• - الموافق2024/11/05م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حقوق الإنسان من منظور الإسلام

ومن عدالة الإسلام وقدسية الحياة الإنسانية فيه، أنه جعل النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص. وقرر عدة أحكام وعقوبات كضمانات

أميمة أزروري - ابتسام السعيدي

مقدمة:

في سياق الاحتفاء باليوم العالمي لـ (حقوق الإنسان)، عادة ما يتم التركيز على الفكر الغربي، ودوره في تحرير الإنسان من قيود الطبيعة وبطش الإنسان، ويتم الاستشهاد هنا بفلاسفة الحق الطبيعي وعصر الأنوار. وإذ نحن نستحضر هذه الذكرى الحقوقية في هذا المقال، فإننا نلفت النظر  إلى السبق الإسلامي في تكريم الإنسان وتحريره بوصفه خليفة لله في الأرض.

إن الإسلام - من هذا المنظور - يعد ثورة تحريرية للإنسان، و (نظاماً عالمياً جديداً)، نظاماً حرر الإنسان من سلطة الطبيعة والأرض، وأخضعه لسلطة السماء تحت شعار: (الله أكبر).

فالناس لدى الله عز وجل متساوون، لا فرق بينهم ولا تفاضل إلا بالتقوى وبمن أتى الله بقلب سليم. ويستمد الإنسان قيمته وفضليته في الإسلام من منحة التكريم والتشريف الإلهي لبني البشر {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]. وسنحاول في هذه المقالة الوقوف على مفهوم حقوق الإنسان في الإسلام، وماهية الحقوق والقيم التي كرم بها الله عباده.

مفهوم حقوق الإنسان في الإسلام:

رأت مدرسة الحق الطبيعي أن حقوق الإنسان (حقوق طبيعية)؛ بمعنى أنها متأصلة في الطبيعة البشرية، وأنها متساوية بالقدْر نفسه لدى الجميع، وأن الجميع يتمتع بالحرية في استخدام كافة الوسائل لحماية حياته، وضمان الحق في البقاء. ويصنف الفيلسوف الإنجليزي (هوبز) الحقوق الطبيعية إلى أربعة حقوق كبرى، منها تتفرع باقي الحقوق، وهي: حق البقاء، وحق الوسيلة، وحق تقرير الوسائل الضرورية لتحقيق الغاية، وحق تقدير الخطر.

هكذا يبدو أن الحق الطبيعي عند هوبز هو الحرية غير المحدودة الممنوحة لكل فرد، لحماية حياته وتحقيق غاياته، واستخدام جميع الوسائل في سبيل ذلك.

ولا شك أن هذا التصور يؤدي إلى تعارض المصالح وتصادم الغايات، واستفحال الأنانية واستشراء البراغماتية. وقد وجد هذا التصور تعبيره الصريح في مقولة مكيافيلي الشهيرة «الغاية تبرر الوسيلة».

فعندما يمنحني هوبز الحق في استعمال جميع الوسائل لتحقيق غاياتي، ودفع الخطر عني، فذلك يمنحني (الشرعية) لأستخدم كلَّ ما أراه ضرورياً وكفيلاً بتحقيق مقاصدي الذاتية الضيقة، دون الاكتراث بحقوق الآخرين وإحساساتهم. إنها الفردانية التي تقضي على كل أشكال التضامن والتآزر والإيثار والتعاون، الذي يفترض أن يكون بين الناس.

إذا كانت الفلسفة الغربية، نظرت إلى حقوق الإنسان على هذا النحو؛ فكيف نظر الإسلام لحقوق الإنسان، وما موقفه منها؟

للإسلام مفهوم خاص تجاه حقوق الإنسان؛ إذ تعرف بأنها حقوق إلهية ثابتة لا تتغير، منحها الله لعباده على قدم المساواة، دون النظر للونهم أو جنسهم أو لغتهم... إلخ، فهم سواسية كأسنان المشط. ومن ثَمَّ فإن ممارستها ممارسة لواجب وحقٍّ إلهي، واحترامها واجب على الإنسان، والإخلال بها مسٌّ وانتهاك لحقوق الله.

ولعل وصف الإسلام لحقوق الإنسان بـ (الحقوق الإلهية) يمنحها ضمانة أقوى وأرسخ. فما يعطيه الإنسان لنفسه أو لغيره، قابل للتغيير والمنع والاسترجاع بالإرادة نفسها التي مُنِح بها، بينما ما يهبه الله بإرادته المطلقة، يكتسي صفة الدوام والثبات[1].

