• - الموافق2024/11/05م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
دين «الحب».. الجذور الفلسفية والسياسية لـ(الإبراهيمية)

الملاحظ في السلوك العملي لأتباع هذا المذهب؛ أنهم يتحلّلون مما شاءوا من الشرائع؛ كوجوب الصلاة والزكاة والحج، وتحريم الخمر والربا والزنا.. بل لا يعتقدون وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته؛ وإنما يكفي أن تحبّه وتُفْصِح عن حبّك بالموسيقى والرقص المُع


دين الحب.. الإبراهيمية.. عشّاق الله.. الأخوة الإنسانية.. التقريب بين الأديان..؛ أسماء ومصطلحات جميلة اتخذتها «الحركة الصهيونية» عناوين في إطار مشروعها لتذويب «عالمية الإسلام» لحساب عولمة «النظام العالمي الجديد» القائم -فكريًّا وأيديولوجيًّا- على مذاهب وفلسفات إلحادية إباحية، والقائم -سياسيًّا- على مخطَّطات هيمنة إمبريالية..

قال الله -تعالى-: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]؛ فالإسلام هو الدين الذي أذن الله -تعالى- به ليكون منهجية حياة للإنسان؛ قال -تعالى-: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إلَهَ إلَّا هُوَ وَالْـمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إلَهَ إلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْـحَكِيمُ 18 إنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسْلامُ} [آل عمران: 18، 19].

وقال -سبحانه- لخاتم أنبيائه؛ سيدنا محمد: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَإسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ 84 وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْـخَاسِرِينَ} [آل عمران: 84، 85].

وقوله -تعالى-: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا} عامّ في الأولين والآخرين؛ فإن دين الإسلام هو دين الله الذي عليه أنبياؤه، وعباده المؤمنون، كما ذكر الله ذلك في كتابه منذ أول رسولٍ بعثَه إلى أهل الأرض؛ نوح -عليه السلام-[1]؛ قال الله -تعالى- في حق نوح: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إلَيَّ وَلا تُنظِرُونِ 71 فَإن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إنْ أَجْرِيَ إلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْـمُسْلِمِينَ} [يونس: 71، 72].

وقال -تعالى- في إبراهيم: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إبْرَاهِيمَ إلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَـمِنَ الصَّالِـحِينَ 130 إذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: 130، 131].

وقال -تعالى- عن موسى وقومه: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس: 48].

وقال -تعالى- عن أُمَّة عيسى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة: 111].

خطورة دعوة التقريب بين الأديان:

إن «دعوة التقريب بين الأديان» تناقض أصل الإسلام الذي يقوم على استسلام المسلم الطوعي لخالقه، وخضوعه لأمر ربّه حبًّا وتعظيمًا؛ وهو ما عبّر عنه القرآن الكريم بمصطلحي: «الإحسان» و«إسلام الوجه لله»:

قال الله -تعالى-: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125]، وقال -جل وعلا-: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان: 22]، {وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْـجَنَّةَ إلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ 111 بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 111، 112] .

إن (دين الحب) يتجاهل تلك الحقائق القرآنية، ويستبعد الدين الإلهي وشرائعه التي يتجسّد من خلالها إسلام الوجه لله؛ ويستبدل ذلك بمذهب فلسفي يزعم أن الدين هو الحب والعشق؛ وأن المطلوب من الناس إنما هو حبّهم لله وحبّ بعضهم لبعض، ولا يضرّ الإنسان مسلمًا كان أو يهوديًّا أو نصرانيًّا؛ فالجميع مؤمنون بالله ويحبّونه، ولا يجوز تكفير أيٍّ منهم..

والملاحظ في السلوك العملي لأتباع هذا المذهب؛ أنهم يتحلّلون مما شاءوا من الشرائع؛ كوجوب الصلاة والزكاة والحج، وتحريم الخمر والربا والزنا.. بل لا يعتقدون وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم  وطاعته؛ وإنما يكفي أن تحبّه وتُفْصِح عن حبّك بالموسيقى والرقص المُعبّرين عن العشق والهيام...

