• - الموافق2024/11/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الدعوة والداعية ضرورة مُلحّة

يرى خبراء التعليم والبحث العلمي أنه لكي يستطيع الداعية القيام بوظيفته وتحقيق أهداف الدعوة؛ يجب أن تتوفر فيه مواصفات تحتاج إلى إعداد وتربية

 

الدعوة إلى الله تعالى هي في الأساس مهمة الأنبياء ورسالة المرسلين، وعمل الدعاة المخلصين، والأُمة على وجه العموم مُكلّفة مِن قِبَل الله بتبليغ الدعوة ونشرها بين العالم كافة؛ قال الله تعالى:  {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْـخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].

والدعاة على وجه الخصوص يقع على عاتقهم أمانة نشر الدعوة؛ حيث عهدت إليهم المجتمعات الإسلامية بهذا الدور؛ لمساعدة الأفراد على الفهم الصحيح للدين الإسلامي بالشكل الذي يتلاءم وسماحة تعاليمه، على أن ينعكس ذلك في سلوكياتهم وفي تطوير مجتمعاتهم.

وحتى تأتي الدعوة إلى الله بالثمرة المرجوة منها؛ لا بد أن يكون العمل في مجالها يعتمد على التخطيط والتنظيم والتدريب، لذا يسعى العلماء للتدريب على توصيلها وإعداد مَن يتولون أمرها منذ صدر الإسلام في مراكز وأماكن خُصِّصت لذلك، حظي المسجد بأكثرها، بالإضافة إلى وظيفته الأساسية في العبادة.

ويُقصَد بمراكز إعداد الدعاة: المعاهد أو المؤسسات التي تُعلِّم الدعاة، على اختلاف مستوياتهم وأنواعهم، من علماء وفقهاء وخطباء ووعاظ؛ وذلك للقيام بمهمة الدعوة الإسلامية ونشرها في العالم. ومِن ثَمَّ أخذت أشكالًا وأنواعًا متباينة؛ بعض منها لم يحدث به تطوير وظل محتفظًا بطريقته التقليدية في الإعداد كالمساجد والجوامع والكتاتيب والجمعيات الإسلامية، وجميعها غير مُقيَّدة بنُظُم التعليم الحديثة، ولذا يُطلَق عليها مؤسسات أو معاهد غير نظامية، ومنها مَن تأثر بطبيعة العصر، وحدث به تطوير في أسلوبه ومنهجه كالمدارس الإسلامية والجامعات الإسلامية الحديثة، ويطلق عليها المؤسسات أو المعاهد النظامية، وللتعرف على جوانب الإعداد التربوي في كل منها نعرض في البداية للمُسلَّمات التربوية في إعداد الدعاة وعوامل نجاح برامج هذا الإعداد في عالمنا المعاصر مع تصوُّر مستقبلي لما يجب أن يكون عليه.

مُسلَّمات تربويَّة في إعداد الدعاة

إعداد الداعية عملية بالغة الأهمية؛ لدوره الفعَّال والمُؤثِّر في تحقيق أهداف الدعوة الإسلامية، ولما يُناط به من مسؤوليات روحية وعقلية واجتماعية، كما تستمدّ مؤسسات الإعداد أهمِّيّتها من أهمية دور الداعية في المجتمع، ونجاح الداعية يتوقف بالدرجة الأولى على نوع الإعداد الذي يتلقَّاه. وتطوير عملية إعداده من منظور تربويّ إحدى القضايا العصرية الحديثة للتربويين، ونعني بالنظرة التربوية ترجمة الحقائق المجردة التي ينطوي عليها فقه الدعوة إلى معايير سلوكية يمكن أن تظهر في صورة مقررات وأنشطة ووسائل تُستخدَم في نشر الدعوة.

وبالنظر إلى الإعداد التربوي للداعية يستوجب الاهتمام بدراسة كلّ ما يتعلق بالداعية من مؤثرات وما يتصف به من صفات من حيث قدراته واتجاهاته وأسلوب تفكيره وقِيَمه وسماته الشخصية، حيث إنَّ الداعية بتفاعله المستمر مع الناس في مجتمعه الخارجي وتعليمهم أصول دينهم يكون له أثر بالغ في تحقيق أهداف الدعوة، ممَّا يتطلب من السلطات الدينية والتربوية وَضْع أُسُس علمية سليمة لإعداده إيمانًا بدَوْر الداعية في تعليم أفراد المجتمع البالغين؛ فهو مُعلِّم للكبار.

