• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
عملية الخليل في الضفة...دلالات ومعانٍ

عملية الخليل في الضفة...دلالات ومعانٍ

 

في الواحد والثلاثين من شهر أغسطس 2010م، وبينما كانت كافة الاستعدادت في إحدى قاعات البيت الأبيض بواشنطن جاهزةً لاحتضان المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أمريكية، يرافقها «مأدبة إفطار» أقامتها ما تسمى قيادة المنطقة الوسطى الصهيونية لكبار المسؤولين الأمنيين في السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، كانت كتائب عز الدين القسام الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس قد أعدَّت مأدبة لكنها مختلفة تماماً عن الأولى والثانية.

فقد أعدَّت مجموعة مسلحة صغيرة من حماس كميناً مُحْكَماً لسيارة صهيونية على أحد الطرقات التي يستخدمها المستوطنون قرب مدينة الخليل؛ فأطلقت باتجاههم النار فأرْدت جميع ركاب السيارة الأربعة قتلى، وعلى الرغم من خطورة المكان وانتشار قوات الأمن الصهيونية بكثرة في تلك المنطقة، إلا أن المسلحين نزلوا من سيارتهم وحاولوا اختطاف جثث القتلى لمبادلتهم لاحقاً بأسرى فلسطينيين إلا أنهم قرروا الانسحاب من الموقع في اللحظات الأخيرة.

وسارعت السلطة الفلسطينية إلى إدانة العملية، وتعهَّد سلام فياض رئيس وزراء الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية باتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بعدم تكرار العمليات، لكن كتائب القسام بعد أقل من 24 ساعة نفذت عملية أخرى قرب رام الله، أصيب فيها مستوطنان بجروح خطيرة.

وقالت حركة حماس وذراعها العسكري: إن العمليتين تؤكدان على التمسك بالمقاومة كسبيل وحيد للتحرير واستعادة الحقوق وكنس الاحتلال، وأكدت على أن العملية جاءت على الرغم من الحملة الشرسة التي تشنها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في الضفة الغربية ضد المقاومة بشكل عام وعناصرها بشكل خاص منذ أكثر من عامين، وردَّت على تعهد فياض بقولها: «إن عملية رام الله أبلغ ردٍّ على الأبواق التي قالت: إن عملية الخليل لن تتكرر».

أما حركة (فتح) فقالت على لسان المتحدث باسمها (أحمد عساف): «تأتي العملية دعماً لموقف نتنياهو وإضعافاً للموقف الفلسطيني، وضرباً لإنجازات السلطة الوطنية في الضفة الغربية».

مفاجأة:

قال الكاتب والمحلل السياسي صالح النعامي: (إنه على الرغمِ من أن المؤسَّسة الأمنيَّة الإسرائيليَّة قد أعطت انطباعاً بأن عملية الخليل أمر متوقع، وأنه كان لديها معطيات استخباريَّة تؤكِّد توجُّه حماس لتنفيذ مثل هذه العمليات، إلا أن كل المعطيات تؤكد أن هذه العملية - تحديداً - مثَّلت مفاجأة كبرى للقيادتَيْن السياسيَّة والأمنيَّة الصهيونيَّة، وأن نجاحها وما تبعها من عمليات قد جاء بعكس نقطة الافتراض الإسرائيليَّة القائلة: إن مجموعة الاحتياطات والإجراءات الأمنيَّة التي قام بها الجيشُ الإسرائيلي بالتعاون مع الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة رام الله: كفيلةٌ بالحيلولة دون تنفيذ مثل هذه العمليات).

وأكد النعامي أن هذه العملية جاءت في ذروة حملات «تجفيف المنابع» التي تقوم بها أجهزة سلطة رام الله وإسرائيل؛ فالمخابرات الإسرائيلية الداخلية «الشاباك» تعكُفُ على اعتقال كلِّ مَن له علاقة بحركة حماس، ويستثمر «الشاباك» طاقاتٍ هائلةً في التحقيق مع المعتقلين لتحويل عمليات الاعتقال إلى لوائح اتِّهام، وفي حال فشل في ذلك يجري تحويل كثير من هؤلاء المعتقلين إلى الاعتقال الإداري، في حين تقوم السلطة بدورِها باعتقال قادة وعناصر حركة حماس.

