منتدى القراء
دعوة إلى إحياء علم الفقه الافتراضي
إحياء علم الفقه الافتراضي (المفترض)، في اهتمام المؤسسات الشرعية والجامعات ومراكز البحوث والدراسات والمجامع الفقهية، واجب يجب العمل على تحقيقه مع ازدياد الحاجة إليه.
وعلم الفقه الافتراضي (المفترض): مجال فقهي خصيب وطريف، نشط بصورة واضحة في بعض البيئات الحضرية كـ (العراق)، وبعض المدارس الفقهية؛ وبالأخص عند الفقهاء الأحناف[1]. ويمكن أن نعرِّفه بإيجاز بأنه: نشاط فقهي تُنزَّل فيه الأحكام الشرعية ذهنيّاً على صور افتراضية لم تقع.
وهو يصدر عن النظام المعرفي للفقه العــام، أو ما يمكن أن نسميه - لتمييزه - بالفقـه المعاشـي أو الواقعي، ولكنه يختلف عنه في أن الفقه العام (الواقعي) يكون عند طلب البيان أو الحاجة. أما الفقه الافتراضي؛ فإنه يسبق وقوع الحاجة وطَلَب البيان لمعالجتها، وذلك؛ لأن الفقيه المفترِض ينشئ تصورات ذهنية لمسائل غير واقعة (يفترض وقوعها)، ومن ثَمَّ يُنزِّل عليها الأحكام الشرعية، مثل: لو أن رجلاً صلى المغرب، ثم ارتقى في السماء فرأى الشمس ولـمَّا تغرب، ثم غربت؛ فهل يعيد صلاته، أم تجزئه صلاة المغرب التي صلاَّها في الأرض؟ ولو أن حاملاً أسقطت جنينها، فجاءت أخرى فأخذت الجنين ووضعته في رحمها؛ فهل يجوز لها هذا؟ وإلى من يُنسَب الجنين؟ ومَن أمه؟ ولو أن رجــلاً بحـريّاً؛ أي: يعيـش في ميــاه البحـر، وأصـاب جنـابة وهــو فــي البحـر؛ فهــل يغتسـل أم يجزئه كـونه في البحـر.
وهي بالضرورة أحكام غير ملزمة ولا مانعة من الاجتهاد؛ لكونها أحكاماً افتراضية غير متصلة بالواقع الحقيقي. وغايتها رياضية علمية؛ وهي: تنشيط الأفهام، وتحرير القواعد الأصولية، وتمرين الذهنية الفقهية على المسائل والهيئات المركَّبة، والصفات الممكنة الحدوث.
ونحن في هذا العصر بحاجة إلى إحياء هذا النشاط الفقهي المغيَّب؛ لأنه يسبق إلى إيجاد الحلول الأخلاقية النافعة، ويسهم في تجاوز فكرة البدائل إلى التسريع بصنع النماذج الفاعلة لمشكلات قد تقع أو يقع ما يشابهها في أية لحظة، ويجعل من العقل الفقهي أكثر مرونة في تقبُّله للمفاجآت، وأكثر قدرة على التعامل مع الحاجات الطارئة، وأقدر على تجاوز الفتور والدهشة، ويقلل من (تعثُّر الفتوى الرشيدة) الناشئة عن الحاجز النفسي المانع من استقامة التمثّل العقلي؛ بحكم انطباع العادة، وضعف تصوُّر الحاجات والتطلع للمستقبل لدى المؤسسة الفقهية المعتبرة.
وأحســب أن مصـطلـح الفقـــه الافتراضــي أو المفترض، أفضل من مصطلحَي: الفقه الذهني أو الفقه التخيلي (المتخيل)؛ لأن النشاط الفقهي سواء منه ما كان واقعياً أو متخيلاً، هو في جوهره نشاط ذهني، فلا تمايز بينهما في هذا الجانب يستدعي تخصيص أحدهما بوصف (الذهني) دون الآخر، كما أن إطلاق مصطلح التخيلي (الخيالي) على هذا النشاط، فيه حَبْس له في فرع واحد دون الآخر؛ ذاك أن نشاط الفقه الافتراضي أو المفترض يجمع بين نوعين أصيلين، هما: النوع الناشئ عن التصور الخيالي لصور لم تقع ولا يتصور وقوعها وقت افتراضها، وبين النوع الناشئ عن تصوُّر لوقائع لم تقع حال الافتراض، ولكن يُتَصوَّر أن تقع في الواقع الذي يعيش فيه الفقيه؛ غير أنها لم تقم الحاجة لبيانها أو لم يطالَب الفقيه بذلك.
