• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
دوافع ومخاوف الحرس الثوري تجاه الاتفاق النووي

دوافع ومخاوف الحرس الثوري تجاه الاتفاق النووي


خرج الإيرانيون يومَ توقيع الاتفاق النووي 14 يوليو/ تموز الماضي إلى الشوارع مبتهجين باتفاق يعتقدون أنه ينهي عقوداً من العقوبات الاقتصادية على اقتصاد بلادهم، وحتى ليلة التوقيع كانت معظم "التيارات السياسية" في إيران تعتبر الاتفاق إما "انتصاراً للدبلوماسية الإيرانية" أو "انتصاراً للقومية الإيرانية" ذاتها، بما في ذلك مؤسسة "الولي الفقيه - الحرس الثوري" النظام الحاكم، لكن وبعد انتهاء السكرة، بدأ النظام يتخوف بشكل كبير من الاتفاق، بالرغم من الميزات التي دفعته لدعم التوقيع عليه.

 سيحاول الكاتب تقديم دوافع تحالف "الولي الفقيه - الحرس الثوري" للتوقيع على الاتفاق النووي، والمخاوف التي تجذرت بعد التوقيع.

الدوافع

دفع الجميع "أصوليون" (الولي الفقيه والحرس الثوري) و "إصلاحيون" (المدرسة الممتدة لهاشمي رفسنجاني والذين وصولوا للسلطة عبر الرئيس الحالي حسن روحاني) نحو الاتفاق النووي؛ فالأصوليون يرون أن الاتفاق يمثل تثبيتاً لنظام الحكم، بينما يرى الإصلاحيون أنه عودة إلى دواليب السلطة بعد الحملة الشرسة لإقصائهم عنها بعد الرئيس الأسبق محمد خاتمي.

ويمكن الإشارة إلى أن أبرز دوافع الحرس الثوري نحو "الاتفاق النووي" تتمثل في التالي:

1-      المؤسسات التجارية التابعة للحرس الثوري والمرشد لا تدفع أي ضريبة للحكومة الرسمية؛ ففي ظل استمرار العقوبات الاقتصادية لن تتمكن الحكومة من دفع رواتب الموظفين للدولة خلال العام القادم، فكان أحد الخيارات أن تدفع مؤسسات الحرس الثوري الضريبة، وهو ما رفضته قيادات التنظيم. فتمت مقايضة الحرس الثوري بالموافقة على "الاتفاق" مقابل استمرار عدم دفع الضريبة.

2-      استمرار النظام الحاكم لمدة أطول من الزمن، مع زيادة السخط الشعبي ضد جدوى المفاعلات النووية مع استمرار المعاناة وارتفاع نسبة البطالة إلى 11% بينما تمثل النسبة وسط الشباب 25.2%، بموجب آخر التقارير الصادرة عن البنك المركزي الإيراني، سبتمبر/ أيلول 2015م، ويمثل الشباب الإيراني الشريحة الأكبر في المجتمع الإيراني.

3-      تزايد الاتهامات التي تواجه النظام بالفساد، وكان الرئيس السابق أحمدي نجاد قد أعلن مراراً أن لديه ملفات فساد تخص المناوئين له داخل التيار الأصولي، وزيادة الاحتجاجات ضد النظام الحاكم (الولي الفقيه) و (الحرس الثوري) بشكل غير مسبوق، وأصبحت تمسُّ خامنئي والمقربين منه شخصياً، فقد جاء ترتيب مؤشر إيران في مدركات الفساد العالمي 2014م  (136) من أصل 172 دولة بارتفاع عن عامي 2012م و 2013م مقداره أربع درجات.

4-       إيران تعيش الجيل الثالث والرابع من الثورة الإيرانية، وهو لا يعتبر للمبادئ الثورية الموجودة في الدستور الإيراني قيمةً تُذكر، يحتاج إلى الوظيفة وتحسّن ظروفه المعيشية، وهذا يمثل ضغطاً يهدد "النظام الإيراني".

5-      تدهور صورة "إيران" الحامية والمدافعة عن القضايا الإسلامية، بل انهيارها، مع "الربيع العربي" 2011م، وبذلك تضررت "القوة الناعمة" لإيران في المنطقة، وتضررت صورة "النظام" داخل إيران؛ فالمجتمع الإيراني يرى أنه لا دعوى لهم بمساعدة الأيادي الشيعية في المنطقة في ظل "تدهور الاقتصاد"، وبذلك يحتاج النظام إلى التخلص مما يسبب قلقاً للمجتمع لاستمرار استكمال الطموح بالإمبراطورية "الفارسية".