وتؤكِّد منظمات حقوق الإنسان العاملة في الضفة الغربية أن المعتقلين يتعرَّضون لعمليات تعذيب وحشيَّة، بالإضافة إلى قيام أجهزة فياض الأمنية باستدعاء آلاف من عناصر حركة حماس وتهديدهم والتضييق عليهم، ناهيك عن محاربتِهم في أرزاقِهم؛ حيث يجري فصل كل من له أي علاقة بحماس من المؤسسات الرسمية في السلطة، وتحديداً في قِطاع التعليم وفي قِطاع الخدمات الدينية، ولم يقتصرْ دور أجهزة فيَّاض الأمنية فقط على إحباط عمليَّات المقاومة، بل انضمَّت هذه الأجهزة للجهود اليومية التي يقوم بها جيش الاحتلال لإيجاد بيئة أمنيَّة تقلِّص من إمكانية نجاح المقاومين في تنفيذ عمليات، وإذا أخذنا بعين الاعتبار القيود الهائلة التي تحدُّ من إمكانيَّات التسليح في الضفة الغربية والقدرة على الحصول على الوسائل القتاليَّة، فإن تنفيذ مثل هذه العمليَّات يبدو أمراً يتاخم المستحيل.

و بحسب النعامي فإن «عمليَّة الخليل البطولية تدلِّل بشكل لا يقبل التأويل على أن الإجراءات التي تقوم بها إسرائيل وسلطة رام الله لمواجهة المقاومة لن تنجح في إخضاع الشعب الفلسطيني وإجباره على التعايش مع واقع الاحتلال». 

كل ذلك ليس له أهمية في السياق الفلسطيني العام، إنما المهم أنه تم تنفيذ العملية بنجاح؛ حيث أسفرت عن مقتل أربعة مستوطنين من دون خسائر في المجموعة الفدائية. وعلى الرغم من أن عمليات المقاومة ضد الاحتلال يجب أن تكون هي الحال السائدة والطبيعية؛ إلا أن بعض (الإسرائيليين) لم يروا فيها مفاجأة، بعكس آخرين كُثُر تفاجؤوا بها.

ذلك أن السلطة في رام الله استطاعت أن تخلق انطباعاً بأنها (أنهت قصة المقاومة) في الضفة الغربية، وأن فصائل المقاومة في قطاع غزة نسيت (أو أُجبرت) على نسيان المقاومة ولم يبقَ لديها إلا المناكفات مع رام الله، وهو ما أفقد الناس الدافع والاستعداد للتضحية، إضافة إلى أن العملية جاءت بعد انقطاع طويل، أقل بقليل من عام على آخر عملية نفذتها المقاومة في الضفة الغربية بين مستوطنتَي شان شمرون وإيناف في الشمال؛ حيث قُتِل فيها مستوطن، في ديسمبر الماضي.

قال أبو عبيدة المتحدث باسم كتائب القسام: (تأتي العملية ضمن سلسلة عمليات ردّاً على جرائم الاحتلال في الضفة الغربية، وتأكيداً لحضور المقاومة على الرغم من حرب الاستئصال، وفي سياق استكمال مشروعنا الجهادي في الضفة).

أما نتنياهو فكان ردُّ فعله أن طلب من قيادته العسكرية الرد على العملية بالهجوم على غزة، وهو ما كشفه المراسل العسكري للقناة العاشرة التلفزيونية (الإسرائيلية). لكن قائد الجيش غابي أشكنازي ورئيس المخابرات (الشاباك) يوفال ديسكين رفضا ذلك قائلَين: إن الهجوم يضر بفكرة الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فضلاً عن أنه يضر بالجهود التي تبذلها أجهزة الأمن الفلسطينية لإحباط عمليات (حماس).

