الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، وبعدُ:
عندما تنفجر الجموع في وَجْه الظُّلم؛ فإن ثمة نيرانًا كانت تلتهب تحتها لسنواتٍ حتى وصلت للحظة الانفجار، فلا يَغْلي القِدْر بمجرد وَضْعه فوق اللهب.
عندما انفجرت مظاهرات السود في الولايات المتحدة؛ احتجاجًا على مقتل جورج فلويد، الرجل المسالم الأسود، الذي قضى تحت قدم شرطي أبيض، وهو يستغيث، كان هذا وليد عشرات بل مئات من حوادث القهر والذل واللامبالاة بحياتهم مِن قِبَل نُظُمهم السياسية ومجتمعاتهم التي تصف نفسها بالحضارية!
تُستدعَى الحضارة والحرية كصفة لصيقة بالمجتمعات الغربية، كأنها صارت حكرًا عليهم، ففي تصريحات زعمائهم تأتي عبارات مثل «إن العالم الحرّ»، «إن العالم المتحضّر». وعقب عملية القدس في يناير الماضي -على سبيل المثال- وصف الرئيس الأمريكي بايدن تلك العملية قائلاً: إنَّه «كان هجومًا على العالم المتحضر»؛ وذلك وَفقًا لبيانٍ أصدره البيت الأبيض.
فرنسا حالة خاصة، وليست كبقية الدول الأوروبية؛ فهي رائدة تنويرهم، ومنها انطلقت شرارات التغيير وعبارات الحرية والإخاء والمساواة، وما زالت تُمارس دور الريادة الثقافية والفكرية داخل القارة العجوز، لكنَّ شعاراتها في الحقيقة هي رقاقات من أغطية ضعيفة فوق ركام من العنصرية البغيضة، لا تقوم بها سلطة أو حفنة من رجال الشرطة فحسب، لكنَّه مجتمع بأكمله تغلغلت فيه أبشع صور العنصرية؛ فقد تجاوزت حصيلة حملة جماعية لجمع الأموال لعائلة رجل شرطة فرنسي (القاتل) 1,4 مليون يورو (1,5 مليون دولار)، بعد ستة أيام فقط من الحادثة، وهو ما يزيد عن التبرعات التي جُمِعَتْ لصالح عائلة ضحيته نائل مرزوقي بخمسة أضعاف، ولكي نقرأ الأرقام بشكلٍ صحيحٍ فإن أربعة من كل خمسة فرنسيين يتعاطفون مع الجلاد، ويدعمون رصاصات القتل الغادرة! وواحد فقط تعاطف مع الفتى المغدور المسكين.
ففي فرنسا إذا لم يكن لون بشرتك أبيضَ، وديانتك نصرانية؛ فإن قتلك هو فِعْل حضاري بامتياز.
إن تلك العنصرية الغربية ليست كعنصرية بقية البشر؛ إنها عنصرية غربية إذًا فهي متحضّرة، أما مقاومتنا نحن لأجل حريتنا فهي موجّهة ضد حضاراتهم، والتي تشهد عليها جماجمنا الأسيرة في متاحفهم، ودماؤنا التي لوّنت أنهارهم.