وفي مجالسهم الروحية: يحضر المسلم واليهودي والنصراني والفاسق والمصلّي وتارك الصلاة ...؛ وكلهم سواء ما دام رائدهم هو الحبّ والعشق؛ ولكل واحد تصوُّره عن (الإله المعشوق) وعن النبوة والدين..

لقد ظهرت الملامح الأولى لهذا المذهب في العالم الإسلامي؛ منذ تسللت إليه (عقيدة وحدة الوجود)؛ التي زعمت أنه ليس هناك موجود إلا الله، فليس غيره في الكون، وما هذه الظواهر التي نراها إلا مظاهر لحقيقة واحدة، هي الحقيقة الإلهية (تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا)، هذه الحقيقة التي تنوّعت أشكالها، ومظاهرها في هذا الكون المُشاهَد، وليس هذا الكون -في هذه العقيدة الباطلة- إلا الله في زعمهم.. تعالى الله عن ذلك» اهـ[2].

ولعل أول مَن نظّر لهذه الفلسفة في العالم الإسلامي: ابن عربي الحاتمي[3] (560/ 638هـ)؛ الذي يقول:

لقد صار قلبي قابلاً كل صورة

فمرعًى لغزلانٍ، ودير لرهبانِ

وبيتٌ لأوثانٍ، وكعبة طائفٍ

وألواح توراةٍ، ومصحف قرآنِ

ورصد باحثون هذه المعاني في شعر جلال الدين الرومي[4] (604/ 672هـ)؛ حيث جاء في إحدى «الغزليات» من ديوانه «شمس تبريز»:

نفسي! أيها النورُ المُشْرقُ لا تنأ عني ... لا تنأ عني

حُبِّي! أيها المشهدُ المتألِّقُ لا تنأ عني... لا تنأ عني

أنظرُ إلى العمامة أحكمتُها فوق رأسي... بل أنظر إلى زنار زرادشت حول خصري

أحملُ الزنار وأحملُ المخلاة؛ لا... بل أحملُ النور فلا تنأ عني

مسلمٌ أنا ولكني نصرانيٌ... وبرهميٌّ وزرادشتيٌّ

ليس لي سوى مَعْبدٍ واحدٍ... مسجدًا أو كنيسة أو بيت أصنام

ووجهك الكريم فيه غايةُ نعمتي.. فلا تنأ عني... لا تنأ عني.

ترجم هذه القطعة: المستشرق (نيكلسون) من الفارسية إلى الإنجليزية، وترجمها عن الإنجليزية إلى العربية -دون مقارنتها بالأصل الفارسي- العالم المصري أبو العلا عفيفي.

وقد استدلَّ بهذه القطعة (نيكلسون) على أن الصوفية يعتبرون الحبَّ أساس الأديان.

لقد ذكر ابن عربي في أول كتابه الفتوحات؛ ثلاث عقائد:

1- عقيدة مختصرة بحُجَجها الكلامية من كتاب «الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد» لأبي المعالي الجويني الملقب بـ«إمام الحرمين» (419- 478هـ / 1028-1085م).

2- ثم عقيدة فلسفية كأنها مأخوذة من ابن سينا وأمثاله.

3- ثم أشار إلى اعتقاده الباطن الذي أفصَح به في كتابه (فصوص الحكم)؛ وهو وحدة الوجود فقال: «وأما عقيدة خلاصة الخاصة فتأتي مُفرَّقة في الكتاب».

وقد اعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية[5] هذا المعتقد من عقائد «صوفية الفلاسفة الملاحدة»؛ وعلّق عليه قائلاً: «كان هؤلاء كابن سبعين ونحوه يعكسون دين الإسلام فيجعلون أفضل الخلق المحقّق عندهم هو القائل بالوحدة، وإذا وصل إلى هذا فلا يَضرّه عندهم أن يكون يهوديًّا أو نصرانيًّا.

