تمارس الكنيسة الروسية هيمنتها على كامل الأراضي التي كان يستولي عليها الاتحاد السوفييتي، وتمتلك تأثيرًا نافذًا أظهر قوتها السياسية، وبرز ذلك من خلال دعمها لحروب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
أظهرت الحرب الأوكرانية حجم الاصطفاف الديني في المواجهة بين القوى الغربية
المتصارعة؛ فمنذ اللحظات الأولى للمواجهة أعلن البطريرك كيريل من موسكو تأييد
الكنيسة الأرثوذكسية الروسية للحرب؛ مُبرِّرًا ذلك بأهمية الهجوم الروسي للحفاظ على
وحدة الكنيسة.
في المقابل يقول مجلس الكنائس العالمي:
«إن
الجيش الروسي استهدف 297 منشأة دينية أغلبها كنائس، وتضم 21 كنيسة داعمة للرئيس
الأوكراني؛ فولوديمير زيلينسكي، و5 كنائس تتبع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، و4
كنائس تتبع الكاثوليكية اليونانية، و95 لشهود يهوه، و5 مساجد، و5 كنس يهودية، و30
كنيسة تتبع للمسيحيين البروتستانت، ودمَّرت الضربات الروسية 142 موقعًا تتبع
للكنيسة الأرثوذكسية التي استقلت عن بطريركية موسكو في مايو 2022م».
تعاني الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا من انقسامات كبيرة بسبب تبعية العديد من
القساوسة لمجلس أساقفة الكنيسة الروسية، وقد زاد تباعدها بعد 2014م؛ بسبب التوتر
الجيوسياسي، ومارست موسكو ضغوطًا كبيرة على الكنيسة الروسية لسحب الاعتراف من
الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التي بالفعل حصلت عام 2022م على اعتراف كنائس
اليونان وقبرص والإسكندرية، وأطلق الروس عليها
«دمية
أمريكية»،
وقامت الكنيسة الروسية بإنشاء أبرشيتين جديدتين في إفريقيا ردًّا على اعتراف
تواضرس، بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية في الإسكندرية، بالكنيسة الأوكرانية.
لقد أظهر الصراع الكنسي وجهًا آخر للحرب الأوكرانية؛ أوضحه نائب رئيس الكنيسة
الأوكرانية المطران بافيل، من خلال تصريح صحفي أكد فيه أن الصراع الديني هو أحد أهم
أسباب غزو أوكرانيا، وقد تم وضعه تحت الإقامة الجبرية واتهامه بتشكيل موقف مُعَادٍ
للدولة الأوكرانية.
تمارس الكنيسة الروسية هيمنتها على كامل الأراضي التي كان يستولي عليها الاتحاد
السوفييتي، وتمتلك تأثيرًا نافذًا أظهر قوتها السياسية، وبرز ذلك من خلال دعمها
لحروب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد شبَّه كيريل الحرب في أوكرانيا بالحرب على
الشواذ جنسيًّا، فرغم انفصال كل الكنائس في الدول التي تتبع الاتحاد السوفييتي
سابقًا من جانب قانوني، وتبعيتها للدولة التي تقع تحت سيادتها؛ إلا أنها دائمًا
كانت ولا تزال تُعدّ فروعًا من منظمة كنسية واحدة يقع مقرها الرئيس في موسكو.
على الجانب الآخر، تتكون الكنيسة الأوكرانية -التي تأسَّست عام 1990م، وكانت سابقًا
تتبع لموسكو- من 12000 أبرشية، لكن في المواجهة الأخيرة هزت آثار الحرب الكنيسة،
وانقسم القساوسة بعد قرار الانفصال عن بطريركية موسكو لدرجة أن الكثير منهم أصبحوا
يتعاونون مع الجيش الروسي. وردًّا على هذه الخطوة قامت السلطات الأوكرانية بمداهمة
الكنائس المعارضة لقرار الانفصال ولاحقت الكثير من القساوسة من خلال القضاء، وفرضت
عقوبات عديدة على رجال أعمال مرتبطين بالكنيسة الروسية، منهم رجل الأعمال فاديم
نوفينسكي.
من جانبها قالت تيتيانا ديركاش، المسؤولة عن الشؤون الدينية في أوكرانيا:
«إن
الحرب لها نبرة دينية قوية»،
وفي تصريح لمجلس فورين بوليسي أكد أن القيادة الروسية والكنيسة الروسية تعتبر هذه
الحرب من أجل وحدة الشعب الروسي، وتعتقد أنها
«حرب
مقدسة»
بين قوى النور وقوى الظلام، مشيرةً إلى
«أن
المسيحية الدينية دائمًا ما تكون حافزًا قويًّا للعنف والحروب».
الرئيس الأوكراني زيلينسكي -الذي ينتمي لعائلة يهودية- صرَّح قائلًا:
«إن
حكومته ستواصل اتخاذ التدابير للحصول على الاستقلال الروحي لأوكرانيا»،
عقب فرض سلسلة من العقوبات على القساوسة الذين رفضوا الانفصال عن الكنيسة الروسية.
مع التَّحفُّظ على نتائج استطلاعات الرأي الموجَّهة؛ فإن استطلاعًا للرأي نشره معهد
كييف الدولي لعلم الاجتماع أفاد بأن موقف المجتمع الأوكراني من الكنيسة أصبح أكثر
شتاتًا؛ فهو يعيش بين محاولة التشبُّع بالقِيَم الغربية الليبرالية، وبين الهوية
الدينية التي تضغط الكنيسة الأرثوذكسية لإبراز تأثيرها في الحرب، لذلك يرى 78% من
الأوكرانيين ضرورة سيطرة الدولة على الكنيسة، بينما دعا 54% منهم إلى حظر تأثيرها،
بينما أيَّد 12% فقط عدم تدخل الدولة في شؤونها، وهو ما يوحي بنِيَّة الحكومة
الأوكرانية التحكم بالكنيسة الأوكرانية المُعارِضَة.
بالنسبة لموسكو تُعدّ الكنيسة إحدى أدوات الحرب في محيطها القومي؛ لذلك يدعمها
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كأهم أدواته التوسُّعية، لذلك خلال المواجهة الحالية
قام عدد من القساوسة بنقل بيانات استخباراتية إلى الروس حول حركة ومواقع القوات
الأوكرانية، بينما ذهبت كنائس في القرى والبلدات الأوكرانية إلى إعطاء تعليمات
للناس بضرورة التمسك بروسيا والكنيسة الروسية، واعتبرت الدولة الأوكرانية خطأ
«جيوساسي».