أن قوة الإنسان في الدنيا لن تُغني عنه يوم القيامة شيئًا، وبمثل هذه الهدايات أسهم القرآن في تكوين مفاهيم قرآنية لدى القرون المفضّلة لتحل محل مفاهيم الجاهلية، وخاصةً أولئك الذين كانوا يتفاخرون بالأجسام والصور والآباء والأجداد في القوة والضخامة والبطش.
أسنـد الإمام الطـبـري إلى عُـبـيد بن عـميـر -رحـمــه الله- في قـولـه تــعــالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْـحَقُّ} [الأعراف: ٨]، قال: «يُؤتَى بالرجل العظيم الطويل الأَكُول الشروب، فلا يَزن جناح بعوضة»[1].
ويُستدلّ له بقول الله -تعالى-: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105]، وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة؛ لا يَزن عند الله جناح بعوضة»[2].
وفي هذا الأثر يظهر المسلك الإصلاحي للنفوس، وهو ألّا يلتفت المسلم إلى ضخامة الأجسام عندما ينعدم معها الإيمان؛ فإن هذا لا يُغني يوم القيامة شيئًا، وهو أثرٌ يُحيي حضور الآخرة في قلب المؤمن، فلا تغيب عن قلبه، وشعورٌ يحمي المؤمن من الانغماس في الدنيا واللهث لها، فليس المَدار في الرفعة عند الله، والقرب من فضله، على صورة الأجسام، وإنما ذلك بما يَقرُّ في القلوب من الإيمان[3].
ويبرز للمتأمل موعظة أخرى؛ وهي أن قوة الإنسان في الدنيا لن تُغني عنه يوم القيامة شيئًا، وبمثل هذه الهدايات أسهم القرآن في تكوين مفاهيم قرآنية لدى القرون المفضّلة لتحل محل مفاهيم الجاهلية، وخاصةً أولئك الذين كانوا يتفاخرون بالأجسام والصور والآباء والأجداد في القوة والضخامة والبطش.
ففي هذا الأثر تصحيحٌ لمفاهيم كانت سائدةً أتى القرآن بتصحيحها، وبيَّن الوزن الحق عند الله؛ {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْـحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ 8 وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: ٨، ٩].
[1] تفسير الطبري (10/68).
[2] أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، رقم الحديث (4729)، وأخرجه مسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، رقم الحديث (2785).
[3] يُنظر دليل الفالحين، ابن علان (3/61).