الانتخابات النيجيرية.. والطموح للاستقرار
لم يكن فوز الجنرال النيجيري المسلم محمد بخاري (72 عامًا) برئاسة البلاد في انتخابات شهد لها الجميع بالنزاهة والسلامة بالحدث الهيّن، بل يعتبر فوز بخاري زلزالًا أصاب البلاد ليس سياسيًّا فقط بل ودينيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا، فالرجل ذو الخلفية العسكرية والذي حكم نيجيريا منذ أكثر من ثلاثين عامًا بانقلاب عسكري يعود للحكم من جديد وهو الذي عرف عنه الحزم ومحاربة الفساد وعزمه على مواجهة بوكو حرام والقضاء عليها.
وهو رئيس مسلم جاء بعد رئيس ذي خلفية نصرانية غودلاك جوناثان (57 عامًا) وصل للحكم معتديًا على العرف السائد في حزبه الحاكم أن يتبادل الرئاسة رئيس مسلم من الشمال مع رئيس نصراني من الجنوب، ولكنه استغل وفاة الرئيس المسلم «عمر يار ادوا» في (5-5-2010م) عن عمر ناهز 58 عامًا، وقفز إلى الحكم وأكمل المدة ثم أجرى انتخابات رئاسية مثيرة للجدل عام 2011م ووقعت على إثرها مواجهات بين أنصاره وأنصاره منافسه في تلك الانتخابات الذي لم يكن سوى الجنرال محمد بخاري نفسه، والذي اتهم جودلاك حينها بتزوير الانتخابات لصالحه فأسفرت المواجهات بين المسيحيين والمسلمين عن مقتل ما يقارب الألف شخص، ثم يعود بخاري بعد 4 سنوات ليثبت جدارته بالفوز في الانتخابات.
أعلن رئيس لجنة الانتخابات النيجيرية فوزه رسميًّا صباح الأربعاء 1 أبريل 2015م بأغلبية 15,424,921 صوتًا، أي 53,9% من أصوات 28,587,564 ناخبًا. ونال خصمه غودلاك جوناثان من الحزب الديمقراطي الشعبي 12,853,162 صوتًا (44,96%) في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 28 و29 مارس 2015م.
فاز بخاري في 21 ولاية من أصل 36 في البلاد، وتمكن من الفوز بأكبر ولايتين وهما لاغوس في الجنوب وكانو في الشمال، كما فاز أيضًا في ولاية بورنو التي تعتبر معقل حركة «بوكو حرام».
فيما فاز جوناثان بالأغلبية في ولايته بايلسا وولاية الأنهار في الجنوب.
ولم تنجح جماعة «بوكو حرام» في تعطيل الانتخابات برغم تهديدها، ومحاولة قيامها ببعض الهجمات المتفرقة والتي أسفرت عن سقوط قتلى، وبرغم ذلك جرت الانتخابات بهدوء ونزاهة.
وكان حزب الشعب الديمقراطي الحاكم الذي يمثله جوناثان قد هيمن على الحياة السياسية في نيجيريا منذ عام 1999م، ولكن حزب المؤتمر التقدمي الذي يتزعمه بخاري ينظر إليه بوصفه تحديًا جديًّا لهذه الهيمنة. ويذكر أن المعارضة لم يسبق لها قط أن فازت في انتخابات رئاسية في نيجيريا.
وقد اعترف جوناثان بهزيمته وأرسل رسالة لغريمه بخاري، فيها: «أشكر لجميع النيجيريين الفرصة الهائلة التي أتيحت لي لقيادة هذا البلد... لقد نقلت تمنياتي الشخصية إلى الجنرال محمد بخاري».
من هو الجنرال محمد بخاري؟
عسكري وسياسي نيجيري مسلم حكم البلاد في ثمانينات القرن الماضي قبل الانقلاب عليه، ثم عاد ليخوض الانتخابات الرئاسية في أكثر من مناسبة، ولد عام 1942م بولاية كاتسينا، وهو ينحدر من مناطق الشمال النيجيري، من قبيلة الهوسا التي تعتبر أكبر التجمعات العرقية في البلاد، حيث تبلغ نسبتهم - بحسب بعض التقديرات - ربع السكان، وغالبيتهم الساحقة من المسلمين (نحو 90%).
