• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حكومة نتنياهو الجديدة.. التطرف لا يُثمر إلا تطرفًا

كعادة الساسة الصهاينة فإن نقاشاتهم وتحالفاتهم لا تخلو من الخدائع ونكوص الوعود وخيانة الاتفاقات، هذا إلى جانب الأطماع في تولّي الحقائب الوزارية المهمة والمؤثرة، والتي قد سال لُعاب الأحزاب الدينية عليها مُبكرًا حتى من قبل أن ينجح تحالفهم مع نتنياهو في الفوز


مع عودة اليمين المتطرف إلى السلطة في الكيان الصهيوني مجددًا، يكثر الحديث عن تزايد مرتقب في معدلات التطرف والعنصرية والإرهاب، لا سيما وأن عودته هذه المرة تأتي في إطار تحالفه مع أحزاب دينية متشددة يجمعها هدف رئيسي واضح، وهو سيادة إسرائيل على أرض فلسطين التاريخية؛ وسط أهداف أخرى مشتركة، منها: رفض قيام دولة فلسطينية، وعدم تقسيم القدس، ورفض الانسحاب من الجولان، والتوسع في عمليات الاستيطان والتهويد، ومنع عودة لللاجئين، حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة، والتي تعدّ هي الأكثر تطرفًا في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي، ليست وليدة اللحظة أو الظروف السياسية، وإنما هي نتاج تاريخ طويل من التطرف منذ نشأة الحركة الصهيونية وسعيها لإقامة دولة يهودية.

عـودة صعبـة

يعود بنيامين نتنياهو إلى السلطة مجددًا بعد الانتخابات الأخيرة التي أُجريت في الأول من نوفمبر 2022م؛ حيث فاز تحالفه اليميني والديني بـ64 مقعدًا، وهي أغلبية برلمانية في الكنيست المكون من 120 مقعدًا مكّنته من العودة للسلطة، لكنها عودة مختلفة كثيرًا عن سابقاتها؛ كونها تجبره على العمل مع حلفاء جدد على الخريطة السياسية، فمعضلة السياسي الماكر الذي حرص دائمًا على ضمّ أحزاب الوسط وحتى اليسار في تحالفاته كي يصل إلى الحكم هو أنه قد اضطر هذه المرة إلى التحالف مع أحزاب دينية متشددة وإلا سيكون خارج اللعبة السياسية، وهو ما أثمر في نهاية المطاف عن أكثر الحكومات تطرفًا في تاريخ إسرائيل، فالانتخابات الأخيرة كانت كاشفة في نتائجها، واستثنائية في دلالاتها، ليس فقط لغلبة تيار أقصى اليمين فيها، وهو ما يُعدّ انعكاسًا لتوجُّهات معظم الجمهور اليهودي الذي بات يعتبر التطرف والعنصرية مفخرة، بل أيضًا لأنها حملت هزيمة كبرى للمعسكر المضاد الذي يمكن اعتباره معتدلًا بشكل مجازي، إلى جانب السقوط المدوي للحزب اليساري الوحيد المتبقي في الكيان الصهيوني بعد فشله الذريع في تجاوز العتبة الانتخابية.

أمام استحقاق التكليف بتشكيل الحكومة، على نتنياهو أن يخوض مسارًا صعبًا من المفاوضات مع الشركاء اليمينيين والمتدينين واليمينيين المتطرفين، وكعادة الساسة الصهاينة فإن نقاشاتهم وتحالفاتهم لا تخلو من الخدائع ونكوص الوعود وخيانة الاتفاقات، هذا إلى جانب الأطماع في تولّي الحقائب الوزارية المهمة والمؤثرة، والتي قد سال لُعاب الأحزاب الدينية عليها مُبكرًا حتى من قبل أن ينجح تحالفهم مع نتنياهو في الفوز بالأغلبية، نتنياهو نفسه كان أكثر شراهةً منهم في العودة إلى السلطة، وإنهاء ما يقرب من 4 سنوات من الجمود السياسي.

