• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الخطة الإيرانية الخمسينية في نهاية عقدها الثاني

الخطة الإيرانية الخمسينية في نهاية عقدها الثاني

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، وبعد:

هل ثمت تهديد حقيقي للتمدد الصفوي على الخليج والبلاد العربية؟

كنا نجزم بوجود هذا التهديد منذ بداية الثورة الإيرانية، وكان بعضهم يقابل هذا الجزم بقدر كبير من الاستنكار والاستهجان، ويعده ضربًا من ضروب التعنت المذهبي والتعصب الطائفي الذي لا يستند إلى دليل أو حجة من الواقع. وكانت دعوات الإخاء والتقارب والوحدة الإسلامية تصَّاعد في الفضاء العربي والإسلامي مستنكرة جميع ألوان الفرقة التي تتهم بها!

فما المشهد السياسي والإسلامي الذي آلت إليه الأمور بعد ست وثلاثين سنة من الثورة؟!

وهل ما تحدثنا عنه كان وهمًا؟!

الحقيقة المرَّة والمؤلمة أن النفوذ الصفوي يتمدد بتسارع خطير، ويكتسح العراق واليمن، ويعبث في الشام، ويهدد البحرين.. حتى افتخر من افتخر منهم باحتلال أربع عواصم عربية!

ودعونا ها هنا نذكّر بوثيقة سرية موجهة من «شورى الثورة الثقافية الإيرانية إلى المحافظين في الولايات الإيرانية» انفردت مجلة البيان بنشرها في عدد ذي القعدة عام (1418هـ) أي قبل حوالي ثمانية عشر عامًا.

فهل كانت تلك الوثيقة مشروعًا حالمًا أو ورقة عابرة لا قيمة لها، أم أنها كانت مشروعًا مدروسًا بدأت نتائجه تطفو على السطح؟!

دعونا نلخص في هذه العجالة أهم ما جاء في الوثيقة:

أولًا: وضوح المشروع:

أهم ما يلفت الانتباه وضوح المشروع وأهدافه الكبرى عند صناع القرار الإيراني، وهذا أحد أبرز أسرار التفوق الصفوي في المنطقة، فليس المشروع مشروعًا عفويًّا مرتجلًا؛ فالوثيقة تتحدث عن خطة خمسينية متدرجة طويلة النفس، مقسمة إلى خمس مراحل، مدة كل مرحلة عشر سنوات، وقد أشارت الوثيقة إلى هذا بقولها: «لا تفكروا أن خمسين سنة تُعدُّ عمرًا طويلًا، فقد احتاج نجاح ثورتنا خطة دامت عشرين سنة»، ثم تقول الوثيقة في موضع آخر: «يجب أن يكون هناك برنامج مدروس، ويجب إيجاد مخططات ولو كانت لخمسمائة عام مقبل، فضلًا عن خمسين سنة، فنحن ورثة ملايين الشهداء الذين قتلوا بيد الشياطين المتأسلمين (السنة)، وجرت دماؤهم منذ وفاة الرسول في مجرى التاريخ إلى يومنا هذا، ولم تجف هذه الدماء ليعتقد كل من يسمى مسلمًا بعلي وأهل بيت رسول الله، ويعترف بأخطاء أجداده، ويعترف بالتشيع كوارث أصيل للإسلام».

ثانيًا: تصدير الثورة رأس الأولويات:

العمود الفقري للخطة الخمسينية العمل على تصدير الثورة؛ فالنفس التوسعي وروح الهيمنة حاضر بقوة في المشهد الصفوي، فالوثيقة تنص على أنه: «إذا لم نكن قادرين على تصدير ثورتنا إلى البلاد الإسلامية المجاورة فلا شك أن ثقافة تلك البلاد الممزوجة بثقافة الغرب سوف تهاجمنا وتنتصر علينا. وقد قامت الآن بفضل الله وتضحية أمة الإمام الباسلة دولة الإثنى عشرية في إيران بعد قرون عديدة، ولذلك فنحن وبناء على إرشادات الزعماء الشيعة المبجلين نحمل واجبًا خطيرًا وثقيلًا، وهو تصدير الثورة؛ وعلينا أن نعترف أن حكومتنا فضلًا عن مهمتها في حفظ استقلال البلاد وحقوق الشعب، فهي حكومة مذهبية، ويجب أن نجعل تصدير الثورة على رأس الأولويات».