لم يعرف للرجل توجه أيديولوجي، إذ يصنفه البعض قريبًا من الإخوان المسلمين، وبعضهم يصنفه «إسلاميًّا متشددًا»، والبعض على أنه «قومي عرقي»، وفيما يبدو فإنه يمثل التصنيف الثالث.
التحق بخاري بالسلك العسكري باكرًا، وخدم في مناصب مختلفة ضابطًا في الجيش، من بينها الحاكم العسكري لمنطقة شمال شرق نيجيريا المضطربة. وقد تولى الحكم في نيجيريا في غرة يناير 1984م بعد انقلاب على أول حاكم مدني هو شيخو شجاري، واستمر في الحكم عشرين شهرًا قبل أن ينقلب عليه قائد الجيش إبراهيم بابا نجيدا ويضع حدًا لنظامه في أغسطس 1985م، ويحيله إلى الإقامة الجبرية التي قضى فيها فترة طويلة.
عرف بخاري بالنزاهة والاستقامة في بلد تنتشر فيه معدلات الرشوة والفساد، واشتهر خلال فترة حكمه بقوته وصرامته وقبضته الحديدية، وحظي بشعبية كبيرة في الشمال ذي الغالبية المسلمة، وبشعبية أقل في مناطق المسيحيين الذين يساورهم الخوف جراء صرامته العسكرية وانتمائه الديني، برغم الانطباع السائد عنه من كونه من أنظف ساسة وجنرالات نيجيريا.
خاض سباق الرئاسة أعوام 1999م، و2003م، و2011م، وخسر فيها جميعًا، يذكر أنه بكى عام 2011م على الملأ عقب خسارته في الانتخابات المثيرة للريبة، واندلع على إثرها صراع دامٍ، وقال حينها: إنها ستكون المرة الأخيرة التي يترشح فيها للانتخابات الرئاسية.
لكنه عاد وترشح باسم المعارضة النيجيرية للانتخابات الرئاسية التي نظمت في 28 مارس 2015م، تحت زعم أنه تعرض لضغط من أنصاره للترشح، وقال إن هذا القرار «لا يهدف لتحقيق مكاسب شخصية».
حاول الحزب الحاكم «حزب الشعب الديمقراطي» لعب ورقة ما سماه اعتلال صحة بخاري وتقدمه في السن، وحذر من أنه قد «يموت في منصبه»، لكن أنصاره قالوا إن الجنرال المتقاعد هو الحاكم العسكري السابق الوحيد الذي لا يشوب تاريخه اتهامات غش أو فساد ترتبط به أو بأسرته مباشرة، وأنه رفض الامتيازات التي منحت للحكام السابقين في نيجيريا.
الخلفية العسكرية للجنرال هل هي مرفوضة على إطلاقها أم أن المرفوض هو الاستقواء بالجيش والقيام بانقلابات على رئيس منتخب؟
لا شك أن من حق أي شخص أن يصل للحكم مدنيًّا كان أو عسكريًّا، ولكن المشكلة تكمن في طبيعة الرئيس ذي الخلفية العسكرية من ناحيتين:
- الصفات الشخصية التي يتصف بها العسكر وهي الشدة والحزم والاستهانة بالحقوق الإنسانية والتعبير عن الرأي والحرية.
- الاستقواء بالجيش في مواجهة الشعب، وتمكن العسكر من مفاصل الدولة وترك مهمتهم الرئيسية في حماية الحدود.
الإسلام في نيجيريا:
نيجيريا بلد كبير وذو تاريخ عريق ولها أهمية كبيرة بالنسبة للقارة، وقد دخلها الإسلام في وقت متأخر، مقارنةً ببلاد إفريقية أخرى، وجاء ذلك بعد إتمام الفتوحات الإسلامية في إفريقيا في عهد الدولة الأموية، حيث بدأت قبائل الهوسا - التي تتركز في شمال نيجيريا - الدخول في الإسلام في القرن الثالث عشر الميلادي/ السابع الهجري.
