من المهم في هذه الوقفة العلمية الخاصة بالقراءة والكتابة عن كتاب (أصول الإسماعيلية: دراسة وتحليل ونقد) ما توصل إليه الباحث من نتائج تفيد القارئ والباحث على حدٍّ سواء؛ حيث أورد خلاصة النتائج في (خاتمة الكتاب)
الباحث سليمان لم يهضم الساحة العلمية حقها بخلوّها من دراسات مفيدة حينما كتب
وفصَّل حول ثلاثة منها، فقال عن أحد الكُتب العلمية التي يرى أنه انتهج المنهج
العلمي الجيد، فقال عن هذا الأنموذج الآخر:
«الكتاب
الثالث: (دراسة عن الفِرَق في تاريخ المسلمين) للدكتور أحمد محمد جلي. وقد طُبع
الطبعة الأولى في عام ١٤٠٦هـ، ونَهَجَ المؤلف منهجًا جيدًا في عَرْضه للفِرَق التي
تحدَّث عنها، والكتاب بحق يُعدّ المرجع الوحيد لهذه الفِرَق على مستوى الطلبة في
المرحلة الجامعية لسهولة أسلوبه وحُسْن عَرْضه، ونَهْجه منهج أهل السنة والجماعة».
كما أن الباحث سليمان بَيَّن جهود العلماء السابقين بكتاباتهم المُنْصِفَة والواعية
عن خطر هذه الفِرَق والمِلَل والنِّحَل، وهي كُتُب يمكن اعتبارها مصدرًا أساسيًّا
من مصادر المعرفة عن هذه الفِرَق، وهذا التفصيل عن الكُتُب ممَّا يُثري الباحث
والقارئ؛ لأهميته في الدراسة والتحليل والنقد عن الإسماعيلية والباطنية عمومًا، ومن
ذلك ما رصَده الباحث من نقولاتٍ عن مجموعة من علماء أهل السنة المتقدمين، وكان هذا
العرض عن أسمائهم وكُتبهم، بل وتوصيف لما كتبوه عن هذه الفِرَق، وذلك بقوله:
«وأول
ما يُطالعنا في هذا المقام ما كَتَبَه علماء الفِرَق والمقالات كأبي الحسن الأشعري،
والملطي والبغدادي، وابن حزم، والشهرستاني، والرازي[1].
وجميع هؤلاء تحدثوا عن الإسماعيلية ضِمْن فِرَق كثيرة، فأوجز بعضهم كالملطي
والأشعري، والبعض الآخر تحدث عن الإسماعيلية الشرقية كالشهرستاني، وبعضهم تحدث عنها
مُفرّقة ومختصرة من دون ترتيب كابن حزم، وأكثرهم عنها حديثًا البغدادي؛ حيث أفرَدَ
لهم فصلًا خاصًّا، ولكنه تحدَّث عن الباطنية عمومًا، والإسماعيلية -كما هو معروف-
فِرْقَة من فِرَقها.
وممن كَتَبَ عن الإسماعيلية من العلماء المتقدمين شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية
-رحمه الله- وذلك ضمن كتبه الثلاثة المشهورة:
(1) الفتاوى، والحديث عنهم مُفرَّق في أجزائها العديدة، وقد أكثر من الحديث عنهم في
المجلد الخامس والثلاثين في باب حكم المرتد.
(2) كتابه العظيم
«منهاج
السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية»؛
حيث تحدَّث عنهم استطرادًا في مواضع متفرقة من الكتاب؛ لأن الكتاب في أصله ردّ على
الرافضي الإمامي يوسف بن الحسن ابن المُطَهر الحلي، فموضوعه الأساسي الشيعة
الإمامية.
(3) في مخطوطة عنوانها
«بغية
المرتاد في الرد على المتفلسفة والباطنية والقرامطة والجهمية أهل الحلي والاتحاد»،
تحدث عن الإسماعيلية في مواضع متفرقة حسب الموضوعات. وقد حُقِّقت هذه المخطوطة
أخيرًا في جامعة الإمام محمد بن سعود، ... وظهرت مطبوعة بعد ذلك بمجلدين».
