عبدالغني
التميمي: (الجامعة العربية كانت جزءاً من المؤامرة).
رائد نعيرات: (أمريكا عدو وليست طرفاً محايداً).
يحيى موسى: (عباس لا يمتلك شرعية ولا يمثل إلا
نفسه).
طلال عوكل: (كانت أوسلو رشوة للشعب الفلسطيني من
أجل إنهاء قضيته).
في صيف عام 1989م صدر بيان عن المجموعة
الأوروبية التي اجتمعت في العاصمة الإسبانية مدريد، يوصي منظمة التحرير الفلسطينية
بإجراء مفاوضات مع (إسرائيل) للوصول إلى السلام. وبتاريخ 1/9/1993م ذهب وفد
فلسطيني بقيادة رئيس حركة فتح ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل (ياسر عرفات)
بصفته ممثلاً عن الشعب الفلسطيني، يرافقه وفد أردني برئاسة الملك الراحل (حسين بن
طلال) إلى العاصمة النرويجية أوسلو لتوقيع اتفاق إعلان مبادئ مع رئيس الوزراء
الإسرائيلي الراحل (إسحاق رابين)، وذلك برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق بل كلينتون،
وبتشجيع عربي ودولي. نص هذا الإعلان في مجمَله وَفْق ما نشر مركز دراسات الوحدة
العربية في إحدى دراساته عام 1995م على تشكيل سلطة وطنية فلسطينية ذاتية، تتولى
قيادة الشعب الفلسطيني في مفاوضات لمدة خمس سنوات تقوم خلالها (إسرائيل) بالانسحاب
من الضفة المحتلة التي تمثل مساحتها 5820 كم، وقطاع غزة الذي تبلغ مساحته 360 كم،
وكلاهما يشكلان 22.36% من مساحة فلسطين التاريخية.
وبموجب الصلاحيات التي ستعطى للسلطة
الفلسطينية يتم تنفيذ انتخابات حرة لتشكيل المجلس التشريعي الفلسطيني الذي تغطي
صلاحياته فقط الضفة الغربية وقطاع غزة، كما نصت بنود الإعلان على تشكيل عدد من
السلطات التي تدير الأمور في أرضي السلطة، مثل: سلطة الأراضي، والمياه... إلخ.
ونصَّ البند الثامن من الاتفاق على أنه من
أجل ضمان النظام العام والأمن الداخلي لفلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة ستشكل
قوة شرطة فلسطينية قوية بينما تواصل إسرائيل تحمُّل مسؤولية الدفاع ضد المخاطر
الخارجية وكذلك مسؤولية أمن الإسرائيليين العام بغرض حماية أمنهم الداخلي والنظام
العام. وكان من أخطر بنود الاتفاق بند ينص على تشكيل لجنة الارتباط الفلسطينية
الإسرائيلية المشتركة التي سميت لاحقاً بظاهرة (التنسيق الأمني)، الذي باسمه قامت
أجهزة الأمن الفلسطينية بملاحقة عناصر المقاومة الفلسطينية وتسليمهم للأجهزة
الأمنية الإسرائيلية تحت ذريعة الإخلال بعملية السلام. ويعتقد كثيرون من أبناء
الشعب الفلسطيني أن (أوسلو) جاءت بجهود عربية ودولية وبضغوط أمريكية وأوروبية
للحفاظ على (أمن إسرائيل) بعد اندلاع انتفاضة عام 1987م وبداية ظهور الحركات
الإسلامية على رأسها حماس؛ التي أخذت ترسل فدائيين لتفجير أنفسهم داخل المدن في
(إسرائيل)، وكذلك للتخلص من عبء منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تؤثر على
الأوضاع الداخلية لعدد من البلاد العربية، وتوجه العرب نحو السلام بعد توقيع اتفاق
(كامب ديفيد) سنة 1979م بين مصر و (إسرائيل)، فكانت الطريقة المثلى بالنسبة للجميع
خارج فلسطين أن يوضع حد لمنظمة التحرير وتتخلص (إسرائيل) من العبء الأمني الذي بدأ
يتصاعد ويؤثر على استقرارها.