إن أزمة نتنياهو الآن تكمن في كون الحكومة الجديدة عُرضة للابتزاز والمزايدات بشكل متواصل من الداخل والخارج، وهناك عدد كبير من الوعود الصعبة التي أُطلقتها الأحزاب المتطرفة المتحالفة معه إلى الجمهور الإسرائيلي إبَّان حملاتهم الانتخابية، بعض هذه الوعود سيضطره إلى تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل لنفسها، وبعضها سيجعلها في مواجهة المجتمع الدولي، وخاصةً الولايات المتحدة التي تحكمها الآن إدارة ديمقراطية يقودها جو بايدن غير المتوافق مع نتنياهو.

تقاسـم الغـنائـم

مع بدء تقاسم غنائم الحقائب الوزارية ظهر الخلاف مبكرًا بين المتحالفين؛ حيث يُشكِّل تحالف «الصهيونية الدينية» حجرَ عثرة كبيرًا في وجه نتنياهو الساعي إلى تشكيل حكومة تحظى بقبول داخلي وخارجي، فتحالف «الصهيونية الدينية» لا يقبل بمجرد الوجود في الحكومة الجديدة، بل بالسيطرة على بعض المناصب المهمة والمؤثرة فيها، وتزداد صعوبة الأمر أمام نتنياهو مع تفكك هذا التحالف إلى 3 كتل برلمانية لكلٍّ منها مطالبه وممثليه، وهو حزب «الصهيونية الدينية» برئاسة بتسلئيل سموتريتش، وسيكون ممثلًا بـ7 أعضاء في الكنيست، وحزب «عوتسما يهوديت» برئاسة إيتمار بن غفير، وسيكون ممثلًا بـ6 نواب، وحزب «نوعام»، وسيمثله عضو كنيست وحيد، وهو رئيسه آفي ماعوز، وستلقي هذه الكتل بثقلها في التشكيل الحكومي الجديد، وخاصةً الأعضاء المتطرفين منهم، فما هي الخلفية التاريخية لهم؟، وما هو الدور المنوط بهم في الوزارات التي يطالبون بها؟

1ـ حزب «الصهيونية الدينية» بقيادة بتسلئيل سموتريتش:

يُعدّ هذا الحزب هو أبرز الأحزاب الدينية المتطرفة في ائتلاف نتنياهو، تتلخص أفكاره في ضرورة أن يخضع المجتمع الإسرائيلي للقانون الديني اليهودي، والتخلي تمامًا عن نظامها العلماني الحالي، يتخذ قادته موقفًا معاديًا بصرامة ضد العرب والفلسطينيين، وينادون بترحيلهم من الأراضي داخل الخط الأخضر، زعيم الحزب هو بتسلئيل سموتريتش الذي كثيرًا ما يَصِف العرب بأنهم إرهابيون. يُدير سموتريتش جمعية «رغافيم» اليمينية المتطرفة التي تلاحق الفلسطينيين في الداخل والخارج، وتحث السلطات دائمًا على استصدار أوامر هدم بيوتهم في مناطق الضفة الغربية بحجة البناء غير المرخص، وقد تم اعتقال سموتريتش سابقًا لمدة 3 أسابيع بعد القبض عليه داخل سيارة مفخخة بعبوات ناسفة؛ إذ كان يعتزم شنّ هجوم إرهابي احتجاجًا على انسحاب المستوطنين الإسرائيليين من بعض المستوطنات المحاذية لقطاع غزة. ولا يعارض سموتريتش إقامة دولة فلسطينية فحسب، بل يؤيد ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل وحلّ الإدارة المدنية التابعة لوزارة الدفاع المسؤولة عن السياسة المدنية في المنطقة.

