زعمت
أوساط عسكرية صهيونية أنه على الرغم من إعلان حركة حماس العلني عن التزامها
بالمحافظة على الهدوء إزاء «إسرائيل»، إلا أنها تواصل تفعيل عملياتها بقنوات
مختلفة، وأنها تفضّل العمل حالياً بصورة منخفضة، لعدم إغضاب مصر، كما أن جولة
المواجهة الأخيرة مع الجهاد الإسلامي، تزيد من فرصة انضمام حماس في المرة التالية
لإطلاق الصواريخ.
ولئن تجنّبت حماس التدخّل المباشر خلال
دورات النزاع الأخيرة، لكنها عملت بأساليب متنوّعة دون ترك بصمات أصابع واضحة، من
خلال مواصلة المبادرة لتنفيذ عمليات، وتورط عناصرها في الفترة الأخيرة بإطلاق
صواريخ مضادة للدبابات وقذائف هاون على قوات الجيش والمستوطنات المتواجدة على حدود
القطاع، فيما تدير كتائب القسام عدة فصائل صغيرة جداً، تحصل منها على أموال
وتوجيهات للعمليات.
وهو ما يعني أن حماس لم تتخل عن طريق
العمليات المسلحة ضد «إسرائيل»، لكنها تدرك أن هذه اللغة لم تعد مقبولة حالياً في
الساحة الدولية، ولا تنسجم مع روح العصر، وهي لا ترغب بمنح «إسرائيل» سبباً لدخول
القطاع مرة أخرى، ومع ذلك فإن المواجهة الأخيرة تقيّد حرية مناورتها، وتجبرها على
العمل في الجولة القادمة، إذا اندلعت.
ومن المفترض أن تطلق حماس مجموعة ثقيلة جداً
من الصواريخ في المرة القادمة لإثبات قدراتها، على الرغم من أنها تدرك جيداً أن
قرار إطلاق صواريخ «فجر» على تل أبيب قد يكلّفها اقتحاماً عسكرياً جديداً للقطاع.
العمليات المسلحة
لكن محافل أمنية
واستخبارية حمَّلت الحكومة الحالية عدم القدرة على معالجة التوتر الأمني في مناطق
الجنوب، وما أسمته القرار البائس بالامتناع عن إسقاط سلطة حماس، على الرغم من أن
الظروف على الصعيد الدولي مثالية، لكن ما أسفر عن ذلك هو الإثقال على عملية عسكرية
موجهة إلى مملكة العنف في غزة؛ لأنها قد تفضي لتورط مسلح مع مصر، وتصرف الانتباه
عما يجري في سورية، ومكافحة إيران، مما سيضطر «اسرائيل» في الظروف الراهنة
لاستيعاب عمليات مسلحة، ويكون ردها معتدلاً، دون أن يحقق ردعاً عن استمرار
العمليات.
وهو ما قد يشير إلى أن الثنائي «نتنياهو
وباراك» قد سلما بهذا الوضع، وعلى الأكثر يرد سلاح الجو بين الفينة والأخرى بقصف
لا معنى له، ولا يؤثر في أحد لهدف ذي أهمية ثانوية، مؤكدة ان «إسرائيل» لم تخرج من
الجولة الأخيرة، ويدها العليا؛ لأنها بدأت بعملية اغتيال مركز نفذتها لمنع عملية
تفجيرية مخطط لها، وهذه المرة كان نظام القبة الحديدية مستعداً للرد على من أطلقوا
مئات القذائف الصاروخية، لكنها أثبتت محدوديتها، وعجز «اسرائيل» المتواصل.
وإذا استطاعت القبة
الحديدية ان تمنح الجبهة الداخلية حماية خلال عملية عسكرية يجب ان تكون قصيرة
لإسقاط نظام حماس في غزة، وهي عملية يجعلها الوضع الدولي الحالي إشكالية جداً؛
لكنها لا تستطيع ان تمنع حرب استنزاف، أو تشويش مطلق على الحياة في المنطقة
المعرضة للقصف، كما لا تستطيع القبة الحديدية وقف طوفان الصواريخ، ولا يجدر أن
نخمن ما الذي سينفد قبل: مجموع الصواريخ الرخيصة التي يملكها المسلحون في غزة، أم
الصواريخ الباهظة الثمن جداً المخصصة لاعتراضها؟
كما أن الخسائر التي أصابت المسلحين في
الجولة الأخيرة لم تردعهم، ويمكن ان يكونوا مستعدين بحسب حساباتهم لدفع هذا الثمن
بإصابة الحياة في مناطق واسعة من الدولة بالشلل، وقد برهنوا أنه على الرغم من
القبة الحديدية سيكون من الواجب عليها أن تدفع ثمناً باهظاً عن كل عملية اغتيال
مركز، مما جعل «إسرائيل» تبدو في حالة «انكماش» وفي نقطة حرجة.
