نص شعري
قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف: 2].
وقال الله تعالـى: {وَإنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ 192 نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ 193 عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْـمُنذِرِينَ 194بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 192 - 195].
وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأَشْعريّ –رضي الله عنهما-: «أَمَّا بَعْدُ، فتفقَّهوا في السُّنَّة، وتفقَّهوا فـي العربيَّة، وأَعْربوا القرآنَ؛ فإِنَّه عَرَبـيٌّ» (رواه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور والبيهقي في الشُّعَب).
قد جِئْتُ بابَكَ سائلاً مُمْتاحا
أُزْجُو القَريضَ ولم أَكُنْ مَدَّاحا
وبضاعتي المُزْجاةُ فَيْضُ حَشاشتي
تَرْجُو لَدى أُمِّ اللُّغاتِ رَباحا
كيفَ السُّمُوُّ إِلى مَشارفِ عِزِّها
وخُطايَ تَشْكُو فالجًا وكُساحا
طُوْبَى لِسَيِّدَةِ اللُّغاتِ صُراحا
تكْسُو البيانَ من البيانِ وِشاحا
بَذَّتْ سِواها في اللُّغاتِ مَكانةً
لم تَكْبُ من وَهَنٍ وتَنْبُ سِلاحا
شاخَ الزَّمانُ وما تَزالُ خَريْدَةً
واسْتأْثَرَتْ بالبَيِّناتِ فِصاحا
ذا حَرْفُها القُدُسِيُّ مِنْذُ وِلادةٍ
ما زالَ يَهْمِي مُغْدِقًا سَحْساحا
قد فَاضَ نُورِي السَّنا مُتَوَضِّئًا
بالباقِياتِ الصَّالحاتِ وفَاحَا
قد طَهَّرَ الذِّكْرُ الحَكيمُ عُبَابَها
فانْجابَ لَيْلُ مِدادِها وانْزاحا
وتَجَلْبَبَتْ بُرْدَ البيانِ عَزيزةً
تُهْدي بَنِيها عِزّةً وفَلاحا
تُعْطيكَ من أَسْرارِها ما تَقْتِري
إِنْ كُنْتَ في بَحْرِ الرُّؤى سَبَّاحا
ويَسِيلُ من أَكْمامِها عَبَقُ الهُدى
فيُبَرْعِمُ الغُصُنُ النَّدِيُّ سَماحا
لُغَةُ الجِنانِ من البَيانِ تَسَلْسَلَتْ
نَصْبُو إِلَيْها غُدْوةً ورَواحا
كم والغٍ جَافٍ تَطاوَلَ هازِئًا
فارْتَدَّ يَلْعَقُ خَيْبَةً وجِراحا
نَبَحَتْ شَراذِمةُ الأَنامِ وزادَهم
بَرْقُ السَّحابِ إذا هَمَى اسْتِنْباحا
جَرُّوا ذُيولَ الخِزْيِ رَغْمَ أُنُوفِهم
جَرَعوا الهَوانَ أَسِنَّةً ورِماحا
فَقأَتْ بَلاغتُها العُقولَ بمِخْرَزٍ
لمَّا تَداعَى المُغْرِضُونَ جِماحا
ضَلُّوا الطَّرِيقَ وفارقوا مِشْكاتَها
فتَخَبَّطوا لم يُحْرِزوا إِصْلاحا
مُذْ أَهْملوها لَمْ يَروا أُكْرومةً
واسْتَعْذبوا بَعْدَ العِذابِ مِلاحا
وا خَيْبَةَ القومِ الذينَ اسْتَبْدَلوا
ما شَاءَه المَولى لهم وأَتاحا
دُرَرُ البيانِ تَزِينُ جِيدَ حُروفِها
وتَمِيْسُ في حُلَلِ الهُدى إفْصاحا
لو كُلُّ شُذَّاذِ الزَّمانِ تَكالبُوا
أَو أَجْلَبوا بالقارعاتِ بَواحا
ما أَوْهَنوا مِن مَجْدِها أُظْفُورةً
أَبدًا ولا كَسَروا لها مِصْباحا
لن يَبْلغوا مهما عَلَوا أَرْساغَها