يطالب سموتشريتش بتولّي حقيبة الدفاع في حكومة نتنياهو، لكن هذا المطلب أثار مواجهة مبكرة مع الإدارة الأمريكية التي أعلنت عن اعتراضها بشكل صريح على هذا التعيين، إذا حصل سموتريتش على حقيبة الدفاع فإنه سيكون أول وزير دفاع في تاريخ الكيان الصهيوني لم يُؤَدِّ خدمته العسكرية من أجل الدراسة في مدرسة دينية، كما أنه يفتقر إلى الخبرة الأمنية تمامًا، وإذا نجح وتولى الحقيبة فإنه سيشجّع بناء المستوطنات الجديدة والدفاع عنها بعشرات الآلاف من جنود جيش الاحتلال، كما سيشرع في القضاء على المقاومة الفلسطينية بكل الوسائل.

أما إذا حصل سموتريتش على حقيبة المالية -وهذا هو التصور الأقرب للحدوث-؛ فإنه سيطالب بصلاحيات أوسع تُنقل إليه من وزارة الدفاع، فهو يريد أن تكون لديه مسؤولية إدارة الحياة المدنية للإسرائيليين في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، وأن يصبح هو المسؤول الأول عن مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية ووحدة رُخَص البناء والهدم في الأراضي الفلسطينية، وهي صلاحيات كانت من ضمن مهام وزارة الدفاع، لكنه يريد أن يحصل عليها؛ كي يظل قادرًا على تحديد السياسة الإسرائيلية بشأن الاستيطان، وإذا لم ينجح نتنياهو وسموتشريتش في التوافق حول هذه المسألة فسيسقط الائتلاف الحاكم، وستذهب إسرائيل مجددًا إلى صناديق الانتخابات.

يعارض سموتريتش الجهود الجارية لإدماج المزيد من النساء في الوحدات القتالية العسكرية بجيش الاحتلال، ووفقًا لمعتقداته الفكرية فإن جماعات حقوق الإنسان هي تهديد وجودي للدولة العبرية؛ لذا فإنه يطالب أيضًا بالسيطرة على نظام اعتناق اليهودية في الكيان المحتل إلى جانب مطالبته بحقيبتي شؤون المستوطنات واستيعاب المهاجرين؛ حيث يسعى إلى جلب مليون مستوطن إضافي إلى الضفة الغربية عن طريق الحد من الإجراءات البيروقراطية المطلوبة لبناء مستوطنات جديدة إلى جانب شرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية بأثر رجعي، بالإضافة إلى قيادة أربعة من أصل 11 لجنة يسيطر عليها التحالف في الكنيست.

2- حزب «عوتسما يهوديت» بقيادة إيتمار بن غفير:

تأسس هذا الحزب في عام 2013م، تكمن قوته في قوة رئيسه؛ وهو إيتمار بن غفير، المحامي المناهض لوجود العرب، والمحرّض المنتظم على العنف ضد الفلسطينيين ودائم الهتاف بـ«الموت للعرب»، يدافع بن غفير بالمجان عن الإسرائيليين المتهمين بمهاجمة وقتل الفلسطينيين الأبرياء، كما يدعو باستمرار إلى تهجير الفلسطينيين كي تبْقى إسرائيل دولة يسكنها اليهود فقط، واجَه بن غفير عشرات التُّهَم بسبب خطاب الكراهية الذي يتبنَّاه، وقد أعفاه جيش الاحتلال الإسرائيلي من الخدمة الإلزامية بسبب مواقفه المتطرفة وكثيرًا ما كان يُعلِّق على هذا الأمر بقوله: «الجيش الإسرائيلي خسر، عندما لم يأخذني»، وهو من أشد المتأثرين بالحاخام الإرهابي باروخ غولدشتاين، الذي نفَّذ مذبحة الحرم الإبراهيمي في عام 1994م، والتي استشهد فيها 29 فلسطينيًّا وجُرِحَ 125 آخرين أثناء أداء الصلاة في الخليل.

