• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
إنهم يحرقون أنفسهم!

العناية بالقرآن الكريم في الأُسَر والبيوت، ومن فضل الله علينا كثرة الحَفَظة في العوائل والبيوتات، وحرص كثير من الآباء والأمهات على القراءة المنزلية، وإقامة درس التفسير البيتي، وتداول المقاطع والفوائد المرتبطة بالقرآن.


الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه، وبعدُ:

فقد تألم المسلمون في أرجاء العالم ممّا فعَله الحمقى في السويد والدنمارك وهولندا، وتلك شنشنة نعرفها ولا نَجهلها منهم على صُعد مختلفة، فهم الذين حاربوا ودمّروا وقتلوا ونهبوا وأبادوا، وهم الذين انتهكوا الحقوق ونقضوا المواثيق، وليس بغريب منهم ولا عليهم تلك المقابح والسوءات بخصوص الكتب السماوية والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، وإن المستقبل ليحمل منهم المزيد؛ فهم قوم يستعجلون الملحمة!

ويأبى الله إلّا أن يكون في الشرور خيرات وبركات وآثار طيبة، فمما نجده في هذا الحدث أن دين الإسلام على ضعف أهله، وتصدّر بعض من لا يستحق السيادة عليهم، فبعضهم لا تبرأ به الذمة في أمر العامة. ومع انحسار الدعوة والتضييق عليها، إلّا أن أوروبا القوية الغنية المتحضرة تخشى هذا الدِّين، وتهابه، وتدافع الوصول إلى يومٍ تغدو القارة العجوز فيه مسلمة، أو تكاد أن تكون.

كما يثبت لأمة محمد عمليًّا أن دعوات التعايش الرخوة الهزيلة، وألفاظ التقارب المريضة المنهكة، لا تَصمد أمام قوم لا يعرفون إلّا القوة، ولا يفهمون غير لُغتها، وإلّا فماذا فعل القرآن الكريم لأُناسٍ من عامَّة البشر في بلاد قصيَّة؟! ولذلك فمما تؤكده هذه الحوادث سقوط جميع الدعاوى اللينة التي يتفوّه بها الغرب ووسائل إعلامه؛ فلو كانت مُؤثّرة ويعتقدونها حقًّا؛ لهبَّت ضد الفعل القبيح منظمات وجمعيات ووسائل، ولربما شرعت لأجل القضاء عليها نظمٌ وقوانين.

ومما يدلنا عليه هذا الحدث مركزية القرآن الكريم في التعبير عن المسلمين ودينهم، تمامًا مثلما يدلنا الاستهزاء الفجّ منهم بالنبي الأكرم على مكانته العظمى في الدين والتاريخ والحياة، وهذا ليس لأننا نجهل ذلك الأمر ونحتاج مَن يُعلّمنا إياه، وإنما قد نَغفل أو نتراخى؛ فتأتي هذه الحوادث التي سوف تُسجّل يومًا في ديوان الحماقات الكبرى، وتُذكّرنا بضرورة الاعتصام بكتاب ربنا، وحتمية اتباع رسول الله المُرسَل للناس كافة.

كذلك من إشارات هذا الحدث المؤلم لنفوسنا، والمُكدّر للحياة المُنغِّص للذائذها، أن الإسلام والشرق في خانة العداء الدائم المستقر في نفس الغربي النصراني الأبيض، وهو عداء وثَّقت عُراه الحروب الصليبية وحمولتها الفكرية الباقية في الثقافة الغربية، وفي وجدان أهلها، فهل يجرؤ الغربي على شيء يمسّ أيّ رمز يهودي أو بوذي أو هندوسي أو حتى ينتقد الشواذ ومنتكسي الفطرة؟! وأيّ حنق وغيظ ملأ أجوافهم حتى أحرقوا ما يمكن أن يكون لهم النور والضياء في محياهم وبرزخهم ومبعثهم ومحشرهم؟!

عقب ذلك ربما ينتظر بعض المسلمين حراكًا دوليًّا أو من حكومات أولئك الهائجين، وهذا لن يكون، ولو حدث ففي أضعف حال وصورة. ومثله ما يُرتجى من المنظمات الإسلامية الرسمية والحكومات في البلدان الإسلامية، فهي محكومة بمعاهدات ومصالح، وبأفكار وتوجهات، وبالتالي فلها حساباتها التي تجبرها على التصرف البطيء الذي لا يرتقي للطموح، وهي لا تُعذَر؛ فلو توحدت كلمتها نحو هذا الأمر لأثَّرت وصار لها قيمة وخاطر يُراعَى، وبعضها لو لمس لها شأن يَخصّها لزمجرت وأرعدت، وكان الواجب عليها الغيرة على دين الشعب أو أغلبيته.

