• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
بايدن وحكومة نيتنياهو.. خلافٌ علني وأزمة غير مسبوقة

لم يكن موضوع الإصلاح القضائي هو سبب التوتر الوحيد بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ففي الأشهر الثلاثة الماضية أعرب بايدن وكبار مسؤولي إدارته عن قلقهم بشأن الخطط الإسرائيلية للتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية

مع اندلاع مظاهرات الإسرائيليين الغاضبين في شوارع الأراضي الفلسطينية المحتلة ضد خطة الإصلاح القضائي المثيرة للجدل التي قدّمتها حكومة بنيامين نتنياهو؛ اندلع أيضًا نزاع دبلوماسي نادر بين الإدارة الأمريكية والحكومة الصهيونية؛ فقد قال بايدن -الذي يتفاخر على الدوام بالتزامه الطويل الأمد تجاه إسرائيل- بأنه قَلِق حيال ما يَحدث، وأنه لن يستقبل نتنياهو في واشنطن في المستقبل القريب، ومُوجِّهًا إيَّاه للتصرُّف سريعًا للوصول إلى حلّ حقيقي للأزمة.

فما كان من الأخير سوى أن خرج ليردّ على ما اعتبرها انتقادات حادة من بايدن، معلنًا أن إسرائيل «دولة ذات سيادة»، من شأنها أن تتخذ قراراتها بنفسها. لكنَّ أزمة التصريحات العلنية ليست سوى جزء من أزمة أعمق تبلورت خلال الأشهر الماضية، يتداخل فيها موقف بايدن من الحكومة الصهيونية الحالية، والضغوط التي مارستها إدارته عليها، وتأثيرات التيار اليميني على هذا الخلاف، بالتوازي مع صعود تيار ليبرالي يساري لدى اليهود، فأيّ مستقبل يَنتظر العلاقة الوطيدة التي دائمًا ما جمعت بين الإدارة الأمريكية والحكومة الصهيونية؟، وأيّ مآلات ستصل إليها أزمة نتنياهو في مواجهة الشارع الإسرائيلي الغاضب؟

شرارة الأزمة

أشعلت خطة التغييرات المقترحة في القضاء الإسرائيلي مِن قِبَل حكومة نتنياهو احتجاجات ضخمة في الأسابيع الأخيرة. دوافع نتنياهو لتمرير هذه الخطة عديدة؛ ربما أقلها أنه يُحَاكم بتُهَم فساد، وأنه قد يستخدمها في النهاية لتخليص نفسه من متاعبه القانونية، لذا كثّفَ نتنياهو جهوده لدفع هذه الخطة من خلال الكنيست، ودعا إلى عقد جلسات تفاوض بين ائتلافه الحكومي والمعارضة برعاية الرئيس الشرفي للكيان المحتل؛ إسحاق هرتسوغ.

لكنَّ هذه الجهود لم تُفلح في تهدئة المتظاهرين في الشوارع، بل على العكس فقد تزايدت الاحتجاجات العاصفة والاضطرابات الجماهيرية، وبلغت ذروتها مع توقف العمل في جميع أنحاء البلاد؛ بعدما أعلنت النقابة العمالية الرئيسية في الكيان المحتل إضرابًا عامًّا، مما أدّى إلى توقف العديد من الخدمات، وتعطيل الحركة الجوية، وشلّ الاقتصاد، وقد تزايدت حدة الأزمة مع إقالة نتنياهو لوزير دفاعه، يوآف غالانت، وهو ما زاد من حدة الغضب ضده، وأدت إلى تراجع شعبيته وسط حزبه الليكود، وتركه أمام خيارات قليلة، قبل أن يتراجع عن خطوة إقالة غالانت لاحقًا.

قسّمَت خطة نتنياهو للإصلاح القضائي الإسرائيليين بين فريقين؛ أحدهما يرى أنها استيلاء على السلطة مِن قِبَل الأغلبية الحاكمة التي ستدمّر الديمقراطية الإسرائيلية؛ لأنها ستمنح البرلمان سلطة إلغاء قرارات المحكمة العليا والحدّ من قدرتها على مراجعة القوانين، كما أنها مجرد علامة مبكرة على ما تخبئه الحكومة الأكثر يمينية من قرارات وقوانين أخرى ستضرّ بمستقبل الكيان.