بل كان ابن سبعين وابن هود والتلمساني وغيرهم يُسوّغون للرجل أن يتمسّك باليهودية والنصرانية كما يتمسك بالإسلام، ويجعلون هذه طُرقًا إلى الله بمنزلة مذاهب المسلمين، ويقولون لمن يختص بهم من النصارى واليهود: «إذا عرفتم التحقيق لم يضرّكم بقاؤكم على ملتكم».

بل يقولون مثل هذا للمشركين عبّاد الأوثان؛ حتى إن رجلاً كبيرًا من القضاة كان من غلمان ابن عربي، فلما قدم مَلِك المشركين الترك هولاكو خان المشرك إلى الشام وولّاه القضاء، وأتى دمشق، وأخذ يُعظِّم ذلك المَلِك الذي فعَل في الإسلام وأهله ببغداد وحلب وغيرهما من البلاد ما قد شُهِرَ بين العباد؛ فقال له بعض مَن شهده مِن طلبة الفقهاء ذلك الوقت: «يا سيدي! ليته كان مسلمًا»؟

فبالغ في خصومته مبالغة أخافته، وقال: «أي حاجة بهذا إلى الإسلام؟ وأيّ شيء يفعل هذا بالإسلام سواء كان مسلمًا أو غير مسلم»؛ ونحو هذا الكلام». اهـ.

ترويج الحركة الصهيونية للدعوة الإبراهيمية

في زمننا المعاصر: عملت (الحركة الصهيونية) على الترويج لهذا المذهب تحت أسماء برّاقة؛ مثل: الدعوة الإبراهيمية/ عشاق الله/ دين الإنسانية... وغيرها.

وتستعمله اليوم بعض التيارات والسياسات بصفته وسيلة من وسائل مقاومة الغلو والتطرف والعنف.

ولهذه الدعوة دول ومراكز بحثية تدعمها وتشجّعها.

وافتُتن بها بعض المنتسبين إلى الإسلام، حتى دعا أحدهم إلى إصدار كتاب يجمع بين دفّتيه: «القرآن الكريم، والتوراة، والإنجيل»...

ولقد أجمع علماء الإسلام على أن هذا المعتقد من أكثر المعتقدات مناقضةً للعقيدة الإسلامية المتأسّسة على مبدأ توحيد الإنسان لخالقه -سبحانه- وانقياده لدينه الذي يرفض الإشراك بالله تحت أي مسمّى:

قال الله -تعالى-: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ هُوَ الْـمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْـمَسِيحُ يَا بَنِي إسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْـجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِـمِينَ مِنْ أَنصَارٍ 72 لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إلَهٍ إلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِىنَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 73أَفَلا يَتُوبُونَ إلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 74 مَا الْـمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ 75 قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [المائدة: 72 - 76].

قال العلامة بكر أبو زيد -رحمه الله تعالى-[6]: «إن الدعوة إلى توحيد دين الإسلام الحقّ الناسِخ لما قبله من الشرائع، مع ما عليه اليهود والنصارى من دين دائر كلّ منهما بين النسخ والتحريف؛ هي أكبر مكيدة عُرفت لمواجهة الإسلام والمسلمين اجتمعت عليها كلمة اليهود والنصارى بجامع علتهم المشتركة: «بُغض الإسلام والمسلمين».

وغلّفوها بأطباق من الشّعارات اللامعة، وهي كاذبة خادعة، ذات مصير مروع مخوف.

فهي في حكم الإسلام: دعوة بدعية، ضالّة كفرية، خطّة مأثم لهم، ودعوة لهم إلى ردّة شاملة عن الإسلام؛ لأنها تصطدم مع بدهيات الاعتقاد، وتنتهك حرمة الرسل والرسالات، وتُبطل صدق القرآن، ونَسْخه لجميع ما قبله من الكتب، وتُبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع، وتبطل ختم النبوة والرسالة بمحمد -عليه الصلاة والسلام-.

