• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أبواب القدس

أبواب القدس


إن كلَّ حجر في روائع العِمارة الإسلامية بالقدس العتيقة، يحمل سطوراً من حكايات وأحداث من عمر الزمان؛ ولكأن التاريخ يطوف نهاراً في أرجاء العالم ثم يستقر ليلاً في مدينته المفضلة (القدس الشريف).

كان أوَّل عمل قام به السلطان صلاح الدين بن يوسف الأيوبي مؤسس الدولة الأيوبية عند فتحه بيت المقدس استرجاعه الأماكن الإسلامية التي كان قد استولى عليها الصليبيون، وقد جدد محراب المسجد الأقصى وبناه بالرخام وأرَّخ ذكرى فتح بيت المقدس في سنة 583هـ/1187م. وهذه الكتابة موجودة الآن فوق المحراب المذكور. وأحضر المنبر الذي أمر بصنعه الشهيد نور الدين محمود بن زنكي سنة 564هـ/1169م خصيصاً لينقل إلى المسجد الأقصى عند فتح بيت المقدس. وجدد السلطان صلاح الدين أسوار مدينة القدس وأبراجها التي كانت تهدَّمت، وشارك بنفسه في تشييد الأسوار وتحصينها، وما يزال جزء كبير منها موجوداً إلى الآن، وحفر الخندق الذي يحيط بسور المدينة من باب العمود إلى القلعة في باب الخليل.

شواهد التاريخ نقرؤها على أسوار القدس العتيقة وأبوابها وعمارتها. والسور الحالي ليس السور الذي أحاط بها عند تأسيسها، والأسوار الحالية وأبوابها العتيدة شيدت في عهد السلطان سليمان القانوني 1537 - 1542م، ما عدا بعض بقايا السور والأبواب من العصور الصليبية.

عند البدء في تنفيذ أمر (الباب العالي) انطلق العمل من منتصف الجانب الشرقي للسور وبالتحديد عند باب (ستنا مريم) حتى التقى بعد عشر سنوات عند (باب الخليل) في الجانب الغربي من السور، كذلك شيَّد السلطان سليمان سوراً داخليّاً يحيط بالحرم القدسي الشريف، أقام فيه أبواباً من أجمل آثار العِمارة الإسلامية في القدس، أشهرها: باب الأسباط وباب حطة.

باب يافا

واشتهر أيضاً باسم (باب الخليل). يرتفع في وسط الجانب الغـربي لسور القدس، ويمتد منه طريقان أحدهما إلى مدينة يافا والآخر إلى مدينة الخليل حيث الحرمُ الإبراهيمي، وقد أُغلق هذا الباب عام 1948م عقب الاحتلال الصهيوني للقدس الغربية.

وباب يافا، كان على مـرِّ العصـور هو بوابة الدخول للأجانب، وكان جنود الحراسة يغلقونه ساعة صلاة يوم الجمعة، والاستثناء الوحيد كان عندما بقي مفتوحاً للسماح للدوق (برايان) وقرينته اللذَيْن تبوءا عرش بلجيكا في ما بعد بالدخول راجلين إلى داخل القدس. وفي ذاكرة التاريخ أن القائد الصليبي (جود فروا دي بوبون) دخل المدينة على صهوة جواده الأبيض، وعقب انتصار جيوش الإسلام على الصليبيين قرر (الناصر صلاح الدين) عدم السماح لأحد مهما كانت مكانته بدخول القدس على ظهر جواد. والمحاولة الوحيدة لانتهاك هذا التقليد الصارم كانت عندما طلب (ويلهالم الثاني) إمبراطور ألمانيا من (الباب العالي) أن يدخل القدس من باب الخليل على ظهر جواد أبيض! وقد وجد الصدر الأعظم وسيلة لإرضاء حليف تركيا الإمبراطور الألماني، دون أن يثير مشاعر المسلمين، فاستحدث فجوة في السور ليمر منها إمبراطور ألمانيا! 