والباحث الدكتور سليمان حينما يُقسِّم الباحثين أو المؤلفين في كتاباتهم عن فِرَق
الباطنية يُفرِّق بين مَن أعطى الموضوع حقّه، وبين مَن يستحق الاستدراك عليه
علميًّا، وقد أفرد لها موضوعًا منفصلًا في مقدمة كتابه بعنوان (القسم الثاني)،
وكَتَب عن هذا القسم بما يَهُم الباحثين في هذه الفِرَق والمهتمّين بالقراءة عنها،
ومما قال عن هذا:
«إنها
كتابات موجودة مُتدَاوَلَة، ومن أشهرها كتاب الإمام أبو حامد الغزالي (فضائح
الباطنية)؛ حيث طُبِعَ عدَّة طبعات بتحقيق الدكتور عبدالرحمن بدوي، وهو صرخة عالِم
في وَجْه المدّ الباطني الذي انتشر في بلاد فارس وبلاد الشام بقيادة أصحاب القلاع
والحصون في الألموت، ومثله كتاب محمد بن الحسن الديلمي وهو (بيان مذهب الباطنية
وبطلانه)، وكذلك للعالم الزيدي يحيى بن حمزة العلوي كتابان في الرد على الباطنية
أحدهما (الإفحام لأفئدة الباطنية الطغام)[2]
بتحقيق النشار وفيصل عون، والثاني بعنوان (مشكاة الأنوار الهادمة لقواعد الباطنية
الأشرار) بتحقيق محمد الجليند.
وهذه الكتب الأربعة مليئة بالردود بأسلوب إنشائي عاطفي، كما أنها مبنية على السماع
عن الباطنية، وليس الرجوع إلى مصادرهم وكتبهم في معظم الأحيان إلا نُتَفًا بسيطة
أشار إليها الديلمي في مواضع من كتابه. والرد على فرقة أو فئة ضالة يكون قاطعًا
ومُحكمًا إذا حُوكِمُوا إلى نصوصهم ومؤلفاتهم التي لا يسعهم إنكارها أو التبرؤ منها
بحالٍ من الأحوال.
وممَّا له أهمية بالغة وقِيمَة علمية: ما كتبه محمد بن مالك بن أبي الفضائل الحمادي
في رسالته: (كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة)، وتأتي أهميته مما ذكر المؤلف في
مُقدّمته: أنه دخل في مذهب الصليحي ليتيقن صِدْق ما قيل فيه مِن كذبه، وليطَّلع على
أسرار المذهب وكتبه. يقول عن هذه التجربة:
«ولما
تصفحتُ ما فيه وعرفتُ معانيه؛ رأيتُ أن أبرهن على ذلك نصيحةً لله وللمسلمين؛
فألَّفت هذا الكتاب بعنوان (كشف أسرار الباطنية)»،
والكتاب كما هو واضح من موضوعاته والباعث على تأليفه خاصّ بالصليحيين إسماعيلية
اليمن، والذين يتبعون الإسماعيلية المستعلية[3].
هذه هي أهم الكتب وأشهرها -حسب علمي واطلاعي- عن الباطنية عمومًا والإسماعيلية بوجه
خاص. وتظل الحاجة قائمة.
ما بيَّنه الباحث المؤلف الدكتور سليمان بن عبدالله السلومي عن الحكم الشرعي في هذه
الفِرْقَة:
«حركة
القرامطة تُعتبر فرقة مستقلة رغم ما لزعماء القرامطة من علاقة وتأثُّر بأئمة
الإسماعيلية، إلا أنهم خالفوا الأئمة ونهجوا منهجًا ثوريًّا على ضوئه اعتُبروا
مُنشقّين عن حركتهم الأم الإسماعيلية، وبعد ذلك أصبحوا كالدروز تمامًا، حينما
أَلَّهوا الحاكم العبيدي، واختلفوا مع الإسماعيليين، فيحسُن بعد ذلك اعتبار
القرامطة فرقة باطنية مستقلة مثل سائر الفرق الباطنية الأخرى. ومما لا شك فيه أن
لعلمائنا المتقدمين جهودًا في التأليف والمناقشة والرد على الفِرَق الباطنية
عمومًا، ومنها فرقة الإسماعيلية».
