عندما
نفكر في المستقبل فإننا نفكر (عادة) في أبنائنا بالدرجة الأولى؛ ماذا أعددنا لهم
من عُدَّة لمواجهة الزمن القادم؛ هل وصولهم إلى هذا القادم آمن لهم ولأبنائهم، وهل
سينشئون أبناءهم كما أنشأناهم؟ هل بإمكانهم المحافظة على هويتهم الدينية
والثقافية، أم أن رياح العواصف ستذروهم كعصف مأكول؟
أسئلة
كثيرة تؤرق الباحثين وقبلهم الآباء الذين أصبحوا بدورهم في مهبِّ دوامة لا تميز
بين الطالح والصالح، ولا بين الحق والباطل. وخير دليل على ذلك استسلامهم لرغبات
أبنائهم الجامحة: من خلال توفير وسائط معلوماتية مهلكة للعقل والنفس، ومواد
استهلاكية مضرة بالصحة الجسدية.
ومن
خلال هذه الورقة سنحاول أن نضع القلم على موضع الخطر منبهين ومحذرين؛ كي لا نلقي
بأنفسنا إلى التهلكة.
تنتشر
بين صفوف الشباب العربي اليوم ظاهرة تعاطي المشروبات الطاقية التي أصبح يتهافت عليها
الشباب العربي في جميع المناسبات؛ سواء كانت تتعلق بالاستعداد للامتحانات أو
الألعاب الرياضية.
وأصبح
اليوم شبه مؤكد أن هذه المشروبات التي يُقبِل عليها بشراهة شبابنا العربي من
المحيط إلى الخليج تشكِّل تهديداً حقيقياً على صحة فلذات أكبادنا، فتناول قارورة
واحدة يومياً يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب والجلطة الدماغية.
وذكر أحد الاختصاصيين في أمراض القلب في مستشفى إديلايد الملكي
بأستراليا الدكتور (سكوت ويلوفبي) أنه: «بعد ساعة مضت على تناوُل مشروب ريد بول
تتوقف أجهزة الدم عن العمل بشكل طبيعي»؛
ولهذا السبب منعتْ بيعَه بعض الدول مثل النرويج وأورغواي
والدانمارك؛ بسبب أخطاره الصحية المحتملة، ولكن ذلك لم يمنع الشركة المصنعة له من
بيع حوالى 3.5 مليار علبة معدنية وقارورة في 143 دولة في العالم العام الماضي.
وهناك
خطر آخر يتربص بشبابنا أيضاً؛ فقد كشفت دراسة حديثة أن قضاء ساعات أمام شاشات
التلفاز أو الكمبيوتر يمكن أن يرفع من ضغط دم الأطفال. وكشف العالم ديفيد مارتينز
جومز من جامعة (لوا ستيت) بالولايات المتحدة الأمريكية أن نتائج هذه الدراسة كشفت
ارتباط مشاهدة التلفاز بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال؛ وهو الذي يتسبب في مخاطر
جانبية: كالانفعال المفاجئ، والميل الى العنف، وتشوش التركيز. كما يمكن اعتبار
الصبيب الهائل للصور والمعلومات وحمولاتها الثقافية الاستلابية التي تتنافى مع
قيمنا الإسلامية خطراً مهولاً يزيد كثيراً عدد الشباب المستلَبين من قيمهم
ومجتمعهم.
لهذا
أصبح الآباء يشتكون كثيراً من تصرفات أبنائهم الغريبة التي يغلب عليها الانعزال
والصمت داخل البيت والبرودة في العواطف وعدم الاهتمام بالمناسبات الدينية واللجوء
الى جماعات منحرفة لإيجاد موقع اجتماعي جديد يناسب أفكارهم المستورَدة.
ومما
زاد الطين بِلَّة هذا الإنترنت الذي أصبح بالنسبة للشباب تعويضاً عن البيت
والعائلة والأسرة، وأحياناً عن الوطن نفسه. كما أن زمن استعماله تضاعف؛ بل إن
إدمان الشباب عليه حقيقة لا يمكن لأحد أن يدحضها؛ فيمكن لمستعمليه من الشباب
العربي أن يقضوا ليالي بيضاء يتراسلون على الشات من خلال السكايبلوغ أو ميسبيس أو
فيسبوك أو اليوتوب أو دايليموسيون... ويمكننا أن نتخيل الأضرار الهائلة التي
تخرِّب صحة أبنائنا النفسية والجسمية.
وتلك
الألعاب الافتراضية العجيبة الغريبة العنيفة التي يتهافت عليها الشباب تهافتاً
مهووساً مَرَضياً وأحياناً تكون قاتلة لأجهزتهم العصبية، وتتسبب في بعض الحالات
بحوادث مميتة لهم ولغيرهم، حينما يباشرون قيادة السيارات أو الدراجات.
إن
ما تشيده الأسر بعناء وصبر، وما تسهر عليه المؤسسات التعليمية سنين طويلة تهدمه
بشكل شنيع شهورٌ من الإدمان على المشروبات الطاقية، أو التلفاز، أو الإنترنت أو
الألعاب الافتراضية. فعلى الأُسَر أن تعلم أن مواكبة العصر والتقنية ليس أن نترك
أبناءنا يسيرون (بمباركتنا) إلى المستقبل فوق حقول من الألغام.