ويمكن الإشارة ها هنا إلى عدد من الإستراتيجيات العملية الملحوظة لتصدير الثورة:

استثارة الأقليات الشيعية، وتوثيق الصلة بها من خلال المراجع الدينية، لتكون تلك الأقليات أدوات تسيرها الحكومة الإيرانية في مشروعها التوسعي.

التمدد في المناطق السنية ونشر التشيع في دول الأطراف في إندونيسيا وأفريقيا وآسيا الوسطى وأوربا الشرقية.. وغيرها.

التظاهر بتبني قضايا الأمة، ومواجهة المشروع الصهيوأمريكي، ودعم المقاومة الفلسطينية.

تعزيز دعوات ما يسمى بالتقريب بين السنة والشيعة.

استقطاب الدارسين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي للدراسة في إيران.

ويتطلب مشروع تصدير الثورة ثلاثة أمور رئيسة:

تعزيز القوة العسكرية، لكي تكون غطاء حاميًا لنفوذها في تلك الدول.

بناء مليشيات عسكرية، لكي تكون أذرعة لنفوذها في المنطقة، كحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وفيلق بدر ونحوه من المليشيات في العراق.

الدعم المالي للجمعيات والمؤسسات والشخصيات في المناطق السنية.

ثالثًا: تحديد العدو الحقيقي:

حدَّدت الوثيقة بوضوح الأعداء الحقيقيين لمشروعهم الصفوي، وبناء عليه بنت تحالفاتها وإستراتيجياتها في المنطقة: «الخطر الذي يواجهنا من الحكام ذوي الأصول السنية أكبر بكثير من الخطر الذي يواجهنا من الشرق أو الغرب، لأن أهل السنة يناهضون حركتنا، وهم الأعداء الحقيقيون لولاية الفقيه والأئمة المعصومين، حتى إنهم يعدون اعتماد المذهب الشيعي كمذهب رسمي دستورًا للبلاد مخالفًا للشرع والعرف».

وهذا يفسر بعض فصول تحالف إيران مع من تسميه بالشيطان الأكبر، وتنسيقها مع دول الشرق والغرب لتحقيق مصالحها!

رابعًا: اكتساح مناطق السنة في إيران:

دعت الوثيقة إلى ضرورة اكتساح المناطق السنية داخل إيران، وتغيير تركيبتها السكانية، بهدوء وطول نفس دون ضجيج أو إراقة للدماء أو حتى رد فعل من القوى العظمى في العالم: «يجب علينا أن نزيد نفوذنا في المناطق السنية داخل إيران، وبخاصة المدن الحدودية، ونزيد من عدد مساجدنا والحسينيات ونقيم الاحتفالات المذهبية أكثر من ذي قبل، وبجدية أكثر، ويجب أن نهيئ الجو في المدن التي يسكنها 90 إلى 100% من السنة حتى يتم ترحيل أعداد كبيرة من الشيعة من المدن والقرى الداخلية إليها، ويقيمون فيها إلى الأبد للسكنى والعمل والتجارة، ويجب على الدولة والدوائر الحكومية أن تجعل هؤلاء المستوطنين تحت حمايتها بشكل مباشر ليتم إخراج إدارات المدن والمراكز الثقافية والاجتماعية بمرور الزمن من يد المواطنين السابقين من السنة والخطة التي رسمناها لتصدير الثورة خلافًا لرأي كثير من أهل النظر، ستثمر دون ضجيج أو إراقة للدماء أو حتى رد فعل من القوى العظمى في العالم، وإن الأموال التي ستنفق في هذا السبيل لن تكون نفقات دون عائد».

ومن المهم ها هنا الإشارة إلى أن إراقة الدماء أصبحت عمليًّا جزءًا من مكونات المشروع الإيراني، سواء أكان ذلك في مناطق السنة في داخل إيران نفسها، أم في مشروعها في العراق والشام واليمن!

خامسًا: زرع الشقاق في الدول الإسلامية:

نصَّت الوثيقة على ضرورة زلزلة كيان الحكومات السنية بإيجاد الخلاف بين الحكام والعلماء، ليكون ذلك سببًا لهجرة رؤوس الأموال: «إذا استطعنا أن نزلزل كيان تلك الحكومات بإيجاد الخلاف بين الحكام والعلماء، ونشتت أصحاب رؤوس الأموال في تلك البلاد ونجذبها إلى بلادنا، أو إلى بلاد أخرى في العالم نكون بلا ريب قد حققنا نجاحًا باهرًا وملفتًا للنظر؛ لأننا أفقدناهم تلك الأركان الثلاثة.