وقد بلغ التشريع الإسلامي في ربط حقوق الله بحقوق الإنسان، إلى حد الالتحام والتداخل بحيث لا يمكن الفصل بينهما. هذا في الوقت الذي نجد فيه المجتمع الدولي المعاصر، يفتقد للضمانات القانونية والقوة الإجرائية، لحماية حقوق الإنسان في مناطق شتى من العالم. ومما يدهش أكثر، هو أن الإسلام ضَمِن للإنسان حقوقه حتى بعد وفاته، وذلك بحقه في الكفن الطاهر، وغسله، وتشييع جنازته، والصلاة علية، ودفنه، واحترام قبره... إلخ[2].

الحق في الحياة:

الحياة في الإسلام هبة من الله عز وجل، وتقع تحت مسؤوليته حمايتها من كل أذى أو ضرر قد يلحق بها. ويبتدئ حق الإنسان في الحياة منذ تكوينه جنيناً؛ إذ حرَّم الله الإجهاض باعتباره قتلاً للنفس التي حرم الله قتلها. كما أن التَّـرِكة لا توزَّع بعد وفاة الأب إلا بعد وضـع الجنين، الذي كفـل له الله حق الولادة والرضاعة والعلاج والنفقة حتى يبلغ، وأوجب على والديه حق تربيته.

لقد حرَّم الإسلام الاعتداء على الحياة، إذ يقول الحق سبحانه: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } [المائدة: 32]. فالحياة في الإسلام، ليست حقاً طبيعياً كما يذهب إلى ذلك الغرب، بل هي أكثر من ذلك، فهي منحة ربانية، تتصل بمعاني التكريم والتشريف والتفضيل الإلهي للإنسان على سائر الخلق {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الإسراء: 70]. وهو ما يجعل الحياة والإنسان عموماً في منأى عن تعسفات الحكام، لأن الاعتداء عليها هو اعتداء على منحةٍ وحقٍّ إلهي. وما استخلاف الله للإنسان في الأرض إلا دليل على حق هذا الأخير في ممارسة حياته وإعمار الأرض، بما تهيأ لديه من قدرات عقلية وجسمية.

ومن عدالة الإسلام وقدسية الحياة الإنسانية فيه، أنه جعل النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص. وقرر عدة أحكام وعقوبات كضمانات يقول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]. وأقرَّ للذمي الحق في الحياة في بلاد المسلمين، يقول الله عز وجل: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْـمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: ٨].

وإذا كان العالم اليوم لم يتمكن من تصنيف القتل الجماعي لمجموعة بشرية على أنه جريمة إلا في عام 1948م، فإن الإسلام سبق ذلك بكثير، عندما أكدت الشريعة الإسلامية منذ 1400 عام على أن قتل الإنسان جريمة ضد الإنسانية جمعاء، وذلك في قوله تعالى: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].

حق المساواة:

لقد جاءت في القرآن الكريم آية محكمة وقاطعة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]. فهذه الآية دليل قاطع على المساواة بين الناس، بعيداً عن التفاوت الطبقي والتفاضل بين الأشخاص بناء على التصنيفات الاجتماعية والعرقية والاعتزاز بالأنساب والانتماء القبلي في عصور الجاهلية... إلخ. فالتفاضل أساسه التقوى معياراً واحداً ووحيداً.

إن كلمة مساواة في الإسلام تعني أن الناس متساوون أمام الشرع في أحكامه وتكليفاته. فالإسلام لا يفرق بين الشريف والمشروف، والرجل والمرأة، في واجباته كما في جزائه وعقابه.

الحق في الاختلاف:

يقرر القرآن الاختلاف حقيقة وجودية، وعنصراً من عناصر الطبيعة البشرية: فاختلاف ألوان البشر ولغاتهم وجنسياتهم وتوزعهم إلى أمم وشعوب وقبائل، كل ذلك أراده الله، مثلما أراد الاختلاف في عناصر الكون ليجعل منه علامة على وجوده وقدرته {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 21  وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِـمِينَ} [الروم: 21 - 22].

وقد عاش الرسول صلى الله عليه وسلم  في مجتمع مختلف يضم الإسلام واليهودية والنصرانية في إطار التعايش والاحترام، وبذلك وضع الإسلام حدّاً للتناحر والصراع الديني والقبلي الذي كان سائداً في شبه الجزيرة العربية.

إن الإسلام يستبعد الانغلاق والتعصب في الدين وفي الرأي وفي المواقف وفي السلوك، ويحث في المقابل على التعددية والانفتاح على الآخر، والتعايش بين الأديان، واتباع الحوار في حل المشاكل والخلافات والنزاعات.

