إكرام الموحّد بكرامات عظيمة؛ منها محبة الله -تعالى-، ونَصْب منبر من نور يرتقيه، وبالاستظلال بظل العرش يوم القيامة؛ لأن كامل التوحيد أسعد الناس بتحقيق الولاء والبراء في ذات الله -سبحانه وتعالى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.
أما بعد: فإنَّ الإيمان بالله -تعالى- وتوحيده وإفراده بالعبادة من أعظم الواجبات
على المسلم. وإن لتحقيق التوحيد فوائد عظيمة وثمرات جليلة تعود على الفرد وعلى
المجتمع بأكمله. وقد تناولنا في عددٍ سابقٍ ثمرات التوحيد وأثرها على الفرد، وذكرنا
سبع ثمرات لتحقيق التوحيد والإخلاص فيه، ونكمل في هذا المقال، فنقول وبالله تعالى
التوفيق:
الثامنة:
إن التوحيد الخالص سبب لدخول الجنة من غير حساب ولا عذاب، ففي حديث ابن عباس -رضي
الله عنهما- أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم :
«هؤلاء
أُمّتك، ومع هؤلاء سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب»،
ثم ذكر أوصافهم فقال:
«هم
الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون»[1].
التاسعة:
إن التوحيد وإخلاص العمل هو السبب الأعظم لإجابة الدعوات وتفريج الكربات في الدنيا
والآخرة، ودفع عقوبتيهما[2]؛
فكُرُبات الدنيا يدلّ على تفريجها بالتوحيد والإخلاص حديث الثلاثة أصحاب الغار،
وقول كل واحد منهم:
«اللهم
إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك ففَرِّج عنا ما نحن فيه»؛
فتتحرك الصخرة وتنفرج، حتى انفرجت الصخرة عند آخر الدعوات الثلاث، وخرجوا يمشون في
الشمس[3].
بل إن الله -تعالى- يفرِّج كربات المشركين حين يُخْلِصون له ويوحدونه في
المُلِمَّات، قال -تعالى-: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ
يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65].
وأما تفريج كربات الآخرة فيكفي في ذلك حديث البطاقة، وما أعظمه وأَجَلّه!
العاشرة:
إن التوحيد يمنع الخلود في النار لمن استحقَّ دخولها؛ إذا كان في قلبه أدنى مثقال
حبة خردل من إيمان، أما إذا كمل الإيمان في القلب فإنه يمنع دخول النار بالكلية[4]،
ففي حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث
الشفاعة:
«فيأتونني
فأقول: أنا لها؛ فأستأذن على ربي، فيُؤذَن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني
الآن؛ فأحمده بتلك المحامد وأخِرّ له ساجدًا؛ فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل
يُسْمَع لك، وسَلْ تُعْطَ، واشفع تُشفَّع. فأقول: يا رب أُمّتي أُمّتي. فيقال:
انطلق فأخْرِج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان. فأنطلق فأفعل، ثم أعود
فأحمده بتلك المحامد، ثم أخِرّ له ساجدًا؛ فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يُسمَع لك
وسَلْ تُعْط واشفع تُشفَّع، فأقول: يا رب أُمتي أمّتي، فيقال: انطلق فأخرِجْ منها
من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان. فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك
المحامد، ثم أخِرّ له ساجدًا، فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل يُسْمَع لك، وسَلْ
تُعْطَ، واشفع تُشفَّع. فأقول: يا رب أُمتي أُمّتي؛ فيقول: انطلق فأخرِجْ من كان في
قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار. فأنطلق فأفعل، ثم
أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخِرّ له ساجدًا، فيقال: : يا محمد! ارفع
رأسك، وقل يُسْمَع لك، وسَلْ تُعْطَ، واشفع تُشفَّع. فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال
لا إله إلا الله! فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله
إلا الله»[5].
