منتدى أمريكا والعالم الإسلامي: هل يتجاوز الأقوال؟
على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى ليس لها «سوابق» استعمارية في العالم الإسلامي، عكس الدول العظمى الأخرى (فرنسا وبريطانيا وإيطاليا...) إلا أنها منذ التحاقها بالسياسة الصهيونية أو التحاق دولة الصهاينة بها - حسب الاختلاف المعروف بين الباحثين بشأن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل - باتت في موقف عدائي غير مبرَّر مع كثير من الدول الإسلامية، وهو ما أثَّر سلباً على صورتها عند الجماهير العربية والإسلامية التي كانت قد رأت فيها يوماً مَّا نموذجاً للعالم الجديد الحر. ولذلك لم تعد مجدية تلك المحاولات المكثفة التي تبذلها الإدارة الأمريكية لتحسين صورتها في العالم الإسلامي، ولمدِّ الجسور معه، خاصة على المستوى الشعبي. وفي إطار سياسة مدِّ الجسور هذه التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية، تأسس (منتدى أمريكا والعالم الإسلامي) الذي ينظِّمه مركز سابان لدراسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينجز الأمريكي بالتعاون مع وزارة الخارجية القطرية منذ سبع سنوات في عام 2004م. بعد مرحلة مدٍّ وجزر إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي وضعت العلاقة بين أمريكا والعالم الإسلامي على المحك في أقوى اختبار لها منذ نشوئها. وجاء انعقاد إحدى جلسات منتدى أمريكا والعالم الإســلامي فــي دورته الســابعة بالدوحـة فــي الفتــرة بين 13 و 15/ 2/ 2010م. تحت عنوان: «نحو تعهُّد أقوى بالتزامات الولايات المتحدة والعالم الإسلامي: من المفاهيم إلى النتائج الملموسة»؛ ليعكس إدراك القائمين على المنتدى في الجانبين لضرورة الانتقال من طور المفاهيم والمبادئ والأطر النظرية، إلى طور العمل والتأثير والخطط والبرامج. وأستطيع أن أقول: إن هذا الإدراك لضرورة الانتقال من التنظير إلى التطبيق والممارسة، خطوة أولية ومهمة لإعادة رسم العلاقات بين الطرفين باتجاه الحوار والفهم المشترك، وإقامة علاقات طبيعية مؤسسة على النِّدِّية والاحترام المتبادل؛ لتحقيق مصالح الطرفين معاً. وحتى لا نقع أسرى التنظير والدوران حول المفاهيم (وهي المرحلة التي أراد المنتدى بدورته السابعة أن يتجاوزها، وأن يبني عليها ولا يقف عندها)؛ أرى أنه من الضروري أن نتأمَّل إشكاليتين مهمتين: 1 - هل ثمة طرفان متكافئان للمعادلة؟ أُولَى هاتين الإشكاليتين تتمثل في ضبط تعريف الطرفين المعنيَّين بالمنتدى وبتحقيق أهدافه، وهما: أمريكا والعالم الإسلامي. فبينما نرى الطرف الأول (أمريكا) طرفاً محدَّداً سياسيّاً وجغرافيّاً إلى غير ذلك من عوامل التحديد والضبط، نرى الطرف الثاني (العالم الإسلامي) عارياً من تلــك المحــدِّدات، أو على الأقل تحوَّل - حسب تعبير بعض المفكرين - من «حقيقة سياسية» إلى «منطقة جغرافية»، ومن ثَمَّ؛ فقد أصبح مفهوماً هلاميّاً يصعب أن نتصور له خطة مشتركة، وإرادة واحدة، وأهدافاً يُتفَق عليها؛ ولو في خطوطها العريضة الإستراتيجية، وأقصد بذلك توصيف حال العالم الإسلامي في ما آل إليه واقعه المعاصر، لا في ما نؤمِّل نحن له، ونعتقد أنه يجب أن يكون. ومن هنا فإن الحديث عن طرفين: أمريكا من ناحية، والعالم الإسلامي