«ويبقى
الدافع قويًّا إلى إفراد هذه الفِرْقَة (الإسماعيلية) بكتابة خاصة تشتمل على
الجوانب الرئيسة الثلاثة؛ وهي: الجانب التاريخي، الجانب التنظيمي، الجانب العقدي
الذي لم أجد -حسب علمي المحدود- مَن كَتَبَ فيها أو وَلَجها بهذه الجوانب الرئيسة
الثلاثة مجتمعةً حسب المنهج العلمي المتَّفق عليه، وذلك بتصوير مذهبهم كما هو من
كُتُبهم ومصادرهم مباشرة، ومِن ثَم تحليل نصوصهم والرد عليها بموضوعية، ونقدها حسب
منهج أهل السنة والجماعة القائم على العدل والإنصاف حتى مع الخصوم. لهذه الأسباب
عزمتُ على دراسة هذه الفِرْقَة واستبانة أمرها بعنوان (أصول الإسماعيلية: دراسة
وتحليل ونقد)».
والباحث سليمان كتب هذا البحث متضمنًا ثلاثة أبواب رئيسة، وبفصول متعددة شملت
الدراسة والتحليل والنقد والجانب التاريخي وكذلك العقدي؛ فالباب الأول عن (التشيع
وأثره في الإسماعيلية) بثلاثة فصول، والباب الثاني عن (الجانب التاريخي لفرقة
الإسماعيلية) بفصوله الخمسة، ليأتي الباب الثالث الرئيس في البحث بعنوان (أصول
الإسماعيلية وعقائدهم) متضمنًا فصولًا سبعة وافية عن العنوان، ومن أبرزها الفصل
السابع المتضمن: (حكم الإسلام في طائفة الإسماعيلية من خلال معتقداتهم آنفة
الذِّكر، مع حُكم علماء الإسلام فيهم قديمًا وحديثًا).
وهو يُكرر بتواضع عن بعض السلف الصالح تجاه ما يكتبونه من قول لبراءة الذمة، لكن
الباحث يُدوِّن قناعاته العلمية بخطر هذه الفِرَق الباطنية على الإسلام والمسلمين،
والمهم على العلماء والدعاة والمفكرين هو القراءة عن حقيقة هذه الفِرَق دون تجاهلها
أو التقليل من خطرها، فقال:
«هذه
هي بضاعتي في هذا البحث، وهذا هو جهدي، أرجو من الله العلي القدير أن أكون
وَفَّيتُه بعض حقّه، وقدمت للباحثين والدارسين في عِلْم الفِرَق خدمةً متواضعةً في
كشف هذه الفِرْقَة وغيرها من الفِرَق المنحرفة، وبيان مَواطِن خَطرهم على الأمة
الإسلامية. وإنني مع ذلك أقول كما قال بعض السلف الصالح: (فأما سائر ما تكلمنا عليه
فإنا أحقَّاء بألَّا نُزكيه وألَّا نؤكد الثقة به، وكل من عَثَر منه على حرفٍ أو
معنى يجب تغییره؛ فنحن نناشده اللهَ في إصلاحه وأداء حق النصيحة فيه؛ فإن الإنسان
ضعيف لا يسلم من الخطأ إلا أن يعصمه الله بتوفيقه، ونحن نسأل الله ذلك ونرغب
إليه في دَرَكه؛ إنه جواد وهوب)».