الحادية عشرة:
إكرام الموحّد بكرامات عظيمة؛ منها محبة الله -تعالى-، ونَصْب منبر من نور يرتقيه،
وبالاستظلال بظل العرش يوم القيامة؛ لأن كامل التوحيد أسعد الناس بتحقيق الولاء
والبراء في ذات الله -سبحانه وتعالى-؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم :
«إن
الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي! اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا
ظلي»[6].
وقال أبو مسلم الخولاني -رحمه الله- لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه-: والله إنى
لأحبّك! قال: فيم تحبني؟ قال: قلت في الله -تبارك وتعالى-. فأخذ بحبوتي فجرّني إليه
هُنَيَّة ثم قال: أبشرْ إن كنت صادقًا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«المتحابون
في جلالي لهم منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء»،
قال: فخرجت فلقيت عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- فقلت: يا أبا الوليد! ألا أحدثك
بما حدثني معاذ بن جبل -رضي الله عنه- في المتحابين؟ قال: فأنا أحدّثك عن النبي صلى
الله عليه وسلم يرفعه إلى الرب -عز وجل- قال:
«حقَّت
محبتي للمتحابين فيَّ، وحقَّت محبتي للمتزاورين فيَّ، وحقَّت محبتي للمتباذلين
فيَّ، وحقَّت محبتي للمتواصلين فيَّ»[7].
الثانية عشرة:
أنه يسهل على العبد فِعْل الخيرات وترك المنكرات، فالمخلص لله في إيمانه وتوحيده
تخفّ عليه الطاعات، لما يرجو من ثواب الله ورضوانه، وتهون عليه ما تهواه نفسه من
المعاصي، لما يخشى من سخطه وعقابه[8]؛
فلا أيسر من العبادة للموحّد، ولا ألذّ منها له، ولا أثقل من العبادة على المنافق
وضعيف الإيمان والتوحيد، ولا أخفّ من المعصية عليه، قال -تعالى- عن المنافقين:
{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا
يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142]، وقال -تعالى- عنهم أيضًا:
{وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا
وَهُمْ كَارِهُونَ} [سورة التوبة: 54]، ويبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن
العبادات -ومنها الصلوات- ثقيلة على المنافقين، وبعضها أثقل من بعض، فيقول في حديث
أبي هريرة -رضي الله عنه-:
«ليس
صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو
حبوًا...»[9].
وفي حديث الثلاثة أصحاب الغار، أنهم تركوا ملذاتهم لأجل الله -تعالى-، مع صعوبة
تركها على النفس.
الثالثة عشرة:
إن التوحيد يُخفِّف عن العبد المكاره، ويُهوِّن عليه الآلام، ويُسلّيه عن المصائب،
ويُرَضِّيه عن الله في أقداره المؤلمة[10]؛
حين يعلم أنها مُقدَّرة لا بُدَّ من وقوعها، قال -تعالى-: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا
عَلَى مَا فَاتَكُمْ} [الحديد: 23]، وقال -سبحانه-: {مَا أَصَابَ مِنْ
مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}
[التغابن: 11]، وقال -جل وعلا-: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ
وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ
ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22].
الرابعة عشرة:
إن مَن حقَّق توحيد الأسماء والصفات كان أسعد الناس بشهود مراقبة الله -تعالى-
وحُسن العبادة وصدقها، فهو يتعبَّد لربّ قويّ قادر قاهر، رحيم لطيف ودود، خلّاق
رزّاق، يسمعه ويراه، ويقدر على تحقيق مراده إن شاء، وفي المقابل انظر لحال مَن
يعتقد أن الله لا يسمع أو لا يبصر أو لا يرحم أو لا يغضب!
