إذا كان مجرد وضع العطر للمرأة فيه من التحريم ما فيه وهو مجرد رائحة كما يقول بعض الناس، لكنه إعلان ليس من الاحتشام في شيء؛ فكيف لو وضعته المحجبة؟
مع زيادة نسبة المحجبات في عالمنا وعودة الآلاف من النساء إلى الالتزام باللباس
الساتر وخاصة مع ازدياد حجم الانفتاح من كل مكان، ازداد مع ذلك المزيد من الخير
المنتظر لهذه الأمة والصبغة المميزة لها عن غيرها من الأمم.
فكلنا يعلم أن هناك حجاباً للراهبات في الدين النصراني، الذي على الرغم من توحيده
وما وضع فيه من قوانين صارمة إلا أنه حجاب لا يتعدى فئة محدودة من الناس، ويفرض على
المرأة ممارسة طقوس بعينها، وربما لا يشمل ذلك احتشامها خارج الكنيسة! بينما المرأة
المحجبة في ديننا وضعت حولها حصناً منيعاً، بل هالة من نور تجعل الناظر إليها لا
يتعدى حدوده في النظر إليها فضلاً عن الكلام إلى غير ذلك من الأمور التي وضعها
الخالق سبحانه من فوق سبع سماوات، وهو العليم بمن خلق وبنمط تفكير كلٍّ من الطرفين
(الرجل والمرأة)، وبما يتناسب مع طبيعتهما المائلة نحو الاندفاع في الرجل ونحو
الإحجام من المرأة، فإذا كان مجرد وضع العطر للمرأة فيه من التحريم ما فيه وهو مجرد
رائحة كما يقول بعض الناس، لكنه إعلان ليس من الاحتشام في شيء؛ فكيف لو وضعته
المحجبة؟ بل كيف للمرأة بعد ذلك أن تضع جزءاً كبيراً ساتراً لتفاصيل جسدها دون أن
يكون لذلك ألف علامة تعجب أو استفهام؟
لقد حارب الكثيرون الإسلام، ولكنهم عندما حاربوا حجاب المرأة كان الكلام كثيراً عن
نقض مشروعية الحجاب ابتداء من أنه لا يتناسب مع العصر وانتهاء بنفي آيات صريحة في
القرآن {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ
الْـمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن
يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب:
59]
لأنهم علموا أن مجرد ستر المرأة سيلغي الكثير من المخططات التي تستهدف إلغاء أي
حدود لتعاملات الإنسان مع الإنسان ليكون بلا هوية أو غاية، وأن يعيش في هذه الحياة
دون أن يلتفت إلى ما وراء الغريزة الموحدة بين الجميع بالنظر في إمكانياته ومواهبه
وأهدافه وما يريد الوصول إليه وما يميزه عن غيره.
لذلك مَن تخالف هذا الفرض فستتعرض للإيذاء سواء رضيت بذلك أم لم ترضَ. ولأنك يا
عزيزتي غالية عند خالقك ولأن مشاعرك ليست عُرضة للابتذال فضلاً عن جسدك؛ فقد أتى
الحجاب إعلاناً منك إلى الجميع بأنك لست جسداً معروضاً لكل الناظرين؛ بل لديك من
المؤهلات النفسية والعقلية ما يجعل الجميع ينظر إلى إمكانياتك ومواهبك التي ميَّزك
الله بها عن غيرك بما يجعلك تنافسين الرجل بل ربما تتفوقين عليه بشكل مجرَّد تماماً
عن الميلان الفطري لأحدكما تجاه الآخر.
هذه النظرة المجردة للمرأة بعيداً عن جسدها، وهذا الإعلان السماوي الذي وضعته
المحجبة على جسدها أتى لصالح المرأة وليس ضدها، تماماً كأي إعلان نجده في أي مكان
يخاطب المشاعر والغرائز ويلعب على العين وما ينعكس على النفس منذ النظرة الأولى،
لكن التشويه للدين ومحاولة صد الناس عنه كان محور عمل أعداء الدين فقد كانت المرأة
خط الدفاع الأول الذي استطاعوا من خلاله الدخول إلى ما بعده من تحطيمٍ للثوابت
والقيم الأخلاقية من خلال إقناع المرأة بأنَّ احتشامها في اللباس ووضع تلك القدسية
على جسدها أمر لا يستحق منها الاهتمام ولا أن تحترم فطرتها في الستر والبعد عن
الابتذال؛ بل أن تكون كالرجل بدعوى تحرير المرأة وقد كان الدافع هو تحرير جسدها من
أن يتوارى عن الأنظار وجعله هو المجال الذي تتنافس فيه مع غيرها ليس إلا.
لقد حوَّل الإسلام بطهارة منهجه السماوي تلك النظرة الخاطئة للمرأة وكرَّم وجودها
وكينونتها حفاظاً على مشاعرها وإنسانيتها من أن تمسَّها الأقذاء أو أن تنال مجرد
النظر إلى مفاتنها أيُّ عين وأي شخص؛ فأي تكريم أراده الله لها! وأي تسفيه أراده
دعاة التحرير لها!؟