن المرتبة الشريفة النبيلة، مرتبة (الإصلاح بين المؤمنين)، فيتحدث عن ضرورة الاجتهاد في التقريب بين المختلفين، وإزالة أسباب الشحناء والتباعد، وقطع منافذ الشيطان في إفساد النفوس، ويورد النصوص الشرعية والأقوال السلفية في أهمية هذا الصلح ومجالاته.
غير أن هذه الدرجة الفاضلة لا ينالها إلا القلة من الناس؛ فالحديث عن أهمية الصلح، والاقتناع بضرورته، لا يجعل الشخص قادراً على تحقيق هذه الرتبة، فهي تتطلب صفات ومقومات كثيرة قبل أن يكون الشخص مؤهلاً للقيام بهذا الواجب الشرعي العظيم، فالمصلح رجل عاقل صادق ناصح، يمد جسور التواصل مع جميع إخوانه، ويُحسِن معرفة أسباب الاختلاف وكيفية إزالتها، ويصبر على الأذى، ويقدّم مصلحة الجماعة على مصلحته الشخصية، ويتسامى عن التعصب لأي جماعة أو حزب أو رأي، ويتفهم دوافع الناس ويقدّر اجتهاداتهم، وفيه من الرفق واللين وسلامة الصدر وحُسن المقصد ما يكسب به ثقة الأطراف المتنازعة، فيجمع الله على يده القلوب المتنافرة، ويكفّ الله بفضل فعله شروراً جسيمة.
المجامع الإسلامية كلها بحاجة إلى أمثال هؤلاء العقلاء، فوجودهم من أهم عوامل بقاء الأُلفة والترابط، وحركتهم هي من أكبر ضمانات تحقيق الهدف المبتغى من أي مشروع، وحين يغيب أمثال هؤلاء العقلاء عن أي ساحة دعوية أو علمية أو جهادية أو تربوية، فإن هذا مؤذن بسحابة فسادٍ لا يعلم إلا الله ما ينجرّ على العمل الإسلامي بعد ذهابها.
حريٌّ بنا أن نبحث عنهم في كل مجال، فنسند ظهورهم ليقوموا بواجبهم.. وحريٌّ بهم أن يبادروا بالإصلاح قبل أن يستلم الراية مَنْ لا تزيد الأمور معه إلا افتراقاً واحتراباً.