وفريق آخر يرى أن المحكمة العليا لديها سلطات واسعة للغاية، لذا يريد أنصار هذا الفريق -وأغلبهم ينتمون إلى التيار اليميني- إعطاء المزيد من السلطة للهيئة التشريعية المنتخبة، التي سيكون بمقدورها التأثير على اختيار رئيس وقضاة المحكمة العليا.

 

انتقادات متبادلة

في ظلّ الضغوط المستمرة اضطر نتنياهو إلى الإعلان عن تأجيل خطّته المثيرة للجدل لمدة شهر، لكن قبل أن يُغيِّر نتنياهو مساره، كانت إدارة الرئيس جو بايدن قد انبرت في تحذير الحكومة الإسرائيلية سرًّا وعلنًا من أن صُورتها باعتبارها «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» مُعرّضة للخطر، وحتى بعد تأجيل الخطة لم يحدث تخفيف ملحوظ على التوترات بين واشنطن وحكومة نتنياهو، ظل بايدن يدعو نتنياهو إلى التصرّف بشكل مختلف مع مطالب المحتجين، وعندما سُئِلَ عما إذا كان نتنياهو سيُدعَى إلى البيت الأبيض؟ أجاب بايدن بطريقة اعتبرها المحللون ازدراءً علنيًّا: «لا، ليس في المدى القريب».

على الجانب الآخر؛ كان نتنياهو يُصوّب سهام النقد إلى بايدن باعتباره يهدّد العلاقة طويلة الأمد والحرجة مع الولايات المتحدة بطريقة يمكن أن تضر بقدرة إسرائيل على مواجهة التحديات الأمنية، وفي مقدمتها طموحات إيران النووية، قال نتنياهو في بيان: «لقد عرفت الرئيس بايدن منذ أكثر من 40 عامًا، وأنا أقدّر التزامه الطويل الأمد تجاه إسرائيل، لكنَّ إسرائيل دولة ذات سيادة تتَّخذ قراراتها بإرادة شعبها وليس على أساس ضغوط من الخارج، بما في ذلك من أفضل الأصدقاء».

وعلى الرغم من أن تصريحات مسؤولي الإدارة الأمريكية ظلت حَذِرَة ومُصَاغَة بعناية بشأن خطط نتنياهو، وأكدوا أنهم سينتظرون لرؤية نتيجة المفاوضات في إسرائيل في الأسابيع المقبلة؛ إلا أن الانتقادات المُتبادَلة بين بايدن ونتنياهو أثارت ضجَّة سياسية في إسرائيل؛ حيث ندّد أعضاء ائتلاف نتنياهو الحاكم بتصريحات بايدن، وأبرزهم ميكي زوهار، وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلي، الذي اعتبر أن بايدن قد وقع ضحية للأخبار الكاذبة حول الإصلاح القضائي المبرّر، أما إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، فقال: إن بايدن وإدارته بحاجة إلى «فهم أن إسرائيل دولة مستقلة، وأنها ليست نجمة أخرى على العَلَم الأمريكي».

من جهة أخرى؛ رأى قادة المعارضة أن نتنياهو تسبَّب في أضرار لا مثيل لها للعلاقات مع الإدارة الأمريكية منذ عودته إلى السلطة، مشيرين إلى أن نتنياهو نفسه لم يُبْدِ أيَّ قلقٍ بشأن الخوض السافر في السياسة الأمريكية في عام 2015م؛ عندما خاطب -في تحدٍّ لإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما- اجتماعًا مشتركًا للكونغرس، وندَّد بمفاوضات أوباما مع إيران بشأن برنامجها النووي.

 

ضغوط أمريكية

لم يكن موضوع الإصلاح القضائي هو سبب التوتر الوحيد بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ففي الأشهر الثلاثة الماضية أعرب بايدن وكبار مسؤولي إدارته عن قلقهم بشأن الخطط الإسرائيلية للتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وبشأن عنف المستوطنين المتنامي، وقد تم تسريب رسالة تم تداولها بين مشرعين ديمقراطيين في الكونغرس، يطالبون فيها بايدن ووزير خارجيته بالنظر فيما إذا كانت إسرائيل تستخدم القوة ضد المتظاهرين بشكل ينتهك القوانين الأمريكية، كما طالبوا بتغيير سياسة بلدهم تجاه إسرائيل؛ لضمان ألا تدعم أموال دافعي الضرائب الأمريكية مشاريع تتناقض مع الديمقراطية.