وفي ضوء آراء التربويين وعلماء الإسلام؛ فإن إعداد الداعية يجب ألا يقل في مستواه عن إعداد المعلم، مع الأخذ في الاعتبار بأن كل تخصص يقتضي بطبيعة الحال اختلافًا في نوعية الإعداد؛ إلا أنه يجب أن يتوفر بين النوعين قدر مشترك من المعلومات والمهارات والمبادئ التي تتطلبها كل مهنة، وكذلك الركائز الأساسية التي تقوم عليها، ولذا ينبغي الاهتمام بإعداده في ضوء ما اتفق عليه التربويون من مُسلَّمات خاصة بإعداد المعلم والتي يمكن اعتبارها مُسلَّمات لإعداد الداعية منها ما يلي:

- طبيعة عمل الداعية ترتبط بنوع الدعوة التي يقوم بالعمل فيها وأهدافها ومحتواها المعرفي والمهاري الذي تحويه، كما ترتبط أيضًا بطبيعة أفراد المجتمع ومستوياتهم.

- تتطلب مهنة الدعوة نوعًا من الاستعداد النفسي والقدرة والكفاءة التي يمكن تحقيقها عن طريق إعداد مهني خاصّ.

- الداعية لا يعمل مستقلًا عن القوى والمؤثرات المحيطة أو بمعزل عنها، وإنما يرتبط عمله ارتباطًا وثيقًا بمحتوى الدعوة التي يدعو لها، ونوعيات أفراد المجتمع الذين يتلقون هذه الدعوة، والنظام الذي يعمل في ظلّه، ولذلك فتقويم عمل الداعية يجب ألا يتم بمعزل عن رؤية الظروف المحيطة به.

- إن عمل الداعية يمتد إلى أكثر من تمكين المسلم من استيعاب أمور دينه، وإنما إلى توجيهه نحو استخدام وتنمية طرق التفكير في الاستفادة من هذه الأمور في حياته.

تربوية الداعي

وبالإضافة إلى المُسلَّمات السابقة؛ فإن هناك بعض الاعتبارات التي تؤكد تربوية إعداد الدعاة ومنها:

1- إن الدعاة تربويُّون؛ إذ لا تقتصر مَهمتهم على تزويد المسلمين بمعلومات عن أحكام العبادات والمعاملات في الإسلام، بل إن مهمتهم الأساسية توجيههم للعمل بمقتضى هذه الأحكام في حياتهم الخاصة والعامة.

2- إن مجال عمل كلّ من المعلم والداعية هو الإنسان؛ فِكْره وثقافته وعقائده ووجدانه وسلوكه وسائر جوانبه الأخرى، وكل ذلك مدار أيّ عمل تربوي.

3- إن الدور الذي يقوم به الدعاة يُغطِّي كل الأعمار، ويتميز بالاستمرار وتراكم التأثير منذ الطفولة حتي الشيخوخة، وهذا الدور يُعبِّر أصدق تعبير عن مفهوم التربية المستمرة مدى الحياة.

4- يعيش المسلمون في عالم حدث فيه تقدُّم هائل في مختلف فروع العلم، وقد آن الأوان لأن ننظر في أمر الداعية، منتفعين بما وصلت إليه التربية الحديثة في مجال إعداد المعلم.

5- يعيش المسلمون الآن في عالَم تهيمن عليه القِيَم المادية، وعلى الدعاة إرشاد المسلمين وتوجيههم للتعامل مع عناصر حضارة هذا العالم، دون أن تذوب شخصيتهم وتفقد خصائصها كأمة حمَّلها الله أمانة أعظم رسالة سماوية.

مواصفات مطلوبة

يرى خبراء التعليم والبحث العلمي أنه لكي يستطيع الداعية القيام بوظيفته وتحقيق أهداف الدعوة؛ يجب أن تتوفر فيه مواصفات تحتاج إلى إعداد وتربية؛ منها:

1- أن يكون ذا صفات شخصية متميزة، واضح الصوت، عذب الحديث، هادي النفس، واسع الأفق.

2- أن يكون حافظًا للقرآن الكريم، أو لقِسْط جَيِّد منه، مُحسِّنًا تلاوته، دارسًا للحديث النبوي، مُلِمًّا بقسط من السُّنة المُطهَّرة، مع إلمامه بمبادئ العلوم الحديثة؛ ليتمكن من ربط الدنيا بالدين.

3- أن يتمتع بالسمعة الطيبة والسلوك الحَسن، والصدق والأمانة، والحرص على مصالح المدعوين.

4- أن يستخدم أساليب الحكمة والموعظة الحسنة والإقناع، وأن يعاون في حلّ مشكلات الناس، ويسهم في الإصلاح بين المتخاصمين، ويشيع روح التآلف بين الجميع.