وتجدر الإشارة إلى أن الجنرال (اللنبي) عندما دخل القدس عام 1917م، اقترح عليه مستشاروه أن يدخلها على حصان أبيض، لكنه رفض خشية رد فعل المقدسيين ودخلها مترجلاً من باب الخليل. وعلى مقربة منه ترتفع (القلعة التركية) الشهيرة التي أطلق عليها اليهود اسم: برج داود.

باب العمود

ويعرف أيضاً بـ (باب دمشق)، كما أطلق عليه (باب النصر) عندما دخل منه أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه.

وباب العمود يتوسط الجانب الشمالي من سور المدينة، ويعتبر المدخل الرئيسي إلى القدس العتيقة، ويمتد منه طريق شمالي إلى دمشق. شيِّد هذا الباب في عصر السلطان سليمان القانوني، وما يزال الباب يزدان بكتابة كوفية واضحة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وهو عبارة عن قوس ضخم يرتكز على رائعين وإلى جواره بعضٌ من بقايا السور المشيَّد في العصرين البيزنطي والروماني، وكان البابَ المخصص لكبار الزوار في عصر الدولة العثمانية. وتجدر الإشارة إلى أسطورة تقول بأن موقع الصلب المزعوم لسيدنا عيسى عليه السلام لم يكن في مكان كنيسة القيامة، وإنما في موقع آخر خارج السور بالقرب من باب العمـود، وأن السيد المسيح - عليه السلام - سار عبر هذا الباب (حاملاً صليبه) إلى خارج السور!

باب الزاهرة:

وُيعر!ف أيضاً بـ (باب الساهرة)، وأطلق عليه الإنجليز في زمن الانتداب (باب هيرودس) عندما أعادوا فتحه في نهاية الحرب العالمية الأولى، ويقع في الجانب الشمالي من سور القدس على مسافة نصف (كم) شرقي باب العمود. وهناك أسطورة مفادها أن يوم الحشر ستجري وقائعه على (تل الساهرة) شمال القدس ويُنسَب إليه هذا الباب، الذي عُرِف أيضاً بـ (باب الزهور) وقد اختلط هذا الاسم مع (باب الساهرة) إلى أن اشتهر باسم (باب الزاهرة).

باب (ستنا مريم)

بالدوران حول السور من الزاوية الشمالية الشرقية باتجاه الجنوب؛ فإن أول باب يصادفنا هو (باب ستنا مريم) الذي يطل على (بِركة ستنا مريم) وكنيسة الجثمانية وقبر العذراء خارج سور القدس، ويحيط بالباب في الجزء العلوي منه أسدان منحوتان من كل جانب، وهو ما أدى إلى أن يطلَق عليه (باب الأسود). وتشير الـروايات التاريخية إلى أن السلطان سليمان القانوني عندما شيَّد هذا الباب أمر بوضعهما أعلى الباب، ويُعرَف هذا الباب أيضاً بـ (باب الغنم) حيث كان سوق الجمعة لبيع وشراء الأغنام.

وفي عصر المملكة الصليبية سمي هذا الباب (باب القديس اسطفان) طبقاً لاعتقادٍ ساد بأن هذا القديس رُجِم حتى الموت في المكان نفسه عام 39م، وقد أمكن في ما بعد تحديد المكان الذي رجم فيه هذا القديس في موقع المتحف الفلسطيني حاليّاً عند الركن الشمالي الشرقي من السور، وأطلق عليه الإنجليز «St. Stephans Gate» باب القديس ستيفين.

باب المغاربة

ويعد هذا الباب أقدم أبواب القدس الشريف؛ إذ شُيِّد في عهد الإمبراطور (هيرودس) ويطل على وادي (سلوان) الخصيب، وهو أصغر أبواب القدس عبارة عن قوس مشيد على برج مربع. وفي العصر العثماني، كانت أبواب القـدس تغلق جميعها إلا في حالات استثنائية، فكان هذا الباب يفتح فقط لإمداد المدينة بالمياة. وتجدر الإشارة إلى أن سلطات الاحتلال الصهيوني عقب حرب يونيو 1967م قامت بهدم هذا الباب الأثري وهدم حي المغاربة بالكامل في إطار خطتها لتهويد القدس بالكامل!