كما كان من وسائل دخول الإسلام نيجيريا أيضًا عن طريق التجار المسلمين الذين وجدوا في بلاد الصحراء الكبرى جنوبي دولة الخلافة الإسلامية سوقًا لبضائعهم، وكان للمرابطين دور بارز في انتشار الإسلام في نيجيريا، كما في عموم غرب إفريقيا؛ حيث وصل الدعاة المرابطون مع التجار المسلمين إلى نيجيريا وغينيا والكاميرون ومعظم مناطق الصحراء الكبرى وجنوبها حتى الجابون.
وأُقيمت العديد من الإمبراطوريات والممالك الإسلامية في هذه المنطقة في العصور الوسطى التي حملت هم الإسلام قرونًا طويلة، ومنها إمبراطورية سونغاي والتي تقع ناحية الداهومي إلى جهات بوسا شمالي نيجيريا، وكانت عاصمتها جاو. وكذلك إمبراطورية كانم من نهاية القرن الحادي عشر وحتى أواسط القرن الرابع عشر الميلادي.
وفي أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر قام «شيخو عثمان دان فوديو» وأسرته ورفاقه بتأسيس طريقة عملية متكاملة للجهاد عبر التربية الإسلامية وجمع الزكاة للإنفاق على الفقراء والمحتاجين خلال الفترة من (1804م-1817م) ومنذ أن توفي «شيخو عثمان» في 1817م تكونت إمبراطورية إسلامية في الولايات الشمالية من نيجيريا وظلت سائدة حتى نهاية القرن التاسع عشر، وامتد حكم المملكة من حدود الكاميرون الحالية وحتى حدود مالي الحالية، وغزت مملكة الشيخ عثمان أجزاء من الغابات الاستوائية باتجاه الوسط الإفريقي، وطبَّقت الشريعة الإسلامية على المناطق التي خضعت لها، واتخذت من المذهب المالكي مذهبًا رسميًّا لها، وتم بناء المساجد والمدارس والمكتبات في أنحاء البلاد، وحافظوا على الحكم إلى بداية الاحتلال البريطاني للاجوس عام 1851م، وفي العام نفسه تمكنت شركة النيجر الملكية من حصول على امتياز استغلال ثروات نيجيريا عندما كانت تحت إدارة السير جورج تاوبمان والتي في عام 1900م أصبحت تحت سلطة الحكومة البريطانية حتى استقلت عن بريطانيا في 1 أكتوبر عام 1960م.
عقبات ومشاكل
يأمل كثير من النيجيريين أن يكون فوز محمد بخاري بداية جديدة للنهوض بالبلد الأكبر على مستوى إفريقيا من حيث السكان والثروات، لذا يطلق عليه «عملاق إفريقيا»، فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014م أكثر من 500 مليار دولار، وهو الأكبر في إفريقيا، لتصبح من ضمن أكبر 26 اقتصاد في العالم، وتعد نيجيريا من أهم الدول الإفريقية المنتجة للنفط وهي عضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وتحتل المرتبة الثامنة في قائمة أهم الدول المصدرة للنفط على المستوى العالمي، إلا أنها تعاني معاناة شديدة من الفساد والرشوة والانهيار الإداري والصراع على عائدات النفط وتركزها في دائرة ضيقة من أبناء بلد يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر، مما أجج لهيب الصراعات العرقية والاضطرابات الدينية والتي ازداد أوارها في السنوات الأخيرة. وتزايد مطالب سكان منطقة دلتا النيجر التي يتركز فيها معظم النفط النيجيري بالحصول على نصيب أوفر من هذه العوائد لاستغلالها في تنمية مناطقهم، كما يطالب النيجيريون الشركات الأجنبية العاملة في هذا القطاع - خاصة الأميركية - بتقاسم عوائد النفط بشكل عادل.
ونتيجة للاضطرابات الناشئة عن الظلم في توزيع العائدات النفطية انتشرت عمليات نهب النفط نفسه، وهي العمليات التي تتسبب في فقدان ما يقارب 10% من الإنتاج الكلي للنفط النيجيري، كما زادت اضرابات العمال في قطاع النفط وقيام مسلحين بشن هجمات على أنابيب النفط وخطف رهائن من العاملين الأجانب في هذه الشركات؛ الأمر الذي جعل قضية النفط أحد مسببات الاضطرابات السياسية التي تشهدها البلاد جنبًا إلى جنب مع الإرث القديم من الاضطرابات العرقية والصراعات الدينية.
