• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
العدل منهاج الصالح وقوام الإصلاح

العدل منهاج الصالح وقوام الإصلاح


 

الحمد لله الذي قام بالعدل وأمر به، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم  الذي قال: «ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل»، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الناظر إلى تاريخ المسلمين منذ بدء الرسالة يدرك أن الدين لم يقم في المجتمعات، ولم يظهر على الأديان بسهولة ويسر!

بل بدأ غريباً، محارَباً، تحاك ضده المؤامرات، وتشن عليه الحروب والغارات، ولكن وعد الله حق، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْـحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28]، وقال عز وجل في آيتين من كتابه: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْـحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْـمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33/ الصف:9]، قال قبل الأولى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32]، وقبل الثانية: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: ٨].

كانت الحرب على الإسلام أول أمره على أشدها، بذل المشركون غاية وسعهم في إيقادها، وارتكبوا الوسائل من تنكيلٍ وتعذيب، وسحل في رمضاء مكة، ومقاطعة اقتصادية، وقتل ومحاولات اغتيالات للقيادات، {وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْـمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30]، أمة كافرة تخرج بقضها وقضيضها لتنال من رجلين: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40]، ومع ذلك ما مضى عقدان من الزمان حتى انتشر الإسلام، ودانت به الجزيرة كلها، وغدا قوة ترهب القوتين العظيمتين المتحكمتين في الأرض آنذاك؛ وهما فارس والروم، بل ما مضى بعد ذلك إلا قليل حتى كسرهما الكسرة التي لا انجبار لها في أرض فارس والشام وتعدى القسطنطينية إلى تخوم رومية.

إن الإسلام مذ كان، كان له أعداء! حريصون كل الحرص على استئصال شأفته، وتلك سنة الله منذ خلق آدم: صراع بين الحق والباطل، لكن الغلبة دائماً وأبداً للحق: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْـحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} [الأنبياء: 18]، {وَقُلْ جَاءَ الْـحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]، والمتأمل يلحظ أن الإسلام أول الأمر كان في ازدياد، وقوة، مع أن تسلط الحرب عليهم في اطراد، ثم بدأ يضعف عندما كثرت الأعداد، وبرزت مظاهر التفرق والنزاع، وأول ما بدرت تلك الظواهر كان لها أثرها العظيم في الحد من انتشار الدين وظهور سلطانه.

ولما لم تكن تلك المظاهر موجودة إبان فجر الرسالة، مع أن الأعداء كانوا أقوياء، فقد كان أهل الإسلام يمضون قدماً في الفتوحات، ولما استفحلت تلك الأسباب تغير الحال!

إن الجدار إذا كان محكم البناء متراص اللبنات صمد في وجه الرياح والأمطار، أما إذا كان خواء متنافرة لبناته، تمضي في تباعد أجزاؤه؛ فمن البدهي أن ينهار بركلة من رجل ضعيفة أو دفعة من يد واهية! بل لو ترك فلابد أن ينهار!

وهكذا بناء الإسلام! فإن الكيد الخارجي لم يكن ليؤتي أكله اليوم في الأمة إلا مع تفاقم أسباب فشل داخلية، وإلا فالكيد قديم، فلماذا فشل الأعداء أول الأمر فبزغ فجر الرسالة وانتشر الدين وظهرت دولته وهم كارهون؟ ولماذا لمّا كثر المسلمون وملؤوا الأصقاع انحسر أمر دولتهم، مع أن كيد الأعداء هو الكيد، والعداء هو العداء؟

وإذا ظهر ذلك فينبغي أن يعلم أن أسباب الفشل الداخلي جماعها الجهل والهوى، ومنشأ الجهل في الغالب راجع إلى الهوى، فالهوى أصل كل بلية!

