• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ليبيا إلى أين؟

ليبيا إلى أين؟

بات ظاهراً للعيان ما يجري في دول الربيع العربي، فبعد أن كان بالأمس التخطيط تلفّه السرية والكتمان، صار اليوم التدخل السافر في هذه الدول من أطراف إقليمية ودولية يراه القاصي والداني، والحالة الليبية ليست بمنأى عن ذلك التطفل البغيض؛ فالدعم اللامحدود الذي تتلقاه بعض القوى السياسية وأذرعها العسكرية والإعلامية من بعض القوى الإقليمية لم يعد يخفى على رجل الشارع البسيط في ليبيا، فضلاً عن النُّخب والمثقفين. وهذه القوى كان لها بالغ الأثر في مجريات الأمور في ليبيا سياسياً وإعلامياً وعسكرياً.

 الحراك السياسي في ليبيا ما بعد القذافي قد مرّ بمراحل أرهق بعضها بعضاً؛ فالمجلس الانتقالي ـ السلطة التي كانت تمثل ثوار 17 فبراير إبان الحرب وما بعدها ـ قد انضم إليه كثير من بقايا النظام السابق المنشقين؛ وكان لهذا الأمر بالغ الأثر على قراراته وتوجهاته، ثم حُمّلت هذه التبعات والتراكمات السيئة للمؤتمر الوطني العام - أول سلطة تشريعية منتخبة بعد سقوط القذافي - ثم قامت مجموعة من أعضاء المؤتمر بالتعاون مع حكومة علي زيدان وبعض الأذرع الإعلامية، بشيطنة المؤتمر بعد أن يأسوا من السيطرة عليه. وكان لحراك «لا للتمديد» المشبوه الدور الأبرز في تقويض عمل المؤتمر، ونتج عن ذلك الحراك «لجنة فبراير» التي أفرغت المؤتمر من محتواه، ثم قامت تلك الأذرع الإعلامية المأجورة بتشويه كل من له علاقة بثورة 17 فبراير، سواء كانوا من الثوار أو من علماء الدين أو من المثقفين أو السياسيين أو نحوهم، وإلباسهم تهمة «الإخوان»؛ ما جعل الشارع الليبي ينظر إلى كل مخلص وطني بعين الريبة والشك على أحسن تقدير، وفي المقابل كل من تحالف مع القوى المضادة لثورة 17 فبراير أو ساندها أو بارك مشروعها وصفوه بـ«التيار المدني»، وكان لهذا المسمى أثر عظيم على أذن المواطن الليبي وعقله، وظلت تلك القوى تراهن على عدم تمكن الوطنيين وأنصار ثورة 17 فبراير من الوصول إلى مقاعد مجلس النواب بعد الهجمة الإعلامية الشرسة عليهم؛ كل ما تقدم كان يتم بمباركة ودعم القوى الإقليمية التي أشرنا إليه سابقاً.

مجلس النواب الليبي

مجلس النواب هو البديل الشرعي للمؤتمر الوطني العام، وهو أعلى سلطة تشريعية في البلد، وأعضاؤه هم المخولون من الشعب لقيادة البلاد في السلم والحرب، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لذلك؛ من سن التشريعات، أو حتى تغيير الإعلان الدستوري كما وقع فعلاً من «مجلس مدينة طبرق[1]». وبعد خروج نتائج انتخابات مجلس النواب يمكن تقسيم أعضاء المجلس إلى الأقسام التالية:

القسم الأول: امتداد لتلك القوى التي أشرتُ إليها في مقدمة كلامي، من المنتفعين والقبليين والجهويين وأتباع النظام السابق ونحوهم. وهذه المجموعة هي التي تقود الحراك في طبرق، بالتعاون مع الأطراف الخارجية والتي هي امتداد طبيعي لها، سواء الدول الإقليمية أو رموز النظام السابق ومن في حكمهم.

القسم الثاني: غالبية الأعضاء، وهؤلاء الأعضاء يتفاوتون في وطنيتهم فمنهم البسيط، ومنهم من يبحث عن مصلحته فقط، ومنهم من تغلب عليه الطيبة وهلم جرّاً، إلا أن غالبهم ليس له تصور واضح عن المشهد السياسي الليبي وتعقيداته وألاعيب تلك القوى المشار إليها؛ فغالب هؤلاء تنطلي عليه كثير من الخفايا الخطيرة، وهؤلاء وإن كنا لا نشكك في طيبتهم من حيث الجُملة، إلا أن أعمالهم تصب في صالح القسم الأول.

