هل الإسلام قادر على تقديم البديل الحضاري؟
يُعدُّ التنظيم أداة من أدوات الإدارة التي تُستخدَم من أجل ضمان تحقيق الأهداف لأي عمل من أعمال الدين والدنيا؛ بل إن التنظيم يُعدُّ جزءاً رئيساً من العملية الإدارية، فعمليات التنظيم وسيلة لصناعة النظام. وقد تعددت التعاريف للتنظيم الإداري بتعدد الباحثين والكاتبين وخلفياتهم الفكرية وليس هنا بسط الكلام عنه، وفي تشريعات الإسلام ما يؤكد بقوة على أهمية التخطيط الإداري والتنظيم؛ إذ نجد أفعال نبي الإسلام محمدٍ صلى الله عليه وسلم تدل على مشروعية التنظيم الإداري أو التخطيط كما يسمى اليوم؛ ففي هجرته إلى المدينة فَعَلَ صلى الله عليه وسلم بكثير من التنظيمات التي تكفل نجاح الهجرة، ومن ذلك - على سبيل المثال - ما حدث في بعض ترتيبات الهجرة، كـ:
طلبه إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - المبيت في فراشه لتضليل المشركين حتى يصل إلى غار ثور جنوب مكة، وذلك ريثما يكون هو قد غادر مكة وبلغ غار ثور. وأمر آخر: اختياره غار ثور الذي يقع في اتجاه معاكس لطـريق المدينة. وتنظيم ثالث: هو تكليف عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما بنقل ما يجري في مكة من أخبار، ليكون على اطلاع على ما يجري حوله. ورابع من الترتيبات: تكليف أسماء بنت أبي بكر (ذات النطاقين) - رضي الله عنهما - بتأمين ما يلزمهم من طعام وشراب. وخامس يكمن في طلبه من عامر بن فهيرة - رضي الله عنه - أن يمر بغنمه عليهما في المساء ليعطيهم من ألبانها، ولتطمس الأغنام بحوافرها آثار الأقدام التي تتردد على الغار[1].
وما يهم في هذا المقال هو التأكيد على أن أساس نجاح الحياة الإدارية والسياسية في الإسلام تأتي من خلال استثمار المخزون العلمي الكبير من الكتاب والسنة في التشريعات العامة للإدارة والتنظيم في الحياة العامة، ومن ذلك أن الإسلام يقوم على تحقيق أو حفظ الكليات الخمس، أو ما يُسمى حفظ (الضرورات الخمس)؛ إذ إن حفظ (الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال) تُحقق كرامة الإنسان التي هي أكبر من حقوقه، بل هي أقوى مما يسمى في الغرب أو الشرق (حقوق الإنسان)، وكل هذه الضرورات تُعدُّ من الثوابت الشرعية لتحقيق الخيرية للبشرية، ومِن حفْظ هذه الضرورات الخمس يمكن استنتاج أبرز المقاصد الشرعية التي تحقق صلاح العباد والبلاد. وتكاد تنحصر هذه المقاصد القائمة أو المرتكزة على حفظ الضرورات بثلاثة مقاصد اجتهادية هي:
أولاً: كرامة الإنسان وتكريمه بحقوقه وحريته
قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70]، ومن أعلى درجات التكريم عبودية الإنسان لربه وحده لا شريك له، بل إن قمة حريته وتفضيله على غيره من المخلوقات أنه متحرر من رق العبودية لغير الله ومتحرر من أسْرِ هواه وَرِقَّ شهواته {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} [الفرقان: 43]، فتحرُّر الإنسان من كل أنواع الرق وصرف العبودية لله وحده أرفع درجات الحرية والتكريم {قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162]، {وَمَا خَلَقْتُ الْـجِنَّ وَالإنسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وهو ما لا يتنافى مع عمارة الأرض، بل إن هذه العبودية هي أساس عمارة الأرض، ولهذا فقد جعل الله من البشرية خليفة له في البناء والإعمار للأرض، ومن مقتضيات ذلك وضع النظم والتنظيمات {إنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: ٣٠].