قال الشاطبي رحمه الله في بيان أن اتباع الهوى ضلال مبين: «ألا ترى قول الله تعالى: {يَا دَاوُودُ إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْـحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْـحِسَابِ} [ص: 26]، فحصر الحكم في أمرين لا ثالث لهما عنده هو: الحق، أو الهوى، وقال: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف: 28]، فجعل الأمر محصوراً بين أمرين اتباع الذكر وهو الحق، أو اتباع الهوى، وقال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} [القصص: 50]، وهي مثل ما قبلها، وتأملوا هذه الآية فإنها صريحة في أن من لم يتبع هدى الله في هوى نفسه فلا أحد أضل منه، وهذا شأن المبتدع فإنه اتبع هواه بغير هدى من الله وهدى الله هو القرآن».

ومن أعظم بواعث الهوى تعظيم حق النفس وغمط حق غيرها! وهو باختصار ضرب من البغي ومجانفة العدل، وتلك عصا الفرقة التي لم تزل تضرب في الأمة من قرون! قال ابن تيمية: «إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين هذه الأمة؛ علمائها، وعُبّادِها، وأمرائها، ورؤسائها، وجدت أكثره من هذا الضرب الذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل، كما بغت الجهمية على المستنة في محنة الصفات والقرآن؛ محنة أحمد وغيره، وكما بغت الرافضة على المستنة مرات متعددة، وكما بغت الناصبة على علي وأهل بيته، وكما قد تبغي المشبهة على المنزهة، وكما قد يبغي بعض المستنة إما على بعضهم، وإما على نوع من المبتدعة بزيادة على ما أمر الله به، وهو الإسراف المذكور في قولهم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} [آل عمران: 147]، وبإزاء هذا العدوان تقصير آخرين فيما أمروا به من الحق أو فيما أمروا به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الأمور». وقال رحمه الله في بيان الواجب على عامة المسلمين: «الواجب على المسلم أن يلزم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسنة خلفائه الراشدين والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وما تنازعت فيه الأمة وتفرقت فيه إن أمكنه أن يفصل النزاع بالعلم والعدل، وإلا استمسك بالجمل الثابتة بالنص والإجماع، وأعرض عن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً».

والعدل الواجب على المسلم يتناول ما تنازعت فيه الأمة ويتناول غير ذلك، ومن نظر في القرآن وجده يأمر بالعدل في شتى الشؤون:

- أمر بالعدل مع البعيد البغيض: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: ٨]، {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْـمَسْجِدِ الْـحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا} [المائدة: ٢]، وأمر بالعدل مع أقرب الأقرباء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ} [النساء: 135]، وكما في الصحيحين: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم».

- أمر بالعدل النبي الكريم: {يَا دَاوُودُ إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْـحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26]، بل قال لمحمد صلى الله عليه وسلم : {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى: 15]، وأمره بالعدل مع الكفار من أهل الكتاب: {وَإنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْـمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42]. وأمر بالعدل القوم الظالمين: {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْـمُخْسِرِينَ181 وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْـمُسْتَقِيمِ 182 وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [الشعراء: ١٨١ - 183]، بل قال تعالى في بعثة سائر الرسل: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْـمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25].

- أمر بالعدل مع الكافر: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْـمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: ٨]، تأمر بالعدل تحريجاً على حق الضعيف قال في أول سورة النساء: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْـخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إلَى أَمْوَالِكُمْ إنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا 2 وَإنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا 3وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: ١ - ٥]، ثم قال فيها: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْـمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} [النساء: 127].

فالعدل إذن مطلوب مع العدو والصديق، القريب والبعيد، القوي والضعيف، مخاطب به أتقى الناس، ومأمور به سائر الناس.

