• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الإيمان والإرادة أقوى من الطائرة والدبابة

الإيمان والإرادة أقوى من الطائرة والدبابة

الذي لا يكتفي بمراقبة السطح الخارجي للأحداث خاصة بما يتصل بخبرات شعوبنا في مواجهة التحديات الاستعمارية وآخرها أمريكا وإسرائيل ، يدرك على الفور أننا نمتلك القدرة على المواجهة والصمود وتفشيل العدو ومنعه من تحقيق أهدافه بوسائل غير تقليدية اكتشفها المجاهدون على مدى الصراع، وأن قوة أمريكا وإسرائيل ليست قدراً، بل هي قوة يمكن مواجهتها وهزيمتها، ولو بمنعها على الأقل من تحقيق أهدافها؛ وأننا إن كنا نتألم من جراء ممارسات تلك القوى ضدنا، فإنهم يتألمون مثلما نتألم، أي أننا قادرون على إنزال الألم بهم أيضاً، لكننا نرجو رضا الله تعالى والجنة وهم لا يرجون شيئاً، وهذا عامل قوة لنا {فَإنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء: 104].

حقيقة إمكانية مواجهة القوى الظالمة مهما كانت قوتها وجبروتها، وأن الإنسان أقوى من التكنولوجيا؛ هي حقيقة يؤكدها الإيمان بمدد الله تعالى الذي يأتي للمؤمنين المجاهدين الصادقين، الذين بذلوا غاية الجهد، ومن ثم فإن القعود عن الجهاد والمقاومة بدعوى عدم تكافؤ القوى، هو هجمة مرفوضة شرعياً ومرفوضة على مستوى دراسة تاريخ وحوادث الصراع، بل إن تلك الحجة ليست إلا وسيلة للهزيمة من قبل بدء المعركة وتوفير جهد الأعداء من ثم، وهي لا تحقق قطعاً حقن دمائنا، بل العكس هو الصحيح، فالاستسلام عادة ما يؤدي إلى مذابح مذبحة صابرا وشاتيلا مثلاً، وكل المذابح التي تمت من قبل ومن بعد“.

من الناحية القرآنية يقول الله تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 52].. إنها نفس الحجج: الخوف من مواجهة الأعداء وانتقامهم بدعوى عدم تكافؤ القوى.

الخبرة التاريخية

في مراحل الصراع مع العدو الصهيوني والأمريكي، ومن قبل مراحل الصراع مع الاستعمار الغربي، أي منذ أن بدأت عناصر القوة تكون في صالح أعدائنا؛ فإن الخبرات المتراكمة تقول إن مواجهة العدو بجيوش نظامية أو بدول وحكومات فشلت إلى حد كبير، وأن الطريقة الوحيدة التي تم بها النجاح في المواجهة كانت الحرب الشعبية، والأمثلة كثيرة متواترة متكررة؛ فمع أولى الحملات الاستعمارية، مثلاً الحملة الفرنسية 1798“، نجحت المقاومة الشعبية التي نظمها الأهالي بقيادة علماء الأزهر في إخراج الحملة وهزيمتها حين فشل المماليك الحكومة والدولةفي ذلك. والأمر نفسه تكرر في حملة فريزر على مصر 1807.

وفي التاريخ الحديث مثلاً فشلت الدول العربية متفرقة ومجتمعة في التصدي لإسرائيل، لكن المقاومة الشعبية في مدينة السويس بمصر 1973 نجحت في ذلك وهزمت القوات الصهيونية التي حاولت احتلال المدينة.

وفي الحملة العسكرية الأمريكية على العراق مثلاً 2003، فشلت حكومة العراق بجيشها الكبير وحزبها المنظم وقيادتها الصارمة، في التصدي للعدوان، واحتل الأمريكيون العراق، لكن المقاومة الشعبية اندلعت سريعاً ونجحت في إنزال أكبر الخسائر بجيش الاحتلال، بل إنها صمدت رغم الظروف السيئة، وخيانة أحزاب وطوائف وزعماء وقادة.

الأمر نفسه حدث في أفغانستان، فقد فشلت الحكومة والدولة بقيادة طالبان في مواجهة الاحتلال الأمريكي، ثم نجحت كحركة شعبية، وبعد أربع سنوات على الاحتلال الذي تم عام 2001، أي تحديداً منذ نهاية عام 2005، تزايدت قوة المقاومة التابعة لطالبان، أي أن طالبان ذاتها نجحت كحركة فيما فشلت فيه كحكومة.

الأمر نفسه تكرر مع حماس التي صمدت أمام كل أنواع ومحاولات التصفية، ولا تزال تنفذ عملياتها وتطلق صواريخها ضد إسرائيل.

لا يرجع ذلك بالطبع إلى قلة أو ضعف الإمكانيات لدى الجيش الصهيوني أو الجيش الأمريكي، بل يرجع إلى أن تلك الجيوش قد تنجح مع جيوش مثلها هي بالضرورة أضعف منها، أو تنجح في مواجهة دول وحكومات، لكنها تفشل بالضرورة في مواجهة حركات ومجتمعات. وهكذا؛ فإن الخبرة الكبرى تقول إنه من الممكن هزيمة الأعداء بحرب المجتمعات وليس الجيوش والدول، وبحرب المنظمات الصغيرة، وبحرب الشعب، وأن الإيمان والإرادة أقوى من الطائرة والدبابة. وهذا من رحمة الله طبعاً بنا وبالبشر جميعاً؛ لأن من سننه تعالى أن الإنسان أقوى من التكنولوجيا، وأن المجتمعات أقوى من جيوش الظالمين.