حق الأمن والسلام:

مما لاشك فيه أن الإسلام مشتق من السلام. فالإسلام يقوم على ثقافة السلام والحوار والجدال بالتي هي أحسن، ومحاولة التفاهم بعيداً عن منطق الانفعال والتعصب والعنف. ذلك أن الإسلام إنما جاء رحمة للعالمين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

إن الأدلة والشواهد عديدة على سماحة الإسلام، ونبذ كل أشكال الكراهية والبغضاء والحرب. فإسلامنا دين سمح لا حرج فيه ولا تكليف إلا في حدود المطاق، الذي يعلمه الله سلفاً، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208]. كما يدعونا الحديث الشريف إلى إفشاء السلام بيننا.

وفي هذا الصدد نستحضر وثيقة الأمان أو (العهد العمري)، التي أعطاها عمر بن الخطاب لنصارى بيت المقدس أثناء فتح القدس. ومما تجدر الإشارة إليه هنا، هو أن السلام الذي يدعو إليه الإسلام ليس شعاراً طناناً كما عند الغرب؛ وإنما هو سلوك وتخلُّق وتعامل يومي. وهكذا فقد سبق الإسلام المنظمات الأممية، في الدعوة وإعلان السلام العالمي، حينما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208].

حرية الدين:

ضمن الإسلام حرية المعتقد فـ {لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: ٦٥٢]. ومن ثَمَّ يتمتع جميع من يعيش في دار الإسلام، بدينه الذي اختاره لذاته، يقول العزيز الحكيم: {وَقُلِ الْـحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]. كما يعترف الإسلام بالديانات السماوية السابقة {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [البقرة: 285]. ومن هنا حث الإسلام على التسامح والتعايش بين أهل الديانات الأخرى.

حقوق الإنسان في زمن الحرب:

أخضع الإسلام الحرب لضوابط وقواعد شرعية، تضمن حقوق الإنسان أثناء الحروب. علماً أن الإسلام يرى أنه متى أمكن السلام تحرَّم الحرب، وأن الحرب لا تُشنُّ إلا لرد العدوان، يقول الله: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْـمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]. {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]. ومنه نفهم أن الحرب في الإسلام لا يُلجأ إليها إلا بعد تعذر الوصول إلى حل، بعد استنفاذ كل الأوراق والوسائل السلمية.

لقد وضع الإسلام للمقاتل المسلم شروطاً ينبغي له الالتزام بها، وقد جمعها أبو بكر الصديق رضي الله عنه في وصيته العسكرية قائلاً: «لا تخونوا ولا تغُلُّوا ولا تغدروا ولا تمثِّلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكله. وسوف تمرُّون بالقوم قد فرَّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له».

هكذا نهى الإسلام عن الاعتداء على بعض الفئات الاجتماعية كالمدنيين والعُبَّاد والمتعبدين، فضلاً عن توقير البيئة والتحذير من سياسة (الأرض المحروقة)، التي تتبعها الجيوش الغربية. كل هذه المؤشرات تدل بما لا يدع مجالا للشك على أن الإسلام حريص على كرامة الإنسان، حتى في أحلك الظروف وهي الحرب، التي تكتسي في الإسلام خصوصية يمكن نعتها بـ (الحرب الإسلامية).

خلاصة:

على ضوء ما سبق، نقول: إن الإسلام منظومة متكاملة وشاملة لكل أبعاد الوجود الإنساني. فقد رأينا أن حقوق الإنسان تكتسي خصوصية تقوم على التكريم والتشريف الإلهي للإنسان، ومخاطبة الإنسان على قدم المساواة، ومحاسبته بمعيار وميزان التقوى، الذي لا يستند لا إلى وجاهة اجتماعية ولا إلى نسب شريف؛ وإنما إلى صفاء القلب وخلوِّه من شوائب وأغلال الحقد والكراهية والمرض الروحي.

إن التشريع الإسلامي في مجال حقوق الإنسان، يندرج في إطار الرؤية العالمية للإسلام، وغايته في تحرير الإنسان من قيود الطبيعة والسياسة والخرافات والأساطير... إلخ. وقد اجتهد باحثون في استخراج حقوق الإنسان الواردة في القرآن، وحددوها في ثمانية وثلاثين حقاً، في حين نجد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حصرها في ثلاثين حقاً.     


 


[1] عبد الهادي بوطالب، من قضايا الإسلام المعاصر، الجزء الثاني، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2004م، ص26.

[2] المرجع نفسه، ص28.

أعلى