ثانياً: تحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس
العدالة أساس نجاح الحياة الإدارية والسياسية للأمم والمجتمعات والدول والحكومات، والعدالة في الإسلام قيمة كبرى تحتل مساحة كبيرة في تشريعات الـدين الإسلامي وتراث أمة الإسلام، وفي تطبيقات القضاء المستقل العادل، ولأهمية تحقيق العدالة في الأرض عند الله فإن الدول الكافرة يمكن لها أن تنتصر بِعدْلِها على غيرها كما قال ابن تيمية رحمه الله: «الله ينصر الدولة العادلة وإنْ كانتْ كافرةً، ولا ينصر الدولةَ الظالمة وإن كانتْ مؤمنةً»[2]، وقد أكد القرآن على هذه القيمة الكبرى بقوله: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا وَإذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58]، وقال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: ٨]، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ علَى مَنابِرَ مِن نُورٍ، عن يَمِينِ الرَّحْمَنِ عزَّ وجلَّ، وكِلْتا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وأَهْلِيهِمْ وما وُلُّوا»[3].
ثالثاً: الحيلولة دون وقوع الظلم والمظالم بين بني البشر
إن أي مجتمع بلا مظالم يُعدُّ مجتمعاً آمناً يعيش سلاماً مع نفسه وتسامحاً مع غيره، وقد ورد في الكتاب والسنة عن هذا ما لا يُحصى من الآيات والأحاديث، كما قال تعالى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: ٠٩]. ومعنى (البغي): الكبر والظلم، وعن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن الله تبارك وتعالى أنه قال: «يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فلا تَظَالَمُوا...»[4].
وهذه المقاصد الثلاثة الاجتهادية بمرتكزاتها من الضرورات الخمس هي ما ميَّز حضارة الإسلام عن غيرها من الحضارات حتى أصبحت حضارةً منافسة بحق في تحقيق الخيرية للبشرية بين العباد وفي البلاد.
تشريعات في تحقيق المقاصد:
إن معظم عمليات تنظيم التشريعات الإدارية في الإسلام أو مفاهيم تنفيذها وتطبيقاتها تقوم أساساً على تحقيق المقاصد الثلاثة سابقة الذكر، ومما يترتب على هذا رفض الاستبداد والتسلط والاستعباد، ومن الوسائل الشرعية في إنجاح هذه المقاصد مبدأ الشورى مثلاً؛ إذ لها قيمة كبرى وأهمية بالغة كمنهاج في إدارة شؤون الدولة الإسلامية، قال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على مستوى الأفراد والدول والمجتمعات: «إنَّ المُسْتَشارَ مُؤْتَمَنٌ»[5]، وحديث آخر قوله صلى الله عليه وسلم «إذا استشارَ أحدُكمْ أخاهُ فلْيُشِرْ عليهِ»[6]، ولقد طبَّق الرسول صلى الله عليه وسلم الشورى في إدارته للدولة الإسلامية في قضـايا كثيرة؛ إذ كان يستشير أهل الرأي والخبرة من أصحابه في كثير من شؤون الحياة، كما فعل مع أصحابه في غزوة الأحزاب مثلاً، وكما أخذ بمشورة سلمان الفارسي في حفر الخندق وغير ذلك.
وحول تطبيقات الشورى فقد قام الخلفاء الراشدون بها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم خير قيام، وذلك بصور متعددة ومتنوعة كوسيلة للحكم الرشيد بعيداً عن الاستبداد والرأي الفردي، بالرغم من كونهم من الصحابة الراشدين، وذلك لتحقيق العدل والحدود والحقوق ومصالح الأمة، بمفهوم أن الحاكم والوالي، أو الخليفة والإمام يُعدُّ وكيلاً عن أمة الإسلام أو نائباً عنها، لأن اختيار الأمة والعمل بأحكام الإسلام هما الأصل في التولية والولاية، كما هي عبارات الفقهاء (بيعة على الكتاب والسنة) الفاعل فيها الأمة، وعلى الكتاب والسنة أيّاً كانت صورة هذه الفاعلية وشكل الفعل.