الخامسة عشرة:
إن التوحيد الخالص يُحرّر العبد من رِقّ الطاغوت، وذُلّ العبودية للخلق، والتعلُّق
بهم وخوفهم ورجائهم والعمل لأجلهم، وهذا هو العزّ الحقيقي والشرف العالي[11]؛
فهذا بلال المملوك -رضي الله عنه- يشمخ بأنفه الحرّ فوق معاطس كبار القرشيين من
المشركين الأذلاء جميعًا، الذين أخذوا ضَعَفة المسلمين وألبسوهم أدراع الحديد،
وصهروهم في الشمس، فثبت بلال؛ إذ هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأخذوه
فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد أحد[12].
وقبيل وقعة القادسية طلب رستم إرسال مَن يتفاوض معه، فأرسل سعدُ بنُ أبي وقاص -رضي
الله عنه- إليه ربعيَّ بن عامر، ثم حذيفةَ بن محصن في اليوم التالي، ثم المغيرةَ بن
شعبة في اليوم الثالث، فدخل كل واحد منهم على رستم وهو في أُبهته من الذهب والحرير
والعرش والمفارش، دخل كل واحد منهم بهيئته الرثة جدًّا، وسلاحه المتواضع، يطأ
المفارش ويخرقها برمحه، ويصل لرستم بكامل سلاحه رغمًا عنه، فكلهم يُجيب -إذا انتهر-
بأن رستم هو الذي دعاه، ولم يأتِ هو من نفسه، فالحاجة لرستم لا له، فإن أبَى عليه
رجع!
فكلم رستم ربعي بن عامر وقال: ما جاء بكم؟ قال:
«الله
ابتعثنا وجاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله -تعالى-، ومن ضيق
الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه
لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه، ورجعنا عنه وتركناه وأرضَه يليها، ومن أبى
قاتلناه حتى نُفْضِي إلى موعود الله».
قال: وما هو موعود الله؟ قال:
«الجنة
لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي»؛
فوقع كلام ربعي موقعه من قلب رستم.
فبعث سعدٌ إليهم في الغد حذيفةَ بن محصن، فأظهر لهم عدل القادة المسلمين بين
رعاياهم في الشدة والرخاء، وتكلم بنحو ما تكلم به ربعي ورجع.
ثم بعث إليهم في اليوم الثالث المغيرةَ بن شعبة، فجاءهم ودخل بعزّته وشموخه حتى جلس
مع رستم على سريره، فسَفَّه أحلام الفُرس المجوس، وأرسل لهم عدة رسائل بكلامه
تُوضّح لهم عبودية بعضهم لبعض، وتستنهض فيهم الحرية والانعتاق من عبودية ملوكهم.
وأدرك رستم صدق هؤلاء القوم، وأنهم مدركون مطلوبهم لا محالة، فأراد تحقيق بعض
مطالبهم ليرجعوا عنه فلم يوافقه قومه، فما كان منه إلا أن تابع قومه، فنشبت معركة
القادسية، التي أظهر الله فيها المسلمين وقمع المجوس الكافرين[13].
وقال الله -تعالى- عن فرعون: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف: 54]،
لما تركوا الإيمان والتوحيد أصبحوا عبيدًا لبشر مثلهم، {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا
أَيُّهَا الْمَلَأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]،
{فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات: 24].
السادسة عشرة:
التوحيد والعقيدة الصحيحة تُحرّر المسلم من رِقّ الخرافة، وتُعيده إلى صميم العقل،
فإبليس شديد الحرص والمتابعة لما يتعلق بأمر العباد، وغاية مراده أن تتم له السيطرة
عليهم، لذا فإنه قد بَسَطَ النفوذ عليهم في الجاهلية، وأغرقهم في ظلمات الشرك
والخرافة، وَتَمَكَّن من طمس معالم النبوة والرسالة في الجاهلية[14]،
حتى صار
«دين
الحنيفية الذي لا دين لله غيره، بين هذه الأديان الباطلة التي لا دين في الأرض
غيرها، أخفى من السُّها[15]
تحت السحاب...»[16]؛
فلما تم له ذلك استراح من عناء معالجة أهل الإيمان والتوبة، واطمأنت نفسه، وهدأ
سعاره، حتى صار أهل الأرض في الجاهلية كما وُصف في حديث عياض بن حمار المجاشعي -رضي
الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته:
«...
