الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه، وبعدُ:
منذ ظهر دين الإسلام وحتى يومنا هذا وإلى أن يرثَ الله الأرض ومَن عليها، تتعرَّض الأمة الإسلامية لموجاتٍ متتاليةٍ من العدوان المعنويِّ والماديِّ من خلال عملياتٍ وحشيةٍ للإبادة الجسدية، وانتهاكاتٍ جسيمةٍ لثقافة الأمة وحضارتها، واختراقٍ عميقٍ لمكوِّناتها ونُخَبِها؛ حتى صار المناوئون لها أخلاطاً شتى، وفيهم فئامٌ من بني الجلدة واللسان.
ومع ذلك فما زالت أمتنا حاضرةً، متزايدةَ العددِ، تُصابر وتُقاوم قَدْر استطاعتها. أما دينُها الإسلامُ فهو الأكثر جاذبيَّة وإقبالاً، ومهما استكانت الأمة أو تراخت فسيظلُّ فيها بقايا من جذوةٍ مُقتَبَسة من إرثها السامي، وسوف يشتعل فتيلُها يوماً من زمنها القادم؛ فتستبين معالم الطريق، وتنطلق في المسار الصحيح ولو بعد حين.
فإذا أردنا سبر أسباب صمود الأمة أمام سيول البغي الجارف المستمر والمتواصى به بين المنافقين والكافرين، فإنه يمكـن لنا الإشارة إلى ما يلي:
• وجود القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وحِفْظهما من التحريف وباطل التأويل.
• الارتباط بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومنهج الرعيل الأول من الصحابة والخلافة الراشدة.
• الاستلهام من تاريخ الإسلام وحضارته بما فيه من أمجاد وجهاد وعزة وعدل وعلم وقوة.
• خلود اللغة العربية التي ينطق بها أبناؤها، ويقدسها المسلمون في كلِّ آنٍ ومكان.
• تَمَسُّك أبناء الأمة بأراضيهم وبجميع البلاد التي حُكِمَت بالإسلام وإن اغتصبها محتلٌّ أثيم.
• الإشعاع الروحي للبقاع المقدسة في الحرمين والمسجد الأقصى وجبل الطور.
• التوريث التربوي والتعاقب الفكري المتسلسل؛ سواء في الأسرة أم في المسجد أم في المجتمع.
• أثر شُعَبِ الإيمان وتعدُّد سُبل النفع والتأثير على صعيد الفرد ومحيطه الصغير فما فوقه.
• معرفة أعداء الأمة من يهود ومنافقين وكفار وإن خفيتْ بعض التفاصيل.
وعليه: فإنَّ هذه الأمة مهما جرى عليها من خطوب ومِحَن، ومهما ابتُليت في مؤسساتها وأناسها الظاهرين أو المستترين، أو في مناهجها التعليمية والإعلامية والدعوية، وطرائقها الاقتصادية والسياسية والتنموية، فهي إلى عودة رشيدة وسنة راشدة ستؤول ولا بدَّ، وتلك الحقيقة ليست أُمنيَّة أو حُلماً؛ بل هي وعدٌ ربَّانيٌ وبشارةٌ نبويةٌ، وسوف تكون وإن إن!