ولهذا تأتي تشريعات الإسلام العامة المتعلقة بتنصيب الحاكم لتحقيق العدالة كأولوية من وظائفه، دون رسم دقيق للآليات والنظم أو لطبيعة الوسائل الإدارية التنفيذية، وحول هذا كان الاتفاق في تطبيق شورى الاختيار، ولكن باختلافٍ أو تباينٍ في نظام أو تنظيم آلية تولِّي الحكم الإسلامي للدولة فيما بين الخلفاء الراشدين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان هذا الاختلاف أمراً طبيعياً؛ إذ الطريقة التي تم بها تولِّي أبي بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة تختلف عن صفة تولِّي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان الاختلاف كذلك في طريقة تولِّي عثمان وعلي رضي الله عنهم جميعاً، بل كان الاختـلاف أكثر في الوسيلة للوصول للحكم كما حدث مع عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وقد عدَّه كثير من المؤرخين خامس الخلفاء الراشدين نظراً لمنهجه العدلي في الحكم، حيث تحقيق العدالة والحكم الرشيد، بالرغم من كون الخلافة أو الولاية وصلت إليه فيما يسمى ملكاً متوارثاً لبني أمية وليس عن طريق الشورى! وهو ما يَعدُّه بعض المؤرخين أو كثير منهم حالة استثنائية لا يقاس عليها.
وفي جميع الأحوال فإن ما حدث من الخلفاء وكذلك ولاية عمر بن عبد العزيز في طريقة حكمهم يؤكد أن طريقة الحكم السياسي في الإسلام ليس لها صورة محددة أو شكل مُوحَّد بقدر ما هي أمانة وحق لدى مجتمعات الإسلام، ويجب أن يُحقق الحكم - أيُّ حكمٍ للمسلمين - مقاصد الشريعة القائمة على حفظ الضرورات الخمس، وهو ما يفتح باب الاجتهاد الشرعي في المسألة الشورية وتفاصيلها لتحقيق الصورة المثلى للحكم العادل، فطريقة الحكم بعمومها يكون فيها الاختلاف في الوسائل دون المقاصد؛ فالوسائل التنظيمية والإدارية تأخذ في الإسلام مساحة واسعة من الإمكانات التشريعية وحيزاً كبيراً في اجتهادات الفقهاء والعلماء باختلاف بين الأزمنة والأمكنة، وممكن أن تكون ديمقراطية العصر بشقها الإداري - دون الفكري الأيديولوجي - موضع بحث ونقاش وتطبيق في ديار الإسلام ودوله، لكن بعد تحديد ما فيها من مصالح ودفع ما فيها من مفاسد، كما أن باب الاجتهاد الشرعي مفتوح لدى علماء وفقهاء أمة الإسلام المعتبرين في وضع أي تنظيم لا يختلف مع شريعة الإسلام.
وإضافةً إلى الشورى في إنجاح عدالة الحكم الإسلامي، فإن الأصل في الفرد والمجتمع والدولة حاكماً ومحكوماً أنَّهم يبتغون بأعمالهم تقوى الله ومرضاته بحساسية عالية من الإخلاص لله والرقابة الذاتية في تحقيق مصالح العباد والبلاد عامة، كما قال تعالى عن العمل والثواب عليه على مستوى الفرد والمجتمعات والدول: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف: ٣٠]، وكما ورد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم : «إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملاً أنْ يُتقِنَهُ»[7]، وهذه الرقابة الذاتية هي ما يميز حكم الإسلام عن غيره.
كما أن من النجاح في التنظيم الإداري في الإسلام وتحقيق تلك المقاصد الاحتسابَ على الحاكم والمحاسبة لحكومته وللولاة والعاملين كبيرهم وصغيرهم تجاه العمل وإتقانه ونزاهته وشفافيته وما في ذلك من عدالة، وهي وسيلة إدارية ذات أهمية لإنجاح الحكم الرشيد في أي عصر وفي أي مكان، وهذا مما يُشكِّل ضمانات وعوامل وأسباباً مباشرة وغير مباشرة لتحقيق الأمن الاجتماعي والسياسي داخل دولة الإسلام ذاتها، وهذه السمة مما تتنافس على تحقيقها الدول المتقدمة في العصر الحاضر، وعن هذه التنظيمات الإدارية تزخر كتب علماء الإسلام في تقديم موضوعاتها ونقاشها، ومن ذلك كتاب السياسة الشرعية لابن تيمية، وكتاب الماوردي المسمى الأحكام السلطانية وغيرها كثير.