وإني خَلَقْتُ عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجْتَالتهم[17]
عن دينهم، وَحَرَّمَتْ عليهم ما أَحْلَلْتُ لهم، وأَمَرَتْهُم أن يشركوا بي ما لم
أُنْزِلْ به سلطانًا. وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم[18]
عربهم وعجمهم، إلا بقايًا من أهل الكتاب...»[19].
وبلغ من تلاعب الشيطان وسخريته بأهل الجاهلية ما حكاه هارون بن معاوية قال:
«كان
الرجل في الجاهلية إذا سافر حمل معه أربعة أحجار: ثلاثة لقِدْره، والرابع يَعبده!
وَيُرَبِّي كَلْبَه ويقتل ولده!»[20].
فما أبشعها من سخرية إبليسية! لا فرق في عقول أولئك بين ما يُعبد ويُرجى ويُخاف،
وما يَلِي النار والدخان ويُوضَع تحت القِدْر لِيُحْمَل عليه، إلا مجرد استحسان
الشكل تلك اللحظة!
ويُربّي أحدهم كلبه ويرعاه، وينفق عليه، ويُشبعه، ويقتل ولده من صلبه خوف العار، أو
خشية أن يأكل معه!
وما كُثْبَة الرمل، وحَلْبُ الناقة عليها، ثم عبادة تلك الكثبة عن هذا ببعيد! فقد
قال الإمام المخضرم المعمر أبو رجاء العطاردي:
«كنا
في الجاهلية إذا أَصَبْنَا حجرًا حَسَنًا عَبَدناه! وإن لم نُصِبْ حجرًا جمعنا كثبة
من رمل، ثم جئنا بالناقة الصَّفِيِّ[21]
فَتُفَاجُّ[22]
عليها، فنحلبها على الكثبة حتى نرويها، ثم نعبد تلك الكثبة ما أقمنا بذلك المكان!»[23].
فيا لها من عقول تلاعب بها الشيطان كيف شاء! يصنعون إلههم بأيديهم من رمل كانوا
يدوسونه قبل قليل تحت أقدامهم! ثم يمضون ويَدَعون إلههم! ويضيع هذا الرب ويهلك! فعن
أبي عثمان النهدي الإمام المخضرم المعمر قال:
«كنا
في الجاهلية نعبد حَجَرًا، فسمعنا مناديًا ينادي: يا أهل الرِّحَال! إن ربكم قد
هلك! فالتمسوا ربًّا! قال: فخرجنا على كل صَعْبٍ وَذَلُول، فبينا نحن كذلك نطلب،
إذا نحن بمنادٍ ينادي: إنا قد وجدنا ربكم! أو شِبْهَهُ! قال: فجئنا فإذا حَجَرٌ،
فنحرنا عليه الْجُزُر[24]»[25].
وقال أيضًا:
«رأيت
يغوثَ صنمًا من رَصَاص، يُحْمَل على جمل أجرد، فإذا برك قالوا: قد رضي ربكم هذا
الْمَنْزِل»[26].
وعن عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- قال:
«كنت
امرأً ممن يعبد الحجارة، فَيَنْزِل الحي ليس معهم آلهة! فيخرج الرجل منهم فيأتي
بأربعة أحجار، فينصب ثلاثة لقِدْرِه، ويجعل أحسنها إلهًا يعبده! ثم لعله يجد ما هو
أحسن منه قبل أن يرتحل، فيتركه ويأخذ غيره!»[27].
تلك هي عقولهم في ظلمات الجاهلية، ثم انظر إليها لما استضاءت بنور الإسلام!