الرئيس السابق جودلاك جوناثان، استند إبان حمالاته الانتخابية على وعود بالعدالة في توزيع الثروات والقضاء على الفساد، وانتهى به الحال إلى أن بات مضرب الأمثال في عدم إدارة اقتصاد نفطي سليم.
كل ذلك تسبب في دخول نيجيريا أعوامًا من الفساد، ودخول البلاد مرحلة الفوضى، إلى أن اتفقت قوى المعارضة في الجنوب والشمال على التوحد للإطاحة بالحزب الحاكم من السلطة، والتوافق على محمد بخاري مرشحًا للمعارضة أملًا لنجدة البلاد والعباد.
الصراعات السياسية والإثنية في نيجيريا:
تشهد الساحة النيجيرية صراعات إثنية ودينية منذ عقود، فالمحتل النصراني كعادته لم يترك البلاد لتنعم في ظل الحرية، فغرس بذرة الخلاف، حتى دب الصراع والاقتتال بعد خروجه من نيجيريا عام 1960م.
الدولة التي أنشأتها بريطانيا عام 1914م محمية لها تشمل حوالي (250) جماعة عرقية ولغوية مختلفة، ناهيك عن انتماءات دينية متعددة (60% من السكان مسلمون، و35% مسيحيون، و5% ديانات محلية).
ولعل الصراع الأكبر والذي استمر فترات طويلة كان بين قبيلتي الهوسا والإيبو، وكذلك الصراع في دلتا النيجر.
تم في منتصف يناير1966 م الإطاحة بحكومة بنيامين نامدي آزيكوي (من قبيلة الإيبو) الذي قاد البلاد إلى الاستقلال وتولي الجنرال جونسون آغيلي إرونسي (من قبيلة الإيبو كذلك) السلطة.
وتم اغتيال عدد من الزعامات الهوسوية المسلمة كرئيس الوزراء أبو بكر بلو والزعيم السياسي أحمد بللوا والجنرال زكريا ميملاري والعقيد كور محمد وغيرهم. وإلغاء مبدأ الفيدرالية.
كما تم في يوليو اغتيال الرئيس جونسون آغيلي بعد ستة أشهر من توليه الحكم وتعيين يعقوبو غوون (مسيحي من قبيلة الهوسا) رئيسًا للبلاد.
إعلان الحكومة الفيدرالية نيتها تقسيم منطقة الشمال إلى ثلاثة بلدان، مما يحرم الإيبو كل اتصال بالبحر ويبعدهم عن المناطق النفطية.
في مايو 1967م أعلن الكولونيل شيكوميكا أوديميجوا (من قبيلة الإيبو) انفصال إقليم بيافرا الغني بالنفط والمطالبة بقيام جمهورية بيافرا، وأشعلت على إثر ذلك الحرب الضروس التي استمرت ثلاث سنوات ومعها انتهت حركة انفصال إقليم بيافرا عام 1970م وعودته إلى حظيرة نيجيريا بعد قتل زهاء مليون شخص.
كما تم في يوليو 1975م الإطاحة بالرئيس يعقوبو غوون بانقلاب أبيض وتولي مرتلي رحمت محمد (من قبيلة الهوسا) الحكم.
تم في يوليو 1976م اغتيال الرئيس مرتلي لكن الجيش قضى على المحاولة وتولى أولوسيغون أوباسانجو الرئيس الحالي الحكم.
وفي عام 1983م أطاح انقلاب عسكري بحكومة شجاري المدنية وتولى محمد بخاري الحكم.
وفي أغسطس 1985م أطاح الجنرال إبراهيم بابانغيدا بمحمد بخاري في انقلاب عسكري (كلاهما من الهوسا).