فهي نظرية مرفوضة شرعًا، محرّمة قطعًا بجميع أدلة التشريع في الإسلام من كتاب وسُنّة، وإجماع، وما ينطوي تحت ذلك من دليل وبرهان.

لهذا: فلا يجوز لمسلم يؤمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم  رسولاً، الاستجابة لها، ولا الدخول في مؤتمراتها، وندواتها، واجتماعاتها، وجمعياتها، ولا الانتماء إلى محافلها، بل يجب نَبْذها، ومنابذتها، والحذر منها، والتحذير من عواقبها، واحتساب الطعن فيها، والتنفير منها، وإظهار الرفض لها، وطَرْدها عن ديار المسلمين، وعَزْلها عن شعورهم، ومشاعرهم والقضاء عليها، ونَفْيها، وتَغريبها إلى غربها، وحَجْرها في صدر قائلها، ويجب على الوالي المسلم إقامة حدّ الردة على أصحابها، بعد وجود أسبابها، وانتفاء موانعها؛ حمايةً للدين، وردعًا للعابثين، وطاعةً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وإقامةً للشرع المطهّر.

وإنَّ هذه الفكرة وإن حظيت بقبول من يهود ونصارى، فهم جديرون بذلك؛ لأنهم لا يستندون إلى شرع مُنزَّل مُؤبَّد، بل دينهم إما باطل محرّف، وإما حقّ منسوخ بالإسلام، أما المسلمون فلا والله، لا يجوز لهم بحالٍ الانتماء إلى هذه الفكرة؛ لانتمائهم إلى شرع مُنزَّل مُؤبَّد كلُّه حقٌّ، وصِدْقٌ، وعدلٌ، ورحمةٌ.

وليعلم كلّ مسلم عن حقيقة هذه الدعوة: أنها فلسفية النزعة، سياسية النشأة، إلحادية الغاية[7]، تبرز في لباس جديد لأخذ ثأرهم من المسلمين: عقيدةً، وأرضًا، ومُلكًا...

إن هذه الدعوة بجذورها، وشعاراتها، ومفرداتها، هي من أشد ما ابتُلِيَ به المسلمون في عصرنا هذا، وهي أكفر آحاد: «نظرية الخلط بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والهدى والضلالة، والمعروف والمنكر، والسنة والبدعة، والطاعة والمعصية»[8].

يقول الأستاذ محمد زاوي[9]: «تقدم «الديانة الإبراهيمية الجديدة» نفسها كدين جديد، يجمع بين ما لا يجتمع: بين المحرَّف والسَّالم من التحريف، بين «المُصدّق المهيمن» والذي دونه، بين أديان خاصة (وهي مُحرّفة اليوم) ودين رب العالمين... إلخ.

وهي «ديانة» صهيونية، تهدف من خلالها «اليهودية المحرفة» إلى الهيمنة على «المسيحية المحرفة» و«الإسلام»، كما تهدف إلى إطالة أمد الاحتلال في فلسطين، ووجود الكيان الصهيوني بها، وفي قلب الأمة، حتى تشلّ وتستمر تبعيتها للإمبريالية.

فهل يُقبَل -بعد تلك التوضيحات- من مسلم أن يقول بأن «الديانة الإبراهيمية الجديدة» لا تخالف الإسلام، ولا تسعى إلى الإضرار به وتحريفه؟![10].

دين الله -تعالى- الإسلام هو دين الحبّ والسلام

قال الله -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165]. وفي إشاعة الحبّ بين الناس؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما تحابَّ الرجلان إلا كان أفضلهما أشدهما حبًّا لصاحبه»[11]، وقال: «إذا أحب أحدكم أخاه فلْيُعْلِمْه أنه أحبّه»[12].

