منتدى القرّاء
جَلَدُ الفَاجِرِ وَعَجْزُ الثَّقَةِ !
حياتنا تموج وتزدحم بالأفكار الغريبة والرؤى المستوردة. والفجرة يصولون ويجولون، والثقات يُحجِمون ويتقوقعون، يصيح الفاجر فتصمت له الضوضاء وتشرئب إليه الأعناق، ويصمت الثقة فيتبدد خائفاً وجلاً؛ كأنما ضربت عليه الذلة والمسكنة.
الفاجر يتربص بالثقة الدوائر ليل نهار ولا يفتر عنه طرفة عين، يحصي عليه حركاته وسكناته، والثقة غافل غير آبه. وبقدر عجز الثقة يكون إقدام الفاجر... يسأم الثقة ويمل ويضجر، فيقوى الفاجر وينشط ويُسَر.
تخلَّف الثقة عن ميادين الحياة؛ فانبرى الغلام الفاجر قاتلاً السيد الثقة، واستطال الفاجر الوضيع ناطحاً مقام الثقة الشريف؛ فلا الأسد أصبح سيد الغاب، ولا حاكى مِشْية الطاووس الغراب.
الفَجَرة يؤسسون الجمعيات والنوادي والمراكز والمعاهد والجرائد والمجلات والمعارض والمؤتمرات، ويفتحون التخصصات، ويصدِّرون ثقافة واحدة بمناهج فكرية متقاربة تضمن لهم الوصول إلى الهدف، والثقات متفرجون مستترون ضاجعون؛ يستدعي حالهم اللمس الرفيق والمسح الحنــون علـى رؤوس يتـامى التخطيط، أو الربت العنيف على أكتاف من رقد فاسترخى.
وتاريخ الإسلام يرينا دوماً أن القانع قابع، والتواق سبَّاق، والثقة مكانه القيادة والتصدر لا التبعية والانقياد. فلْننبذ وساوس السلبية، ولْنبث التفاؤل؛ ليكون الإقدام والاقتحام.
والثقات اليوم مدعوون إلى الخروج من القوقعة إلى الحيوية، ومن الارتجال إلى المنهجية، ومن الجزافية إلى الهدفية. ولانقداح الزناد لا بد من توفير الظروف المساعدة على الانطلاق، ووضع خطة للهجوم على الفاجر عِوَض الدفاع.
ورغم عمق الجرح؛ فيقيننا جازم أن الانطلاقة ستولد من رحم المعاناة، وعلينا العناية بالتجارب الناجحة؛ للاقتداء بها والوقوف في وجه التجارب الفاشلة؛ لقطع استرسالها.
ولا يجوز للثقات أن ينتظروا أن تمطرهم السماء ذهباً أو فضة؛ بل لا بد من البذر والإنماء ووضع المناهج والخطط، وقبل ذلك يجب أن نتبنَّى النقد الإيجابي البنَّاء الذي لا يتحرج من تسمية الخطأ خطأً، بأدب واحترام ودون تجريح واتهام.
والفاجر وإن كان لا يساوي قُلامة ظُفُر مما يطيِّره الثقة بالمقص من أظافر أرجله؛ إلا أنه فاق الثقة وتجاوز في خططه ومكره، وكاد يفرض على الثقة الاستبطاء واليأس، ومن نظر إلى دنيا الناس ببصيرة تجلَّى له ذلك.
والحمد لله أن جعل الإسلام أبقى من المسلمين، والدعوة أقدم وأكبر وأبقى من الدعاة.
وللناشئة أهمس: الحمل يزداد؛ فلْنُعِدَّ له الزاد، ولْنكن له على أتم استعداد.
وقد آن أوان صحو الثقة من سكرته، ونهوضه من سباته، وأضعف ما يطالَب به إن لم يضع خطة للنصر: أن يضع خطة للهزيمة.