وتوالت بعدها الانقلابات والصراعات السياسية والعسكرية
في بداية عام 2000م أعلنت بعض الولايات تطبيق الشريعة الإسلامية منها ولاية زمفرة وهي أول ولاية من ولايات الشمال تعتمد هذا الإجراء. ثم تبعها إعلان ولاية كانو (أكبر ولايات الشمال) تطبيق الشريعة الإسلامية.
وفي عام 2001م أعلنت ولاية كادونا ثم ولاية غومب تطبيق الشريعة الإسلامية على المسلمين فقط.
ثم بدأت الصراعات مع بوكو حرام منذ عام 2009م بعد اندلاع مواجهات عنيفة بشمالي البلاد بين القوات الحكومية وحركة بوكو حرام التي تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية تخلف عنها مئات القتلى وتم فيها مقتل زعيم الجماعة محمد يوسف، وعرضت قناة الجزيرة الفضائية في 9 فبراير 2010م صور قتل جماعي تقوم بها قوات الجيش والشرطة لأشخاص مدنيين يقال إنهم من أعضاء بوكو حرام.
تأسست الجماعة في يناير 2002م، على يد محمد يوسف، تدعو الجماعة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وإلى تغيير نظام التعليم، ورفضها للتعليم الغربي والثقافة الغربية، ومنذ ذلك الحين تخوض من حين لآخر مصادمات مع قوات الأمن في بوشي ومناطق أخرى بالبلاد. وفي 24 أغسطس 2014م أعلنت بوكو حرام الخلافة في مدينة غووزا شمال نيجيريا ومبايعتها زعيم تنظيم الدولة الإسلامية ببغداد أبو بكر البغدادي الذي يعلن نفسه خليفة.
الاسم الرسمي للمجموعة «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد»، أما اسم بوكو حرام فيتألف من كلمتين الأولى بوكو وتعني بلغة الهاوسا «التعليم الغربي»، وحرام وهي كلمة عربية، فبوكو حرام تعني «منع التعليم الغربي».
يذكر أنه في عام 1999م استبشر كثيرون بانتقال السلطة من العسكريين إلى المدنيين، لكن هذا الاستبشار ما لبث أن تحول إلى سراب بعدما ازداد الوضع تأزمًا وتسارعت وتيرة الاضطرابات، حيث لم تمضِ سوى أيام قلائل على تولي الرئيس أولوسيغون أوباسانجو الحكم حتى بدأت البلاد ترتج من الأعماق بالعديد من الاشتباكات الطائفية والقبلية والسياسية.
هذه الأحداث بدءًا من موجة الاشتباكات الدموية التي شهدتها لاغوس في حي إدي أرابا (Idi-araba) بين أبناء قبائل الهوسا واليوروبا عام 2000م وخلفت أكثر من 500 قتيل، وأحداث مدينة كيشي (kishi) الجنوبية عام 2000م بين اليوروبا والفولانيين وأسفرت عن مقتل ما يزيد عن 200م شخص، ومرورًا بأعنف وأشرس مواجهة قبلية بين الطرفين في مدينة شاغامو (Shagamu) عام 2001م والتي فاق عدد ضحاياها الألف، والمواجهات الدموية في كادونا إثر اعتراض الأقلية المسيحية على الإعلان عن تطبيق الشريعة الإسلامية.
مرحلة جديدة:
عزا المراقبون فوز بخاري إلى نجاحه في اجتذاب شرائح واسعة من الناخبين على المستوى الوطني، حيث لم يكتف بالتعويل على أنصاره في الشمال المسلم، بل كان له أيضًا داعمون في الجنوب المسيحي، وخصوصًا في مدينة لاغوس، والنيجيريون كانوا على مستوى المسؤولية، حيث لم تقع حوادث عنف تذكر، ونجحوا في تشكيل «لجنة السلام» تتكون من علماء دين ورجال أعمال وشخصيات بارزة ورئيس سابق، عمل جميعهم كنشطاء سلام لإنهاء تاريخ العنف الانتخابي في نيجيريا.