في شهر مايو من عام 2000م جمع الرئيس
الأمريكي بل كلينتون كلاّ من رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك ورئيس السلطة
الراحل ياسر عرفات في قاعدة (كامب ديفيد) العسكرية في محاولة جديدة لتوقيع اتفاق
نهائي، وعرض على عرفات في حينها الحصول على 97% من أراضي الضفة المحتلة وقطاع غزة
لكنه رفض خشية غضب الشعب الفلسطيني واتهامه له بالخيانة والتخلي عن المقدسات
الإسلامية. وبعد رفض عرفات للاتفاق أخذت (إسرائيل) تقاطعه وتحاصره في الضفة
المحتلة، وفي المقابل دعمت قوى جديدة كان أبرزها القيادي في حركة فتح (محمد دحلان)
وعدداً من المحيطين به حتى وفاة عرفات في شهر نوفمبر عام 2004م، وفي 13/8/2007م
صرح طبيب ياسر عرفات الخاص (أشرف الكرد) لصحيفة هآرتس الإسرائيلية أن عرفات حُقِن
بفيروس (الإيذز) لإخفاء سرِّ موته وتشويه سمعته، وكان الجميع في فلسطين يرى أن عر
فات كان مرحلة وانتهت بعد رفضه التوقيع في (كامب ديفيد).
بدا المشهد الفلسطيني منقسماً مع صعود القوى
الإسلامية؛ وخصوصاًَ حركة حماس التي عززت قوتها العسكرية على الأرض واكتسبت شعبية
كبيرة مكنتها من الحصول على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني وتشكيل
الحكومة عام 2006م، لتبدأ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالتخلي عن وعودهم
وديمقراطيتهم التي يدعون لها، وبدأت تدعم رئيس السلطة الجديد ومهندس أوسلو (محمود
عباس) الذي وصف ذات يوم صواريخ المقاومة الفلسطينية بـ (العبثية) ومع تزايد
الفلتان الأمني المنظم في قطاع غزة والضفة وزيادة المقاطعة لحركة حماس والضغط
العسكري والاقتصادي على سكان القطاع، حسمت حماس أمرها وسيطرت بين عشية وضحاها على
كل شيء في القطاع لتعيد صياغة الوضع الأمني وتطرح رؤيتها بقوة على العالم في عام
2007م، ومنذ ذلك الحين والجهود تبذَل لإنهاء الانقسام الفلسطيني لكنها تبوء
بالفشل؛ لأن حماس التي تعتبر المقاومة هي الطريق الوحيد لتحرير فلسطين من بحرها
إلى نهرها لا تتفق ورؤى حركة فتح التي يقودها محمود عباس ويعتبر أن المفاوضات هي
خيار منظمة التحرير لتحقيق السلام ولاستعادة أرضي الضفة الغربية وقطاع غزة وَفْق
قرارات الأمم المتحدة التي لم تنتصر لمبادئها يوماً.
أجرت "مجلة
البيان"
حوارات مفصلة مع عدد من المحللين السياسيين وشخصيات فلسطينية بارزة للتعرف على
موقفها تجاه مسيرة أوسلو خلال العقدين الماضيين ونتائجها على الأرض، وكانت
الحوارات التالية:
مرحلة اشتباك:
يقول المحلل السياسي الفلسطيني (طلال عوكل)
خلال حوارنا معه: إن عشرين عاماً طويلة مر بها الشعب الفلسطيني بتجربة معقدة
عنوانها الانقسام الفلسطيني الذي لم يبدأ بسيطرة حماس عام 2007م؛ بل كان موجوداً
من البداية بين مؤيدين ومعارضين لأوسلو، لكن الكل دخل في مناخ أوسلو؛ لأنها كانت
رشوة للشعب الفلسطيني من أجل هدف واضح عنوانه (البحث عن السلام).
ويشير عوكل إلى تراجع دور الفصائل
الفلسطينية خلال هذه المرحلة، وظهور حركة حماس منافساً قوياً لحركة فتح التي تهيمن
على السياسة الفلسطينية. وبالنظر إلى هاتين القوتين في الواقع الذي نعيش فيه اليوم
فإننا سنجد تعارضاً في البرنامج والخيارات وحتى السيطرة الميدانية، وهذا أدى إلى
تغيرات جوهرية في أدوات النضال الفلسطيني.
ويتابع: الفصائل الأخرى تراجع دورها ولم تعد
تسيطر على العامل الوسطي بين فتح وحماس، وكذلك حركة التضامن العربي والدولي صحبها
كسل كبير أثَّر على مسار النضال الفلسطيني.