السابعة عشرة:
بالتوحيد والعقيدة يحصل الأجر للمسلم على كل حال؛ في السراء والضراء، في النعماء
والبأساء، وذلك بقيامه بمقتضيات العقيدة على كل أحواله، قال -تعالى-:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْـخَوْفِ وَالْـجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ
الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ
صلى الله عليه وسلم ٥٥١صلى الله عليه وسلم ) الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم
مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ
156
أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْـمُهْتَدُونَ} [البقرة:
155
-
157]
، وعن صُهَيْبٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«عجبًا
لأمر المؤمن! إنَّ أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكَر،
فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له»[28].
الثامنة عشرة: تسمو العقيدة بالإنسان بقَدْر إحاطته بها وقيامه بحقوقها، فشرف
العالِم بشرف علومه؛ فالعالِم بالأشرف أشرفُ مرتبةً من العالم بما دونه، ولا شرفَ
أشرف من العِلْم بالله وإدراك الحقائق والمعارف الإلهية وحقائق التوحيد.
اللهم اجعلنا من أحظى عبادك علمًا بالتوحيد وعملاً بمقتضاه، وتقبّله منا أحسن قبول،
يا أرحم الراحمين. وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] أخرجه البخاري (5420)، ومسلم (374).
[2] يُنظر: القول السديد شرح كتاب التوحيد: ص57.
[3] يُنظر الحديث في صحيح البخاري (2102) ومسلم (2743).
[4] يُنظر: القول السديد شرح كتاب التوحيد: ص57.
[5] أخرجه البخاري (7072).
[6] أخرجه مسلم (2566).
[7] أخرجه بتمامه الإمام أحمد (22080)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب
(3019).
[8] يُنظر: القول السديد شرح كتاب التوحيد: 59.
[9] أخرجه البخاري (626)، ومسلم (651).
[10] يُنظر: القول السديد شرح كتاب التوحيد: 59، 60.
[11] يُنظر: القول السديد شرح كتاب التوحيد: 60، 61.
[12] أخرجه بتمامه ابن ماجه (150)، والحاكم (5238)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف
سنن ابن ماجه (150).
[13] يُنظر تفصيل ذلك في: المنتظم لابن الجوزي 4/167-169، وتاريخ الأمم والملوك
للطبري 2/400-406، والبداية والنهاية لابن كثير 7/39-43، والكامل لابن الأثير
2/310-315.
[14] يُنظر ما سطره ابن القيم واصفًا حال أهل الأرض، كتابيهم وغيره، في الجاهلية،
في كتاب هداية الحيارى في الرد على اليهود والنصارى: 18-20.
[15] السُّها: كويكب صغير، خفي الضوء، في بنات نعش الكبرى، يمتحن الناس به
أبصارهم. يُنظر: لسان العرب 14/408.
[16] هداية الحيارى في الرد على اليهود والنصارى: 20.
[17] اجتالتهم: استَخَفَّتهم، وذهبت بهم، وأزالتهم عما كانوا عليه، وجالوا معها في
الباطل. يُنظر: النهاية: 1/317.
[18] المقت هو أشد البغض. يُنظر: النهاية 4/346.
[19] أخرجه مسلم (2865).
[20] أخرجه الدارمي في مقدمة سننه (3).
[21] الصَّفِي هو الخالص من كل شيء، وهو هنا غزيرة اللبن، يُنظر: لسان العرب
14/462-464، مادة (صفا)، وسنن الدارمي: 1/14.
[22] فتفاج أي الناقة، إذا فرجت بين رجليها للحَلْب، يُنظر: لسان العرب 2/338-
340، مادة (فجج)، وسنن الدارمي 1/14.
[23] أخرجه الدارمي في مقدمة سننه (3)، ويُنظر: تلبيس إبليس: 59.
[24] جمع جزور، وهو البعير، يُنظر: النهاية: 1/266.
[25] أخرجه ابن أبي شيبة (33914).
[26] أخرجه عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه، كما في الدر المنثور: 8/293،
وذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء: 4/176، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن
18/309.
[27] تلبيس إبليس: 60، وسير أعلام النبلاء: 2/460.
[28] أخرجه مسلم (2999).