• - الموافق2025/07/08م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
العلاقات الإيرانية - الباكستانية بين البراغماتية والتشابكات الجيوسياسية

كشفت الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة عن أبعاد العلاقات بين إيران وباكستان التي سارعت بإصدار تصريحات تؤيد فيها الموقف الإيراني، فما هي خلفية تلك التصريحات وما هي طبيعة العلاقات بين البلدين الجارتين


أقامت إيران وباكستان علاقاتهما في 14 أغسطس 1947، وهو يوم استقلال باكستان، حيث أصبحت إيران أول دولة تعترف بباكستان. ولا تزال الدولتان تتمتعان بعلاقات وثيقة، وقد أقامتا تحالفات عدة في عدد من المجالات ذات الاهتمام المشترك.

باكستان هي واحدة من الدول القليلة التي يتم فيها استقبال النفوذ الإيراني بشكل إيجابي وفقًا لاستطلاعات الرأي المتعددة التي أجراها مركز بيو للأبحاث فإن نسبة عالية جدًا من الباكستانيين ينظرون إلى جارهم الغربي بشكل إيجابي.

كما أن تصريحات المرشد الأعلى لإيران آية الله خامنئي عن باكستان تصب في الاتجاه ذاته حيث أعربت إيران عن اهتمامها بالانضمام إلى الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني كجزء من مبادرة الحزام والطريق الأكبر. بعد الانسحاب الكامل لقوات الولايات المتحدة وعودة طالبان إلى السلطة.

تاريخيا فإن العلاقات بين البلدين يمكن وصفها بالتعاون الوثيق دون أن يرقى إلى تحالف كامل وذلك منذ عهد الشاه رضا بهلوي الذي كان أول رئيس دولة يزور باكستان في مارس 1950، ووقع البلدان في ذات العام معاهدة صداقة.

وقد انخرطت إيران وباكستان مع العراق وتركيا وبريطانيا في حلف بغداد الذي تأسس عام 1955 لتطويق الاتحاد السوفيتي، وهو الحلف الذي استمر حتى عام 1979 حين انسحبت إيران منه بعد اندلاع الثورة.

في حقبة حكم الشاه، رأت طهران في إسلام أباد حليفًا إسلاميًّا ضد موسكو، كما أرادت تسكين حدودها الشرقية مع باكستان في ظل التخوف من الجار السوفيتي في الشمال، مع وجود توترات مع العراق في الحدود الغربية، وقتها وفي الخليج.

في الوقت نفسه كانت باكستان بحاجة إلى قوة موازنة للهند التي تمتعت بعلاقة جيدة مع روسيا وحكومة أفغانستان الشيوعية آنذاك، وهو ما وفر لكل من إيران وباكستان عمقًا استراتيجيًّا مهمًا.

خلال حقبة الحرب الباردة، انحازت إيران علنًا إلى باكستان في حروبها مع الهند، وقدمت لها مساعدات اقتصادية وعسكرية. كما قدم الجيش الإيراني في عهد الشاه دعمًا عسكريًّا وصل ذروته بتوفير 30 مروحية عسكرية بأطقمها لاستخدمها في قمع تمرد البلوش داخل باكستان، وهو التمرد الذي أخذ شكل دورات من القتال العنيف منذ عام 1948 حتى الآن للمطالبة بحكم ذاتي يراعي حقوق البلوش، ويوفر لهم حصة من عوائد الغاز والثروات الموجودة في أراضيهم التي تحصل عليها الحكومة المركزية في إسلام أباد، وقد دعمت طهران آنذاك إسلام أباد لمنع امتداد التمرد إلى صفوف بلوش إيران.

من هنا نستطيع أن نفهم التصريحات الباكستانية الحماسية الأخيرة إبان الحرب الإيرانية-الإسرائيلية، والدعامة بشكل واضح لطهران فبينما يراها البعض مجرد تصريحات للاستهلاك السياسي. رأى البعض الآخر أن تلك التصريحات تنم عن استعداد إسلام آباد للقفز في مركب طهران نكاية بالتقارب الهندي-الإسرائيلي.

لكن الحقيقة أن العلاقات الإيرانية-الباكستانية أكثر تعقيدًا من هذه الثنائية السطحية. لقد خرجت باكستان، تدريجيًا، من وضع التبعية الكاملة للهيمنة الأمريكية، دون أن تصل بعد إلى ضفة الاستقلال التام، فيما تحاول إيران استثمار هذا التذبذب لصالح معادلاتها الإقليمية.

تحولات جيوسياسية: واشنطن تنكفئ وبكين تتقدم

أفول الاهتمام الأمريكي بباكستان ليس وليد اللحظة؛ فمنذ إدارة ترامب، التي أوقفت المساعدات العسكرية عام 2018، إلى إدارة بايدن التي أبقت أبواب التواصل موصدة مع القيادات الباكستانية، بدا واضحًا أن واشنطن نقلت ثقلها إلى نيودلهي، باعتبارها رأس الحربة في مواجهة الصين.

 

ورغم غياب تهديد مباشر اليوم، فإن التصريحات الإسرائيلية غير الرسمية عن “باكستان التالية” تعيد التذكير بأن القدرات النووية لإسلام آباد تقض مضاجع تل أبيب منذ عقود، وما زالت.

في المقابل، تمد الصين شرايين نفوذها إلى العمق الباكستاني عبر مشروع الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني (CPEC)، أحد أعمدة مبادرة الحزام والطريق، مصحوبًا بشراكات عسكرية وتقنية آخذة في الاتساع، وصلت حد فرض واشنطن عقوبات على شركات باكستانية بسبب تعاونها مع بكين.