ومع مرور هذا الوقت يرى المحلل السياسي أن
الشعب الفلسطيني الآن أمام مرحلة جديدة يجري فيها تحوُّل كبير متمثل في ضعف سيطرة
خيار المفاوضات والبحث عن السلام إلى الاشتباك والصراع بوسائل جديدة. ويقول:
(لاحظنا أن إسرائيل جرَّت الفلسطينيين إلى اشتباكات عسكرية مع بداية الانتفاضة
وهذا ساعد القوى الإسلامية على النهوض. وعلى الرغم من ذلك فإن خيار المفاوضات لم
يغب عن تلك المرحلة).
ويتابع عوكل خلال حديثه مع "البيان": (هناك عملية مراجعة لم تتم بالمعنى
العلمي؛ لقد مرت 20 عاماً على بداية المفاوضات والنتيجة: لا يوجد أمل في تلك
المفاوضات؛ فـ (إسرائيل) صادرت الحقوق الفلسطينية، والآليات التي اتُّبعت في
المفاوضات كانت فاشلة، واحتكرت الولايات المتحدة رعاية المفاوضات، كذلك لم يكن
هناك طرق تحكيم بين الطرفين... إلخ.
ربما يظن الرئيس محمود عباس أن الذهاب إلى
مجلس الأمن للحصول على اعتراف بفلسطين سيفتح المجال أمام استئناف المفاوضات؛
باعتبار ذلك ضغطاً على الولايات المتحدة و (إسرائيل) لاستمرار المفاوضات).
ويستكمل الحديث قائلاً: (لكن برأيي هذه
الخطوة خطوة صراع واشتباك وتسليم الملف إلى الأمم المتحدة وسحبه من اللجنة
الرباعية الدولية).
ويرى الأستاذ عوكل أيضاً أن بعض العوامل
التي ساعدت على اتخاذ مثل هذه الخطوة تتمثل في الأزمة الاقتصادية العالمية التي
تعاني منها الـولايات المتحدة، وكذلك أثرت على الوضع الداخلي في إسرائيل، والعزلة
الدولية التي تمارَس ضد إسرائيل، والمناخ الثوري الذي جرى في الوطن العربي. هذا
كله جعل الرئيس عباس يذهب إلى الأمم المتحدة دون خوف من أن يجري له ما جرى للرئيس
ياسر عرفات.
ومن وجهة نظره يقول كذلك: (باعتقادي أن هذه
المعركة السياسية قد تربح جزئياً، وفي كل الحالات هناك إنجاز، هو: وضع القضية
الفلسطينية على أجندة المجتمع الدولي، وتقويض مصداقية الولايات المتحدة. واستخدام
الفيتو سيلحق الضرر بعلاقات الولايات المتحدة بدول المنطقة العربية. أنا أشك في
إمكانية حصول فلسطين على اعتراف دولي؛ لأن الولايات المتحدة تبذل قصارى جهدها لمنع
حصول هذا الملف على تسعة أصوات لتتجنب استخدام حق الفيتو، وكل ذلك له علاقة
بطموحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما الانتخابية؛ لأنه بهذا الملف يريد شراء
أصوات اليهود في الانتخابات القادمة).
ويعتقد طلال عوكل أن الوضع العربي والإقليمي
يتحسن لصالح القضية الفلسطينية. وفي الجهة الأخرى من الصراع يرى أن (إسرائيل) تعمل
على نسف كل ما يسمح بإمكانية إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967م، ويسعى
الساسة الإسرائيليون الآن لتطبيق فكرة رئيس الوزراء السابق (أرئيل شارون) الذي
اقترح عام 1984م فكرة الوطن البديل، ومَنْح الأردن وطناً بديلاً للشعب الفلسطيني
أو إنشاء دولة على أرض غزة و 42% من أراضي الضفة الغربية، وذلك من خلال تهويد
الأراضي في الضفة المحتلة والقدس.