وفي الصحافة (الإسرائيلية) هناك من رأى في العملية دليلاً على أنه (لا تزال لدى حماس قدرة على المبادرة إلى عمليات مركَّبة نسبياً، وفي مستوى تنفيذي عالٍ في الضفة، رغم الأعمال الوحشية لأجهزة السلطة ضد الحركة)، لكن (العملية لا تدل على استئناف الهجوم الإجرامي في الضفة، (المقصود إشعال انتفاضة) مع أن الحديث عن ذلك يدور هناك منذ سنوات).

وشنت السلطة في رام الله حملة اعتقالات واسعة؛ إذ وصل عدد المعتقلين في اليومين التاليين للعملية إلى 800 معتقل، وأكد محمود الرمحي نائب أمين سر المجلس التشريعي على أن ردة فعل السلطة الفلسطينية على العمليتين الأخيرتين سبقت ردة فعل إسرائيل، مشيراً إلى اعتقال أكثر من 800 من مناصري التيار الإسلامي.

وأضاف أن حالات تعذيب عديدة سُجِّلت بعد عمليتي الخليل ورام الله بعد مدة من تراجع التعذيب، مشيراً إلى «تجرُّؤ السلطة على شخصيات لم تتجرأ عليها في السابق، وكأن رسالتها أن الكل مستهدف».

وأوضح نائب أمين سر المجلس التشريعي أن اعتقالات السلطة تتركز منذ ثلاث سنوات على الأهداف نفسها «وهو ما يدلل على اسـتنفاد سـلة الأهـداف»، معـرباً عن أسـفه لوجـود إجـراءات مشـتركة بين السـلطة وإسـرائيل. وقـال: «إنهمـا لا تستطيعان بالاعتقالات وقف العمليات، حسب ما علَّمنا إياه تاريخ الصراع مع الاحتلال».

وهناك من رأى أن حركة حماس سجلت أكثر من هدف في أكثر من مرمى؛ من حيث إظهار قدرتِها، وامتلاكُها الإمكانيات على استئناف العمليات العسكرية من مناطق يسيطر عليها خصومها.

خيار المقاومة هو الذي يجب أن يبقي:

 أكد الكاتب والمحلل السياسي  د. حسام عدوان على أن عمليات القسام بالضفة  تدلِّل على أن يد المقاومة قادرة في كل وقت وزمان على النهوض والوصول إلى المربعات الأمنية التي تُعَدُّ أكثر تحصيناً وتجهيزاً وأمناً؛ مهما بلغت  محاولات «أجهزة سلطة فتح»  لتفكيك المقاومة وإخفاء الوطنية الفلسطينية.

وقال عدوان: (كما أن العمليات  وجَّهت رسالة  للمتفاوضين في واشنطن مفادها: أن للشعب الفلسطيني حقوقاً حاول الحصول عليها على مدار 19 عاماً، ولكن حالة الابتزاز والاستقواء التي كانت تمارَس على المفاوض الفلسطيني أدت إلى فشله وعجزه عن استرداد ولو جزء من حقوقه).

وأضاف: (وهي كذلك دليل على أن خيار المقاومة هو الذي يجب أن يبقي لا خيار المفاوضات، التي تُستخدَم ذريعة للاستيطان واقتلاعنا من أرضنا وتهويد مقدساتنا).

وتابع: «المقاومة حق للشعوب المحتلة؛ فمن حقه أن يقاوم في كل مكان مَن احتُلَّ وطُرِد من أرضه وانتُزعَت حقوقه منه تحت تهديد السلاح؛ فالشعب لا يجب أن يضع للمقاومة سقفاً زمانياً ومكانياً»، مطالباً بأن يبقي العمل المقاوِم مفتوحاً في كل الجبهات، التي يوجد فيها الاحتلال من أجل تحقيق الانجازات لصالح الشعب الفلسطيني).

 

أعلى