وإذا كان الحُب والتَّحابّ في الإسلام من حقوق الناس فيما بينهم؛ فإنه يبقى محمودًا ما دام في ظلّ حبّ الله -عز وجل-؛ إذ لا يُعْقَل أن يَشرع الإسلام الحبّ كحق من حقوق الإنسان (الحب الإنساني)، ويُخِلّ به كحقّ من حقوق خالق الإنسان (الحب الإلهي)؛ ومن مستلزمات حبّ الله -تعالى-؛ أن يُحب الإنسان ما يُحب خالقه، وأن يكره ما يكره؛ ولذلك قال الله -تعالى-: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22].

والإسلام يشجّع الناس -مهما اختلفت أديانهم- على التعارف والتعايش بسلام؛ كما قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]، وقال -سبحانه-: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61]، وقال: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]؛ والبِرّ من أفضل الأخلاق الكريمة والمعاملات الحسنة؛ وقد أمرنا الله أن نعامل بها اليهود والنصارى الذين لا يُحاربوننا ولا يعتدون على حقوقنا.

وإذا كان دينُ الله -تعالى- دينَ الحب والسلام والتعايش؛ فهو أيضًا دين الحق الذي يصون المعتقد الصحيح والأخلاق الفاضلة، ودين العدل والقوة اللذين يضمنان الحقوق لأصحابها؛ وفي مقدمة تلك الحقوق: استقلال الأوطان وكرامة الشعوب وأمنها الروحي.

أما (دين الحب) فيريد أصحابه تملُّك ثروات الشعوب باسم المحبة والتعايش ونبذ العنف.. قالت الدكتورة هبة جمال الدين[13]: «الإبراهيمية» ليست ديانة، إنما مُخطّط سياسي لضياع الأمة، تم صناعتها بداخل وزارة الدفاع الأمريكية، بالتحديد: برنامج دراسات الحرب والسلام بالتعاون مع جامعة هارفرد وعدد من مراكز الفكر الأمريكية؛ كمدخل لغسل أدمغة الشعوب العربية لتقبل بـ«إسرائيل» عبر خديعة الهوية «الإبراهيمية» وتوحيد الأديان.

إنها تقوم بالأساس على الحديث عن المشترك، وتنحية المختلف عليه بين نصوص الكتب المقدسة؛ عبر إعادة قراءة النص الديني، وتفسير المعاني السرية خلف كلّ حرف من حروف الكتاب المقدس لتحقيق السلام الديني العالمي؛ من خلال إعطاء الشعوب الأصلية الحق على الخريطة السياسية»[14].

وقد تم اتخاذ خطوات عديدة لتنزيل تلك الأفكار المشرعة لـ(الإبراهيمية دين الحب)؛ كما يدل عليه واقع «اتفاقات أبراهام»، وما تم مع الدول العربية المُوقِّعة عليها؛ حيث نصَّت -خلافًا لاتفاقات السلام السابقة التي وقَّعت عليها كلّ من مصر والأردن مع «إسرائيل»-؛ على التطبيع الشعبي عبر التطبيع السياحي والثقافي، وعلى إنتاج أغانٍ وأفلام مشتركة، وتنظيم حملات سياحية ومعالم ثقافية تُمجّد الصهيونية؛ كالهولوكوست.

وكان ذلك للأسف مطية لتغيير فِكْر الشعوب للقبول بواقع مرير تَفرضه «إسرائيل»، كمخطط «الولايات المتحدة الإبراهيمية» التي تضع إسرائيل في قمة «الاتحاد الفيدرالي الإبراهيمي» تقود خلاله السلطة الإبراهيمية، وتندرج في إطارها كافة الدول العربية وإيران؛ لتتحكم في موارد الشعوب، وتقبل الشعوب بذلك عبر الرابط الإبراهيمي المشترك المزيّف.

وتتم هذه الخطة عبر عودة الصهاينة للدول العربية؛ ليُديروا موارد دول المنطقة، ولن نكون أكثر مِن خَدَم نَرضى بالوضع الاستعماري المهين للدول العربية الإسلامية.

إلا أن فضح هذا المخطط لم يكن في حسبان الكيان الصهيوني المحتل.