وبحسب المحلل الفلسطيني فإن تركيا تنشأ بروح
جديدة وبأولويات جديدة وستؤثر على مجريات الصراع العربي الإسرائيلي؛ وذلك وَفْقاً
لحساباتها الإستراتيجية، وهذا ساعد كثيراً على انحسار الدور الإيراني. وكذلك
التوتر في العلاقة بين باكستان والولايات المتحدة مؤخراً، والتغير في المنطقة
العربية... كل ذلك يخلق قلقاً شديداً بالنسبة لـ (إسرائيل) ويجعلها في عزلة. ويضيف
بكل تأكيد: إننا أمام مرحلة جديدة لصالح القضية الفلسطينية.
ويعلق عوكل سريعاً على ملف المصالحة
الفلسطينية قائلاً: (المصالحة الفلسطينية لديها مناخ جيد يشجع على إتمامها، لكن
للأطراف السياسية حساباتها، ومن وجهة نظري فإن الوضع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني
لا يسمح بأن نقول: إن اتفاق المصالحة الذي تم توقيعه في القاهرة كافٍ لإعادة صياغة
الوضع الفلسطيني لمجارات الوضع العربي المتغير، نحن بحاجة إلى حوار إستراتيجي
لإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية على أسس تناسب المرحلة الحالية، وأشك في وجود مثل
هذا التوجه للفصائل الفلسطينية.
أمريكا عدو وليست وسيطاً:
لم تكن الولايات المتحدة منذ بداية مسيرة
أوسلو إلا سنداً وعوناً لــ (إسرائيل) وطرفاً عدواً للشعب الفلسطيني، هذا ما يراه
جميع من حاورناهم في هذا التقرير، لكن بتفصيل أكثر يرى الدكتور رائد نعيرات (رئيس
قسم العلوم السياسية في جامعة النجاح الفلسطينية) أنه عند الحديث عن الدور
الأمريكي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فإنه يظهر جلياً أن الإدارة الأمريكية
تفردت برعاية المفاوضات منهجياً وسياسياً وإدارياً ولم تترك خياراً لأي قوى عالمية
للتدخل في ذلك.
ويتابع نعيرات: (تحول الدور الأمريكي من دور
الوسيط إلى دور الراعي المسيطر على العملية التفاوضية وتطورها، وتوجيهها وبالذات
عند الحديث عن الأبعاد الاقتصادية لعملية السلام؛ فمما هو معروف أن الولايات
المتحدة لا تقدم كثيراً للشعب الفلسطيني (مالياً)؛ ولكنها تتحكم في السياسات
التمويلية).
ومن وجهة نظره فإن الإدارة الأمريكية سعت
إلى إلغاء دور المؤسسات الدولية وإرجاع أي خلاف فقط لثنائية العلاقة بين
الإسرائيليين والفلسطينيين وتحت الرعاية الأمريكية.
وقال نعيرات الذي يعيـش في الضفة الغربية
التي تسيطر عليها حكـومة سـلام فياض التي تعيـش في كنـف الـولايات المتحـدة و
(إسرائيل): (اعتُبرتْ الولايات المتحدة بمثابة الـمروِّج لما لا تستطيع السياسات
الإسرائيلية القيام به؛ فنجد في بعض الأحيان أن الموقف الأمريكي متصلب أكثر من الموقف
الإسرائيلي في قضايا معينة).
ويرى أيضاً أنه لا يمكن الحديث عن إيجابيات
في الموقف الأمريكي على المدى القريب إلا في عدة حالات تتمثل في تطورات الموقف
الفلسطيني وملف المصالحة والدعم العربي للقضية الفلسطينية واحتضانها على أنها قضية
مركزية، وكذلك التغيرات التي قد تطرأ على العالم العربي والإسلامي، والتي تجبر بعض
الأنظمة على الخروج عن طاعة الموقف الأمريكي استجابة لرغبات شعوبها.
ومن الأسباب التي يرى الكاتب أنها تساهم في
إضعاف التدخل الأمريكي ودفاعه المستميت عن المصالح الإسرائيلية، هو التغيرات في
مواقف الدول الأوروبية وبعض دول العالم التي بدأت تأخذ منحىً جديداً.
مؤامرة على القضية:
أما الشيخ عبد الغني التميمي (رئيس رابطة
علماء فلسطين في الخارج) فإن أوسلو بالنسبة له مرحلة سوداء ومظلمة في تاريخ الشعب
الفلسطيني، وهي انعطافة خطيرة أريد من خلالها القضاء على مشروع المقاومة والجهاد
في فلسطين، وإدخال الشعب الفلسطيني في نفق مفاوضات مظلم ليس له نهاية، وهذا -
فعلياً - ما حدث خلال العقدين الماضيين.
