بعد
أعوامٍ من الرحيل(*)
«إلى
شاعر الإنسانية المؤمنة عمر بهاء الدين الأميري»
مرَّت بنا الأعوام يا
عُمَرُ
لا
أنت غِبْتَ ولا جَفَا الـمَطَرُ
لكنَّ طولَ البُعد
أرهقني
وأنا
ببابِ الشَّوقُ أَنْتَظِرُ
وكذلك الأعوامُ يجعلها
مثلَ
الجبالِ الشوقُ والسَّهَرُ
سافرتَ، لا بل سافرتْ
لغتي
في
حُزْنها، وتطاوَل السَّفَرُ
منذ ارتحلْتَ وعين
قافيتي
تهمي،
ودمع الصَّمتِ يَنْهَمِرُ
منذ ارتحلتَ وليلُ
حسرتنا
لا
نجمُه غنَّى ولا القَمَرُ
أأَبا البراءِ!
السَّهْمُ أَثْبَتي
لـمَّا
أتى برحيلك الخَبرُ
وبقيتُ مكتوفَ الحروف؛
فلا
لحنٌ
يطاوعني ولا وَتَرُ
حتى قوافي الشعر
أَثْبَتها
مهم
السكوتِ فتهاوتِ الصُّوَرُ
وتباعد الشعر المعبِّر
عَنْ
قلبي،
فكاد القلب ينفطرُ
ومضى بيَ الصمتُ
الطويل وفي
قلبي
عليك من الأسى شَرَرُ
لا القلبُ أَفْلَتَ من
توجُّعِه
يوماً،
ولا من سافروا حضروا
لولا شعاعٌ ظلَّ، من
أَمَلي
في
الله، عنه الليل ينحسرُ
لاثَّاقَلَتْ نفسي
وأقعدني
عن
هِمَّتي الإعياءُ والضَّجَرُ
أأبا البراءِ!
الأَرْضُ تحملها
في
كفِّها الأحداثُ والغِيَرُ
لكأنني بالشام تسألني
وأنا
ببُعدي عنك اعتذِرُ
لو كنتَ تسمع ما أبوحُ
به
لكشفتُ
عمَّا يصنع البَشَرُ
ورويتُ عن أحداث
أمَّتنا
ما
فيه للإنسان مُدَّكَرُ
كنَّا شريكي همِّ
أمتنا
وشراكة
الإحساس تُدَّخَرُ
تبقى القلوب على
تَواصُلِها
مهما
يطول البُعْدُ يا عُمَرُ!
هذا البراء أخي
يذكِّرني
بالجِذعِ
أَحْنَى غُصْنَه الثمَرُ
بيني وبينك منه رابطةٌ
بإخائنا
في الله تَزْدَهِرُ
ومودَّةٌ يُسْقى
الفؤاد بها
يجري
لها ما بيننا نَهَرُ
ما زال حَبْلُ الودِّ
متَّصلاً
ولنَبْضِ
قلبك عندنا أَثَرُ
ألوان طيفِكَ ما تزال
على
ما
يشتهي من حُسْنِها النَّظَرُ
وهنا «معَ اللهِ» الذي
ابتسَمَتْ
لحروفه
الأزهار والشَّجَرُ
وبه تغنَّى الفجر
مبتهجاً
وبه
تألِّق وَجْهُه النَّضِرُ
وهنا «النَّجاوى»
عِطْرُها عَبِقٌ
فيها
الحروف البيض والفِكَرُ
أأبا البراءِ فراقُنا
قَدَرٌ
أنِّى
يُرَدُّ إذا أتى القَدَرُ؟
ما هذه الدنيا سوى عِبَرٍ
والحُرُّ تُوقِظُ نَفْسَه العِبَرُ
(*) جاءت هذه القصيدة - كما ذكر الشاعر - وليدة ساعتها؛ إذ دعته
رابطة الأدب الإسلامي العالمية لحضور ملتقاها الشهري الأدبي المقام للشاعر أحمد
البراء ابن عمر الأميري مساء الأربعاء 25/4/1432هـ، وجالت بشاعرنا عبد الرحمن
العشماوي الذكرى، فقد كانت تربطه بشاعر الإنسانية المؤمنة عمر بهاء الدين الأميري
علاقات حميمة، ورؤى وهموم مشتركة، وحب صادق، وتذكَّر أنه لم يَرْثِه، فكانت هذه
القصيدة التي شدا بها أمام ابن الشاعر أحمد البراء، وأمام الحضور في
الملتقى. المحرر محمد الحناحنة.