القسم الثالث: مجموعة من الأعضاء الذين انحازوا إلى ثورة 17 فبراير، مبدئياً جمعَهم تمسكهم بالإعلان الدستوري وقرارات المؤتمر الوطني، ثم تطور الموقف إلى أن صار موقفاً سياسياً سيأتي بيانه لاحقاً.

الخلاف في مسألة مكان انعقاد مجلس النواب:

انقسم المشهد السياسي في ليبيا إلى قسمين حول مسألة مكان انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب: فريق يرى ضرورة الانعقاد في مدينة طبرق، وفريق يرى ضرورة الانعقاد في مدينة طرابلس، وقد كان لهذه المسألة بالغ الأثر على مجريات الأمور في ليبيا؛ فالقوى التي تحدثتُ عنها في صدر المقال كانت تبحث عن مدينة تتوفر فيها شروط الأمان لأعضاء من مجلس النواب ممن يدعمون موضوع «الكرامة» التي يقودها الجنرال المتقاعد خليفة حفتر ليس إلا، وقد كان هؤلاء الأعضاء أنفسهم - الذين قرروا نقل مجلس النواب إلى طبرق قبل أيام من انعقاده - يقيمون الدنيا ولا يقعدونها على كل من يناقش مجرد المناقشة موضوع الانعقاد في بنغازي، فلما تغيرت الأمور على الأرض، وصار مجلس شورى ثوار بنغازي هو من يسيطر على الأرض في بنغازي، صار هؤلاء الأعضاء أنفسهم ينادون بعدم انعقاد مجلس النواب في بنغازي، مع أن بعض هؤلاء الأعضاء هم من صاغ مواد مقترح لجنة فبراير. ويمكن اختصار أصل الخلاف حول مقر انعقاد مجلس النواب كالتالي:

ـ تقول المادة (2) في التعديل الدستوري السابع (مقترح لجنة فبراير): «يعقد مجلس النواب اجتماعه الأول برئاسة أكبر الأعضاء سناً، ويكون أصغر الأعضاء مقرراً له، وذلك خلال أسبوعين من إعلان نتيجة الانتخابات بناء على دعوة من رئيس المؤتمر الوطني العام».

ـ و تقول المادة (16) من التعديل الدستوري السابع: «يكون مقر مجلس النواب مدينة بنغازي، ويجوز له عقد اجتماعاته خارج مقره الرسمي».

وبناء على هاتين المادتين، فإن رئيس المؤتمر الوطني العام هو من يدعو إلى الاجتماع الأول لمجلس النواب. وقد حدد رئيس المؤتمر الوطني العام تاريخ ومكان التسليم والاستلام، وذلك في مدينة طرابلس يوم الإثنين بتاريخ 4/8/2014م. وبناء على قرار رئيس المؤتمر الوطني يكون التسليم والاستلام في طرابلس، ثم يتوجه النواب إلى مدينة بنغازي بناء على المادة (16) من التعديل الدستوري، وكل اجتهاد يخالف هذه المادة فهو اجتهاد لا اعتبار له. إلا أن أحد أعضاء مجلس النوّاب - وهو أحد القوى التي أشرنا إليها - قد خالف هذه المادة، وقام بدعوة جميع الأعضاء للانعقاد في طبرق، وهذا العضو يعتبر مواطناً ليبياً عادياً مثله مثل سائر الأعضاء، بل لم يصبح حتى عضواً في مجلس النواب باعتبار أن التسليم والاستلام لم يقع بعد، ومع ذلك وللأسف استجاب له غالب الأعضاء، وقد ذكرتُ في مطلع مقالي السبب وراء ذلك حينما قسّمت أعضاء مجلس النواب، وبينتُ أن البساطة والطيبة المُفرطة سِمة لا يكاد يسلم منها عضو. وحول هذه القضية وقع خلاف بيننا[2] وبين سائر الأعضاء الآخرين، ففي الوقت الذي تمسكنا فيه نحن بالإعلان الدستوري وقرارات المؤتمر الوطني المتعلقة بالتسليم والاستلام ومكان الانعقاد، اختار الأعضاء الآخرون طريقاً لا نراه - من وجهة نظرنا على الأقل - دستورياً ولا قانونياً، بل هو تأسيس للفوضى ودعم للانقلاب.