كان بن غفير دائمًا ما يُعلن صراحةً عن دعمه وتأثره بالحاخام القاتل بقوله: «إنه بطلي وقدوتي»، ولا يزال يحتفظ بصورته حتى اليوم في منزله، وصرّح ذات يوم عن هذا الأمر: «لن أزيل صورة غولدشتاين من غرفة معيشتي، إنه طبيبٌ أنقذ أرواح اليهود، ولهذا فإن صورته ستظل معلقة بمنزلي»، ويفتخر بن غفير أيضًا بأنه تلميذ للحاخام الفاشي مائير كاهانا، الذي تميّز بعدائه وعنصريته ضد العرب ومُؤسِّس حركة كاخ التي تم حظرها في إسرائيل وضمتها الولايات المتحدة إلى قائمة المنظمات الإرهابية.

بالرغم من أفكاره المتطرفة المعتمدة على العنف ونشر الفوضى؛ تمكّن بن غفير من تجاوز العتبة الانتخابية محققًا إنجازًا كبيرًا في الانتخابات الأخيرة، وبالرغم من أن الصحافة الإسرائيلية تصفه بأنه «النسخة الصهيونية الحديثة من العنصري الأمريكي الأبيض والفاشي الأوروبي»، فإن المحللين يرون أنه قد بات هو الرجل المناسب الذي يتماشى مع تطلعات الناخب الإسرائيلي المنجرف بسرعة كبيرة نحو اليمينية والتطرف، ومن المتوقع أن يصبح بن غفير وزيرًا للأمن العام ومسؤولاً عن الشرطة، وهذه هي نفس المؤسسة التي حقَّقت في جرائمه الجنائية السابقة.

عندما يتولى بن غفير هذه الحقيبة الوزارية فمن المتوقع أن يصبح العنف ضد الفلسطينيين متاحًا تحت حماية الشرطة، وسيشرع في تنفيذ مخططاته الأيديولوجية التي تَستهدف الوجود العربي بشكلٍ مباشرٍ من أجل تحقيق يهودية دولة الاحتلال، كما أنه يُخطّط لإنشاء جهاز للحرس القومي، والذي ستُنَاط به صلاحيات واسعة النطاق تشمل فرض القانون، وقد علَّق وزير الدفاع المغادر بيني غانتس -وهو قائد الجيش السابق- على ذلك بقوله: «السلطات الموسّعة لبن غفير نابعة في أفضل الأحوال من عدم فهمه لمسألة الأمن القومي، وفي أسوأ الأحوال نابعة من الرغبة في إنشاء ميليشيا خاصة لبن غفير».

 كما سيتولى حزب «عوتسما يهوديت» أيضًا وزارة الزراعة ووزارة التراث، بالإضافة إلى منصب نائب وزير الاقتصاد، ووزارة النقب والجليل التي ستكون مسؤولة أيضًا عن تنظيم المستوطنات الجديدة في الضفة الغربية.

3- حزب «نوعام» بقيادة آفي ماعوز:

تأسس حزب نوعام في عام 2019م، يتمسك أعضاؤه بالتعاليم الدينية اليهودية، ويدعون إلى ضرورة تطبيقها بصرامة، يستلهم أتباع الحزب أفكارهم من تعاليم الحاخام «تسفي إسرائيل تاو» الذي سبق أن تمت إدانته بجرائم جنسية.

يدعم الحزب إقامة المستوطنات في الضفة الغربية، ويُروّج لسياسات معادية للمثليين جنسيًّا، كما يدعو إلى فرض سلطة على المحتوى اللامنهجي في المدارس الحكومية. ومن المتوقع أن يرأس آفي ماعوز هيئة للهوية القومية اليهودية بدرجة نائب وزير في مكتب رئيس الوزراء، يعارض ماعوز خدمة النساء في جيش الاحتلال، وصرّح خلال تصريح صحفي سابق بأنه يعتزم العمل على إلغاء الموكب السنوي للمثليين جنسيًّا والذي يدنّس أرض مدينة القدس الشريفة، لكن هذا التصريح أجبر نتنياهو على الظهور إعلاميًّا بشكل سريع لإعادة تأكيد التزامه بحماية حقوق هذه الفئة من الإسرائيليين.