عبد الكريم القلالي
تعظيم السلف لله في الفتيا
كان السلف الصالح - رحمهم الله - يحرصون على نشر العلم الشرعي والعمل به ويقولون - إذا سئلوا عمَّا أشكل عليهم -: الله أعلم. قال أحد السلف: كانت المسألة تدور على مائة وعشرين من علماء السلف كل عالم يدفعها إلى الآخر حتى تعود إلى الأول، فيفتي وهو على خوف ووَجَل مراقبةً لله. وقـال بعض السـلف: إن أحـدكم ليفتي بالمسألة لو عـُرِضـت لعمـر بن الخطـاب - رضي الله عنه - لجمع لها أهل بدر.
وكان الإمام مالك - رحمه الله - إذا سُئل بمسألة في الدين كأنه واقف بين الجنة والنار.
لهذا ينبغي على من استُفتي في مسألة من مسائل الدين أن يجيب إن كان عنده علم فيما سُئل عنه ولا يجوز له أن يكتم العلم، وإن كان ليس عنده علم فيما سُئل عنه أن يقول: الله أعلم.
ولْيحذر من القول على الله بلا علم؛ فإن الإفتاء بغير علم من الجرائم الكبيرة، وفيه إضلال للناس. قال - تعالى -: {قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْـحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٣٣].
فالحذر الحذر من حب الرئاسة والتصدر والإنسان ليس أهلاً لذلك. وعلى من أصبح مشهوراً من أهل العلم أن يتواضـع للـه ولخلقـه ولا يغتـرَّ بنفسـه، وإذا سُـئل عمَّـا لا يعلم فلْيقل: الله أعلم. وقد كان السلف الصالح يهربون من الشهرة ويخافون منها ومع ذلك تأتيهم وهم لا يريدونها. ويضع الله لهم القبول في الأرض؛ وتلك عاجل بشرى المؤمن. ومن أشكلت عليه مسألة في الدين فلْيسأل من يثق بدينه وعلمه. قال - تعالى -: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: ٧]. ولْيحرص المسلم دائماً على تقوى الله وتجديد التوبة ولْيتذكر قوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: ٨١]
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
عبد الله الرومي
الأرض الجدباء
هي تلك الأرض التي لا نبات فيها، والتي عاش فيها أهلها يحتضنون الألم ويعشقون فيها الهم والندم، إنها أرض أسميتــهــا جــدباء؛ لأنهــا فـي الحقيـقـة قاحـلــة لا زرع فيها ولا ماء. نعم! أمست مأوى للهموم، وبيتاً للحزن والغموم.
ما إن ينبت فيها نبات حتى ترى ما يفســدها يعــدو إليها سريعاً، وكأنها قد حُكم عليها بالفساد الأبدي: تلك هي القلوب التي نأت عن الخيرات وتركت الهدى والأعمال الصالحات (القلبية)؛ إنها قلوب الأشقياء التي أغلقت على نفسها ينابيع الخير ولم يعد للسعادة إليها طريق، ولم يَعُد للراحة إليها سبيل؛ لأنهم هم الذين أماتوا قلوبهم بإحداث الــداء فيــها: أتـــدري ما ذلك الداء؟
إنه بليَّة النجباء ورزية الفقهاء، والمطيح بكل عظيم ورفيع، مهلك الحرث والنسل؛ فكم من نَفْس قتل وكم من عضو خبل!
إن أتى على العالم، جعل علمه ضلالاً وجهله وبالاً، يكسوه الذل بعد أن كان عزيزاً والتواضع بعد أن كان به غنياً؛ إنه العُجْب... صاحِبُه مهمــا بلغ من منزلة، ومهما اعتلى في رتبة إلا أنه في الحقيقة ضعيفٌ سدُّه، قليل مدُّه، تظلُّه شبهة وتقلُّه شهوة، حكمه مع الله حكم المنقطع، كل ذلك؛ لأنه ركن إلى نفسه وبات فكره في فراش العجب لم يستيقظ حتى نزع الله جذوة العزم من قلبه؛ فأصبح يقلِّب كفيه على ما مضى ويطلب الرجوع، ولكن كبلته قيود الهوى...
ليت شعري ما الذي سيجنيه وما الذي سيعطيه هذا الداء سوى النظرة الفرعونية: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف: ٢٥]؟
فنبرأ - اللهم - إليك من حولنا وقوَّتنا.
جمال علي العمري
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية الشريعة