وعلى الرغم من أنها أعلنت غير مرة أنه يجب
على حماس، أن تضمن الهدوء، فإذا لم تفعل، ستصاب هي وسلطتها، لكنها لا تزال تتحدث
بهذه اللغة، وتخلت عن موقفها بالفعل، فيما حماس التي تتمكن من إطلاق الصواريخ على
إسرائيل فضلاً عن أنها لا تصاب، أخذت تصبح بالتدريج الجهة المعتدلة.
المواجهة البرية
في ذات الوقت، زعمت مصادر مطلعة في قيادة
الجيش أن حماس تحاول جر الجيش للدخول إلى قطاع غزة، لأنها تعلم أنه لا يملك أي
قدرات عسكرية تميزه عن مقاتليها في القتال البري، زاعمة أن تكتيكات الحركة في
الفترة الحالية هي إطلاق الصواريخ، لمحاولة جر الجيش لدخول غزة، بحيث تكبدنا خسائر
غالية جداً على الأرض، لأنه عندما يقتحم جندي يحمل سلاحاً من نوع «إم16» مبنى ما،
ويجد أمامه أحد المسلحين يحمل سلاحاً من نوع «كلاشينكوف»، فهما بالتأكيد متساويان
في قدراتهما، وبالتالي فإن الميزة المتوفرة لجنود الجيش في الأجواء غير متوفرة على
الأرض.
كما أن حماس تريد جرنا إلى الميدان، لأن
الجيش لا يملك أي ميزة تميزه على الأرض، مما سيوقع عدد كبيراً من القتلى في صفوف
الجنود، وسيتساءل حينها الجمهور عن سبب القتلى الكبير في صفوفنا، وبالتالي سيكونون
قد نجحوا في خلق عنصر توازن في الرعب.
لكن المحلل السياسي البارز «عوفر شيلح» يزعم
أن الحرب ضد المنظمات الفلسطينية شكلت نجاحاً عسكرياً، «اذا ما تعاطينا معها
بالتوازن السليم»، وتدل على قدرة الجيش على التغير والتنظيم والتعلم، وتصديه لما
قال إنها مسائل تكنوقراطية تكتيكية للعملية العسكرية في المناطق المدنية المكتظة
لمخيمات اللاجئين، ووحداته الميدانية تجيد عملها بشكل عام على الفور، وابتكار
أساليب كاقتحام الحيطان من بيت الى بيت، مما أتاح عبوراً آمناً نسبياً ضد نار
القناصة والعمليـــات الانتحـــارية، أو استخدام فريق المفاوضات لدى هيئة الأركان
المخصص بالأصل للمساومة على الرهائن، لتفكيك أوضاع تمترس دون حاجة لنار كثيفة.
وليس بالضرورة أن تقضي أي عملية عسكرية على
العمليات المسلحة الفلسطينية دفعة واحدة، لكن بالضرورة هناك ميل هبوط واضح،
والسيطرة على الأرض عادت لأيدي الجيش، وهذه ملاحظة عن جودة أدائه، ونجاح إلى حملات
موضعية منهاجية مع منطق بعيد المدى.
وبالتالي فإن تحولاً جرى على طبيعة الأعمال
المسلحة الفلسطينية، فبدلاً من الانتحاريين الذين شكلوا أساساً للعمليات انطلاقاً
من الضفة الغربية، أصبحت اليوم موجات إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه جنوب
«إسرائيل»، وفي مواجهتها، يبدو أنه لا مناص من تنفيذ عملية عسكرية واسعة على غرار
عملية «السور الواقي»، لأن العمليات التي جرى تنفيذها مثل «الرصاص المصبوب» لم
تستطيع القضاء على قواعد المنظمات في غزة.
ولذلك تجري الاستعدادات والتدريبات العسكرية لتنفيذ هذه
العملية حال تم إقرارها، زاعمة قدرة الجيش على تنفيذ هذه العملية الواسعة، حتى لو
كان العديد من الجنود بعيدين عن المواجهات المباشرة مع المسلحين.