ومع ذلك فإن أكبر احتجاج ضد ماعوز هو إعطاؤه سلطة الموافقة على محتوى برامج التعليم الخارجية بالمدارس الإسرائيلية، وقد كتب رئيس الوزراء المنتهية ولايته يائير لابيد رسالة إلى رؤساء السلطات المحلية يخبرهم فيها بعدم التعاون مع ماعوز، وممارسة حقهم في تقرير المحتوى الذي يدخل مدارسهم.

4- حزب «شاس» بقيادة أرييه درعي:

تأسس هذا الحزب الحريدي، والذي يسمَّى أيضًا باسم حزب اليهود الشرقيين المحافظين على التوراة، في عام 1984م على يد الحاخام عوفاديا يوسف، تقوم مبادئه على العناية بالقيم اليهودية السفاردية والأصولية في إسرائيل، والاستمرار في طريق حاخامات السفارديم حسب الميراث اليهودي الشرقي؛ من خلال نشر التوراة والتأكيد على قدسية السبت والأعياد اليهودية، ورفض تجنيد النساء في جيش الاحتلال، وقد ساعدت القاعدة الانتخابية الواسعة من يهود السفارديم في جعل حزب شاس فاعلًا مهمًّا في الحياة السياسية في إسرائيل، ثم أصبح رقمًا صعبًا في المعادلة السياسية والائتلافات الحكومية منذ أول انتخابات شارك فيها عام 1984م.

ومن المنتظَر أن يحصل زعيم الحزب أرييه درعي على حقيبة وزارة الداخلية، لكنَّ تعيينه تقابله تحديات قانونية ستتطلب تغيير القوانين شبه الدستورية في إسرائيل، فالقوانين الحالية تمنع المحكوم عليهم بالسجن من شَغْل منصب وزير لمدة 7 سنوات، وسبق أن تمت إدانة درعي بعدة جرائم ضريبية في وقت سابق من هذا العام، وحُكِمَ عليه بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ، وهو ما يمنعه من تولّي منصب وزاري إلا بعد مرور 7 سنوات، لذا بالتزامن مع تواصل المناقشات لتشكيل الحكومة صاغ حزب شاس مشروع قانون لتغيير البند السادس من قانون الأساس، والذي من شأنه أن يسمح لمن صدرت ضدهم أحكام مع وقف التنفيذ بتولي مناصب وزارية.

والمثير للاستغراب أن درعي قد قضى بالفعل من قبل عقوبة بالسجن لمدة 22 شهرًا في عام 2000م بعد إدانته بتلقي رشاوى خلال شغله منصب وزير الداخلية، حمل هذا الحكم إدانة بالفساد الأخلاقي، وأبعده عن الحياة السياسة لفترة من الزمن بعد إطلاق سراحه.

 وإلى جانب درعي سيتولى حزبه الحريدي وزارة الخدمات الدينية، وكذلك وزارة الصحة ووزارة الضواحي التي تعتني بالبلدات التي غالبًا ما تكون فقيرة وخارج المراكز السكانية المركزية في إسرائيل؛ حيث يعتبر شاس هذه المناطق مكونًا رئيسيًّا في قاعدته الانتخابية.

نتائـج ودلالات

حملت نتائج الانتخابات الأخيرة جملة من الدلالات؛ من أبرزها صعود اليمين المتطرف بقوة، وهو ما يثير تساؤلات عديدة حول مستقبل المجتمع الإسرائيلي الذي بات يرى في شخصيات مثل سموتشريتش وبن غفير سياسيين كاريزماتيين يمكنهم قيادته، إلا أن واقع الحال يدلّل على أن شعبيتهم ما هي إلا تعبير واضح عن التطرف المستمر للجمهور الإسرائيلي الذي لا يريد التفاوض مع الفلسطينيين إذا كان بإمكانه استعمال القوة لنهب المزيد من أراضيهم وسلب حقوقهم.