ويقول خلال تصريحه لـ "البيان": (مع أن أصحاب أوسلو نعوها منذ زمن
واعتبروها عملية ميتة، لكن مع الأسف لا يزال بعضهم يتمسك بها ويسعى إلى إفشال
المقاومة).
ويعتقد الشيخ التميمي أن أوسلو لم توصل
الشعب الفلسطيني إلا من سيئ إلى أسوء، وهي مفاوضات من أجل المفاوضات وليس هناك أي
إنجاز حصل منذ بدايتها؛ فبغطاء من (أوسلو) يستولي العدو الصهيوني على الأراضي
ويبني المستوطنات في أماكن حساسة في الضفة الغربية.
وسألناه عن وجهة نظره في التصريحات
الإعلامية التي تدعو إلى حل السلطة ككيان ممثل للشعب الفلسطيني؟ فقال: (إن خيار حل
السلطة الفلسطينية في الظرف الراهن يحتاج إلى تأمُّل ودراسة وتوافق فئات الشعب
الفلسطيني، أنا لست مع أو ضد؛ ولكن أنا مع دراسة الأمر بتأنٍّ. يجب إيجاد بديل قوي
ومشروع لهذه السلطة التي فاوضت على كل شيء دون أن تأخذ بعين الاعتبار أن هناك
ثوابت وخطوطاً حمراء لا يجب الحديث عنها في أي مفاوضات؛ فهي فاوضت على المقدسات
الدينية في القدس والحرم الإبراهيمي في الخليل، فلم تدع شيئاً إلا وفاوضت عليه).
أما بخصوص الدعم العربي فقد انتقد التميمي
الحالة العربية والإسلامية، وقال: (الدعم العربي والإسلامي مشكوك فيه من الأساس؛
فالقضية الفلسطينية ليست وليدة اليوم، ولكن مضى عليها أكثر من ستين عاماً وهي
تراوح مكانها، وكلما امتد الزمان تواطأت عليها الأنظمة العربية والإسلامية، ولم
تقف هذه الأنظمة موقفاً جاداً للدفاع عن فلسطين؛ لم تهيئ جيوشها وتعدَّ جندها
لتحرير فلسطين، على الرغم من أنها أمة قوية وواحدة وتمتلك كثيراًَ من الثروات لكن
مع الأسف تخاذل المسلمون وتخلَّوا عن الشعب الفلسطيني في محنته، بل إن هناك مَنْ
تآمر على القضية الفلسطينية وساعد على تشريع الاحتلال والاستيطان داخل فلسطين
المحتلة.
وتحدث رئيس رابطة علماء فلسطين في الخارج عن
موقفه من أداء الجامعة العربية خلال هذه المرحلة معبِّراً عن استيائه من حالة
العجز التي تعيشها. وذكر أن الجامعة العربية تتحمل المسؤولية عن تمرير كثير من
المخططات التآمرية من خلالها، ولم تقف يوماً من الأيام موقفاً جدياً تجاه القضية
الفلسطينية.
توجه رئيس السلطة الفلسطينية إلى الأمم
المتحدة للمطالبة باعترف (بدولة فلسطين) في حدود عام 1967م دون الحصول على إجماع
وطني فلسطيني، ويرى الشيخ التميمي أن هذه الخطوة من عباس خاطئة من الناحية
الشرعية، ويقول: (هي جزء من حلقات التآمر التي تقوم ضد القضية الفلسطينية).
وتابع قائلاً: (نحن لا نمانع أن تُسترَد
فلسطين على مراحل؛ ولكن لا يجب أن نعترف بدولة يهودية أو صهيونية داخل فلسطين
المحتلة؛ ففلسطين التاريخية معروفة وهي من البحر إلى النهر، هذه خيانة ولا يجوز
شرعاً الاعتراف بفلسطين ضمن حدود عام 1967م، إن استرداد فلسطين مرحلياً جائز وَفْق
طاقتنا وقدراتنا وقوتنا وما نستطيع أن نتخطاه من التآمر والكيد العالمي).
