• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
العوامل الحرجة لبقاء الأوقاف

العوامل الحرجة لبقاء الأوقاف


تعدُّ الأوقاف من الأدوات المهمة للاستدامة المالية في المجتمعات، وقد حثَّ الشرع على إقامتها بحيث يحبّس الأصل ويسبل الثمر، كما في حديث ابن عمر: «أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصاب أرضاً بخيبرَ، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يستأمرُه فيها، فقال: يا رسولَ اللهِ! إني أَصبتُ أرضاً بخيبرَ ولم أُصِبْ مالاً قطُّ أَنفسُ عندي منه.. فما تأمر به؟ قال: (إن شئتَ حبستَ أصلَها وتصدقتَ بها). قال: فتصدَّق بها عمرُ؛ أنَّه لا يباعُ ولا يوهبُ ولا يورثُ، وتصدَّق بها في الفقراءِ، وفي القُربى، وفي الرِّقابِ، وفي سبيلِ اللهِ، وابنِ السبيلِ، والضَّيفِ، لا جناح على مَن وَلِيها أن لا يأكل منها بالمعروفِ ويُطعِمَ مُتَمَوِّل»[1].. والأوقاف شبيهة بالكائنات الحية من حيث نموها ومرورها بمراحل حياتية، فتبدأ بالتأسيس، ثم النمو، ثم النضج، ثم الضعف والانحدار، ويتأثر الإطار الزمني لبقائها بعدد من العوامل، وتسمى في علم الإدارة «عوامل النجاح الحرجة»، حيث إن لكل نشاط عدداً قليلاً من العوامل الضرورية القابلة للقياس لنجاحه.. وإدراك الـمُوقِف لهذه العوامل قبل تسجيل صك الوقفية، إضافة إلى اتخاذه السبل التي تسهم في ديمومة الوقف من خلال العناية بهذه العوامل الحرجة أثناء التنفيذ؛ ستسهم - بإذن الله - في إطالة عمر هذا الوقف. ونحن هنا نتحدث عن العوامل التي يؤثر فيها صاحب الوقف والنظار من بعده، أما العوامل الخارجية كالنظام الذي تستند إليه الأوقاف في الدول، فهو خارج إطار هذا المقال، وإليك أخي القارئ هذه العوامل:

سلامة الوضع القانوني:

إن من أهم ما يستند إليه للتأثير في الوقف من قبل الحكومات، هو الخلل القانوني، وإن معرفة الواقف ومن بعده من النظار للمتطلبات القانونية في الوقفية والصرف وإدارة الأوقاف واتخاذ السبل لمراعاة هذه المتطلبات؛ يساعد على بقاء الوقف مدة أطول.

استمرار وانتظام التدفقات النقدية:

إن من أهداف الوقف صرف الريع للمستحقين، وهذا يتطلب وجود أوقاف ذات ريع مناسب وتنمو؛ ولذا فإن العناية باختيار العين الموقوفة، سواء نوعيتها أو مكانها، ستسهم في إطالة عمر الوقف، ولعل الموقف يدرك أهمية التنوع في العين الموقوفة تحسباً لتغيّر الظروف في المجتمعات، فيوقف عقارات وأسهماً وحصصاً في شركات ومزارع، كما يحرص على أن تكون في أماكن لها ديمومة البقاء، كمكة المكرمة وما جاورها والمدينة المنورة.

جودة انتقاء النظار:

سواء من تمت تسميتهم عند كتابة الوقفية أو من تم وضع وصفهم كمستخلفين لمن قبلهم، وهنا يجب أن يراعي الموقف تنوع تخصصات النظار، فيسجل الموقف نفسه أو أحد أبنائه، وقاضياً أو طالب علم متمكناً، وخبيراً في علم الإدارة، وخبيراً في العمل الخيري، ورجل أعمال. ويظن الموقف، وهو رجل أعمال، أن وجوده أو أحد أبنائه كافٍ عن رجل الأعمال، وهذا صحيح حالياً، أما مستقبلاً فقد يكون البدل من الذرية ليس رجل أعمال، وعندها يضعف الوقف. كما يراعى في اختيار النظار أن يكون الناظر لديه القدرة على العمل الجماعي، وذلك بتقبّل الآراء المخالفة والالتزام بما يقره المجلس حتى لو خالف رأيه، حيث إن اتفاق النظار على رؤية وسياسات عمل والالتزام بها سيسهم في بقاء الوقف، والعكس صحيح.

  اتساع عبارات المصارف:

يحرص بعض الموقفين على تحديد دقيق للمصارف، وهذا التحديد قد يضيّق على من يقوم بالصرف؛ لأن الأحوال قد تتغيّر، فبدلاً من أن يكتب طباعة الكتب الشرعية، يستخدم عبارة نشر العلم الشرعي، وهنا يتيح للنظار الخيار في آلية النشر؛ كالإنترنت، أو تطبيق على الهواتف الذكية، أو غيرها.

  تنمية أصول الأوقاف:

وهنا يجب التفريق بين حفظ الأصول الوقفية وحفظ أموال الأوقاف بتركها في البنوك والمصارف دون استثمارها، ولا شك فإن الواجب المحافظة على الأصول الوقفية إذا كانت منتفعاً منها، حيث نصّ الفقهاء على إعطاء الأولوية من ريع الوقف لإصلاحه وتعميره وترميمه وصيانته بما يحافظ على قدرته على الانتفاع به، لكن يجب أن تتم تنمية أموال الوقف بزيادة أصوله. وقد اهتدى الفقهاء إلى طرق تسهم في تنمية أصول الوقف، ومن ذلك (الحكر)، ويهدف لعلاج مشكلة تتعلق بالأراضي والعقارات الموقوفة التي لا تستطيع إدارة الوقف (أو الناظر) أن تقوم بالبناء عليها، أو زراعتها، أو أنها مبنية لكن ريعها قليل إذا قسنا بحالة هدم بنيانها، ثم البناء عليها؛ و(حق القرار)، وهو عقد يتم بمقتضاه إجارة أرض للمحتكر لمدة طويلة، وإعطاؤه حق القرار فيها ليبني، أو يغرس، مع إعطائه حق الاستمرار فيها ما دام يدفع أجرة المثل بالنسبة للأرض التي تسلمها دون ملاحظة البناء والغراس[2].

إن سعي الموقف إلى العناية بصك الوقفية وإدراج ما تم ذكره ليكون نظاماً إدارياً ومالياً للوقف ونظارته ومصاريفه؛ سيسهم في إطالة عمر الوقف.

 ** ملف خاص (الوقف.. بوابة العطاء)

:: مجلة البيان العدد 312 شعبان 1434هـ، يونيو - يوليو 2013م.


[1] أخرجه البخاري في كتاب الشروط، رقم (2737).

[2] د. خليفة بابكر الحسن، «استثمار موارد الأوقاف»، المقدم إلى الدورة الثانية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي (ص 21).

أعلى