ما ترتب على هذا الخلاف:

ترتب على هذا الخلاف الذي وقع بين أعضاء مجلس النواب جملة من الأحداث، وقد كان لموقف الأعضاء المقاطعين لمجلس النواب بطبرق مجموعة من الآثار الإيجابية على مسيرة ثورة 17 فبراير التصحيحية:

الأثر الأول: خروج الشارع بكافة أطيافه إلى الميادين والساحات داعماً لموقفنا ومندداً بموقف المجتمعين في طبرق.

الأثر الثاني: موقفنا التاريخي أضفى على عملية «فجر ليبيا» مزيداً من الزخم والدعم المعنوي، كما ألبسها مزيداً من الشرعية في الداخل والخارج. وسيأتي الحديث عن عملية «فجر ليبيا» لاحقاً إن شاء الله.

الأثر الثالث: نستطيع القول أن موقفنا هو الذي جعل العالم الخارجي يتريث في الاعتراف الكامل ـ أو حتى الجزئي ـ باجتماع طبرق.

وما تقدم ذكره أضاف إلى مجموعة الأعضاء المقاطعين لـ«مجلس نواب طبرق» مزيداً من الثقة عند الشعب بجميع أطيافه.

تطورت الأحداث بعد ذلك بشكل سريع بعد أن اتخذ المجتمعون في طبرق عدة قرارات خطيرة للغاية وكانت مُعدة مسبقاً من قِبل تلك القوى التي أشرنا إليها، تمس تلك القرارات وحدة ليبيا وسيادتها وأمنها؛ كقرار الاستقواء بالأجنبي، وكذلك قرار حل كتائب الثوار الذي فيه استعداء صريح لثوار 17 فبراير، الذي وصفهم بالمليشيات الإرهابية. بناء على تلك القرارات الباطلة، صار الصوت الذي ينادي بإسقاط «مجلس نواب طبرق» واتهامه بالخيانة والتآمر مرتفعاً من قِبل الشارع ومؤسسات المجتمع المدني والثوار والمجالس البلدية ومجالس الشورى والمجالس العسكرية، ونحوهم في طول البلاد وعرضها.

المخاطر:

يمكن أن نختصر المخاطر التي تهدد المسيرة التصحيحية لثورة 17 فبراير التي تشهدها بلادنا إلى قسمين:

القسم الأول: هو الرفض التام لمجلس طبرق من قِبل الشارع بجميع أطيافه للأسباب التي ذكرتها آنفاً؛ وهذا يهدد بانهياره في أي لحظة، لاسيما مع تقدم الثوار على الأرض سواء في طرابلس أو بنغازي، ولو انهار مجلس طبرق لحدث فراغ سياسي كبير غير مضمون العواقب.

القسم الثاني: هناك العديد من المجموعات التي تتحرك الآن في الساحة وتطرح رؤى وأفكاراً ومقترحات سياسية، وهذه المجموعات بعضها تتحرك بدافع وطني وبعضها غير ذلك، ومخاطر هذه المجموعات لا تخفى.

الحلول المقترحة ومناقشتها:

تُطرح في الساحة الليبية العديد من المقترحات والرؤى، يمكن ذكر أهمها ومناقشتها:

أولاً: العودة إلى المؤتمر الوطني:

أصحاب هذا الاختيار يقولون إن المؤتمر الوطني هو الجهة الشرعية الوحيدة في البلاد باعتبار أن مجلس طبرق لم يستلم السلطة منهم استلاماً شرعياً.

التعليق:

يمكن اعتبار هذه الرؤية من الناحية القانونية إلا أنه من الناحية الواقعية لا يمكن تطبيقها؛ حيث إن المؤتمر الوطني قد تم تشويهه إلى درجة القتل! في حسّ المواطن الليبي، وإظهار المؤتمر الوطني إلى السطح قرار غير مأمون العواقب؛ فقد يُحدث انقساماً في الشارع، وحينما أقول الشارع فالمقصود الشارع المؤيد لثورة 17 فبرير وملحقاتها التصحيحية. أضف إلى ذلك أن كثيراً من أعضاء المؤتمر الوطني هم امتداد للثورة المضادة؛ وهذا لا يعني عدم الاستفادة من المؤتمر الوطني في بعض القضايا والقرارات.