ودعا الشيخ عبد الغني التميمي المقيم في
العاصمة السعودية (الرياض) الشعب الفلسطيني إلى توحيد صفه وخياره خلف المقاومة ضد
العدو الصهيوني، وقال: (يجب أن نسعى بكل ما نملك لإفشال مخططاتهم؛ لذلك يجب على
الفصائل الفلسطينية في هذه المرحلة أن تعيَ أن الانقسام والتشرذم هو من مصلحة
الاحتلال وهو ما يسعى إلى تحقيقه؛ لذلك يجب أن تتسامى عليه، وأن تكون أكثر وعياً
من هذا الكيد الذي يدبَّر للشعب الفلسطيني).
حماس بخير:
وبالنسبة لحركة المقاومة الإسلامية حماس
التي تحكم قطاع غزة، فإنها ترى أن (أوسلو) كارثة حلَّت على الشعب الفلسطيني، وقال
النائب في المجلس التشريعي والقيادي في الحركة (يحيى موسى): (بدون مبالغة، فإن
أكبر كارثة تعرَّض لها الشعب الفلسطيني بعد نكبة عام 1948م كانت اتفاقية أوسلو
والمفاوضات التي أتت بعدها على مدار عشرين عاماً؛ فهي أقرَّت بالاحتلال وأعطته
الشرعية وتخلَّت عن 80% من أراضي فلسطين ولم تحسم أمر 20% من الأراضي التي يتم
التنازع عليها وتحاول إسرائيل تهويدها).
ويرى موسى (الذي شغل منصب رئيس حزب الخلاص
الإسلامي في السابق) أن ما جرى هو فلسفة أمنية تقوم على منح الوقت الكافي للاحتلال
الإسرائيلي من أجل تهويد مزيد من الأراضي. ولديه قناعه بأن التفاوض كان غطاء
استغله الاحتلال الإسرائيلي لإقناع العالم بأنه يريد السلام وأن المشكلة في
الفلسطينيين ومطالبهم.
وقال لـ "البيان": (إن أوسلو أعفت الاحتلال من دفع
الفاتورة الأمنية والاقتصادية، لكنَّ أطرافاً فلسطينية (كان لها مصالح مرتبطة
بالاتفاقيات) لم تمتلك الإرادة السياسية للتخلص من هذه المرحلة القذرة في تاريخ
الشعب الفلسطيني خوفاً على مصالحها).
ويؤيد النائب عن قائمة حماس إجراء حوار
إستراتيجي فلسطيني لطرح كافة الأوراق الفلسطينية على الطاولة لمناقشتها وَفْق
إجماع وطني، وتوحيد الصف الفلسطيني بعد الانتكاسة التي تعاني منها المصالحة
الفلسطينية والمفاوضات التي تجريها السلطة الفلسطينية والخروج بأهداف واضحة لتحرير
فلسطين.
ولا يعترف النائب موسى بشرعية منظمة التحرير
ممثلاً للشعب الفلسطيني ويقول: (قرارات منظمة التحرير الفلسطينية مختطفة وليست
دستورية ولا تسير وَفْق المشروع الوطني الفلسطيني، وهم يتخذون قرارات بعيداً عن
الإجماع الوطني الفلسطيني وهذا يضاف إلى سجل مخالفات منظمة التحرير. نحن نعتبر أن
قرار الذهاب إلى الأمم المتحدة للحصول على الاعتراف بدولة كارثيٌّ ويضر بمصالح
الشعب الفلسطيني ويعطي شرعية للاحتلال ويضيع حقوق الشعب الفلسطيني، والشعب
الفلسطيني لم يفوض عباس للتنازل عن حقوقه).
ويعلِّق القيادي في حماس على ما يجري في
العالم العربي بالقول: (إن العالم اليوم لا يحترم إلا الأقوياء ومع تصحيح المسار
السياسي العربي وبناء مجتمعات قوية، سيتم إعادة التوازن إلى هذا العالم وسيؤثر ذلك
في سياسات القوى العالمية التي ستحترم رغبات الشعوب العربية والإسلامية).
ويرى موسى أن هذه المرحلة مفصلية في التاريخ
العربي والإنساني، وهي بداية التخلص من الاستعمار وبداية مشاركة الشعوب في بناء
أوطانها.
