تونس... السياسة الخارجية
أحمد ونيس لـ البيان : سعيِّد أعفى كفاءات وطنية مقتدرة، لكن السياسة الخارجية ظلت على حالها.
عبد اللطيف دربالة لـ البيان : هناك حياد سلبي تجاه ليبيا والعمل مع الشرعية هو الأساس.
صلاح الدين الجورشي لـ البيان : السياسة الخارجية في حاجة إلى دفع وإلى خيال جديدين.
وصف متابعون مسارات السياسة الخارجية التونسية بعد انتخابات عام 2019م بأنها اتسمت بالضبابية والغموض وعدم الوضـوح، وأن ذلك كان بدعاً في السياسة الخارجيـة التي اتسـمت بها بلادنا، وطالبـوا باعتمـاد رؤية جليَّـة لا سيما المحافظة على علاقاتنا مع شركاء تونس التقليديين ولا سيما في المجالات العربية والإسلامية والدولية.
تذبذب واستقرار
قال وزير الخارجية الأسبق أحمد ونيس (في حكومة محمد الغنوشي بعد الثورة) لـ البيان : السياسة الخارجية في عهد الرئيس قيس سعيِّد بدأت بصعوبة مثلَتها الإقالات التي شملت وزيري الخارجية والدفاع، وهو ما فُهِم منه محاولة القطيعة مع السياسة التي انتهجها الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي.
وتابع: الباجي قَبِل دعوات 7 رؤساء جمهورية من بينهم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لأنه كان ممثلاً لثورة الحريات في تونس.
وعاد ونيس للتعليق على الأحداث التي رافقت تنصيب الرئيس سعيِّد: عَزْلُ وزيري الدفاع والخارجية أوحى بأن الخطوط العريضة التي سطرها الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي سيتم العدول عنها، ولا سيما أن الوزيرين كانت صلتهما وثيقة بالرئيس الراحل.
وأشار ونيس إلى أن السياسة الخارجية (أو ما وصفها بالنيابة الجديدة) غير واضحة وغير ثابتة ومتذبذبة وغير صريحة، على حد قوله.
وأضاف: توقعنا تقلُّبات في الخط التقليدي للسياسة الخارجية التونسية لا سيما بعد أن طال بقاء كاتب عام علـى رأس الخارجيـة؛ بَيْد أنه في النهاية لم يقع انقلاب شامل على السياسة الخارجية التونسية التقليدية، وإنما هنَّات.
وأردف: لم تكن الإشارات الكلامية (الحديث عن فلسطين وأن التطبيع خيانة عظمى) استبدال سياسة بأخرى، واتضح أن سياسة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي متواصلة مع بعض النكسات.
وحول معنى النكسات أفاد ونيس بأن عزل سفراء وقناصل شرفاء بينهم سفيرا تونس في واشنطن وباريس وقناصل عامين آخرين بتهم مختلفة بل لأسباب غامضة؛ كان ذلك نكسة للسياسة الخارجية التونسية. وقد أوحى ذلك بعدم الثقـة داخل أوساط الدبلوماسيين التونسيين.
وواصل: لم تزعزع تلك القرارات الثقة داخل الأوساط الدبلوماسية التونسية فحسب؛ بل داخل مراكز اتخاذ القرار في العالم، وفي مقدمتها الأمم المتحدة.
السياسة المغاربية
وتحدث ونيس عن زيارة الرئيس التونسي إلى الجزائر وقال: دُهشنا من تلك الزيارة وتساءلنا: لماذا لم تكن زيارة شاملة لجميع دول المغرب الكبير؟ لماذا لم تكن زيارة مغاربية؛ فنحن ليس لدينا التزام خاص تجاه إحدى العواصم دون أخرى؟ ثم علَّق ونيس قائلاً: كان أمراً غريباً حقاً!
وفي الردِّ على سؤال البيان بخصوص موضوع الإقالة وحول ما إذا كانت محدودة كما يقول بعض المتابعين، ذكر ونيس بأنها لم تكن حركة منفردة بل سلسلة من الإعفاءات لأناس شرفاء ونظيفين ومقتدرين.
وتطرق ونيس إلى ما وصفها بالتحركات الإيجابية للسياسة الخارجية التونسية، ومنها الاتصالات الهاتفية التي أجراها الرئيس قيس سعيِّد بكلٍّ من ملك المغرب محمد السادس، وإيران.