ثانياً: تشكيل كيان سياسي من جميع الأطياف:

يطرح الكثير من السياسيين والمجموعات النشطة موضوع تشكيل كيان سياسي، ويقترح هؤلاء أن يكون هذا الكيان خليطاً من مؤسسات المجتمع المدني، والشخصيات السياسية، والمجالس البلدية، والثوار، ونحو ذلك.

التعليق:

ـ هناك تحفظ كبير على كثير من الشخصيات التي تطرح مثل هذه المبادرات.

ـ هذا الطرح هلامي وغير منضبط؛ فحينما نقول مؤسسات المجتمع المدني ما المقصود بذلك؟ وكم عدد هذه المؤسسات؟ ومن يستطيع تقييم هذه المؤسسات؟ وما هي الآلية التي سيتم بها اختيار الأشخاص من هذه المؤسسات؟ وهلم جرّاً، وقس على مؤسسات المجتمع المدني كذلك الشخصيات السياسية والمجالس البلدية والثوار ونحوهم.

ـ هذه الطريقة ستفتح الباب على مصراعيه لكل «المنشقين» و«المتسلقين» و«المنتفعين».

ثالثاً: تشكيل مجلس أعلى للثوار:

البعض يقترح أن يكون هناك مجلس أعلى للثوار يقود المرحلة.

التعليق:

هذا الطرح وإن كان يليق بتضحيات الثوار على الأرض، وهو مطلوب إن عاجلاً أو آجلاً، إلا أن المناداة به وجعله السلطة الحاكمة في هذه الظروف محفوف بعدة مخاطر منها:

ـ طبيعة الثوار الثائرة التي تجعل من الصعب جداً أن تؤسس بهم جسماً منظماً ومنسقاً يمكن أن يقود المرحلة.

ـ لابد لنجاح هذه الفكرة أن يكون هذا المجلس قد بسط يده على كل البلاد حتى يمكن الاعتراف به داخلياً وخارجياً، كما حدث مع السيسي مثلاً، وهذا مستبعد على الأقل في هذه الفترة الراهنة.

ـ معلوم أن كتائب الثوار غير متجانسة، فكثير من الكتائب لها ولاءات مناطقية وقبلية، وبعضها لها ولاءات لأشخاص داعمين مثلاً، وبعضها متدينة تتبع أفكاراً ومناهج معينة، وبعضها غير متدينة وهكذا، وكل ما تقدم سيكون له بالغ الأثر على سير المجلس الأعلى للثوار، هذا إذا تم تأسيسه بطريقة منهجية أصلاً.

المخرج ودورنا التاريخي:

شاءت أقدار الله أن تضعنا في هذا المحك، فتكون الجهة الوحيدة - على حسب رأيي - لقيادة المرحلة وصمام أمان الثورة في هذه الفترة تحديداً هي هذه المجموعة من النواب التي أطلقنا عليها «مجموعة الثوابت»؛ للأسباب التالية:

ـ مجموعة منتخبة بطريقة صحيحة.

ـ موقفها التاريخي الذي صنع الحدث.

ـ ضمان وطنيتهم وولائهم لثورة 17 فبراير.

ـ قبول الشارع بجميع أطيافه لهذه المجموعة، بل تسليم الشارع لهم على أنهم أبطال وطنيون؛ فبالتالي لن يتردد ولن يختلف الشارع في قبولهم كقادة للمرحلة القادمة.

ـ مجموعة محدودة العدد؛ وبالتالي لا يمكن اختراقها وتسلل المنتفعين من بينهم[3].

الحالة الراهنة:

يمكن الحديث عن الحالة الراهنة عبر النقاط التالية:

أولاً: عملية «فجر ليبيا»:

وهي عملية عسكرية تصحيحية لثورة 17 فبراير؛ بعد أن انحرفت عن مسارها بشكل كبير، وقد اجتمع العديد من الثوار من شتى المدن وعلى مختلف توجهاتهم الفكرية، ثم نشبت حرب بينهم وبين قوات «القعقاع» و«الصواعق» وهما لواءان يتبعان القوى المدعومة إقليمياً ومحلياً، وهما - وغيرهما - يعتبران الذراع العسكرية لحزب التحالف الوطني بقيادة د. محمود جبريل. وإلى ساعة كتابة هذه الأسطر تعتبر قوات فجر ليبيا حققت انتصارات كبيرة جداً على الأرض، ونستطيع القول إنها تبسط نفوذها على الغرب والجنوب الليبي إلا بعض المناطق البسيطة جداً.