باب النبي داود

أنشىء هذا الباب في عهد السلطان سليمان القانوني، وهو باب ضخم منفرج يفتح على ساحة داخل السور، وأطلق عليه النصارى (باب علية صهيون)؛ وهي العلية القريبة من الباب خارج السور، وتشير رواية تاريخية إلى أن السيدة العذراء قد عاشت فيها خمسة عشر عاماً قبل وفاتها، ويقال أيضاً إن هذه العلية هي التي شهدت (العشاء الأخير) الذي أقامه السيد المسيح لتلاميذه وحوارييه، ويسود اعتقاد بأن النبـي داود مدفون هناك، بينما رأي آخر يذهب إلى أنه مدفون في بيت لحم. وقد أطلق عليه الإنجليز (Zion Gate) باب صهيـون. وخلال حرب فلسطين عام 1948م أغلق هذا الباب لوقوعه عند حدود تقسيم المدينة، وقد أصيب بأضرار بالغة بسبب القذائف والرصاص الذي كان يطلقه اليهود على الفلسطينيين.

الباب الجديد

وهو الأحدث نسبيّاً، ويطلق عليه أيضاً (باب عبد الحميد) نسبة إلى السلطان العثماني عبد الحميد الذي شيده عام 1887م بناء على طلب الرهبنة الفرنسيسكانية التي رغبت في إحداث باب في السور يكون قريباً من دير الآباء الفرنسيسكان ويطلق على رئيسه (حارس الأراضي المقدسة). ويروى أن فتح هذا الباب تم بمؤامرة روسية فرنسية وخديعة للدولة العثمانية، ولـمَّا ثار المقدسـيون أصـدر السلطان عبد الحميد أمراً بعزل متصرف لواء القدس ورئيس البلدية؛ وهدأت الأحوال ولكن ظل الباب مفتوحاً، وهو الذي دخل منه إمبراطور ألمانيا «غليوم الثاني» عند زيارته للقدس عام 1898م.

الباب الذهبي

وهو أعظم أبواب القدس وأكثرها فخامة، على مسافة 200 متر جنوبي باب الأسباط في السور الشرقي ويؤدي مباشرة إلى داخل الحرم القدسي، ويعود إلى عصر الدولة الأموية، وهو باب مزدوج يعلوه قوسان، تمتد أمامه باحة مسقوفة ترتكز على أقواس فوق أعمدة كورنثية ضخمة، وقد أغلقه الناصر صلاح الدين عقب تطهير المدينة من الصليبيين، ويسمى المدخل الشمالي (باب التوبة) والمدخل الجنوبي (باب الرحمة). وفي الأساطير اليهودية: أن (المسيح اليهودي المنتظر) سيدخل المدينة من الباب الذهبي، وأن أرواح المؤمنين الصادقين ستعبر هذا الباب في طريقها إلى الجنة!

وكان لهذا الباب مكانة خاصة لدى النصارى؛ إذ يعتقدون أن السيد المسيح - عليه السلام - دخل القدس من الباب الذهبي في يوم (أحد الشعانين)، وفي هذا اليوم من كل عام كانوا يحتفلون مارِّين من هذا الباب حاملين سعف النخيل. وقد أغلق هذا الباب مرة أخرى في العصر العثماني بسبب خرافة سرت بين الناس مفادها أن الفرنجة سيعودون ويحتلون القدس عن طريق هذا الباب!

وسيظل لمدينة القدس - مهما عابثتها نوائب الدهر - روحها الخاصة التي تستعصي على المحو والضياع.

 

 

 

أعلى