تنظيمات عمر بن الخطاب الإدارية:
ويضاف إلى ما سبق حول قدرة الإسلام وإمكانياته على تقديم النُظُم والتنظيمات في الإدارة ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه من تنظيمات إدارية داخلية تُعدُّ مثار انتباه وإعجاب لدى المؤرخين وعلماء الاجتماع والإدارة وهو ما يؤكد على مرونة التشريعات الإسلامية وقدرتها غير المحدودة ما دامت تقوم على الأُسس أو المقاصد الثلاثة سابقة الذكر، ولهذا فإن ما أحدثه عمر من تنظيمات يُعدُّ بحق ثورة إدارية - إن صح التعبير - في تحديث أنظمة الحكم الداخلية وإدارة الدولة الإسلامية آنذاك.
وكان من أبرز هذه التنظيمات الإدارية التي أُنشئت في عهد عمر بن الخطاب (أو من أكبرها) إنشاء (الدواوين الإدارية) لتلبية احتياج أمة الإسلام في إدارة شؤونها وتنظيم حياتها آنذاك، وذلك حينما اتسعت مساحات دولة الإسلام، ومنها:
1- ديوان العطاء: وهو المعني بالحقوق المالية من بيت مال المسلمين.
2- ديوان الجيش: وهو المعني بتسجيل أسماء الجنود وذلك لمواجهة الزيادة التي طرأت على عدد الجنود، وضرورة إحصائهم، وترتيب أمورهم.
3- ديوان الاستيفاء: وهو المعني بتدوين حاجة الدولة إلى إحصاء خراج البلاد المفتوحة، وتنظيم الإنفاق في الوجوه التي يجب الإنفاق فيها[8].
وقد استحدث عمر بن الخطاب رضي الله عنه تشريعات مدنية دينية في جميع شؤون الحياة السياسية العامة، والأحوال الشخصية، ومجالات العلاقات الدولية، والسياسة الحربية، والسياسة المالية، والعقوبات والديات[9].
ففي السياسة العامة:
هو أول من وضع التأريخ الإسلامي الهجري.
وأول خليفة عسَّ في عمله لتحقيق الأمن الاجتماعي.
وأول من عقد المؤتمرات للقادة والولاة في موسم معيَّن.
وأول من اتخذ القرارات المكتوبة المُفسِّرة، وعَمَّمَها على الولايات.
وأول من حمل الدرة وأدَّب بها المخالفين.
وأول من أمر بمنهج الجوائز لحَفَظَة القرآن.
وأول من جعل أمر الخلافة شورى في عدد محدد.
وفي أولياته السياسة الحربية تُعدُّ تنظيماته أول تنظيم في المجالات التالية:
أول من أقام المعسكرات الحربية.
أول من أمر بالتجنيد الإجباري.
أول من أمر بوضع المسالح الحربية[10] على الحدود.
أول من حدد مدة غياب الجنود عن زوجاتهم.
أول من اتخذ قوات احتياطية منظمة.
أول من دوَّن ديواناً للجند لتسجيل أسمائهم ورواتبهم.
أول من خصص الأطباء والقضاة والمرشدين لمرافقة الجيش.
أول من أمر بتفضيل المبرزين ومكافأتهم في الحرب بمبلغ من المال.
أول من خمَّس السلب.
أول من نهى عن إقامة الحدود أثناء الحرب.
ومن أوليات الفاروق في السياسة المالية أنه أحدث أول تنظيم في المجالات التالية:
أول من اتخذ بيت مال خاص لأموال المسلمين.
أول من ضرب الدراهم وقدَّر وزنها في الإسلام.
أول من دوَّن الدواوين في الإسلام.
أول من فرض العطاء في الإسلام وفاضل فيه بين الناس.
أول من فرض العطاء لكل مولود في الإسلام.
أول من جعل نفقة للَّقيط من بيت المال.
أول من مسح الأراضي المفتوحة ووضع الخراج.
أول من أخذ عشور التجارة في الإسلام.