بالإضافة إلى ذلك يمكن ملاحظة السقوط المدوي لحزب ميرتس اليساري، ليخلو الكنيست بذلك من أيّ تمثيل لليسار الذي بات يمثل وصمة عار في مجتمع متطرّف تغلب عليه الأفكار اليمينية. كما وقعت أيضًا هزيمة قاسية لمعسكر «يائير لابيد»؛ حيث أرجع المحللون هذه الهزيمة إلى عدم تسامح الأغلبية اليهودية مع حكومة يشارك فيها العرب، في إشارة إلى وجود القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس ضمن ائتلاف لابيد. وقد أثبتت نتيجة الانتخابات واتّجاهات التصويت فيها أيضًا أن اندماج فلسطينيّي الداخل بالمجتمع الصهيوني ليس قرارًا يتخذه هؤلاء بأنفسهم، بل إن الطرف اليهودي له الكلمة الفصل في ذلك، ومن الواضح للجميع أنه لا يريد مثل هذا الاندماج.

من جهة أخرى يمكن لسياسات الحكومة الجديدة أن تقوّض بسهولة الإنجاز الرئيسي للسياسة الخارجية في عهد نتنياهو السابق، وهي اتفاقيات «إبراهيم» التي نتج عنها تطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية، وهو ما أدى إلى تقليل عزلة إسرائيل في الشرق الأوسط بشكل كبير.

وإذا تنازل نتنياهو عن جزء كبير من القرار السياسي لقوى اليمين المتحالفة معه، فسيصعب على إسرائيل الاحتفاظ بدعم تلك الدول العربية، وحتى بعض الدول الغربية، لا سيّما وأن سياسات نتنياهو المتشددة على مر السنوات قد أدت بالفعل إلى فقدان الكثير من حسن النية السياسية لإسرائيل في أوروبا، ناهيك عن علاقات نتنياهو بالديمقراطيين في الولايات المتحدة، والتي كانت دائمًا متوترةً وجافَّة، ولا شك أن عودة نتنياهو للسلطة كان خبرًا سيئًا بعض الشيء بالنسبة لإدارة بايدن.

إن الحكومة الجديدة ستشكل بدورها تغيرًا ملحوظًا في الخريطة السياسية الإسرائيلية، فتطرفها لا يثير المخاوف الدولية والإقليمية فحسب، بل يثير مخاوف نتنياهو أيضًا الذي سيصبح رهينة لهذه الأحزاب المتطرفة، فخلال الحملات الانتخابية تجنَّب نتنياهو الظهور علنًا إلى جانب بن غفير حتى لا يثير حفيظة الناخبين الأقل تطرفًا، لكن بعيدًا عن هذه الشكليات سيكون نتنياهو مطالبًا بالوفاء بوعوده لتلك الأحزاب والانصياع لمطالبها، فقد وعدَها قبيل الانتخابات بالحصول على معونات مالية ضخمة، وبلا شروط لمصلحة مدارسها الدينية ومؤسّساتها التربوية، لا سيّما بعد أن قطع المعونة عنها وزير المالية السابق أفيغدور ليبرمان الذي يعتبرونه عدوّ الحريديم الأول. وستسعى هذه الأحزاب أيضًا إلى فرض الطابع اليهودي على الكيان المحتل بمختلف مؤسساته، وهي تسمية غير مباشرة للعنصرية والتطرف الديني ومعاداة كل ما هو غير يهودي. وفي المحصّلة سيكون نتنياهو مُطالَبًا بالعمل على تقليص مطالب تلك الأحزاب ولَجْم تطلّعاتهم مع إدراكه تقلُّص هامش المناورة لديه، وعدم قدرته على تحمُّل الكلفة أو على الأقل إعادة صياغة تلك المطالب قبل تحقيقها لتقليل تداعياتها على الداخل والخارج.

 


أعلى