من أهم وظائف الأنبياء التي يجب أن يقوم بها مَن بعدهم من الدعاة هو تذكير الناس بأيام الله ونِعَمه، يقول القرطبي -رحمه الله- [توفي: 671هـ]: «ودلَّ هذا على جواز الوعظ المرفق[6] للقلوب، المُقوِّي لليقين، الخالي من كل بدعة، والمُنزَّه عن كل ضلالة وشبهة»
أسند الإمام الطبري في تفسيره إلى عبدالرحمن بن زيد بن أسلم -رحمه الله- في قوله
تعالى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} [إبراهيم: ٥]؛ قال:
«أيامه
التي انتقَم فيها مِن أهل معاصيه مِن الأمم، خَوِّفْهم بها، وحَذِّرْهم إياها،
وذكِّرْهم أن يُصِيبَهم ما أصاب الذين من قبلِهم»[1].
وقد ذكر هذا الأثر أيضًا من المفسرين: الماورديُّ والقرطبيُّ وأبو حيان[2].
ويُستدل له بحديث أُبَيٍّ -رضي الله عنه- في الآية: ذَكِّرْهُم
«بنِعَم
الله»[3].
ووجه الدلالة: أنه اجتُزِئَ بذِكْر الأيام عن ذِكْر النِّعم؛ لكون هذه الأيام
معلومةً لديهم[4]،
وحديث الزبير بن العوام -رضي الله عنه- قال:
«كان
رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يخطبنا فيُذَكِّرُنا بأيام الله، حتى نعرف ذلك في وَجْهه، وكأنه نذير قوم يصبحهم
الأمر غدوة...»[5].
وفي أفْيَاء هذا التَّدبُّر نجد أن من أهم وظائف الأنبياء التي يجب أن يقوم بها
مَن بعدهم من الدعاة هو تذكير الناس بأيام الله ونِعَمه، يقول القرطبي -رحمه الله-
[توفي: 671هـ]:
«ودلَّ
هذا على جواز الوعظ المرفق[6]
للقلوب، المُقوِّي لليقين، الخالي من كل بدعة، والمُنزَّه عن كل ضلالة وشبهة»[7].
ففي الأثر لفتة مهمة للمُصلِحين باستثمار وقائع التاريخ في وعظ الناس وإصلاحهم، كما
هو حال الأنبياء مع أقوامهم.
ومما يُفَاد من هذا الأثر العظيم: العناية بالتاريخ؛ لما له من أثرٍ كبيرٍ في إصلاح
الفرد والأُمّة، لا سيما تلك الأيام الفاصلة في الصراع بين الحق والباطل؛ إذ إنها
تزيد المؤمنين إيمانًا ورسوخًا على المُضيّ قُدمًا في الدرب والطريق، وهذا كله
تضمَّنته كلمة ابن زيد في هذا الأثر:
«خوِّفْهم
بها، وحذِّرْهم إياها، وذكِّرْهم أن يُصِيبَهم ما أصاب الذين من قبلِهم»؛
لما للتاريخ والوقائع المشهورة من أثر على النفوس، واستعمال ذلك المنهج التذكيريّ
من الدعاة والعلماء يدلّ على وَعْي عميق ومعرفة عظيمة، وامتثال لمنهج السابقين
الأوائل.
جعلنا الله وإياكم من الصالحين المُصلِحين، ورزَقنا محبّته إلى يوم الدين.
[1]
تفسير الطبري (13/597).
[2]
تفسير الماوردي (3/122)، تفسير القرطبي (9/342)، تفسير أبي حيان (6/409).
[3]
أخرجه الإمام أحمد، مسند الأنصار، حديث عبدالله بن عباس عن أبي بن كعب، رقم الحديث
(21128)، قال ابن كثير في تفسيره (4/478): (رواه من حديث محمد بن أبان، ورواه عبد
الله ابنه أيضًا موقوفًا، وهو أشبه).
[4]
يُنظر: تفسير الطبري (13/594).
[5]
أخرجه الإمام أحمد، مسند باقي العشرة المبشرين بالجنة، مسند الزبير بن العوام، رقم
الحديث (1437)، قال ابن حجر الهيثمي: (رجاله رجال الصحيح)؛ مجمع الزوائد (2/188)،
ومثله قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/119).
[6]
هكذا هي في القرطبي، وكأنها -والله أعلم- (المُرَقِّق للقلوب).
[7]
يُنظر: تفسير القرطبي (9/342).