وفي الخلفية يبقى الجيش الباكستاني هو الفاعل الرئيس في صياغة السياسة الخارجية، وتنبع استراتيجيته في محاولة الحفاظ على علاقة متوازنة مع واشنطن. لكن تجاهل الولايات المتحدة لباكستان منذ 2018 أربك هذا المسعى، واضطر المؤسسة العسكرية إلى التقارب مع بكين بشكل أكبر.

ومن هنا يمكن رؤية زيارة رئيس الأركان عاصم منير لواشنطن، في ذروة الأزمة الإيرانية-الإسرائيلية، أنها ذات دلالات دقيقة فقد حملت عدة رسائل؛ أبرزها التحذير من تبعات انهيار النظام الإيراني على الاستقرار الإقليمي، والتنبيه إلى خطورة سابقة الضربات الإسرائيلية ضد منشآت نووية في الجوار، بما تشكله من تهديد استراتيجي قد يُستلهم لاحقًا ضد باكستان نفسها.

يبقى البرنامج النووي الباكستاني حجر زاوية في المعادلات الإقليمية. في ثمانينيات القرن الماضي، كشفت تقارير عن عرض إسرائيلي على الهند لتنفيذ ضربة مشتركة ضد منشآت باكستانية، وتشير تقارير متداولة في لندن منذ عام 1987 إلى أن إسرائيل اقترحت مرارا تنفيذ ضربة مشتركة ضد المنشآت النووية الباكستانية، ففي منتصف الثمانينيات دار في الغرف المغلقة أن إسرائيل حاولت 3 مرات إثارة اهتمام الهند بهجوم مشترك على موقع كاهوتا النووي في شمال شرق باكستان بالقرب من الحدود مع الهند.

وفي إحدى المناسبات في يوليو/تموز 1985، أجرى المسؤولون الإسرائيليون محادثات حول هذا الملف في باريس مع مبعوث شخصي لرئيس الوزراء الهندي آنذاك راجيف غاندي.

وتشير التقارير إلى أن إسرائيل تلقّت صورا فضائية مفصلة للموقع ومعلومات استخباراتية أمريكية سرية أخرى تتعلق بالعمليات هناك عبر جاسوسها جوناثان جاي بولارد، وهو محلل دفاعي أمريكي عمل لصالح إسرائيل، كشفته المخابرات الأميركية وألقي بالسجن طوال 30 عاما.

ولكن أخيرا، وفي عام 1988، أعلنت الهند بقيادة راجيف غاندي وباكستان بقيادة بينظير بوتو عن اتفاق يحظر الهجمات على المنشآت النووية لكل منهما، ومنذ ذلك الحين، تتبادل الدولتان كل عام في الأول من يناير/كانون الثاني قوائم منشآتهما النووية في إطار التزامهما باتفاقية حظر الهجوم على المنشآت والمرافق النووية.

ورغم غياب تهديد مباشر اليوم، فإن التصريحات الإسرائيلية غير الرسمية عن “باكستان التالية” تعيد التذكير بأن القدرات النووية لإسلام آباد تقض مضاجع تل أبيب منذ عقود، وما زالت.

هنا يجب ملاحظة أن التصوير النمطي لباكستان أنها دولة سنية في مواجهة إيران الشيعية، يتجاهل تعقيدات الداخل. فـالشيعة يشكلون نحو 10% إلى 15% من السكان، ولهم حضور سياسي واجتماعي لا يمكن إلغاؤه.

فمعظم القيادات السياسية البارزة أو التي تم إبرازها التي كانت تتزعم مسلمي شبه القارة الهندية في كفاحهم الرامي إلى إنشاء كيان مستقل لهم كانوا شيعه مثل: محمد علي جناح، لياقت علي خان، صدر الدين أغا خان، وبنظير بوتو ذات الروابط العائلية الإيرانية لذلك كانت الأجواء مهيأة للشيعة لأن يستحوذوا على أهم المناصب القيادية إثر بروز باكستان إلى حيز الوجود في عام 1947 م وظلت هذه الظاهرة سائدة إلى عهد ضياء الحق الذي كان سنيا محضا، فحاول جهد مستطاعه أن يحجم النفوذ الشيعي في الجيش ودوائر صنع القرار. ومع ذلك بقي النفوذ الشيعي مستوطنا - وليس مهمينا - في النخب السياسية والعسكرية الباكستانية إلى الآن.

العلاقات بين طهران وإسلام آباد ليست تحالفًا عقائديًا، ولا خصومة وجودية. إنها شبكة معقدة من المصالح والقلق المشترك، حيث يتجاور التعاون الانتقائي (في الأمن الحدودي، ومشاريع كخط أنابيب الغاز الإيراني-الباكستاني) مع التنافس الضمني (في أفغانستان، ومسألة النفوذ المذهبي).

في قلب هذه العلاقة يقف العامل الصيني كلاعب إضافي، يمنح باكستان هامش مناورة أكبر أمام الضغوط الغربية، لكنه لا يدفعها بالضرورة إلى حضن طهران. أما المؤسسة العسكرية الباكستانية، فستظل وفية لبراغماتيتها التقليدية، تبحث عن أرضية وسطى تضمن مصالحها القومية، وتجنبها التورط في استقطابات قد تطيح باستقرارها الداخلي.

وهكذا، تبدو العلاقة بين إيران وباكستان ديناميكية حذرة متعددة المستويات، يصعب اختزالها في تحليلات مبسطة.

أعلى