كذلك فإن أيّ تفاعل شعبي أو جماعي أو فردي يحدث إشكالًا في بلدان المسلمين، أو في البلدان التي يقيمون فيها، ليس من الحكمة في شيء، وضرره ظاهر بالغ أكيد، ومنافعه -إن وُجِدَتْ- فلن تضاهي مفاسده، وعليه فمثل هذا الخيار غير مقبول بل ومردود، وأسوأ منه مقابلة الفعل الأرعن بالمثل؛ فنحن قوم لا نَسُبّ الذين كفروا، ولا نُجاريهم في هذا حتى لا يتعدّوا -وهم للعدوان أهل- بلا سبب؛ فكيف إن وُجدت له شبهة أو علة؟!

فما الذي يمكن فِعْله إذًا؟ وماذا في أيدينا غير المقاطعة الاقتصادية وما في حكمها؟! والجواب ليس بعسير، ومن فضل الله أن كل أحد يستطيعه أينما كان، ومهما كانت درجة صلاحه، أو مستوى تعليمه، أو قدراته ومواهبه. وهاهنا استعراض لمجموعة من الأعمال التي يمكن أداؤها فرديًّا أو جماعيًّا، وبها يُراغَم الكفرة والمفسدون، كما يمكن مساندتها من قبل الحكومات والمؤسسات الإسلامية، وكم ترك الأول للآخر، فمنها:

- زيادة الارتباط الشخصي بالقرآن الكريم؛ بالتلاوة والحفظ والتدبر والعمل به؛ فهذا مما يغيظ الكفار، ويحرق قلوبهم التي انطلقت منها فكرة حرق المصحف الشريف. وما أجدرنا باستثمار المواسم الشريفة لتحقيق هذا المطلب الأسنى!

- العناية بالقرآن الكريم في الأُسَر والبيوت، ومن فضل الله علينا كثرة الحَفَظة في العوائل والبيوتات، وحرص كثير من الآباء والأمهات على القراءة المنزلية، وإقامة درس التفسير البيتي، وتداول المقاطع والفوائد المرتبطة بالقرآن.

- خدمة المصحف الشريف بنشر تفسيره كاملًا، أو تفسير سورة أو حتى آية أو بعض آية، حتى يدخل الواحد منا في زمرة المستجيبين لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال في حديث صحيح رواه البخاري: «بلِّغوا عنّي ولو آية».

   الإفادة من التطبيقات والإنترنت وبرامج التراسل الفوري في نشر المصحف وما يتعلق به من علوم، ومن جليل نعمة الله علينا أنه يمكن الإقراء والتحفيظ عن بُعْد، ويُتاح نشر الكتب الإلكترونية كي تتجاوز الحواجز البشرية التي تسعى لحجب النور عن المسلمين في بلاد عديدة، وكم في التقنية والذكاء الاصطناعي من فُرَص لخدمة الدين والقرآن والدعوة والتربية.

- السعي الحثيث لترجمة معاني القرآن الكريم ومفاهيمه، ونشرها على أوسع نطاق ممكن، وإهداء نُسَخ منها لمكتبات الجامعات الغربية الكبرى.

- إنتاج برامج قرآنية مرئية ومسموعة باللغة العربية، وبغيرها من اللغات العالمية والحية، وبثّها في الفضاء المُتَاح.

- التواصل مع المؤسسات العلمية والحقوقية والثقافية في الغرب للاعتراض على الصنيع المشين، وعلى سكوتها أو ضعف تفاعلها.

- الاحتجاج الرسمي والفردي على الغرب بهذه الأفعال؛ خاصة كلما رفع الغربيون رايات التعايش والحقوق، وأي شيء من جنسها التي يُرَاد منها الباطل والظلم.

إن نور الله باقٍ وتامّ، ولو كره الكافرون والمنافقون، ولو تآزر مَردة الجن وأغنياء الإنس للقضاء عليه، وكان بعضهم لبعض ظهيرًا، فلن يظفروا بشيء، وسيغدو سعيهم في تباب بالٍ، وجهدهم إلى هباء منثور؛ لأن الله تكفَّل بحِفْظ الدين والكتاب العزيز، فقال -جلّ من قائل-: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، وقال -سبحانه-: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [التوبة: 32]، وإذا تكفّل العزيز القدير بشيء فلن يحصل خلافه.

ومع أننا نؤمن بذلك بلا ريب؛ إلّا أنه يجب علينا ديانة، وغيرة، وحمية، أن نقاوم هذا العدوان مقاومة قلبية بالكُرْه والبُغْض والنُّفرة والبراءة، ومقاومة لسانيَّة بالحديث عنها، وإدامة التلاوة والقراءة، ومقاومة ذهنية بالتدبر واستلهام العِبَر والدُّرَر من الكتاب العزيز، ومقاومة عملية بالسير على هدي القرآن والسُّنة، وإظهار شعائر الله وتعظيمها، فما من شيء يمكن به زَجْر أولئك الطغام أعظم من الاستمساك بهذا الذي حرق قلوبهم، وفضح كوامنهم، وأظهر فسادهم عيانًا بيانًا، ولله الأمر والحكمة، والله غالب على أمره.

أعلى