الإنسان أقوى من التكنولوجيا

مسألة أن الإنسان أقوى من التكنولوجيا حقيقة دلّلت عليها آلاف الحوادث، فما معنى أنه في ظروف صعبة للغاية تنشأ حركات مقاومة مثل حماس والجهاد، لا تملك إلا إمكانيات بسيطة، وتستطيع أن تقوم بعمليات استشهادية متكررة في الزمان والمكان، لمدة طويلة وفي كل مكان من أرض فلسطين التاريخية؟ وبديهي أن ذلك اقتضى اختراق تحصينات وتجهيزات واستخبارات صهيونية هي الأقوى من نوعها. وما معنى أن تفشل إسرائيل في منع تلك العمليات رغم جيوش العملاء، ورغم الاستخبارات، ورغم الميزانيات الباهظة، ورغم الجيش القوي والتحصينات الضخمة، ورغم الأقمار الصناعية، ورغم الدعم العسكري والاستخباراتي الأمريكي، وأن تصل تلك العمليات في كل الظروف الصعبة والسهلة إلى داخل إسرائيل؟ معناه ببساطة أن الإنسان أقوى من التكنولوجيا وهذا من رحمة الله -.

ثم ما معنى أن تستمر حماس والجهاد رغم عشرات الحملات العدوانية واستخدام كل أنواع الطائرات والدبابات والمدفعية والمشاة، واقتحام المدن، وهدم البيوت والجسور والمرافق، والضغط على المدنيين... إلخ؟ وما معنى استمرار قصف إسرائيل بصواريخ بعد ذلك كله؟ معناه أن الإنسان أقوى من التكنولوجيا، والصاروخ نفسه يؤكد ذلك، فهو صاروخ بسيط صغير لا تستطيع شبكة الصواريخ الإسرائيلية باتريوت وحيتسالتي تكلفت المليارات من الدولارات، أن تتصدى له، ربما لأنه صغير! ويحقق نوعاً من الخوف وعدم الأمان بالنسبة للإسرائيلي، وهذا ينسف فكرة الصهيونية ذاتها.

الأمر نفسه ينطبق على سلاح الكاتيوشا، وكل من الكاتيوشا والقسام وجراد، سلاح بسيط يمكن تصنيعه بأبسط الوسائل والخبرات، بل يمكن لطلاب العلوم والهندسة تطويره وزيادة مداه، ولا يمكن كشفه أو التصدي له، وقد وصل إلى معظم المدن الإسرائيلية وحقق نوعاً من الردع وأسقط قتلى وجرحى.

إنه الإنسان أقوى من التكنولوجيا، وهناك طريقة ما يستطيع بها الإنسان مهما كان ضعفه أن يواجه أعتى القوى، إنها حرب النمل مع الفيل!

ليس هذا فحسب، فيمكننا أن نرصد عدداً من الحوادث دلّلت على أن الإنسان أقوى من التكنولوجيا، حتى في مواجهة الجيوش الأمريكية الصهيونية مباشرة.

عملية نسف مقر قيادة القوات الأمريكية المارينزفي بيروت عام 1984، وقتل وجرح مئات الجنود.. إنها عملية استشهادية نفذها فرد في مواجهة جيش محصن. وقد سئل وقتئذ الرئيس الأمريكي دونالد ريجان في الكونجرس: كيف يمكن حدوث ذلك؟ أين التحصينات؟ أين الاستخبارات؟ فأفاد بأن كل التحصينات في العالم قائمة على فكرة خوف المهاجم من الموت، فإذا انتفى هذا الخوف فإنه لا حل هناك.. صدق وهو كذوب.

عمليات نسف مقر الحاكم الإسرائيلي في صور عام 1985 وغيرها من العمليات المماثلة.

عملية أنصارية عام 1998، والتي جاءت فيها أقوى وحدة إسرائيلية على الإطلاق وحدة خاصة يتكلف الجندي فيها 5 ملايين دولارعن طريق الإبرار الجوي، فوجدت رجال المقاومة بانتظارها ليبيدوها، وتضطر إسرائيل إلى إلغاء العملية.. كيف علمت المقاومة بمكان وزمان العملية؟ وكيف نجح رجالها في إبادة وحدة إسرائيلية من أفضل الوحدات العسكرية؟!.. إنه الإنسان أقوى من التكنولوجيا.

في عملية الوهم المتبدد يونيو 2006“ حيث حفر المجاهدون خندقاً بطول 400 متر تحت الجدار العازل دون أن يحس بذلك العدو ولا استخباراته، ووصلوا إلى موقع عسكري إسرائيلي في كرم شالوموقتلوا وأسروا ورجعوا.. ما معنى ذلك؟ معناه أن الإيمان والإرادة أقوى من الجيش الصهيوني.

عملية الوعد الصادقالتي تم فيها الهجوم على وحدة صهيونية في جنوب لبنان زرعيرتفي يوليو 2006، وتم قتل 9 جنود وأسر جنديين، وجرح العشرات.

صمود المقاومة اللبنانية 2006.

صمود غزة 2009.

صمود غزة 2012.

صمود غزة 2014.

معنى ذلك أنه حتى الجيش الصهيوني بات من الممكن إنزال الضربات به على يد المقاومة. ومعناه أن الإنسان أقوى من التكنولوجيا، وأن هناك مدد الله دائماً يأتي للمجاهدين الصادقين بعد بذل كل الجهد.

والوقائع من هذا النوع أكثر من أن تحصى.

:: مجلة البيان العدد  328 ذو الحجة 1435هـ، أكتوبر  2014م.

 

أعلى