وأما بقية الشعوب التي تشكل 70 إلى80% من سكان كل بلد فهم أتباع القوة والحكم ومنهمكون في أمور معيشتهم وتحصيل رزقهم من الخبز والمأوى؛ ولذا فهم يدافعون عمن يملك القوة.

ولاعتلاء أي سطح فإنه لا بد من صعود الدرجة الأولى إليه.

وجيراننا من أهـل السنة وهم: تركيا والعراق وأفغانستان وباكستان وعدد من الإمارات في الحاشية الجنوبية ومدخل الخليج الفارسي التي تبدو دولًا متحدة في الظاهر إلا أنها في الحقيقة مختلفة. ولهذه المنطقة بالذات أهمية كبرى سواء في الماضي أو الحاضر كما أنها تعتبر حلقوم الكرة الأرضية من حيث النفط، ولا توجد في العالم نقطة أكثر حساسية منها، ويملك حكام هذه المناطق بسبب بيع النفط أفضل إمكانيات الحياة».

سادسًا: الاختراق والسيطرة الاقتصادية:

رسمت الوثيقة برنامجًا عمليًّا لاختراق الدول السنية من خلال النشاط الاقتصادي والهجرة الشيعية المدروسة إليها في خمس مراحل، واعتمدت الخطة على سياسة التدرج والنفس الطويل، تقول الوثيقة:

«ليس لدينا مشكلة في ترويج المذهب في أفغانستان وباكستان وتركيا والعراق والبحرين، وسنجعل الخطة العشرية الثانية هي الأولى في هذه الدول الخمس، وعلى ذلك فمن واجب مهاجرينا العملاء المكلفين في بقية الدول ثلاثة أشياء:

 شراء الأراضي والبيوت والشقق، وإيجاد العمل ومتطلبات الحياة وإمكانياتها لأبناء مذهبهم ليعيشوا في تلك البيوت ويزيدوا عدد السكان.

 العلاقة والصداقة مع أصحاب رؤوس الأموال في السوق والموظفين الإداريين خاصة الرؤوس الكبار والمشاهير والأفراد الذين يتمتعون بنفوذ وافر في الدوائر الحكومية.

 هناك في بعض هذه الدول قرى متفرقة في طور البناء، وهناك خطط لبناء عشرات القرى والنواحي والمدن الصغيرة الأخرى، فيجب أن يشتري هؤلاء المهاجرون العملاء الذين أرسلناهم أكبر عدد ممكن من البيوت في تلك القرى ويبيعوا ذلك بسعر مناسب للأفراد والأشخاص الذين باعوا ممتلكاتهم في مراكز المدن، وبهذه الخطة تكون المدن ذات الكثافة السكانية قد أُخرجت من أيديهم».

وتشير الوثيقة إلى أنه «يجب على الأفراد في هاتين المرحلتين أن يسعوا للحصول على جنسية البلاد التي يقيمون فيها باستغلال الأصدقاء وتقديم الهدايا الثمينة، وعليهم أن يرغِّبوا الشباب بالعمل في الوظائف الحكومية والانخراط خاصة في سلك الجندية».

حين نقرأ هذه الوثيقة ثم نقرأ الواقع العربي؛ ندرك خطورة المشروع الإيراني الذي تطاول إفساده وشرره، وندرك الرؤية الإستراتيجية المدروسة التي يسير من خلالها!

لقد حقق المشروع الإيراني مكاسب واضحة، وخطا خطوات متسارعة، وربما تغيرَّت بعض مراحل ووسائل تلك الخطة، لكننا مازلنا في نهاية العقد الثاني لها، ومن ثم فإننا لا بد أن نتوقع مزيدًا من الحراك والتمدد المتسارع، والتغلغل في عمق النسيج العربي والإسلامي.

ونحن إذ نعيد نشر بعض أجزاء هذه الخطة نجدد رسالتنا للأمة بضرورة اليقظة والحذر، ومن بدهيات القول التأكيد على أنَّ هذه الخطة المرسومة لا يمكن أن تواجه برؤية غائبة، وأعمال مرتجلة، وردود فعل عابرة!

:: البيان تنشر - مـلـف خـاص- (الـخـطـر الإيـرانـي يـتـمـدد)

:: مجلة البيان العدد  335 رجب  1436هـ، إبريل – مايو  2015م.

أعلى