أبرز نتائج البحث:
من المهم في هذه الوقفة العلمية الخاصة بالقراءة والكتابة عن كتاب (أصول
الإسماعيلية: دراسة وتحليل ونقد) ما توصل إليه الباحث من نتائج تفيد القارئ والباحث
على حدٍّ سواء؛ حيث أورد خلاصة النتائج في (خاتمة الكتاب)، وفيها عن مصطلح فرقة
الشيعة وما يندرج تحتها من فِرَق، وعن الجانب التاريخي لفرقة الإسماعيلية وجذور
التشيع اليهودية، وحقيقة عبدالله بن سبأ ودوره، وبطلان الانتساب، ثم عن أصول
الإسماعيلية ومعتقداتها.
ولأهمية النتائج العلمية فإن اختصارها وتلخيصها قد يكون من الجناية العلمية على
هذه الخاتمة، وهي الخلاصة الوافية، ولأجل هذا فقد تم إيرادها كاملةً لتكون هدية
للقراء والباحثين والمهتمين بهذا الموضوع، وهي بعنوان (نتائج البحث):
«بالنسبة
للباب الأول:
وهو التشيع وأثره في فرقة الإسماعيلية توصلت إلى أن:
(أ) مصطلح الشيعة مصطلح عام يندرج تحته فِرَق عديدة، ولا بد من تطبيق المراحل
الزمنية التي مرت بها هذه الفِرْقَة، وتطبيق التعريفات المتعددة على هذه المراحل.
كما توصلت إلى أنَّ فِرَق الشيعة سلسلة متَّصلة الحلقات يأخذ بعضها بزمام البعض،
وتَظَلُّ الأفكار والمعتقدات واحدة وإن تغيَّرت المسميات، وهذا واضح في فِرَق
الغلاة التي ابتدأت بالسبأية حتى الخطابية والإسماعيلية.
(ب) ومن نتائج البحث في هذا الباب ثبوت شخصية ابن سبأ حقيقة، مع ثبوت الأعمال التي
قام بها، وأثبتتها المصادر المتعددة، وإن أعماله هذه هي أساس التشيع وبدايته، بل
إنه هو المؤسِّس الحقيقي لهذا المذهب؛ كما ثبت ذلك بنصوص السلف.
(ج) إن للتشيع جذورًا ومصادر أجنبية؛ سواءٌ كانت يهودية أو نصرانية أو مجوسية، وهذا
ثابت من جانبين؛ الجانب التاريخي والجانب الاعتقادي، فما جاهر به ابن سبأ من
معتقدات مما لا يُنكر أصلها اليهودي، كما أن تاريخه يدل على يهوديته.
(د) إن أصول التشيع الأولى من الإمامة والغَيْبة والرجْعَة والتّقية، وسبّ الصحابة،
ودعوى تحريف القرآن؛ تعتبر أساسًا لفِرَق الشيعة كلها، وكل فرقة أخذت منها بنصيب،
فغلا البعض فيها كالإسماعيلية وسائر الفِرَق الباطنية، وخفَّف البعض كالزيدية.
(هـ) ومِن ثَم كان للتشيع بعد ذلك أثر في ظهور ونشأة الإسماعيلية؛ حيث تاريخ الشيعة
المتصل بعضه ببعض، ولا سيما فيما يتعلق بالأئمة وتعلّق كل طائفة بهم وبإمامتهم.
أما بالنسبة للباب الثاني:
وهو (تاريخ فرقة الإسماعيلية) فقد توصلتُ فيه إلى:
(أ) إن الإسماعيلية مصطلح على فرقة غالية جمعت شتات فِرَق الغلاة، وتبنَّت جميع غلو
الفِرَق قبلها، وأصبحت فيما بعد أصلًا وأساسًا لجميع الغلاة بعدها، وهذا واضح في
تاريخها ونشأتها.
(ب) كما توصلتُ إلى أن أهم جذورها فرقتان غاليتان هما الخطابية والباطنية، وكل فرقة
غرست مبادئها في الإسماعيلية؛ فالخطابية غرست مبدأ تأليه الأئمة ودعوى النبوة،
والباطنية غرست التأويل الباطني مع الهدم والتخريب في المجتمع الإسلامي.