وحول الوضع الداخلي لحركة حماس قال موسى:
(حماس مرت بمراحل مختلفة وظروف قاسية، واعتقد أنه على الرغم من كل ذلك فهي الآن
بحالة أفضل؛ فهي خرجت من حصار وحرب وفلتان أمني ومؤامرات داخلية وخارجية، لكن ذلك
زاد وحدتها وثقتها بنفسها).
فلسطين ورياح التغيير:
لخصت دراسة إسرائيلية نشرها معهد (شطاينمتس)
لأبحاث السلام عام 2009م المرحلة التي تمر بها السلطة الفلسطينية بقوله: (إن
الصراع المتواصل بين فتح وحماس داخل السلطة الفلسطينية قد يضعف السلطة كثيراً؛
ولذلك فإن فتح حريصة على بقاء السلطة كإنجاز تاريخي لها بالرغم من أن الجمهور
الفلسطيني يرى أنها جهاز حكم فاشل).
وتضيف الدراسة: (إن حماس في المقابل تطرح
نفسها بديلاً عن فتح لأنها تسعى إلى تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في الاستقلال،
وبالرغم من انتهاء ولاية أبي مازن كرئيس شرعي بدون إنجازات على الأرض، إلا أن
المجتمع الدولي ما زال مهتماً بإبقاء السلطة وعدم التخلي عنها).
وتشير أيضاً إلى أن حماس تبدي جدية وحسماً
في تعاملها مع الوضع الداخلي (كالتعامل مع العائلات، والمضربين عن العمل) في قطاع
غزة ولا تسمح لأي جهة كانت بتهديد سيطرتها على مجريات الأمور في غزة، وإن كانت فتح
بموازاة ذلك تقوم بفرض سيطرتها بالقوة على الضفة الغربية إلا أنها لا تتمتع
بالشرعية الشعبية، وفي المقابل تطرح حماس نفسها على أنها حركة وطنية لها شرعية في
أن تكون في الحكم.
وتقارن الدراسة بين حركتي فتح وحماس في تأثير
غياب القيادة الكاريزمية؛ ففي حين أن حركة فتح تعتبر ذلك أمراً حاسماً في تحديد
مصيرها، فإن حركة حماس يمكن أن تغطي ذلك بالفكر الأيديولوجي والإيمان بعدالة
الطريق.
وتنتهي الدراسة بالقول: إن فتح تعاني من
انقسامات داخلية مخيفة، والحرس القديم منقطع عن الجمهور، إضافة إلى أنه لا يستطيع
التوحد في ما بينهما لاتساع حجم الخلافات، وهو ما أدى لتأكل شعبيتها وشرعيتها،
بعدما فشلت في تطبيق الإصلاحات التي وعدت بها جمهور الضفة المحتلة لغياب روح
القائد، كل ذلك أدى لتصاعد تأييد حماس هناك، وأيضاً لاعتقاد الناس أن فتح تقوم
بدور (إسـرائيل) في ملاحقة حماس، وهذا ما دفع بعض قيادات فتح لإبداء رغبتهم بحل
السلطة بسبب فشل مسار المفاوضات.
ويعتقد أن الصراع بين فتح وحماس في أصله
إنما هو حول علمانية السلطة في المستقبل أم تدينها؟ وهذا يخيف (إسرائيل) والعالم
الغربي كثيراً، لكن أفعال (إسرائيل) على الأرض تمنح الفرصة لتعزيز قوة حماس في
الأراضي الفلسطينية.
أما بخصوص رياح التغيير التي هبَّت على
العالم العربي فإن دراسة (إسرائيلية) أعدها لواء الاحتياط (جيورا إيلاند) ونشرت في
منتصف العام الحالي تقول: إن الدول التي يمكن أن يكون للثورات الحاصلة فيها تأثير
مباشر أو غير مباشر على (إسرائيل)، هي: مصر وسورية ولبنان والأردن والبحرين، بينما
استبعد الكاتب أن يكون لما حدث في تونس أو ما يحدث في ليبيا واليمين أي تأثير يذكر
على (إسرائيل) من الناحية الإستراتيجية.
وبخصوص مصر يقول الكاتب: إن التغيير الحقيقي
لم يحدث سوى أن حسني مبارك رحل والمجلس العسكري يستطيع أن ينتقم من مبارك ليجعل
مؤيدي الثورة سعداء، لكن تحقيق تنمية اقتصادية سيكون صعباً، وتحدث الكاتب عن تشابك
العلاقات الاقتصادية بين مصر و (إسرائيل)، وأشار إلى (السياحة وبيع الغاز والدخل
من قناة السويس والحصول على المعونات الأمريكية). ويستنتج الكاتب أن النظام
الموجود في مصر لن يضحي بسهولة بهذه المكاسب الاقتصادية.
