انتفاضة القدس.. هاجس يؤرق صناع القرار الصهاينة
لم تندلع الأحداث الأخيرة في مدينة القدس
المحتلة بصورة مفاجئة، بل سبقتها إرهاصات متلاحقة، منذ قتل وإحراق الفتى محمد أبو
خضير في يونيو (حزيران) الماضي.
وقد قررت الشرطة الصهيونية اتخاذ إجراءات
إضافية داخل مدينة القدس في محاولة للسيطرة على الغضب العربي فيها، والحيلولة دون
احتمال اندلاع انتفاضة جديدة، خصوصاً مع تصاعد المواجهات بين العرب واليهود يوماً
بعد يوم، وأعلنت أنها بصدد اتخاذ إجراءات جديدة للحد من احتجاجات الفلسطينيين،
وظلت بين مد وجزر في الأسبوعين الأخيرين بعد محاولات اقتحام الأقصى من قبل
متطرفين، والاستيلاء على منازل في سلوان.
وأعلن «ميكي روزنفيلد» المتحدث باسم الشرطة
أن الإجراءات التي تنوي الشرطة تنفيذها في الأحياء العربية تقوم على دمج الأدوات
التكنولوجية بالاستخبارية، واستقدام وحدات إضافية من الشرطة، ونشر وحدات للتدخل
السريع في عدة مناطق، وانتشار عناصر شرطة مدربة، وإقامة المزيد من نقاط المراقبة
والتفتيش، وزرع كاميرات تسجيل إضافية في الأحياء العربية، وسط مخاوف من تصاعد
الأحداث وتفاقمها، واحتمال أن تؤدي في نهاية المطاف لاندلاع انتفاضة جديدة في
المدينة التي تعد الأكثر أهمية بالنسبة للفلسطينيين واليهود.
فيما بعث «يوحنان دانينو» القائد العام
للشرطة رسالة تهدئة للصهاينة بقوله: هذا ليس الوقت الملائم للتخويف، لا حاجة
للحديث عن الانتفاضة، فقد نسي الناس ما معنى انتفاضة.
من جهته، أمر رئيس الوزراء الصهيوني
«بنيامين نتنياهو» بفرض السيادة على كل أنحاء القدس المحتلة من خلال تعزيز قوات
الأمن المنتشرة فيها، في أعقاب مشاورات أمنية أجراها على خلفية مواجهات تشهدها
أنحاء متفرقة من القدس، وطالب بتعزيز قوات الأمن العاملة بما فيها سرايا حرس
الحدود التي ستنتشر ميدانياً، وهي مزودة بوسائل مراقبة واستطلاع وبأدوات فرض
الأمن، بجانب وسائل أخرى لم يتطرق إليها قادرة على استعادة الهدوء للقدس.
وقال رئيس الكنيست «يولي أدلشتاين» إن
الحكومة لن تسمح بتدهور الأوضاع الأمنية في القدس ومحيطها، وستحول دون تطورها
لتكون مشابهة للوضع الذي كان يسود في منطقة غلاف غزة.
فيما أكد مساعد المستشار القانوني للحكومة
«راز نيزري» إن مجلس الوزراء سيطرح مشروع قانون على الكنيست يقضي بتشديد العقوبة
على ملقي الحجارة، بحيث سيتسنى للمحاكم فرض عقوبة السجن 20 عاماً بحق أي شخص يدان
بذلك بقصد الإيذاء الخطير.
تعزيزات عسكرية
«نتنياهو» من جهته، أجرى مشاورات أمنية في
مقر القيادة العامة للشرطة بالقدس، شارك فيها: وزير الأمن الداخلي «يتسحاق
أهرونوفيتش»، والمفتش العام للشرطة «يوحنان دانينو»، ورئيس جهاز الشاباك «يورام
كوهين»، ورئيس بلدية القدس «نير بركات»، وقائد لواء الشرطة في القدس «موشيه
إيدري».
وقرر المجتمعون تعزيز الشرطة وتقديم جميع
التعزيزات والقدرات المطلوبة لتحقيق هذه المهمة، بكل إصرار ومثابرة، لأن القدس
ليست الوحيدة التي تتعرض لهجمة معادية، بل هناك مدن أخرى تتعرض للهجمة ذاتها، لكن
المدينة تحتضن حركة حماس التي ينتمي إليها المتظاهرون، كما أعلن وزير الأمن
الداخلي «أهرونوفيتش» عن تعزيز قوات الشرطة وحرس الحدود في القدس، وتكثيف عمل
الشاباك فيها.