(ج) ومما توصلت إليه في البحث أن سلسلة أئمة الإسماعيلية مرَّ بفترة غامضة أسموها
(دور الاستتار)، ويقصدون من ورائها التمويه والتغطية لانقطاع نسل محمد بن إسماعيل،
ومنها ثبت بالأدلة وأقوال المعاصرين لهم انقطاع نَسَبهم، والذين ادَّعوا بعد ذلك
نسبًا فاطميًّا اعتُبِروا مغالطين للواقع، ومخالفين للأدلة والأحداث التاريخية.
(د) ومن نتائج هذا البحث أن الانفصام والتناقض في تاريخ أئمة الإسماعيلية مما لا
يُنْكَر، ففي التعاليم المذهبية رسموا نظريات خالفوها عمليًّا؛ فنقضوا ما أبرموا،
يتَّضح هذا جليًّا في انتقال الإمامة من شخصٍ لآخر، فمن أصولهم أن الإمامة من الأب
إلى ابنه، وهكذا، ولكنهم خالفوا هذا المبدأ عددًا من المرات، ولا تفسير لذلك سوى
المطامع والمصالح الدنيوية مع نبذ المبادئ والمعتقدات حتى ولو كانت خاطئة.
(هـ) وفي جانب نُظُم الإسماعيلية وصلت إلى أنهم وضعوا نظامًا جذّابًا للمدعوين،
ومراحل تشويقية تشد المستجيب إلى ما فوق كل مرحلة هو فيها، وكان لذلك دور في انتشار
هذا المذهب مع رداءته وخلوّه من الأصول الثابتة.
(و) وفي آخر هذا الباب؛ توصلتُ إلى أن تفرُّق الإسماعيلية كان بسبب خَرْقهم
لقاعدتهم في الإمامة؛ حيث انقسموا إلى طائفتين كبيرتين امتدتا حتى عصرنا الحاضر،
وكان لهذا أثر في كثرة أتباعهم وقيام دول عديدة لهم كدولة الحشاشين أصحاب القلاع في
الألموت والشام، ودولة الصليحيين والبهريين فيما بعد.
أما بالنسبة للباب الثالث:
وهو (أصول الإسماعيلية ومعتقداتها) فتوصلتُ فيه إلى الآتي:
(أ) إن للإسماعيلية أصولًا أساسية ترجع وتتصل جميع معتقداتهم بها، وهذه الأصول هي:
1- الإمامة.
٢- التأويل الباطني.
فما من عقيدة أو فكرة إلا وترجع إلى أحدهما أو هما جميعًا.
(ب) كما توصلت إلى أن الفكر الإسماعيلي مجموعة آراء ومذاهب مُلفَّقة صِيغَت بأسلوب
باطني بهدف احتواء ديانات متعددة، ومذاهب متفرقة، تحت غطاء أن مذهبهم يستوعب
المذاهب والآراء كلها.
(ج) ومما توصلتُ إليه في هذا الباب أن جميع آرائهم ومعتقداتهم معظمها وجُلُّها من
الفلسفة الإغريقية صِيغَت بقالب عقلي معيّن لتبرير نَشْرها وقبولها بين الناس، مع
التغيير في بعض القضايا الفلسفية الموروثة تغييرًا شكليًّا لا يؤثر في الحقيقة
والنتيجة الواحدة شيئًا.
(د) وفي باب الإلهيات توصلتُ إلى أن عقيدتهم في الله -عز وجل- عقيدة كفرية شركية؛
حيث نفي تدبير الله وخلقه للكون، ونسبة ذلك إلى عقلين من العقول العشرة المستقاة من
فلاسفة الإغريق واليونان.
(هـ) وفي باب النبوات استخلصتُ خلاصة مذهبهم، وأنه يعود في أصله إلى القائلين
بكسبية النُّبوّة واستمرارها، مع إنكار معجزات الأنبياء والرسل، ووصفهم بالأوصاف
السيئة والبذيئة.