أول من أحصى أموال العمال عند توليتهم وشاطرهم أموالهم بعد توليتهم.
أول من حمل الطعام في البحر واستورده من مصر إلى الجزيرة.
أول من اتخذ داراً للضيافة.
وله أوليات كثيرة في سياسته رضي الله عنه في تشريعات العقوبات والديات[11]، وأما في شؤون الحياة الشخصية فهي كثيرة جداً، كما أنه وضع من النظم ما يتعلق بشؤون معاملة غير المسلمين من أصحاب الملل والأديان الأخرى، خاصةً مع اتساع دولة الإسلام ووجود الأقليات الدينية والعرقية التي بقيت إبَّان الحكم الإسلامي الرشيد متمتعة بحقوقها في سائر بلدان وأقاليم الإسلام ودوله المتعاقبة على مر العصور.
والخلاصة: أن ما سبق من فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التجـديد والتحـديث يثبت بقـوة أن باب الاجتهـاد في أحكام الشريعة مفتوح وقائم في كل زمان ومكان، لكن بضوابطه الشرعية، وأن المقاصد الشرعية الثلاثة القائمة على حفظ الضرورات الخمس سابقة الذكر تُعدُّ مقاصد سامية وأهدافاً نبيلة دعت إليها تشريعاتُ الإسلام وقِيَمُه لتطبيقها في كل زمان، بل إن من مقتضيات تطبيـق شرائع الإسلام بعدالتـه وسماحته أنه رحمة بالعالمين جميعاً، وأنه عبادة وطاعة لله، وفي هذه التطبيقات تعزيز لثقة الأجيال بما تَحَقَّق بالفعل في معظم عصور التاريخ الإسلامي من حضارة وعدالة باختلاف في مدى التطبيقات، سواء داخل المجتمعات الإسلامية أم خارجها، وذلك في كثير من الولايات الإسلامية خاصةً في بلاد الفرنج التـي كان بعضها خاضعاً لحكم المسلمين آنذاك، وذلك بمعنى أوضح عدالةً وسماحةً مع المسلمين ومع غيرهم، وشواهد التاريخ ناطقة بهذا مما شهدت به كُتُب المنصفين من غير المسلمين عدا عن المسلمين!
وما سبق ربما يجيب باختصار شديد عن قدرة الإسلام على تقـديم البـديل الحضاري لعالم متعطش للعدالة والأمن والسلم العالمي! ولعالم ينشد كرامة الإنسان وحقوقه بعد أن مُلئت معظم الأرض جوراً وظلماً، وحرباً وصراعاً مفتوحاً، وتسلحاً غير مسبوق، والأمر لله من قبل ومن بعد {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً} [الأحزاب: 83].
[1] صحيح البخاري، 3905.
[2] مجموع الفتاوى لابن تيمية، 28/63.
[3] صحيح مسلم، 1827.
[4] صحيح مسلم، 2577.
[5] صحيح الترمذي، 2369.
[6] الجامع الصغير للسيوطي، 424.
[7] صحيح الجامع للألباني، 1880.
[8] انظر عن ذلك وغيره موضوع (إدارة عمر بن الخطاب) موقع قصة الإسلام على الرابط:
http://cutt.us/gn5M.
[9] انظر عن هذه النقاط وغيرها كتاب: (أوليات الفاروق السياسية)، للمؤلف: غالب عبد الكافي القرشي، نشر مكتبة الحرمين بالرياض، الطبعة الأولى، 1403هـ.
[10] المسالح جمع مَسلَح، والمَسْلَحُ اسم مكان من سلَحَ، موضعُ السلاح، وهو كلُّ موضِع مخافةٍ يقف فيه الجُنْدُ بالسلاح للمراقبة والمحافظة، ومَسْلَحَةُ العَسْكَرِ: هو الْمَوْضِعُ الَّذِي يَضَعُ فِيهِ العَسْكَرُ السِّلاَحَ (قاموس معاجم المعاني)، الرابط التالي:
https://bit.ly/3aerc6t
[11] انظر للمزيد عن الأوليات: المؤلف غالب عبد الكافي القرشي، كتاب: (أوليات الفاروق السياسية)، ط1، بيروت: المكتب الإسلامي، 1983م.