5- أن يداوم على التفقه في الدين والاستزادة من العلم النافع والاطلاع على قضايا العصر، ويتابع المستجدات والأحداث العامة؛ ليكون على وعي وبصيرة بما يحدث حوله، ويتمكن من الإجابة عن أسئلة الناس واستفساراتهم.

6- أن يبتعد عن التيارات الحزبية أو الطائفية، ويندمج في المجتمعات دون تحيُّز.

7- ألا ينظر إلى وظيفته على أنها وسيلة لكَسْب العيش فحسب، بل إنها واجب مُقدَّس يُؤدِّيه في أيّ وقت وفي أيّ مكان.

8- أما الداعية الذي يتم إعداده للسفر للدعوة في الخارج؛ فلا بد له -فوق ما سبق- أن يكون مُلِمًّا بظروف البلد الذي يعمل فيه، وأحوال المسلمين فيه، وباللغة التي يتحدثون بها.

ويرى بعض علماء الإسلام أن هناك بعض الصفات الخاصة بالداعية، والتي يكون في حاجة إلى إعداد خاص فيها، بالإضافة إلى الصفات السابقة، ومنها:

- أن يكون على عِلْم بأحوال المدعوين وعادتهم وطباعهم وبيئتهم وغير ذلك؛ مما يساعد على تقبُّلهم لدعوته.

- أن يكون مُطَّلعًا على وسائل الإيضاح اللازمة لتوصيل رسالته إلى مخاطبيه.

- أن يكون صورة عملية حية محسوسة لدعوته، فاهمًا لأمر الدعوة فهمًا دقيقًا، مؤمنًا بقضيته؛ حتى تصدر دعوته عن اقتناع واطمئنان.

وفي ضوء ما سبق يتضح أن هناك اتفاقًا بين علماء الإسلام والتربية على تفهُّم طبيعة عمل الداعية، وما يتطلبه ذلك من جوانب إعداد دينية وثقافية وتربوية من خلال برامج تعليمية تُحقِّق أهداف الدعوة.

عوامل نجاح برامج إعداد الدعاة

يؤكد علماء التربية على أهمية مراعاة بعض العوامل اللازمة لنجاح برامج إعداد الدعاة؛ بحيث تتضمَّن البرامج الجوانب الأربعة الأكاديمية التخصصية والمهنية التربوية والتدريب العملي والثقافة العامة، وبالترتيب الآتي المُعبِّر عن الأوزان المختلفة المعطاة لكل جانب، منها:

أ- المواد الأكاديمية التخصصية

ينبغي أن تحتل الجزء الأكبر من برامج الدراسة؛ حيث إن عملية التعليم هي معالجة للمعرفة؛ من أجل تنمية تفكير الناس، وتزويدهم بما ينبغي لهم أن يتزودوا للارتقاء به؛ بتفاعلهم مع البيئة ومشكلاتها؛ وذلك لأنه بدون هذه المعرفة يصعب على الداعية أن يُواجه مشكلات عصره وتحدياته وإيجاد الحلول السليمة لها، ومن هنا فإن الكفاءة العلمية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمقدار ما حصل عليه من معرفة علمية متطورة.

وفي ضوء ذلك فإن الإعداد الأكاديمي التخصصي للداعية يمكن تقسيمه إلى إعداد عام وإعداد خاص؛ بحيث يحتوي الإعداد العام على العلوم الإسلامية الأساسية كالعقيدة والتفسير وعلوم القرآن وعلوم السُّنة، والفقه الإسلامي وأصوله، والأخلاق الإسلامية، وكذلك اللغة العربية وآدابها؛ كما يتضمَّن الإعداد الخاص موادّ الدعوة الإسلامية وأصولها ومناهجها ووسائلها وتاريخ الدعوة الإسلامية، والرعيل الأول من الدعاة.

ب- المواد المهنية التربوية

وهي حتمية؛ بحيث تتوافر للداعية مقومات المهنة وأخلاقياتها وأصولها العلمية والفنية، فإذا كان الجانب المعرفي أساسًا في برنامج الإعداد؛ فإن هذا الجانب التربوي يُعدّ أساسًا لتوجيه المعرفة وتكييفها بما يُحقِّق وظيفتها بالنسبة للإنسان والمجتمع المتطور الذي يعيش فيه.

وبالإضافة إلى موادّ الإعداد الخاص والعام؛ يدرس الداعية مدخلًا للعلوم التربوية وطرق التدريس والوسائل التعليمية، كما تتضمَّن الدراسة علم النفس بأنواعه المختلفة، من علم النفس الدعوي، وعلم النفس التربوي، وعلم النفس الاجتماعي؛ متضمنًا ديناميكيات الجماعة والسلوك القيادي.