إننا بحاجة إلى العدل في كافة شؤون الحياة، والمهم أن يكون المرء متوازناً في كافة المجالات، ثم إن قصر عن إقامة العدل في جانب لعذر لم يسقط عنه ذلك القيام به في غيره، ومن الاختزال المخل بالمفاهيم الجليلة الكبيرة اختصارها في مظهر، فبعض أدعياء العدالة، يرى العدل هو المشاركة في الحكم وتداول السلطة، بينما هو مستبد على نطاق جماعته وحزبه، وأسرته، ومؤسسته، وشؤونه كلها، ومثل هذا مؤشر إلى خلل في الدعوة، بل ربما كانت دعوته إنما هي لحظ نفسه لا لفضيلة هو مؤمن بها، وأياً ما كان إن لم يصحح مفهوم العدل فلن يسوس به أمة! أما الذي يعمل بمقتضى الشرع فتجده متزناً كتوازن الشريعة التي جاءت بأنواع من العدل مثل:

- العدل في الحكم: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا وَإذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]، {وَإنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ إنَّ اللَّه َ يُحِبُّ الْـمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42].

- العدل في المعاملة: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْـمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا} [الأنعام: 251].

- العدل في الوزن في البيع والشراء: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْـمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا وَإذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام: 152]، {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْـمِكْيَالَ وَالْـمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 58]، {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْـمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [الإسراء: 35]، {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْـمُخْسِرِينَ 181 وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْـمُسْتَقِيمِ 182 وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [الشعراء: ١٨١ - 183].

- العدل بين الأولاد: كما قال صلى الله عليه وسلم  لمن نحل أحد أولاده نحلة خصه بها، وجاء يشهده: «أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور»، وقال كما في حديث الصحيحين: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم».

- العدل بين الزوجات: فقد قال صلى الله عليه وسلم : «اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله»، والعدل بين الزوجات أمر واجب لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «من كان له امرأتان فما إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل»، رواه أبو داود وغيره.

- العدل في القول: {وَإذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 152].

- العدل في الشهادة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَ} [المائدة: ٨].

- العدل في توثيق المعاملات: {وَلا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كبِيرًا إلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا} [البقرة: ٢٨٢].

- العدل في الاعتقادات: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إلَهَ إلَّا هُوَ وَالْـمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إلَهَ إلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْـحَكِيمُ} [آل عمران: 18]، {إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، وأعدل العدل وأوجبه توحيد الله تعالى وحسن الاعتقاد فيه وإعطاؤه ما يستحق من العبادة.

- العدل مع الضعفاء كاليتامى والنساء: {وَإنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: ٣]، {وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} [النساء: 127].

- العدل عند الصلح بين الناس: {وَإن طَائِفَتَانِ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإن بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْـمُقْسِطِينَ} [الحجرات: ٩].

- العدل في كل شيء: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} [الأعراف: 29]، {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 90]، {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْـمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25].

ومن لم يتجرد من الهوى ويجاهد نفسه على ذلك وينصف منها حتى إخوانه، فالعدل منه بعيد، وإن ادعاه!

إن العدل فضيلة عند سائر العقلاء، بل كل يدعيها وقل المتحقق بها منهم! وتأمل تجد المسميات الحاملة للدعوى العدلية العريضة: حركة العدل، حزب العدل، وجماعة العدل، وكالة الدولة العامة لمصالح العدل، ومحكمة العدل، وفي كل بلد: وزارة عدلٍ! وكذلك ما يتصرف من لفظة (عدل) في كل ذلك! ولكن تأمل من يحقق العدل {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٣].

وأختم هذا المقال ببيان أن من أهم ما يجمع كلمة العلماء والدعاة والجماعات الدعوية هو إقامة العدل بينهم وإزالة الجور والتباغض وفساد القلوب التي أكبرها البغي والظلم، ولن يتحقق العدل والقلوب تتنازعها الأهواء والحزبيات والعصبية الجاهلية، وعلى القادة والأئمة أن يكونوا قدوة لمن خلفهم وأسوة لأتباعهم، وبهذا بتحقق النصر والفلاح:  {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْـمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18]، وسبيل التحقق بالعدل على الحقيقة علم يهدي إلى معرفة الحق، وديانة تعصم من غوائل الأهواء، أسأل الله أن يرزقنا العلم والعمل، وأن يعصمنا من الجور ومضلات الفتن، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هو المستعان وعليه الجهد والتكلان، والحمد لله رب العالمين.

أعلى