دفع خامنئي بنفسه نحو ذلك الاتفاق – وقد الذي وصفه بالدبلوماسية المرنة - أثناء الاتفاق الانتقالي في جنيف تشرين الثاني/ نوفمبر 2013م، واتفاق الإطار في مدينة لوزان في نسيان/ أبريل 2015م. لكن ذلك لم يمنع من وضع "الخطوط الحمراء" التي تشير إلى ثلاث نقاط:

·       "رفع العقوبات حالما يتم التوصل إلى الاتفاق، وضمان مصالح إيران وعدم تفتيش المنشآت العسكرية أو إيقاف أنظمتها الدفاعية".

·       وإصدار قانون "حماية المنجزات النووية" بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشورى الخاضع لسيطرتهم.

·       وتخوّل هذه الخطوط والقانون الحق لـ "خامنئي" في إلغاء الاتفاق في أي وقت يرى أن الاتفاق يساعد في زيادة مخاوفه.

المخاوف:

أول هذه المخاوف: يُعَد الهجوم العسكري أبرز تلك المخاوف؛ حيث إن الأصوليين غير مقتنعين بأن "خطة العمل المشتركة الشاملة" الموجودة في الاتفاق النهائي هي مجرد صفقة تعامل، ويخشون أن تكون الولايات المتحدة قد سعت إلى إبرام اتفاق كغطاء لجمع المزيد من المعلومات الاستخباراتية التي ستمكنها من مهاجمة إيران بطريقة أفضل. وهذا ما دأبت وسائل الإعلام الرسمية على الحديث عنه منذ يوليو/ تموز، وبثت أفلاماً وثائقية كثيرة تشير إلى "تجربة التفتيش" في العراق، وكيف قاد الأمر إلى احتلال أمريكي ما زال العراق يعاني ويلاته. ففي تقرير صادر في 9 تموز/ يوليو تحت عنوان "اتفاق فيينا: زعزعة الأمن في إيران"، اعتبرت صحيفة "كيهان" المعروفة على أنها الناطقة باسم "خامنئي"، أنه "بالرغم مما أصبح متعارفاً عليه بديهياً ومن البيئة التي خلقتها وسائل الإعلام الغربية والإيرانيون المتحمسون للاتفاق، فالاتفاق النووي... لن يقلل من احتمال نشوب حرب ومواجهة، بل يصب في الاتجاه المعاكس".

وثاني تلك المخاوف "إسقاط نظام الحكم": حيث يحاول نظام الحكم البقاء أطول مدة ممكنة، ونقصد بذلك "ولاية الفقيه". ورغم أن الإصلاحيين لا يرغبون بذلك، إلا أن الفساد وتغُّول المؤسسات الموازية في إيران، بالإضافة إلى نفوذ "الحرس الثوري" جعل النظام غير مرغوب فيه، ولعل الجيل الرابع الأكثر رغبة في تغييره، لكنَّ ذلك لم يظهر في إيران على الأقل حتى توقيع الاتفاق. وهذا ما مثله الاتفاق النووي الإيراني الذي خمَّد أصوات الاحتقان داخل الدولة، لكنه لم يسلم من المخاوف التي تلاحقه بالمؤامرة لإسقاطه.

وكان رئيس تحرير صحيفة كيهان حسين شريعتمداري الأكثر وضوحاً في ندوة بثتها القناة الأولى للتلفزيون الإيراني مطلع سبتمبر/ أيلول بالقول: "إن الهدف الذي تتطلع أمريكا إلى تنفيذه حالياً، هو تغيير النظام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وإضعاف نظامها الإسلامي"، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ستحاول تحقيق هذا الهدف باعتباره من الأمور الاستراتيجية بالنسبة له من خلال التغلغل داخل البلاد. وبجانب شريعتمداري ظهر الخبير السياسي السيد صادق خرازي وناقشا محاولات الغرب التغلغلَ في إيران و "كيف يمكن التصدي لهذا لعدو الذي يريد التسلل إلى إيران الإسلامية لتنفيذ أعمال إرهابية وإضعاف النظام الإسلامي من داخلها".

لكن وعلى الرغم من كل الاحترازات التي يرى تحالف "الولي الفقيه - الحرس الثوري" أنها تصب في مصلحة بقاء نظام الحكم؛ إلا إن مؤشرات قرب انهيار هذا النظام تتحرك بسرعة بداخله؛ فقد تجرع "السُّمَ" كما تجرعه "الخميني" أثناء خسارته في حرب العراق.

أعلى