الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
لا تزال حلب الشهباء تلقننا دروساً في الإباء والصمود وتعلمنا أننا إنما نؤتى من قبل المتخاذل قبل أن نؤتى من قبل أعدائنا.
فهذا موقف حاكمها المتخاذل «رضوان» من الصليبيين نظراً لخلافه مع حاكم أنطاكية، بينما يقوم علماؤها ووجهاؤها إلى بغداد يدعون الخليفة إلى الوقوف أمام الغزاة ونصرة جيش الأمير مودود.
ولما وصل المد الصليبي إلى حلب أظهر أهلها من الشجاعة والاستبسال ما سطره التاريخ. ولما ضاقت بهم السبل استنجدوا بحسام الدين تمرمتاش لإنقاذ حلب، لكنه قعد عن نصرتهم، فاتجهوا إلى أمير الموصل يستنجدون به. وبالفعل انتصر لهم أميرها البرسقي، وهو ما شكل نواة جديدة لقتال أهل الصليب ومن شايعهم.
ثم بدأت بشائر النصر تلوح، إذ لما قدم عماد الدين إلى حلب فقضى على الفوضى التي أوهنتها بسبب نزاعات الأمراء، ثم شرع يفتح الحصون حتى استنجد الفرنجة بالنصارى البيزنطيين. حاصر البيزنطيون والصليبيون حلب، لكنهم أخفقوا أمام صمود أهلها ومناعة أسوارها.
ثم حكم نور الدين زنكي في حلب، فأشرف بنفسه على أحداث الشام وأبلى فيها بلاء حسناً خلده التاريخ.
وفي عهد صلاح الدين الأيوبي، حاصر الموصل التي كانت بالنسبة له طريقاً إلى حلب. وتم له ذلك، واستطاع أن يقطع طريق الإمدادات بين حلب والموصل، ثم اتجه إلى حلب وفرض عليها حصاراً انتهى بتسليمها له.
وها هي حلب تشكو تخاذل أهل الإسلام عن نصرتها، واجتماع الباطنية والصليبيين على قتل أهلها. فاللهم هيئ لها من يجمع كلمة أهل الإسلام، ويدك معاقل أهل الباطل.