(و) وفي باب الأُخرويات توصلتُ إلى أن الإسماعيلية ينكرون البعث والمعاد ولا يؤمنون
بالدار الآخرة وجزاءها ومـا فـيـهـا من ثواب أو عقاب، وذلك بناءً على هذيانهم فيما
أسموه قائم القيامة.
(ز) وفي التكاليف الشرعية أثبتُّ ما يدل على محاربتهم للشرائع والهروب من مزاولة
الأعمال التكليفية، وبالتالي إبطال جميع أركان الإسلام العملية، وسعيهم لهدمها تحت
ستار الظاهر والباطن.
(ح) وفيما يتعلق بمصادر المسلمين المعتمدة، وهما (الكتاب والسنة) أثبتُّ أن
الإسماعيليين لا يؤمنون بهما، ولهم مصادر أخرى غيرهما، وإن تظاهروا بالإيمان
بأحدهما أو بهما، فإنما ذلك أخذًا بظاهر ألفاظهما مع تأويل معانيهما تأويلًا
يُخْرجهما من دين الإسلام بالكلية.
(ط) وأخيرًا بيَّنتُ حُكْم الإسلام في هذه الطائفة الخطيرة من خلال واقـعـهـم
ومعتقداتهم من جهة، ومن جهة أخرى فتاوى علماء الأمة الإسلامية قديمًا وحديثًا،
وكلها تُجْمِع على كُفْر هذه الطائفة وإخراجها من فِرَق الأمة الإسلامية. والحمد
لله رب العالمين»[4].
والمطَّلع على هذه النتائج العامة للبحث عن الباطنية، والخاصة عن الإسماعيلية
كفرقةٍ من فِرَقها؛ يُوقن بأن البحث العلمي هو الوسيلة المُثْلَى للتصور الدقيق عن
هذه الفِرَق الباطنية الشيعية الرافضية، ومِن ثَمَّ الحُكم عليها بأقوال سلف الأمة
وإجماعهم.
وختامًا ففي هذا العرض اليسير بحلقاتها التي تمَّ اقتباسها من المقدمة الغزيرة
بالعلم والمعرفة، لا سيما أن من المعلومات الوفيرة في كتاب الباحث سليمان عن
الإسماعيلية نقولاته عن بعض علماء الإسلام ممن عاصروا الحكم الفاطمي الباطني لبعض
أقاليم العالم الإسلامي، أو عاشوا آثاره المُدمِّرة لأُمَّة الإسلام، وفيها أدلة
واستدلالات تشتمل على بطلان عقيدتهم، ونسبهم، وإمامتهم وخلافتهم المزعومتين.
وحول أحكام علماء الإسلام قديمًا فيهم؛ فقد أورد الباحث سليمان بعض النقولات
اليسيرة، وهو ما يُعدُّ خلاصة الخلاصة، ومما قال الباحث حول هذا:
«وحينما
تحدث الإمام السيوطي عن دول الخلافة الإسلامية في العالم الإسلامي؛ لم يتحدث عن أحد
من الفاطميين مُعلِّلًا ذلك بقوله:
«ولم
أُورِد أحدًا من الخلفاء العبيديين؛ لأن إمامتهم غير صحيحة؛ لأمور منها:
أنهم غير قرشيين، وإنما (سَمَّتهُم بالفاطميين) جَهَلةُ العوام، وإلا فجدّهم
مجوسيّ. ومنها: أن أكثرهم زنادقة خارجون عن الإسلام، ومنهم مَن أظهر سبّ الأنبياء،
ومنهم مَن أباح الخمر، ومنهم مَن أمر بالسجود له، والخَيِّر منهم رافضيّ خبيث لئيم
يأمر بسبّ الصحابة -رضي الله عنهم-، ومثل هؤلاء لا تَنعقد لهم بيعة ولا تصحّ لهم
إمامة»[5].