من ناحية أخرى، يجعل المعادلة غير متكافئة وغير متوازنة، ومن ثَمَّ فإن صراع الإرادات ولغة المصالح سيكونان - بلا شك - في مصلحة الطرف الأول، وهو ما يهدد فعليّاً أيَّ حديث عن مصالح متبادلة أو قواسم مشتركة، أو على الأقل يحوِّل تلك اللغة السياسية عن المصالح والقواسم إلى «غطاء أخلاقي» لِـمَا يريد أن يحققه الطرف الأول (أمريكا) بغضِّ النظر عن مصالح الطرف الثاني؛ وهو الأمر الذي تنطق به سياسات الولايات المتحدة الأمريكية على امتداد العالم الإسلامي، وفي القلب منه منطقة الشرق الأوسط. وأقرب مثال لتوضيح هذا الطرح، هو أن أمريكا أدخلت مؤخراً ضمن إجراءات تفتيش جديدة في مطاراتها: إخضاعَ مواطني 14 دولة من بينها 13 دولة عربية وإسلامية للفحص بواسطة أجهزة الفحص الكامل «سكانرز»، وهو ما رفضه المجلس الفقهي لأمريكا الشمالية؛ إذ اعتبر هذا - حسب بيانه الصادر عنه - «انتهاكاً واضحاً للتعاليم الإسلامية»؛ لأن تلك الأجهزة «تمكِّن رجالاً ونساءً من رؤية أمثالهم عرايا». فهل تستطيع حكومات ثلاث عشرة دولة عربية وإسلامية أن تهدد أمريكا - إذا لم تسحب إجراءاتها تلك وتكتفِ بإجراءات فحص أخرى - بأنها ستعامل المواطنين الأمريكيين بالمثل، كما أشار إلى ذلك عبد العزيز بلخادم الممثل الشخصي للرئيس الجزائري للمنتدى في كلمة له؟ أم أن كل دولة ستحدد قرارها بما يغلِّب مصلحتها الذاتية هي دون النظر إلى المصلحة المشتركة؟ أغلب الظن (ويا ليتني أكون مخطئاً) أن الاحتمال الثاني هو الذي سيجد طريقه للتنفيذ؛ ليس في هذه القضية فحسب، بل في كل قضية مشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ ذلك أنها الطرف الأول والأقوى في المعادلة ذات الميزان المائل؛ ولذا تصبح المعادلة المطروحة بطرفيها (أمريكا والعالم الإسلامي) أمراً غير واقعي، وهي إلى العموميات والدبلوماسية أقرب. التغيير المطلوب.. ممن؟ أما الإشكالية الثانية فتبرز في حقيقة أنه لا يمكن الحديث عن مستقبل العلاقات بين الطرفين دون الأخذ في الحسبان ما جرى في أرض الواقع على امتداد العالم الإسلامي، من قلبه إلى أطرافه وما يزال؛ ليس فقط لأن ذلك يؤشر بوضوح على ما يمكن أن يحمله لنا مستقبل العلاقات بين الطرفين، بل لأن أمريكا فعليّاً على امتداد سبع سنوات (هي عمر المنتدى) وما قَبْلَها، لم تغيِّر بشكل جذري وفاعل من سياساتها في المنطقة، وهــي السياســات التي بلغت ذروة المأزق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها، من غزو أفغانستان والعراق، ناهيك عن الانحياز الكامل للكيان الصهيوني والاكتفاء بالحديث عن دور أمريكي راعٍ - فقط - للمحادثات الفلسطينية الإسرائيلية؛ بينما أمريكا في الوقــت ذاته هــي التــي تستخدم الفيتو في وجه الإجماع الدولي حين يكون رافضاً للسلوك الصهيوني العدواني. فمن الذي يُطالَب إذن بتغيير سلوكه؛ حتى يمكن لمعادلات الحوار والتقارب أن تخرج من حيز المفاهيم والنظريات إلى أرض الواقع والنتائج الملموسة؟ يجب أن نعترف أنه بدون ذلك التغيير، سيظل هذا المنتدى وغيره مناسبة - فقط - لتبادل الصور التذكارية، وفرصة ثمينة لتُجمِّل أمريكا سياساتها في العالم الإسلامي الذي تخدره بالكلمات المعسولة، والذي يبدو أنه رضي من أمريكا بالوعود التي لا تنقطع!