وعرَّج ونيس على السياسة الخارجية التونسية حيال ليبيا، معتبراً ما تمَّ من رفض تسمية دبلوماسيٍّ تونسيٍّ مبعوثاً للأمم المتحدة في ليبيا من نكسات السياسة الخارجية التونسية، لا سيما بعد موافقة الأطراف الليبية على ذلك.
وتابع: نحن مستغربون من التصدي لتسمية دبلوماسي تونسي مبعوثاً للأمم المتحـدة إلى ليبيا، مستغربون من عدم الثقة في الدبلوماسية التونسية.
استقرار السياسة الخارجية
واعتبر وزير الخارجية الأسبق أحمد ونيس أن ما وصفها بحالة التذبذب قد عرفت استقراراً بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس في الشهر الأول الذي نُصِّب فيه سعيِّد رئيساً عندما جدَّد سعيِّد موقف الحياد الذي اتسمت به السياسة الخارجية التونسية حيال النزاعات الإقليمية. وأن الحل هو الحل السياسي السلمي وفض النزاعات عبر التفاوض.
وشدَّد ونيس على أهمية تقوية العلاقات مع الأشقاء والأصدقاء لا سيما مع الأطراف التي تحترم الانتقال الديمقراطي في تونس ولا تفرِّق بين التونسيين، دون الدخول في محاور.
وخلص ونيس إلى القول بأن الخطاب الكلامي للرئيس قيس سعيِّد كان يوحي بتحوُّل جذري في السياسة الخارجية التونسية؛ لكنه ظل في المستوى الكلامي وظلت السياسة الخارجية التونسية على عهدها ولم يتغيَّر أيُّ شيء على الأرض ما عدا التغييرات التي تمَّت في بعض المواقع الدبلوماسية؛ والتي نعتقد أن الذين شملتهم يد الإبعـاد شرفاء ونظيفون ولكن السياسة الخارجية حافظت على الخط المرسوم سلفاً.
لم تكن هناك سياسة دولة واضحة
من جهة أخرى قال المحلل السياسي عبد اللطيف دربال لـ البيان : إن السياسة الخارجية التونسية لا سيما في الشهور الأولى لتولي الرئيس قيس سعيِّد مهامه كانت ناقصة وغير فاعلة، أو يمكن فهمها على أنها فترة تأمُّل لرئيس جديد لم يمارس السياسة من قَبْلُ أو لم يكن معروفاً عنه ممارسة أي نشاط سياسي، وفي هذا الإطار يمكن وضع جميع قرارات الرئيس قيس سعيِّد فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ورَفْضِ بعض الدعوات أو الامتناع عن الاستجابة لها، أو إعفاء دبلوماسيين من مناصبهم.
وأشار دربال إلى أن أزمة تشكيل الحكومة التي أخذت وقتاً طويلاً، جعلت رئيس الدولة متردداً في القيام بزيارات لأن البلاد دون حكومة، ثم جاءت جائحة كورونا فقيَّدت كثيراً السياسة الخارجية وفتحت المجال مع دبلوماسية الهاتف لأن جميع الدول - تقريباً - أغلقت حدودها حتى الزيارة التي كان من المقرر أن يؤديها الرئيس الجزائري إلى تونس تأجلت بسبب ذلك.
وجدَّد دربال التأكيـد على أن الرئيس قيس سعيِّد لم تكن لديه سياسة دولة واضحة بسبب ما ذكرناه آنفاً بخصوص الخلفية السياسية، ثم ما إن تشكلت الحكومة حتى أطلَّت كورونا برأسها واجتاحت العالم في ظرفٍ وجيز، وقد سد الفراغ أو كسر الحصار عبر الهاتف، وكان لذلك تأثير إيجابي، ولكن الحكم الصحيح على الأداء سيكون بعد كورونا.
قرارات عالية الأهمية
وعن المنحى الإيجابي في الاتصالات الهاتفية التي أجراها الرئيس سعيِّد مع الجهات الخارجية؛ ذكر دربال بأن كثيـراً من المساعدات تزامنت مع تلك الاتصالات؛ كالمساعدة الإيطالية لتونس بـ 50 مليون يورو، والمعونات الطبية الصينية، والاتصالات مع الملك الإسباني، والرئيس الفرنسي التي أعقبتها مساعدات بـ 50 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي. وتابع: كان هناك تزامن بين الاتصالات والمساعدات المذكورة.
ويرى دربال بأن الإعفـاءات الدبلوماسية مختلَف في تقويمها؛ فهناك من اعتبرها نتيجة أخطاء ارتكبها المقالون، وهناك من اعتبرها تسرُّعاً من سعيِّد، ومبررات الرئاسة هو أنه لم يتم استشارتها في قرارات باسم الدولة، عالية الأهمية.