ثانياً: مجلس شورى ثوار بنغازي:

وهذا المجلس يضم في جنباته قسمين من المقاتلين: القسم الأول عموم الثوار، من إسلاميين وغيرهم، أما القسم الثاني مَن يُعرفون بأنصار الشريعة، وهذا القسم يضم مجموعات متباينة فكرياً، إلا أنك تستطيع أن تصفهم بما يُعرف بالسلفية الجهادية. وهذا القسم الأخير - أنصار الشريعة - بينه وبين سائر الثوار خلافات كبيرة، إلا أن الذي يجمعهم - مؤقتاً - الدفاع عن مدينة بنغازي - المدينة الثانية في ليبيا وهي عاصمة الشرق الليبي - وقتال قوات خليفة حفتر اللواء المتقاعد. وتعتبر قوات مجلس شورى ثوار بنغازي مع قلة عددها تهيمن بالكامل على مدينة بنغازي، إلا أن الخلافات الفكرية بين أنصار الشريعة وبين عموم الثوار حالت دون انضمام العديد من الثوار إلى مقاتلة قوات خليفة حفتر وللأسف.

ثالثاً: حكومة الإنقاذ:

بعد أن شكلت مجموعة النواب في طبرق الحكومة برئاسة عبد الله الثني، رأى بعض المهتمين ضرورة تشكيل حكومة إنقاذ في المناطق التي تهيمن عليها قوات فجر ليبيا، ومن هنا كانت فكرة تشكيل حكومة الإنقاذ برئاسة عمر الحاسي.

الوضع السياسي:

يشهد المشهد السياسي ارتباكاً كبيراً؛ فما يحققه الثوار على الأرض من تقدم لا يتناسب إطلاقاً مع ما يحققه السياسيون سياسياً، ولايزال «برلمان طبرق» يتلقى الدعم اللامحدود من مصر وغيرها؛ المشكلة تكمن في أن كثيراً من السياسيين لا يملكون روح المغامرة التي يملكها الثائر على الأرض، فبينما تجد الثائر يدك حصون الظلم والطغيان ببندقيته ومدفعه، تجد السياسي الذي من المفترض أن يمثل ذلك الثائر في المحافل السياسية يده ترتعش ونبضات قلبه تتسارع إذا طُرح عليه مشروع فيه بعض المخالفات القانونية التي تتماشى مع روح الثورة!

على كل حال، ترعى الأمم المتحدة وبعض سفراء الدول الغربية كبريطانيا وفرنسا حواراً هذه الأيام بين الفرقاء السياسيين؛ الدلالات الأولية لا تبشر بخير، ولكنني لا أريد أن أكون متشائماً.

أدعو الله أن يحفظ ليبيا وأهلها وسائر بلاد المسلمين.

:: مجلة البيان العدد  329 محرّم  1436هـ، أكتوبر  - نوفمبر  2014م.


[1] مدينة طبرق تقع في أقصى شرق شمال ليبيا، وتحديداً على الحدود الغربية لمصر، وقد تم نقل مجلس النواب الليبي إليها، وهذه المدينة تقع تحت هيمنة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يقود عملية ما يُسمّى بـ«الكرامة». وبهذين الاعتبارين، قرب طبرق من مصر وهيمنة حفتر، كانت عملية نقل البرلمان هناك عملية غير بريئة كما يرى كثير من المهتمين والمراقبين.

[2] أنا أحد الأعضاء الذين امتنعوا عن الالتحاق بـ»مجلس النواب» المنعقد في طبرق. وتُقدر مجموعتنا بحوالي 30 عضواً من بين 188 عضواً، وبعد أسبوعين تقريباً من انعقاد أول جلسة في طبرق انفضّ غالب الأعضاء الموجودين في طبرق ولكنهم في الوقت ذاته لم ينضموا إلى مجموعتنا لأسباب كثيرة.

[3] غالب هذا المقال، بما فيه الحلول المقترحة كنتُ قد قدمته في ورقة من ثمان صفحات لزملائي كقراءة ورؤية سياسية للمجموعة، لكن للأسف لم يؤخذ بها، لأسباب كثيرة يصعب ذكرها وحصرها في هذا المقال، إلا أن السلبية وعدم الخبرة السياسية كان لهما بالغ الأثر.

 

 

أعلى