ج- التدريب العملي

وهو ذو أهمية لكل صاحب مهنة؛ ففيه مَزْج بين النظري والعملي والفكري والتطبيقي، فضلًا عن كونه المجال الذي يتمرس فيه الدعاة والمعلمون بمهارات المهنة وأصولها العلمية والعملية، وفيه يتم وضع مناهج تطبيقية تتناول الخطابة والتأثير في الجماهير مع التدريب على وسائل الدعوة العملية.

د- الثقافة العامة

وذلك من أجل بناء شخصيات نامية قادرة على التغيير الاجتماعي، وذلك باتخاذ الثقافة التي يعيش فيها مُنطلَقًا له باتجاهاتها ومشكلاتها وتحدياتها، ليس فقط على المستوى المحلي، وإنما على المستوى العربي والإسلامي والعالمي؛ حتى تُمكِّنه من التفاعل المستمر مع أحداث مجتمعه وعصره.

فيتضمن البرنامج الثقافي للداعية دراسات في الفكر الإسلامي وتاريخ الفرق والمذاهب الإسلامية، والنظريات المخالفة له، وأحوال الأقليات، والمشكلات والقضايا التي يعاني منها المجتمع الإسلامي المعاصر، كما يتضمن جغرافية العالم الإسلامي، مع تحصيل قَدْر من العلوم الحديثة المرتبطة بالمكتشفات العلمية الحديثة، وبعض الدراسات في الإعلام والاقتصاد الإسلامي، وكذلك ما يتصل باللغات الأجنبية وتعلُّمها بل إتقانها وإجادتها.

ممَّا سبق يتضح أهمية الإعداد المتخصص والتربوي في تكوين الداعية ووجهة نظر التربويين، كما يتضح أهمية التربية المعملية والتدريب الميداني كأهم جوانب الإعداد المهني التربوي؛ إذ إنها مجموعة النشاطات التي يقوم بها الطلاب باحتكاكهم المباشر بالعمل ليتدربوا ويكتسبوا المهارات اللازمة للمهنة، وهي أنظمة مخططة ومنظمة؛ بحيث توفِّر للداعية الاتصال بالناس في المجتمع، وهي بذلك حصيلة الإعداد النظري والجانب التطبيقي لها, ومهما اختلفت طرق تنظيمها؛ فهي تسهم إسهامًا فعالًا في تكوين كفاءة الداعية، كما أن أداء الطالب أثناءها ينبئ بمدى كفاءته في المستقبل أكبر من أيّ عنصر آخر من عناصر الإعداد المهني للداعية.

ويؤكد علماء التربية -علاوة عما سبق- على أهمية اختيار النوعيات الملائمة لمهنة الدعوة؛ حيث يمثل اختيار الشخص المناسب لمهنة الدعوة حجر الأساس في إعداد الداعية الناجح من حيث توفر الصفات السلوكية والشخصية والمعرفية، والتي يمكن التأكد من ملاءمتها عن طريق المقابلات الشخصية والاختبارات الشخصية.

 كما يؤكد علماء التربية على اجتذاب النوعيات الممتازة عن طريق دراسة جادة للحوافز التي تجتذب هذه العناصر أو بعضها على الأقل، ويؤدي استخدام الحوافز المختلفة إلى النتائج التالية:

1- اجتذاب العناصر الممتازة للالتحاق بالدعوة.

2- إشعار الداعية بالسعادة والرضا عن العمل الذي يقوم به، وجعل قيامه بالنشاط المطلوب منه عملًا مرغوبًا فيه ومُحبّبًا إليه؛ رغم ما يبذل فيه من جُهد.

3- رفع مستوى طموح الداعية، وحثّه على الاستزادة من العلم النافع.

4- وجود الحوافز يساعد على بذل الداعية لأقصى جهد مُمْكِن، ويضمن استمرار نشاطه حتى يُؤدِّي ما كُلِّف به من مهامّ.

وخلاصة القول: إن إعداد الداعية من المنظور التربوي يعتمد على ثلاثة أبعاد متكاملة:

- بُعْد ثقافيّ عامّ يهدف إلى جعل الداعية إنسانًا مثقفًا.

- وبُعْد أكاديميّ يهدف إلى جعله إنسانًا متخصصًا.

- وبُعْد تربويّ يهدف إلى جعله إنسانًا مهنيًا.