أحمد علي آل مريع
باحث وأكاديمي سعودي
وقفات في بداية عقد جديد
تنقضي أعمارنا يوماً بعد يوم، وكلما زاد عمر الإنسان نقص عمره في الحقيقة. ها نحن قد ودَّعنا العقد الماضي، وهو عشر سنوات (1421 - 1430هـ) كان فيها ما فيها: من خير وشر، وصلاح وفساد، وأمل وألم. ودخلنا في عقد جديد (1431 - 1440هـ). ولا يعلم ما يكون فيه إلا علاَّم الغيوب.
من سنن الله الكونية أن الإنسان لا يبقى على حال، وقد أقسم الله في كتابة على هذا، فقال - سبحانه -: {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ} [الانشقاق: ٦١ - ٩١].
لن تستمر أحوالنا على ما هي عليه الآن إلى آخر العقد، بل ستتغير الأحوال في كل فرد، وفي كل أسرة، وفي كل مجتمع، بل وفي العالم أجمع؛ وهذه سُنة الله - تعالى - في خَلْقه. ولنذكر شاهداً من أول التاريخ الإسلامي المشرق؛ ففي السنة السادسة من الهجرة وقع الصلح بين المسلمين وكفار قريش في الحديبية، وكانت مدة الصلح عشر سنوات؛ أي: عقداً من الزمان: من سنة 6 للهجرة إلى سنة 15 للهجرة، وكان المسلمون يومئذٍ ألفاً وأربعمائة، ولم يكن يعلم أحد منهم أنه في ذلك العقد من الزمان ستتغير الأحوال بما لا يخطر على البال؛ ففي ذلك العقد فُتحت مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ومات النبي - صلي الله عليه وسلم -، ثم تولَّى الخلافة أبو بكر ثم عمر - رضي الله عنهما - وفتح المسلمون فارس والروم، وأعلى الله كلمته، وأعز جنده. من كان يظن أن هذا كله سيحدث في عشر سنوات؟
شاهد آخر: دخل العقد الرابع الهجري سنة 31 وكلمة المسلمين مجتمعة، ورايات الجهاد في مشارق الأرض ومغاربها مرفرفة، وقد فاضت الأموال، وكثرت الخيرات، وما كان أحد من المسلمين يعلم أنه في ذلك العقد ستتغير الأحـوال بما لا يخطر على البال؛ فقد قُتِل الخليفة عثمان - رضي الله عنه - وماجت الفتن بعد ذلك موجاً، وحصل ما حصل بين المسلمين، وتفرَّقت الأمة، واختلفت الكلمة، ومن كان يظن أن هذا كله سيحدث في عشر سنوات؟
نماذج لمشاريع مقترحة:
إذا حفظت في كل يوم نصف صفحة من الكتاب العزيز؛ فستحفظه في أربع سنوات.
أما السُّنة فَحِفْظها أسهل، ومن خير ما يُحفظ من السُّنة: كتاب رياض الصالحين للنووي وبلوغ المرام لابن حجر، رحمهما الله؛ فلو حفظت كل يوم حديثاً واحداً فقط، فستحفظ أحاديث هذين الكتابين في نحو تسع سنوات؛ أي: نحو ثلاثة آلاف حديث.
ويستطيع رب الأسرة أن يعلِّم زوجه وأولاده دينهم؛ فيشجعهم على حِفْظ القرآن أو ما تيسر منه، وحِفْظ ما تيسر من السُّنة، لا سيما أحاديث الأربعين النووية، وينبغي أن يجمعهم في كل أسبوع مرة على الأقل في أي وقـت مناسـب لهم، وإن رأى منهم إعراضاً، فلا بأس أن يرغِّبهم ويحفِّزهم ببعض الهدايا أو الجوائز.
تغيُّر الأحوال من آيات الله العظيمة، وسننه الحكيمة، قال الله - تعالى -: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْـخَيْرِ فِتْنَةً وَإلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: ٥٣]. ومعرفة المسلم بهذا تجعله يعتني بما خُلِق له من العبادة، وأن يجعل نيته الــدار الآخــرة البــاقية؛ فعــن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: «بادروا بالأعمال الصالحة؛ فستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً، ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا»[2].
كتبه
أبو الحارث محمد المطري
[1] للوقوف على نماذج جيدة من النشاط الفقهي المفترض يراجع: المبسوط للسرخسي، وفتح القدير، وشرح فتح القدير لكمال الدين السيواسي، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق، لابن نجيم الحنفي.
[2] رواه مسلم: (181).