وقبل ذلك كله؛ كان هناك اعتراض أمريكي على اختيار بعض الشخصيات اليمينية المتطرفة في وزارات بعينها ضمن تشكيل الحكومة الصهيونية الحالية نهاية العام الماضي، وقد ظهر التوتر جليًّا مع عدم دعوة نتنياهو إلى واشنطن حتى الآن، بالرغم من أنه قد جرت العادة على توجيه الرؤساء الأمريكيين دعوات لرؤساء حكومات إسرائيل لزيارة البيت الأبيض في الأيام أو الأسابيع الأولى لتشكيل الحكومة، فضلًا على أن نتنياهو انتظر 6 أيام حتى أتته مكالمة بايدن لتهنئته على فوزه في الانتخابات، وهو بلا شكّ تأخير متعمَّد ومُحمَّل بالرسائل.

أقامت الولايات المتحدة وإسرائيل تحالفهما على أساس شراكة طويلة الأمد، مما أدى إلى تعاون وثيق ودائم في مختلف المجالات، مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية والمساعدات العسكرية والتنمية الاقتصادية، كما أن إسرائيل تُعدّ أكبر مُتلقٍّ تراكمي للمساعدات الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، ولطالما كانت الإدارات الأمريكية حَذِرَة من انتقاد إسرائيل، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى قوة جماعات الضغط المُؤيّدة للكيان الصهيوني في الولايات المتحدة، بَيْدَ أن وصول الأمر بين بايدن ونتنياهو إلى معركة كلامية مفتوحة وعلنية يعني أن الرئيس الأمريكي لم يستطع تحقيق ما أراده خلف الكواليس، وهي في حدّ ذاتها نَقلة غير عادية في سياق العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.

 بعض التقارير تشير إلى أن بايدن يستمدّ التشجيع في الضغط على نتنياهو وحكومته من اللوبيات اليهودية الموجودة في الولايات المتحدة، وهي في معظمها مؤيّدة للحزب الديمقراطي، هذا الوضع يدفع المتابعين عن كثب للتوتر الراهن إلى اعتباره في خانة الاختلاف السياسي شائع الحدوث بين أيّ زعيمين، ولا يعكس بالضرورة حالة من العداء، لكن إلى أيّ مدى يمكن أن يصل الخلاف بين الجانبين، يمكننا التكهُّن بتداعيات ما سيحدث في النقاط التالية:

1- قد تختلف الرؤية السياسية والأمنية التي تجمعهما فيما يخص التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، لكن في كل الأحوال سيظل أيّ تحرُّك إسرائيليّ مرهون بالتنسيق مع الجانب الأمريكي، فلن تُقدم إسرائيل على أيّ تحرك عسكري أو استخباراتي في الداخل الإيراني دون موافقة واشنطن.

2- ستظل حالة التباين في بعض وجهات النظر على حالها فيما يخصّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتحديدًا فيما يخص التوسع في البؤر الاستيطانية، لا تمانع واشنطن الاستيطان الإسرائيلي ولكنها تعترض -ظاهريًّا على الأقل- على بعض البؤر، وقد يزداد التباين في هذه المسألة في ظل سيطرة الأحزاب اليمينية المتطرفة على الحكومة الصهيونية.

3- سيتسع التوتر فيما يخص مسألة التعديلات القضائية، ففيما ستصرّ حكومة نتنياهو على اعتبارها شأنًا داخليًّا، سيصرّ الأمريكيون بدعم من اللوبيات اليهودية على اعتبارها تهديدًا لـ«الديمقراطية الإسرائيلية».