الحياد السلبي
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية التونسية حيال ليبيا، أشار دربال إلى أن تونس في الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس سعيِّد ورئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج أكدت على الاعتراف بالشرعية التي تمثلها حكومة الوفاق، وأن الحل هو الحوار بين الأطراف الليبيين.
واستطرد دربال قائلاً: ولكن ليس كل حيـاد إيجابياً؛ فعندما تعترف بالشرعية لا يعني أن تساوي بينها وبين الأطراف الأخرى في المعاملات، ولا يعني القبول بالسيطرة على الأرض بطرق غير شرعية؛ فالاعتراف بشرعية طرف يعني التعاون معه وَفْقَ القانون الدولي وهي ميزة لا يجب أن تتوفر للأطراف المقابلة.
وواصل دربال قائلاً: الحياد كلمة حق أريد بها باطل في الملف الليبي؛ فالمصلحة الراجحة بعد القانون الدولي هي التي يجب اتباعها ولو تطلب الأمر التموقع في خريطة الصراع بعيداً عن السياسيات الطوباوية.
سياسة بطيئة
ووصف المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي في اتصال هاتفي أجرته معه البيان السياسة الخارجية التونسية بأنها تسير ببطء ولم تستأنف ديناميكيتها التي كانت عليها من قبل.
وقدَّر الجورشي أن ذلك قد يعـود إلى التعيينات التي استغرقت بعض الوقت، لكن السياسة الخارجية بدأت تتحـرك مع أزمة كورونا؛ إذ إن الاتصالات التي قام بها الرئيس سعيِّد مع عدد من رؤساء الدول - سواء العربية أو الأوروبية والآسيوية - كان لها أثر إيجابي وسيظهر ذلك بشكل أوضح في المرحلة القادمة، على حد قوله.
وأشار الجورشي إلى إرسال بعثة طبية تونسية إلى إيطالية؛ وهو ما كان له وقْع إيجابي على القيادات الإيطالية، ولكن ذلك - كما قال الجورشي - في حاجة إلى مزيد من الدفع لا سيما بعد تبنِّي مجلس الأمن الدولي مبادرة سعيِّد في مسألة التعاون لمكافحة كورونا.
وبخصوص الانتقادات الموجهة إلى الرئاسة بسبب الإعفـاءات أوضح الجورشي بأن الرئيس له كامل الصلاحية في الاختيار والإعفاء رغم أن بعض الإعفاءات تركت كثيراً من التساؤلات.
ويرى الجورشي أن الخارجية في حاجة إلى تجديد دماء وإلى إستراتيجية واضحة وكفاءات عالية، وهي في حاجة أيضاً إلى خيال، وهي رهن قدرة رئيس الدولة على تنشيط دبلوماسية فاعلة وفتح نقاش حول مسارات العالم في المرحلة القادمة.
واعتبر الجورشي ما حصل من إعفاءات دبلوماسية تجاوزه الزمن، ولم يعد مسألة مطروحة، والخوض فيه الآن غير مفيد، على حد قوله.
تونس حاضنة لحوار ليبي
ودعا الجورشي إلى مبادرة للدبلوماسية التونسية خلاف ما ذهب إليه قيس سعيِّد من دعوة جزء من القبائل الليبية دون بقية الفاعلين في الساحة الليبية. وقال: الملف الليبي معقَّد وهو أكبر من المراهنة على بعض القبائل الليبية، والسياسة الخارجية التونسية حيال هذا الملف ما تزال مترددة بشكل واضح.
واعتبر الجورشي الحرب في ليبيا تهديداً مباشراً للأمن التونسي؛ إذا لم تتمتع الدبلوماسية التونسية بالجرأة وتتجاوز العقبات.
وعاد الجورشي للحديث عن القبائل الليبية قائلاً: المبادرة التي قام بها الرئيس سعيِّد محدودة؛ فالساحة الليبية تعجُّ بالقوى الفاعلة التي لها وزن ودور في إدارة الوضع الليبي. ومن ثَمَّ - والكلام للجورشي - فإن أي مبادرة تجاه ليبيا يجب أن تتمتع بالشمولية وبإشراك الأطراف التي يمكنها مجتمعة إخراج ليبيا من الأزمة الراهنة.
وخلص الجورشي إلى القول: إن الوضع العسكري تغيَّر جذرياً في ليبيا، وحفتر دخل في مغامرة مجهولة العواقب.