الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، وبعد:
في زمنٍ أضحت فيه مصادرُ العلم تُبتغَى لدى أمم فسدت فِطَرُهم وحادوا عن شريعة الرسل؛ إما لسلطة الجهل، وإما لغلبة الهوى حتى تنكَّر بعض هذه الأمة لما هو معلوم بضرورة العقل والفطرة. وهنا تبرز أهمية الحديث عن فطرة الخلق التي جُبِلوا عليها بعرَفةَ حتى علا القلوب ما علاها من شبهات وشهوات.
قال تعالى: {وَإذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: ١٧٢]. وبيان ذلك ما جاء في السنة من حديث ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً: «أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمانَ [يعني عرفة] فأخرج من صلبه كلَّ ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلَّمهم قبلاً، فقال: {ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف: ١٧٢] الآية».
هذا الميثاق هو علَّة الفطرة التي فُطِر الناس عليها وأشار إليها القرآن في قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِـخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: ٣٠]، والتي فسَّرها السلف بدين الإسلام. ثم تتابع الرسل يذكِّرون الناس بهذا الميثاق كما جاء في الحديث: «فإني أُرسِل إليكـم رُسُلي يذكِّرونكم عهدي وميثاقي». ولهذا كانت الملل الأخرى سوى الإسلام مخالفةً للفطرة كما في الحديث الصحيح: «كلُّ مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه».
فأصل نفوس البشر - كأجسادهم - السلامة، حتى يَعرِض لها ما يَعرِض من العلَّة والفساد فتتداوَى من ذلك بالوحي الذي جعله الله شفاءً لمن تقبَّله.
خلاصة القول: إن ثمة حاجةً إلى التأكيد على حقيقة الفطرة عند دعوة الخلق إلى الله؛ لا سيما وقد امتلأت وسائل التواصل ببعض مَنْ ينتسب إلى الإسلام ممن انسلخ منه ظاهراً أو باطناً وأضحى يدعو شباب المسلمين إلى التشكك في ضروريات الفطرة ومُسَلَّمات العقل إلى مذاهب أهل الضلال بحجَّة اعتماد المنهج العلمي التجريبي الذي ليس له من العلم نصيب.