وحينما سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن أحد حُكَّام الدولة العبيدية (الفاطميين)،
وهو المعز معد بن تميم؛ قال ما خلاصته:
«إن
ذرية عبد الله بن ميمون القدَّاح، وسيرة أئمتهم من بعده؛ من أكثر سِيَر الملوك
ظلمًا وانتهاكًا للمحرمات، وأبعدها عن إقامة الواجبات، وأعظم إظهارًا للبدع
المخالفة للكتاب والسنة، وإعانة لأهل النفاق والبدعة؛ فهم من أفسق الناس ومن أكفر
الناس.
أمَّا نَسَبهم فجمهور الأمة تطعن فيه، ويذكرون أنهم من أولاد المجوس أو اليهود،
وهذا مشهور من شهادة علماء الطوائف الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وأهل
الحديث وأهل الكلام وعلماء النَّسب والعامة وغيرهم. كما صنَّف القاضي أبو بكر
الباقلاني كتابه المشهور في كشف أسرارهم وهتك أستارهم، وذَكَر أنهم من ذرية المجوس،
وذَكَر من مذاهبهم ما بيَّن فيه أن مذاهبهم شَرّ من مذاهب اليهود والنصارى»[6].
وبعد الكشف عن أقوال سلف الأمة -وكثير منهم عاش في عصور أَوْج قوّتهم ونفوذهم
وتسلُّطهم-؛ علَّق الباحث سليمان باختصار عن النتيجة المهمة التي تَوصَّل لها
قائلًا:
«إن
هذه الأحكام غَيْض من فَيْض، وقليل من كثير فيما يتعلق بالنظرة الواقعية والحكم على
دولة الإسماعيلية، هل هي خلافة إسلامية؟ أو كافرة؟ وهل سلطتها شرعية؟ أو كافرة[7]؟
وهذه المسألة المهمة طالما أغفلها المؤرخون -ولا سيما المعاصرين منهم-، ولم يبنوا
عليها، وذلك بلا شك يُعتبر قصورًا ونقصًا في بيان حقيقة تلك الدولة وأئمتها».
(والله ولي التوفيق).
يمكن الحصول على نسخة إلكترونية من كتاب (أصول الإسماعيلية: قراءة - نقد - تحليل)،
من الرابط التالي:
https://docs.google.com/viewerng/viewer?hl=ar&t=46&url=https://www.alarabimag.com/books/25936.pdf
[1] وكتبهم على الترتيب وحسب الوفيات لكل واحد منهم كالآتي: (أ) مقالات الإسلاميين
واختلاف المصلين. (ب) التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع. (ج) الفَرقْ بين
الفِرق. (د) الفِصَل في المِلَل والأهواء والنِّحَل. (هـ) المِلَل والنِّحَل. (و)
اعتقادات فِرَق المسلمين والمشركين.
[2] هذا الكتاب يعتبر من أصول كتب الزيدية، وهو بجانب ذلك ردّ على الباطنية،
والصراع بين الزيدية والباطنية قائم منذ وجود الفرقتين في القرن الثالث الهجري
حتى عصرنا الحاضر.
[3] انقسمت الطائفة الإسماعيلية بعد المستنصر أحد حكام الدولة العبيدية إلى فرقتين؛
إحداهما تسمى بالمستعلية نسبة إلى المستعلي، والأخرى تسمى بالنزارية نسبة إلى نزار
بن المستنصر، وعن هذا الانقسام وسببه يمكن مراجعة آخر الباب الثاني في كتابنا
الإسماعيلية عند الحديث عن أئمة الإسماعيلية، وعند الحديث عن فِرَق الإسماعيلية.
[4] هذه الخاتمة موجودة في الكتاب المطبوع: أصول الإسماعيلية الجزء الثاني،
ص672-675.
[5] (تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٤ - ٥).
[6] (الفتاوى لابن تيمية ٣٥/
۱۲۰
-
۱۲۹).
[7] للحكم على الإسماعيلية انظر آخر فصل من فصول البحث، وذلك في الباب الثالث من
كتاب (أصول الإسماعيلية).