وتتفاعل هذه الأبعاد جميعًا فيما بينها في تشكيل الداعية لفهم مَهمّته قبل الالتحاق بالعمل الدعوي. وفي ضوء ذلك تقوم مؤسسات إعداد الدعاة باختيار النوعيات المتميزة من الطلاب، وذلك بعمل مقابلات شخصية تتضمن التأكد من صدق الرغبة وجدية الاختيار ومدى الإلمام العام بالتخصص والاطلاع في مجاله، وكذلك التأكد من توافق الخصائص الذاتية وسمات الالتزام والمظهر العام مع التخصص وطبيعة العمل مستقبلًا في مجال الدعوة، وكذلك إجادة المبادئ الأساسية لقواعد اللغة العربية والعلوم الإسلامية، وإجادة وحفظ وتلاوة أجزاء من القرآن الكريم؛ كل ذلك من أجل تحقيق الأهداف المرجوة من هذه المؤسسات.

نظرة للواقع مع تصوّر مستقبليّ

بالنظر إلى الواقع التربوي لمؤسسات إعداد الدعاة؛ فمن الناحية الكمية أثبتت الدراسات والبحوث أن هناك انخفاضًا ملحوظًا في أعداد الطلاب المتقدمين لكليات ومعاهد الدعوة وأقسامها النظامية وغير النظامية، ومِن ثَم ظهرت آثار ذلك على مستوى أعداد الخريجين من الدعاة؛ بالرغم مما يُعانيه عالمنا الإسلامي المعاصر من تحدِّيات وأخطار وحاجته المتزايدة لمزيد من الدعاة.

أما من الجانب الكيفي؛ فقد أظهرت دراسات أخرى أن هناك انخفاضًا ملحوظًا في المستوى العام لخريجي الجامعات الإسلامية وقصورهم العلمي، وقد ظهر ذلك في مجال الوعظ والإرشاد الديني والنشاط الدعوي المحدود.

وقد يرجع ذلك إلى أسبابٍ يأتي في مقدمتها: الاهتمام الواضح بالإعداد الديني واللغة العربية، وضعف الإعداد التربوي في تعلُّم لغات الآخرين، وكذلك التذبذب الواضح في سياسات القبول المتبعة باختيار النوعيات غير المُؤهَّلة لمهام الدعوة.

ولرفع الكفاءة التربوية لمؤسسات إعداد الدعاة؛ يجب تهيئة الرأي العام لقبول التجديد التربوي من حيث وضوحه في الأذهان؛ خشيةَ أن يُفهَم أنه تحويل لهذه المؤسسات إلى كليات للتربية، وعدم التسرع في هذا التطوير دون تجريب عمليّ له في نطاق محدود تحت إشراف مشترك بين المؤسسات الإسلامية والتربوية؛ بحيث يشمل التطوير سياسات القبول والخطط الدراسية والتربية الميدانية، وغيرها من الجوانب التربوية.

وبالنسبة لسياسة القبول يتم انتقاء الطلاب وفق شروط واختبارات محددة لا يمكن التجاوز عنها، كالرغبة وجدية الاختيار والإلمام بأساسيات العلوم الدينية والعربية وقضايا الإسلام وتحدياته، وكذلك توفر قدر مناسب من الذكاء، مع توفر السمات الشخصية والنفسية الملائمة لمهام الدعوة، مع الإعلان عن مزايا وحوافز مادية واجتماعية تُشجّع على الالتحاق بتلك المؤسسات.

وبالنسبة  للخطط الدراسية؛ يجب السعي إلى تحقيق توازن معقول بين الدراسات المهنية والثقافية والتخصصية والتربوية، وزيادة الاهتمام بالعلوم الإسلامية الحديثة، مع تحصيل قدرٍ كافٍ من العلوم الحديثة وقدر ملائم من العلوم التربوية المرتبطة بتعليم الكبار مع التطبيق الميداني لها.

وفيما يتصل بالتربية الميدانية تُوضَع مناهج تطبيقية تتناول فنّ الخطابة والتأثير في الجماهير والربط بين المواد النظرية والمواد العملية، وارتباطها بقضايا العالم المعاصر تحت إشراف متخصصين، وعدم اقتصارها على قاعات الدراسة، والخروج بها إلى الميادين الطبيعية لنشر الدعوة الإسلامية، وكذلك الاهتمام بتوفير الوسائل التعليمية الحديثة، وتوفير الإمكانات اللازمة لدعم النشاط التربوي بما يتلاءم وطبيعة الدعوة الإسلامية؛ مما يزيد من تعزيز الصلة بين مؤسسات إعداد الدعاة وبين البيئة المحيطة بها.

أعلى