كما أن تسليم السلطة بشكل سلمي من حكومة مدنية لحكومة أخرى يبشر بإنشاء نظام مستقر في أكبر بلدان إفريقيا سكانًا، واعتبر مراقبون أن نتيجة الانتخابات بمثابة أمل جديد، وأن بخاري يستحق الفوز لأنه بصفته عسكريًّا سابقًا يبدو مهيأ لقيادة الحرب ضد جماعة بوكو حرام، والقضاء على الفساد.
لذا استبشر كثير من النيجيريين ببداية جديدة في البلد المتنوع عرقيًّا ودينيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا ويأملون في القضاء على الفساد وإنهاء الصراعات.. لكن هل هذا ممكن؟
حقيقة لا يمكن التنبؤ بشيء فنيجيريا بلد المتناقضات والصراعات وتحتاج إلى جهود جبارة للوصول إلى مرحلة الاستقرار، واعتقد أنه لا استقرار إلا بأمور:
1 - تجييش إمكانات الدولة في القضاء على الفساد الذي تحرسه قوى داخلية وخارجية وأصبح يمثل مراكز قوى متغلغلة في جميع مفاصل البلاد، ويمثل القضاء على الفساد أول درجات السلم للوصول إلى الاستقرار لأنه يترتب عليه تحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة والاهتمام بالمهمشين وزيادة معدلات الدخل الفردي وتطوير الخدمات واحتياجات الشعب، وكذلك الاهتمام بالبنية التحتية والتعليم والصحة. سيكون على بخاري العمل على اقتلاع جذور هذا الفساد خلال أعوامه الأربعة في الحكم، من خلال تصحيح مسار مؤسسة النفط الوطنية والمؤسسات العامة وتقديم المسؤولين الحكوميين للمحاسبة. بالطبع لن يكون الأمر سهلًا بالنظر إلى تغلغل الفساد في الدولة ووجود كثير من رموز الحزب الحاكم في المؤسسات المختلفة.
2 - تحقيق المصالحة بين طوائف الشعب، والوصول لمرحلة الأمن والاستقرار العرقي والديني، وتطمين أفراد الشعب بتحقيق العدالة والمطالب السياسية والاجتماعية للإثنيات المختلفة.
3- إحداث توازن بين الأكثرية المسلمة المهمشة والأقلية المسيحية المسيطرة سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، وهذه التناقضات هي مصدر صراع أبدي بين المسلمين والمسيحيين في هذا البلد المأزوم، فالمطالب الأساسية للمسلمين تتمثل في أن يتحقق لهم وجود فعلي معتبر وواضح على الخريطة السياسية للدولة بحكم أغلبيتهم السكانية، ولذا يطالبون الحكومة الاتحادية بوضع الكثافة المسلمة هذه محل اعتبارها عند اتخاذ قرارات تتعلق بالشؤون الداخلية والخارجية على وجه التحديد، ويعولون في ذلك على أنهم يشكلون 60% من بين أكثر من 170 مليون نسمة.
والآن وبعد تحقق الهدف وفوز بخاري تبدو المهمة غير سهلة؛ فالرجل يرث بلادًا تعتمد على النفط بشكل كامل في اقتصادها، ووضعًا اجتماعيًّا وسياسيًّا مضطربًا، وبنية تحتية ضعيفة مع تدهور كامل لقطاع الكهرباء.
وبالنسبة لحال المسلمين فالمتوقع أنه لن يحدث تغيير كبير لتسلط المسيحيين على الجيش والاقتصاد، كما أنه لا يمثلهم إلا الساسة العلمانيون وهؤلاء لا يتبنون قضايا المسلمين بجدية، وتوجههم ناحية الغرب دائمًا في تبني قيمه ومفاهيمه وأخلاقه، لذا فهم لا يشعرون بمعاناة المسلمين.
الأيام حبلى بالكثير تجاه نيجيريا البلد الكبير والنفوس متطلعة للتغيير فهل عند بخاري رؤية متكاملة لتصحيح الأوضاع والنهوض بدولته التي تملك إمكانات هائلة من الموارد والبشر، هذا ما ستجيب عليه أفعاله في الأيام القادمة والتي تبدأ بتشكيلة حكومته الجديدة والتي ينتظر منها التنوع والتجديد والتغيير.
:: مجلة البيان العدد 335 رجب 1436هـ، إبريل – مايو 2015م.