ودعا وزير الاقتصاد «نفتالي بينت» للتعامل
مع كل رشق للحجارة في القدس المحتلة كعمل إرهابي، وذهب وزير الخارجية «أفيغدور
ليبرمان» للربط بين أحداث القدس وما جرى في العاصمة الكندية في سياق مساعيه لربط
حماس بتنظيم الدولة الإسلامية، واتهم الرئيس «رؤوفين ريبلين» قادة العالم العربي
بالتحريض على العنف في القدس: «وهو ما يمكن أن يؤدي لكارثة في نسيج الحياة فيها،
وجرنا جميعاً لدوامة الخراب والألم».
وقال وزير الحرب «موشيه يعلون» إن أحداث
القدس هي نتيجة التثقيف على كراهية اليهود والجهاد ضدهم، وترحيلهم من وطنهم،
ومواصلة جهود نزع الشرعية عن «إسرائيل»، بالتحريض المتواصل في التعليم الفلسطيني.
ورأى وزير الحرب السابق «شاؤول موفاز» أن ما
يحصل في القدس ليس انتفاضة، بل فوضى عارمة نتيجة غياب السيادة في العاصمة، داعياً
للتعاطي بيد من حديد «مع مثيري الشغب».
ووصف المحلل العسكري «عاموس هارئيل» الأوضاع
في القدس بأنها «انتفاضة محلية» تنذر بتوسع رقعتها لأنحاء الضفة، ساخراً من تحميل
المسؤولية لعباس، لأن كل المسؤولية تقع على الحكومة المسؤولة دون سواها عما يحصل
داخل حدودها، وبرغم استخدام الشرطة اليد الحديدية تجاه الفلسطينيين «المُخلين
بالنظام»، فإنها لا تملك حرية التصرف الموجودة لدى الجيش في مواجهة العنف في
الضفة، وأشار لقيود يفرضها القانون.
وذكر من عوامل التصعيد ما يراه خوف الفلسطينيين
من الإجراءات التي يقودها أعضاء كنيست من اليمين ومنظمات لإحداث تغيير الوضع
القائم في الأقصى، وحديث عباس عن محاولات السيطرة عليه، وخلص إلى عدم استبعاد أن
يؤدي استمرار العنف في القدس للتصعيد في الضفة الغربية.
واعتبر «نداف شرغاي» المختص في شؤون القدس
أن ما يحدث في المدينة انتفاضة آخذة في التحول التدريجي من انتفاضة شعبية بالسلاح
الخفيف إلى السلاح الحي، داعياً لعدم السكوت على الوضع الأمني في القدس، وفرض
الأمن بالقوة، حتى وإن استدعى الأمر قتل من يحاول إلقاء الحجارة.
وقال الكاتب والناقد «غدعون ليفي» إن أحداث
القدس يجب ألا تفاجئ أحداً، لأنها مدينة للفصل العنصري، وبدلاً من أن تتحول لمدينة
نموذجية فإنها الأكثر تفجراً وعنصرية من بين جميع مدن العالم، و«إسرائيل» ستجبر
على دفع ثمن موجة الاعتقالات في القدس، وزيادة انتشار المستوطنين في الأحياء
العربية بغطاء من الدولة والإهمال.
وتوعدت أوساط عسكرية وأمنية صهيونية بكبح
ظاهرة رشق الحجارة في القدس، والجيش والشرطة سيستخدمان جميع الوسائل المطلوبة
لوقفها، لأن هناك أطرافاً تريد أن تحرض وتمزقها وتبني أسواراً داخل المدينة، خاصة
بعد محاولة اغتيال الزعيم الاستيطاني الصهيوني «يهودا غليك» صاحب المشاريع
التهويدية في القدس المحتلة.
فيما دعا وزير الإسكان «أوري أريئيل» لاتخاذ
إجراءات أكثر صرامة بحق المقدسيين المرابطين في المسجد الأقصى، ويتصدون لاقتحامات
المستوطنين المتواصلة منذ شهر، وأن التعليمات التي صدرت لقوات الجيش للتعامل مع
المقدسيين غير كافية، داعياً لمزيد من القمع لإعادة الهدوء.
وقال د. «رؤوبين باركو» المستشرق
الصهيوني إن القدس تشهد اشتعالاً تدريجياً من قبل الحركة الإسلامية، ودعوات حماس
للدفاع عن المسجد الأقصى من خلال المظاهرات الشعبية، والدعوات للمرابطة في المسجد،
والصلاة فيه رغم القيود الصهيونية المفروضة.
:: مجلة البيان العدد 330 صفر 1436هـ، نوفمبر
2014م.