4- لن يتخلص بايدن بسهولة من استيائه من نتنياهو، والذي أعرب عنه علنًا في السابق عندما ألمح إلى أن نتنياهو أصبح مساعدًا مغرورًا للرئيس السابق دونالد ترامب، هذا بخلاف الاستياء الأمريكي من بقاء إسرائيل إلى حد كبير على الهامش فيما يخص حرب روسيا على أوكرانيا؛ حيث اتخذت موقفًا محايدًا إلى حد كبير بشكل مُغاير عن المسار الذي سلكته الدول الغربية الحليفة.

5- لسنوات عديدة، كان هناك دعم واسع في الولايات المتحدة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري لإسرائيل، وأي رئيس ينتقد الكيان الصهيوني كان يُقابَل بالهجوم مِن قِبَل أعضاء حزبه، لكنَّ هذا بات يتغير إلى حدّ ما، صحيح أن الديمقراطيين لا يزالون مؤيدين أقوياء لإسرائيل، ولكن في السنوات الأخيرة أصبح هناك قلق متزايد بينهم بشأن تصاعد اليمين المتطرف في إسرائيل، وبشأن المعاملة الإسرائيلية للفلسطينيين، وهناك تقارير تشير إلى أن بايدن يشعر بالضغط من حزبه ليكون أكثر صرامة مع إسرائيل في المُضي قدمًا.

 

تيارات متباينة ومتوافقة

لقد سلّطت الأزمة الأخيرة مزيدًا من الضوء على التيارات السياسية في الداخل الإسرائيلي، لا سيما تيار اليمين المتطرف الذي نجح في تشكيل الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ الكيان الصهيوني، وقد أثار ذلك قلق الإسرائيليين ذوي الميول اليساريَّة، وهم ذوو سلطة سياسية محدودة، كما يشعر كثيرون بالقلق من أن التحالف اليميني الحاكم سوف يُقوّض حقوق الإسرائيليين العلمانيين، ناهيك عن حقوق العرب الإسرائيليين والفلسطينيين وغيرهم، لكنَّ المُدقِّق في تفاصيل الأمور سيجد أن أفكار تيار اليسار اليهودي والتيارات اليهودية الليبرالية لا تتعارض كثيرًا مع أفكار اليمين المتطرّف فيما يخص فلسفة الاحتلال، فالجميع يؤمن بأن «دولة» إسرائيل يمكن أن تكون «دولةً» يهودية ديمقراطية، وأن تكون «دولة» احتلالٍ في الوقت ذاته، وأنه لا تناقض بين اليسار والصهيونية؛ فاليساريون اليهود يرون أن الاحتلال لا يَضُرّ بشرعية إسرائيل، وأن الروح الصهيونية ضرورية لبناء الدولة والهجرة إليها وتوفير الأمن لها، ولطالما تعاطَى اليسار الإسرائيلي بغضّ الطرف وبالسكوت عما يَقترفه اليمين المتطرف من إيذاء بحق الفلسطينيين، وهذا تبدَّى أكثر من خلال وجوده في الحكم في بعض الأحيان، مثل حزب مبام في السابق، ثم لاحقًا حزب العمل، فمهما تباينت التيارات السياسية الإسرائيلية فإنها متوافقة في النهاية ومُحصّلة أفعالها واحدة.

ألقت الأزمة بظلالها أيضًا على نتنياهو نفسه؛ السياسي الصهيوني الأطول خدمة، والذي عاد نتنياهو إلى السلطة في أواخر العام الماضي بعد أزمة سياسية مطوَّلة دفعت الإسرائيليين إلى صناديق الاقتراع 5 مرات في أقل من 4 سنوات، فبالرغم من أن نتنياهو معروف دومًا بكونه ساحرًا يمكنه الهروب من أيّ مكائد ومشكلات سياسية داخلية، لكنَّه هذه المرة يجد نفسه عالقًا بين ائتلافه اليميني المتطرف والشارع الغاضب، وقد تكون الأزمة الراهنة بمثابة استفتاء أخير على أهليته السياسية للحكم.