لا حاقِدًا تَخْشَى ولا سَفَّاحا
يا من تُحاولُ بالمكائدِ هادمًا
جَبَلاً تَعَاصی شامخًا طَمَّاحا
خَسِئَ الدَّعيُّ إِذا يَرُوْمُ عَريْنَها
فحِمَى المَثاني لن يَكونَ مُباحا
فاللهُ حافظُها بأَقْدَسِ مُصْحَفٍ
وأَذَلَّ كُلَّ مُكابِرٍ وأَطاحا
فاِرْتَدَّتِ الأَبْصارُ بَعْدُ كَلِيْلَةً
وأَراقَ دَمْعَ هَوانِه وأَشاحا
تسعُ الضَّمائرَ والعُقُولَ رَحابةً
كم تُعْجِزُ الأَقْلامَ والأَلْواحا
مَن رامَها بالسُّوءِ خابَ مُطأْطِئًا
وانْسَلَّ يَخْفِضُ للهوانِ جناحا
يا زاعِمًا نَصْرًا ولَسْتَ تَضُرُّها
مهْما أَعدْتَ على الصَّفاةِ نِطاحا
من مَوْلِدِ التَّاريخِ والدُّنْيا ابْتَنتْ
صَرْحًا ومَدَّت للمعالي الرَّاحا
مَنْظومةٌ مَحْفوظةٌ لمَّا تَزَلْ
بالذِّكْرِ خالِدَةَ الشَّبابِ رَداحا
الخاسئونَ وحالُهم قد أَشْبَهَتْ
فَلَقًا يُطارِدُ في الدُّجَى أَشْباحا
لَفَظَتْهُمُ العَرْباءُ قَيْحًا مُنْتِنًا
فتَجَنْدلوا مَلؤوا البِطاحَ نُواحا
يا مَن يَسُنُّ كما المُدى أَنْيابَه
من أَحْرفِ الفُصْحى نَسُلُّ رِماحا
كُلُّ اللُّغاتِ تَبَدَّلَتْ وتَأَخَّرَتْ
وغَفَتْ على وَجَعِ المَواتِ شِحاحا
وهي الوَلودُ إِذ اللُّغاتُ عَقيمَةٌ
تَحْبُو الصَّلاة بين الوَرى وفَلاحا
يَكْفِي فَخارًا أَنَّ رَبِّي شَاءَها
لُغَةَ الكِتابِ وزادَها إيْضاحا
فمن الذي يُزْرِي بها ويَسُوْؤُها
وحُماتُها أُسْدٌ تَصُولُ كِفاحا
فَلْتَهْنَئِي بكرامةٍ مَخْصُوصةٍ
قد أَذْهَلَتْ آياتُها الأَقْحاحا
تِلْكَ العُرَى الوُثْقى تَشُدُّ أَواصرًا
وتَظَلُّ في بابِ الهُدى مِفْتاحا
حَفِظَتْ لَنا تاريخَنا وحَضارة
لا تُرْجُمانَ نُرِيدُ أَو شُرَّاحا
هِيَ هَذه اللّغَةُ تَعَالى قَدْرُها
وبها تَسَامَى مَن أَرادَ صَلاحا
أَنا لا أَسوغُ سِوى نَداها مَورِدًا
أَبَدًا ولا أَرْأَى سِواها ساحا
مُتَزَمَّلاً دُرَرَ البَيانِ عَبَاءةً
وأَعُبُّ من شَبَمِ الفُراتِ قَراحا
إِنَّ النَّبِيَّ أَحبَّها عَرَبيَّةً
أَعْيا بِها الخُطَباءَ والأَقْحاحا
ولأَنَّ قُرآنَ النُّبوَّةِ مُعْرَبٌ
فلقد أَناخَ بظِلِّهِ وأَراحا
فتَفَقَّهوا بالدِّينِ ثُمَّتَ أَعْرِبُوا
قُرآنَه أَحْيُوا بِهِ الأَرْواحا
هَيَّا ارْتعُوا برِياضِ جَنَّتِهِ التي
بالذِّكْرِ جَلَّتْ مَرْتعًا ومَراحا
لُغَةُ الكِتابِ هي الهُوِيَّةُ والعُرى
تَسْقِي المُرُوءَةَ والتُّقَى أَقْداحا
من لم يَكُنْ للعربيَّة حارسًا
لا شَأْنَ قد أَوْعَى ولا أَرْباحا
لا خَيرَ في قَومٍ أَقامُوا غَيْرَها
لُغَةً لَهم واسْتَعْذبوا الضَّحْضَاحا
قَدَحوا زِنادَ الأَعْجَمِيَّةِ لم أَجِدْ
للعربيَّة بَيْنَهمْ مِقْداحا
إِنِّي ليَمْلَؤُني الفَخارُ وأَنْتَشِي
في ظِلِّها أَسْتَرْوِحُ الأَدْواحا
وأَعُودُ مُخْتَتِمًا قَريضِي مُنْشِدًا
قد جِئْتُ بابَك سائلاً مُمْتاحا