أما على مستوى التحديات الأمنية فيعتقد
(جيورا إيلاند) أن ضعف السيطرة على سيناء، واستمرار تهريب السلاح إلى غزة هي قضايا
تكتيكية، بينما الأمر الأهم هو طبيعة التوجه المستقبلي المصري للتعامل مع
(إسرائيل) في قضية الحرب والسلام.
ويرى الكاتب أن الاستقرار في ميزانية الدفاع
الإسرائيلية أفادت (إسرائيل) في التوسع الاستيطاني وشن حرب على لبنان، وكل ذلك
بفضل السلام مع مصر.
أما بخصوص سورية فسيتعرض (جيورا إيلاند)
أربع سيناريوهات يمكن أن تؤول إليها الأمور في سورية:
الأول: أن يبقى نظام الأسد يحكم سورية لعدة سنوات،
ويشير الكاتب إلى أن هناك جهات في (إسرائيل) تفضل هذا السيناريو، ويستشهد الكاتب
بموقف (أرئيل شارون) الذي رفض التدخل لمحاولة إسقاط الأسد عندما كان في اضعف حالته
عام 2005 بعد اغتيال رفيق الحريري، وكان (شارون) يخشى من أن يصعد إلى الحكم أطراف
غير معروفة التوجهات، بينما إذا ظل الأسد فـ (سينشغل في ترتيب البيت الداخلي،
ومحاولة اكتساب الشرعية الدولية)؛ وهو ما يعني استبعاد أي خيار عسكري مع إسرائيل.
وهذا التفكير من شارون (تفكر به أطراف من صناع القرار في إسرائيل).
أما
السيناريو الثاني:
فيفترض أن نظام الأسد سيسقط، وهو ما سيضعف سورية، ولكنه قد يزيد من التأثير
الإيراني فيها، وفي المجمل ستضعف الدولة السورية؛ لكن الهدوء على حدودها مع
(إسرائيل) سيهتز.
وأما
السيناريو الثالث:
فإنه سيصعد في سورية نظام حكم سني متدين، وهو ما قد يعني فقدانه لجزء من الدعم
الإيراني، لكنه قد يصبح أكثر ميلاً لاتخاذ مواقف عدائية ضد (إسرائيل).
وأما
السيناريو الرابع:
فيتوقع قيام نظام حكم ديمقراطي في سورية ويقيم علاقات حسنة مع الغرب، لكن ذلك لا
يعني استعداداً لتوقيع اتفاقية سلام مع (إسرائيل)؛ لأن ذلك سيغضب الشعب السوري.
وفي ما يخص لبنان فيرى (جيورا إيلاند) أن
هذا البلد له وضعه الخاص، وأن حزب الله معني في هذه الأيام بتعزيز شرعيته الداخلية،
كما أن شعبيته في الشارع العربي تدهورت بسبب دعمه للنظام السوري الذي يقمع شعبه،
علاوة على أن الثورات العربية لم تستلهم روح الثورة الإيرانية، بل كان لها طابعها
الخاص. ويذكر الكاتب أن حزب الله لن يلجأ إلى استفزاز (إسرائيل)؛ لأنه مشغول
بالحفاظ على شرعيته في لبنان.
وعلى الرغم من هدوء الأوضاع في الأردن إلا
أن الكاتب يرى أن هناك بوادر حدوث تغيير في المملكة، ويؤكد (جيورا إيلاند) أن حدوث
أي تغيير جوهري في الأردن سيفرض على إسرائيل تحديات أمنية كبيرة بسبب طول الحدود
بينهما.
وتوقع الكاتب ضعف التأثير المصري والسوري في
المرحلة الحالية؛ لأنهما ستكونان مشغولتان في شؤونهما الداخلية، وهو ما سيعزز
الدور الإقليمي لتركيا والسعودية. كما أن رئيس الوزراء التركي يتعاطى مع كل
الأحداث في المنطقة في مقابل السلبية التي تتعامل بها الجهات الغربية.