في ظل هذه اللحظة من الأزمة؛ تأمل إدارة بايدن، ومن معها من الأمريكيين اليهود النافذين، في أن استراتيجيتهم للسيطرة على الضرر قد تدفع إسرائيل للعودة نحو نسخة أكثر قبولًا من الاستيطان والممارسات العنصرية، وهي نسخة يكون لجيش الاحتلال فيها شرعية مداهمة منازل الفلسطينيين أو تصفيتهم، لكن دون أن يتم ذلك عبر دعوات علنية من وزراء يمنيين متطرفين. كما يمكن أيضًا أن يتم حرق محاصيل الفلسطينيين أو تخريب محالّهم التجارية على أيدي قوات شرطة الاحتلال وليس بأيدي المستوطنين العشوائيين.. ما يريده الأمريكيون هو أن يكون النظام القضائي الإسرائيلي بواجهة مستقلة، بغضّ النظر عما تُصدره المحاكم الإسرائيلية من أحكام تمييزية ظالمة ضد الفلسطينيين، بالنسبة لوجهة النظر الرسمية الأمريكية فإنّ أيّ تغيير في الصورة التقليدية المعتادة لإسرائيل قد يَفتح أبوابًا للتشكيك في إسرائيل، الحليفة الديمقراطية المتقدمة، وقد يؤدي إلى انهيار الصرح النفسي بأكمله لدعمها.

مآلات التصعيد

من غير المتوقع أن يؤثر السِّجال الدائر بين بايدن ونتنياهو على العلاقات الوثيقة والتاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل بوجه عام. ومن المؤكد أن كلاهما سيبادر إلى امتصاص غضب الآخر، وبالفعل فقد أوْعَز ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أعضاء الحكومة الصهيونية بعدم الرد أو التعقيب على تصريحات بايدن أو مسؤولي إدارته بشكل يثير غضب الأمريكيين، من جهتهم يدرك الأمريكيون أنه مهما تطوّر الخلاف مع حكومة نتنياهو يجب ألّا يؤثر على التنسيق الأمني بينهما، وألا يترك صداه على بعض الملفات المشتركة بينهما في المنطقة، وكذلك ملف الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي باتت تقترب، فالديمقراطيون لا يريدون أن ينعكس الخلاف سلبًا عليهم في السباق الرئاسي المقبل، وأمام هذا الوضع تجد الحكومة الصهيونية نفسها على مفترق طرق:

1- إما المُضي قُدمًا في التعديلات القضائية: ومِن ثمَّ إحداث أزمة سياسية ودستورية داخلية، قد تُكلِّف نتنياهو تفكُّك ائتلافه الحاكم في أي لحظة، وبالتالي سقوط حكومته، والأسوأ بالنسبة له أن فُرَص محاكمته بتُهَم الفساد ستكون مُواتية أكثر وهو خارج السلطة، وقد تكون هذه هي نهاية حياته السياسية، كما أن تزايد حدة الاحتجاجات الأخيرة قد زاد من مخاوف حدوث حرب أهلية، وهى مخاوف طُرِحَت بشكل متزايد في الخطاب الإسرائيلي العام بعدما نزل أنصار اليمين المتطرف تأييدًا لخطة نتنياهو، كما سيؤثر المضي في مسألة التعديلات القضائية سلبًا على العلاقات الخارجية للكيان الإسرائيلي، لا سيّما مع الولايات المتحدة.

2- العدول عن فكرة التعديلات القضائية: ومِن ثَمَّ تهدئة الانقسامات في الداخل الإسرائيلي، وهو ما قد يمنح حكومة نتنياهو فرصة للبقاء أطول، كما سيُعيد العلاقات الأمريكية الإسرائيلية إلى مسارها التقليدي.

طوال حياته السياسية وخلال حملته الرئاسية؛ كان بايدن ملتزمًا بشدة بالتحالف الأمريكي الإسرائيلي، ووعد بتقوية العلاقات وتوسيع التجارة والاستثمار وتعزيز التعاون في مجالات الأمن والتكنولوجيا والطاقة، صحيح أن هناك يقينًا لدى إدارة بايدن بأن إسرائيل التي يُمثّلها في حكومة نتنياهو الحالية وزراء مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير لن تُقدّم صورة مختلفة عن إسرائيل يمكن المضيّ معها قُدمًا نحو الأمام، وبعيدًا عن التناقضات والاحتمالات المتعددة، ومهما تعمَّقت الإشكاليات الأمريكية الإسرائيلية، فإنها ستظلّ مرحلية، وستنتهي مثلما بدأت بمرور الوقت.

 


أعلى