الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم أما بعد:
عدم معرفة النفوس وأدوائها يوقع في التعامل مع أصحابها في أخطاء جمة، فما يصد بعض النفوس بل أكثرها عن الإيمان ليس هو الجهل وحده، فلربما قدّمت الدلائل وأقمت الحجج وبرغم ذلك لا تجد اقتناعًا أو هداية!! فمن أدواء النفوس التي تصد عن الإيمان الكبر والحسد والعناد، حتى إن هذه الأدواء لتحمل أصحابها على إنكار المحسوسات أو تحريف دلالتها كي لا تكون حجة. وعلى هذا؛ ينبغي مواجهة هذه النفوس بحقيقتها بدلًا من إضاعة الوقت في إقامة أدلة هم يعلمون قبل غيرهم صدقها وصواب دلالتها على مضمونها: {فَإنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِـمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: ٣٣]، وقد بين الله حقيقة موقفهم في آيات كثيرة كشف فيها اعوجاج نفوسهم وأنه لا تنفع معهم الآيات والدلائل فقال تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذَا إلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ} [الأنعام: ٧]، وقال: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ 14 لَقَالُوا إنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} [الحجر: 14، 15]، فمن هداه الله اهتدى: {إنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 71]، وهذا العناد والكبر المانع لهم من الاهتداء برغم اتضاح الحقائق اتضاحًا يقينيًّا يبين حقيقة الجهاد ومنزلته في الشريعة؛ فإن شريعة الجهاد تكفل إضعاف أثر الكبر والعناد في صد الناس عن الهدى حتى تزيله من النفوس، فهذا رجل من المشركين يقاتل المسلمين فلما علاه المسلم بالسيف قال المشرك أشهد أن لا إله إلا الله، فكان جهادهم إذ ذاك رحمة بهم حيث يزيل كل عوائق النفوس واعوجاجها فلا يترك الإيمان في هذه الحالة إلا من كتب الله عليه الشقاوة لسابق علمه فيهم، ومن ثم فإن من أعظم الخطأ ما يقوم به بعض المنهزمين من محاولة إفراغ الجهاد من مضمونه فينفي جهاد الطلب ولا يقر منه إلا جهاد الدفع.