وفي الإشارة إلى منهج مقاومة هذه «الديانة» من طرف الدول والمجتمعات؛ تقول د. هبة جمال الدين[15]: «المطلوب بدايةً هو توعية الشعوب العربية بالمخطّط، ورَفْض تغيير مسمى الأديان من «سماوية» إلى «إبراهيمية»، ورفض مخطّط السياحة الدينية التي ستجعلنا نعود لحقبة من الحروب الصليبية والاستعمارية تحت عباءة الدين، ورفع دعاوى قانونية ضد عودة الصهاينة وضد الصهاينة في القضاء العربي على خلفية ما ارتكبوه من جرائم ضد شعوب كل دولة، ورفض التطبيع الشعبي على كلّ الأصعدة إلا بعودة الحق العربي وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وعودة الجولان ومزارع شبعا وترسيم «إسرائيل» لحدودها، وتنقية مناهجها من النصوص المهينة للعرب والمسلمين والمسيحيين...».


 


[1] اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2/ 370).

[2] عبد الرحمن عبد الخالق: «الفكر الصوفي على ضوء الكتاب والسنة».

[3] هو محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي؛ يُلقّب عند الصوفية بالشيخ الأكبر والكبريت الأحمر، وغير ذلك. وُلِدَ بالأندلس عام 560هـ، وتُوفّي بدمشق عام 638هـ. وهو من أئمة فلاسفة الصوفية أهل الزندقة والإلحاد؛ قال عنه المؤرخ شمس الدين الذهبي: «قدوة القائلين بوحدة الوجود». انظر ترجمته في: نفح الطيب 2/361 - 348؛ شذرات الذهب 5/190 - 202؛ طبقات الشعراني 1/163؛ ميزان الاعتدال 3/659 - 660؛ لسان الميزان 5/311 - 315؛ فوات الوفيات 3/478 - 482؛ الأعلام 7/170 – 171.

[4] هو مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بَهَاء الدِّين البَلخي الْبَكْرِيّ المعروف باسم مولانا جَلَال الدِّين الرُّومي: شاعر ومتصوّف، عالم بفقه الحنفية، صاحب المثنوي، تُنْسَب إليه الطريقة المولوية. وُلِدَ في بلخ (أفغانستان) عام 604هـ، وانتقل إلى بغداد، ثم استقر في قونية سنة 623هـ في عهد دولة السلاجقة الأتراك.

توفي عام 672هـ /1273م، ودُفِنَ في مدينة قونية، وأصبح مدفنه مزارًا إلى يومنا، وبعد مماته قام أتباعه وابنه سلطان بتأسيس الطريقة المولوية الصوفية، والتي اشتهرت بدراويشها ورقصتهم الروحية الدائرية التي عُرفت بالسماح والرقصة المميزة. للمزيد يُنْظَر: الأعلام للزركلي ٧/٣٠.

[5] الصفدية (1/ 267-269).

[6] فقيه وعالم سعودي (تُوفي يوم الثلاثاء 28 من محرم سنة 1429هـ).

[7] انظر كتاب: «الإيمان» لعثمان عبد القادر الصافي، (ص 117).

[8] بكر أبو زيد: الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان (ص: 35).

[9] كاتب وباحث مغربي.

[10] محمد زاوي: «الديانة الإبراهيمية الجديدة في ميزان الشريعة الإسلامية»؛ جريدة السبيل المغربية.

[11] السلسلة الصحيحة: رقم (450).

[12] المصدر نفسه: (ح 417).

[13] هبة جمال الدين: مدرسة العلوم السياسية بـ«معهد التخطيط القومي» في مصر، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، ومؤلّفة كتاب «الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي: المخطط الاستعماري للقرن الجديد».

[14] هبة جمال الدين: حوار مع د. محمد زاوي: جريدة السبيل.

[15]   مرجع سابق: حوار مع ذ محمد زاوي: جريدة السبيل.


أعلى