• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الثورة الليبية.. والهبوط البطيء

كشفت صحيفة أفريكا أنتيلجنس عن مفاوضات سرية بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، واللواء المتقاعد خليفة حفتر لاستبدال رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله. وأوضحت أفريكا أنتيلجنس أنَّ اللقاء يُعدُّ محاولة لكسب دعم حفتر، وعرض عليه تسمية رئيسٍ للمؤسسة


في الوقت الذي تقترب فيه الثورة التونسية من إغلاق ملفات آخر صفحاتها بالاستفتاء على دستور يعيد تونس إلى حظيرة الاستبداد مرة أخرى؛ فإن ليبيا أيضاً تتدحرج فيها ثورتها إلى الأسفل لتهبط في حِجر الثورة المضادة وتحت أقدام حفتر وداعميه.

ففي معسكر الغرب حيث القوى المحسوبة على الثورة تتوالى الاشتباكات بين أطرافها، فقبل أيام قليلة قُتل ما يقارب 16 شخصاً بينهم مدنيون، كما أصيب 27 آخرون في اشتباكات في العاصمة الليبية طرابلس بين جهاز الردع وقوة عسكرية تابعة للمجلس الرئاسي، على إثر تلك الاشتباكات أوقف رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة وزير الداخلية خالد مازن عن العمل، وقد انتشرت قوات تابعة لرئاسة الأركان لفض الاشتباكات. وأثير أن سبب الاشتباكات هو إقدام قوات الحرس الرئاسي على اختطاف عقيد يتبع لجهاز الردع. ولم يكن هناك ما يشير إلى أن الاشتباكات على صلة بالمشكلات السياسية بين حكومة الدبيبة والحكومة التي تنافسها برئاسة فتحي باشاغا، حيث الانقسام والصراع بين حكومتين، إحداهما حكومة فتحي باشاغا التي كلَّفها مجلس النواب مطلع مارس الماضي 2022م، وحكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتأبى أن تسلِّم السلطة إلا لحكومة تأتي عبر برلمان منتخب.

أعقب اشتباكات طرابلس العاصمة اشتباكات مصراته التابعة واقعياً لحكومة الغرب (210 كيلومترات شرق طرابلس) بسبب التوترات الأمنية على خلفية قدوم باشاغا من سِرت إلى المدينة دون إعلان عن برنامج زيارته المفاجئة. فإثر وصول باشاغا تداولت وسائل إعلام ليبية أنباءً عن إقدام قوة مسلحة موالية للدبيبة على مطالبة باشاغا بـ (تحديد صفة زيارته للمدينة وإلا فعليه مغادرتها).

وسبق لقوة العمليات المشتركة أن اعتقلت في مارس الماضي 2022م عدداً من وزراء حكومة باشاغا أثناء مرورهم بالمدينة في الطريق إلى طبرق لأداء اليمين القانونية أمام مجلس النواب، قبل أن تطلق سراحهم لاحقاً.

ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن شهود عيان في المدينة شهدوا أحداث وصول باشاغا؛ أنه «عقب وصوله (باشاغا) اقترب مسلحون يتبعون القوة المشتركة من منزله في منطقة بازينا، وطالبوه بمغادرة المدينة في حال كانت زيارته لها بصفته رئيساً للحكومة، قبل أن يتراجعوا إثر تجمُّع عدد من أنصاره المسلحين، الأمر الذي دفع مكونات اجتماعية بالمدينة للتدخل وإنهاء التوتر».

لكن الأمر في مصراته أعقد لأن باشاغا لم يحلَّ ضيفاً عليها إلا لأهداف سياسية وعسكرية، وهو رئيس وزراء على الورق يسعي لتفعيل سلطته عملياً على أرض الواقع.

باشاغا نفسه هو أحد ثغرات جبهة الثورة؛ فقد انتخب عضواً في البرلمان عام 2014م، ثم تولى وزارة الداخلية في حكومة الوفاق عام 2018م، وساهم في التصدي للعدوان الذي قاده اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس في 2019م. وتعرَّض وقتها لمحاولة اغتيال نفَّذتها مجموعات تابعة لقوات حفتر، إلا أنه نجا منها إلا من بعض الإصابات. ويحظى بدعم رئيس الحزب الديمقراطي المنشق عن حزب العدالة والبناء، وهو حزب مصنَّف إسلامياً. يوصف الآن بأنه رئيس وزراء حفتر، مدعوماً من برلمان عقيلة، وبات محسوباً على الثورة المضادة وأحد أركانها.

آخر فصول الهبوط هو التعيينات الجديدة التي شملت رئاسة مؤسسة النفط، وهو العمود الفقري لاقتصاد البلاد. فقد قرر رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية الليبية تغييراً في رئاسة ومجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، وأعاد تشكيل مجلس إداراتها برئيس جديد وأربعة أعضاء، وعين فرحات عمر بن قدارة رئيساً للمؤسسة وبعضوية كلٍّ من خليفة عبد الصادق وكيل وزارة النفط، وحسين عبد الله صافار، ومسعود موسى، وأحمد عمار.

بقي أن نعرف أن فرحات قدارة كان يشغل منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي إبَّان حكم معمر القذافي للبلاد بين عامي 2006 - 2011م. كما أنه أظهر دعمه لعملية الكرامة التي يقودها خلفية حفتر.

كما كشفت صحيفة أفريكا أنتيلجنس عن مفاوضات سرية بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، واللواء المتقاعد خليفة حفتر لاستبدال رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله. وأوضحت أفريكا أنتيلجنس أنَّ اللقاء يُعدُّ محاولة لكسب دعم حفتر، وعرض عليه تسمية رئيسٍ للمؤسسة مقابل توليه دعم تمديد ولاية الدبيبة في رئاسة حكومة الوحدة الوطنية.

على كل حال فإن باشاغا والدبيبة - وكلاهما كانا محسوبين على معسكر الثورة - يتنافسان الآن على كسب رضا حفتر ويحاولان الحصول على الشرعية من خلاله؛ فقد بات معسكر الثورة منقسماً على نفسه عسكرياً بين ميليشيات متفرقة لا تجمعها هيئة واحدة إلا شكليّاً، أما سياسياً فلم يعد للثورة جسم سياسي متماسك أو سياسيون يتمثلون ثوابتها؛ بل أضحى الأمر أشبه بغنيمة حرب الكل يبحث عن مصالحه الشخصية فيها. وحفتر حدَه في معسكر الثورة المضادة تبدو جبهته متماسكة لا اشتباكات بين مكوناتها، لا على المستوى السياسي ولا على المستوى العسكري، ولا أحد يفكر في الانشقاق عن جبهته، وينتقل إلى الجهة المقابلة.

ورغم أن حفتر من المفترض أنه هو الذي يبحث عن الشرعية إذ حكومة طرابلس هي التي تحظى باعتراف دولي، إلا أنه ويا للعجب: حكومة طرابلس هي التي تسعى إلى كسب الشرعية من اعتراف حفتر بها!

وإذا استمر الواقع المنقسم في الشرق الليبي على ما هو فإن قدوم حفتر إلى العاصمة الليبية طرابلس محمولاً على الأعناق يطأ بحذائه العسكري سجادة مخضبة بدماء شهداء الثورة وأحرارها، بات قريباً جداً، وربما سيسألهم وقتها كما سألهم سلفه من قبل: «من أنتم؟» لكنهم ليسوا كأسلافهم فلن يجيبوه.

 


أعلى