استغلال إيران لمأساة الصومال
فعلت الحكومة الصومالية حسناً عندما قطعت علاقتها الدبلوماسية - أحادية المصلحة - مع نظام الملالي في إيران، لأن استمرارها كان في صالح إيران وليس العكس، وكانت علاقة مشبوهة تستهدف عقيدة الشعب الصومالي السني تحت مظلة مساعدة وإغاثة الفقراء والمحتاجين.
لم يعرف الصومال التشيع منذ أن اعتنق أهله الإسلام بُعيد هجرة الصحابة الكرام إلى أرض الحبشة، ووصول الهجرات العربية إلى سواحل الصومال كزيلع ومركة وبراوة ومقديشو، ويعد المذهب السني المعظِّم للصحابة الكرام وآل البيت الميامين مع المذهب الفقهي الشافعي من مفاخر الشعب الصومالي المسلم.
وقد ذكر بعض المؤرخين وصول بعض الأسر اليمنية من أتباع المذهب الزيدي إلى السواحل الصومالية فراراً من ظلم حكام بلدهم، كما أشار الرحالة المغربي ابن بطوطة إلى وجود شيعة في مدينة الزيلع في الشمال الغربي الصومالي، ولكن قد طعن كثير من الباحثين في صدقية ما ذكره ابن بطوطة.
وقد عرف الصوماليون بوجود جالية من شبه الجزيرة الهندية من باكستان والهند استوطنت العاصمة الصومالية مقديشو منذ فترة غير قصيرة، وكانت تزاول التجارة وتمتلك بعضاً من أشهر مراكز التجارة في مقديشو، كما كان لها مقبرة خاصة في ناحية عَيْل هِنْدِ في مقديشو، محاطة بجدار طويل يمنع رؤية ما في داخلها، يدفن فيها موتاهم، وغير مفتوحة لغيرهم. وبعد سقوط الحكومة المركزية في الصومال عام ١٩٩١م، وبعدما طال الخراب والتدمير كثيراً من المرافق العامة والخاصة، انهدم الجدار المحيط بالمقبرة، وانكشف الغطاء عنها، وكانت العبارات والأسماء التي يقدسها الرافضة منقوشة على القبور، مما يستدل به على أن الجالية كانت من أتباع المذهب الشيعي.
ولا يعرف كثير من الشعب الصومالي عن معتقدات هذه الجالية لأنها كانت منعزلة عن المجتمع ولا تختلط بالناس، كما لم يكن لها أي نشاط دعوي ظاهر للعيان، بل كانت مشغولة بتجارتها وأمورها الخاصة، ولم يعرف صومالي واحد اعتنق المذهب الرافضي في هذه الفترة.
بعد هجرة الصوماليين ونزوحهم إلى خارج الوطن، وجد بعض الأفراد الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة يعلنون باستحياء تأثرهم أو اعتناقهم هذا المذهب، كما تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مرئية عن أفراد من الجالية الصومالية يستمعون إلى هرطقة من معمم رافضي، ولا يعرف إن كان هذا الحضور استدرج في الحفل أم جاء بقناعة منه، ويرى كثير من الناس أن هذا التصرف يندرج تحت الطمع فيما في أيدي دعاة التشيع لا غير.
أما في الداخل الصومالي فيعود النشاط الرافضي المعلن والمشاهد إلى عام ٢٠١١م، إثر المجاعة التي أصيب بها الجنوب الصومالي، ودشنت فيها الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني السابق علي أكبر صالحي في أغسطس من ذلك العام، وأعلن فيها تقديم ٢٥ مليون دولار على شكل مساعدات، وإنشاء مخيم يتسع لألفي شخص، وتجهيز مستشفى متكامل، وتقديم مساعدات طبية وتعليمية للمتضررين.
ويتقاسم هذا النشاط المحموم بدون كلل أربع هيئات إيرانية:
١- لجنة الإمام الخميني للإغاثة.
٢- الهلال الأحمر الإيراني.
٣- الملحقية التعليمية للسفارة الإيرانية في مقديشو.
٤- المخيم الطبي الإيراني.
وهذه الهيئات تتستر بالأعمال الخيرية التي يبدو ظاهرها الرحمة والإشفاق والعون للمحتاجين والمعوزين ولكن تبطن نشر المذهب الرافضي بين الشعب الصومالي مستغلة الظروف الصعبة التي ألمت به، لأن المحتاج والجائع ضعيف وصيد سهل أمام المغريات.
ومن الأنشطة التي قامت بها المنظمات الإيرانية العاملة في الصومال والتي لم تكن مألوفة بين الشعب الصومالي إقامة حفلات الزواج الجماعي مع تحمل جميع التكاليف المادية، مما جعل كثيراً من العقلاء يرسلون صيحة النذير من مغبة التساهل أو التستر على هذا النشاط المشؤوم الذي يستهدف ثوابت الأمة ومعتقدها.
وقد ذكرت بعض التقارير الصحفية إرسال عدد من الطلبة الصوماليين إلى الجامعات الإيرانية، مما يبعث القلق من اعتناقهم المذهب أو على الأقل تعاطفهم أو كسب ودهم.
ومن الأسوار المهمة التي اقتحمتها الحكومة الإيرانية ووضعت بصماتها فيها مجلس الشعب الصومالي (البرلمان)، حيث تقدم رعاية صحية للأعضاء وأسرهم، مما جعل عدداً من أعضاء المجلس يشتاطون غضباً ويستنكرون ما قامت به الحكومة من قطع العلاقات السياسية.
يندرج النشاط الإيراني في الصومال تحت بند تصدير مبادئ الثورة وولاية الفقيه إلى العالم الإسلامي مع التظاهر بالدفاع عن قضايا الأمة الكلية والوقوف أمام الأعداء وإطلاق المواقف السياسية المعادية للغرب وغير ذلك من الشعارات البراقة التي يراد منها الاستهلاك واستعطاف قلوب الملايين من المسلمين المحرومين، ما يجعل كثيراً من الدهماء يعتقدون أن إيران تمثل بصيص الأمل لتطلعات الشعوب الإسلامية.
وينحصر هدف الحملة الإغاثية الإيرانية في الصومال في نشر المذهب الرافضي بغطاء الحب والولاء لآل البيت مع حفنة من المساعدات التي لا تسمن ولا تغني من جوع. ولكن الذي لا يعرفه مندوبو هذه المنظمات المشبوهة هو: أن الشعب الصومالي شعب سني لا يقبل بديلاً دون متابعة الرسول الأعظم # والترضي والتوقير على مقام الصحابة الأبرار، ولأجل حبِّه وتبجيله لمكانة الصحابة لا يكتفي بتسمية أبنائه بأسماء الخلفاء الراشدين دون البدء بلفظة السيد: السيد أبو بكر، والسيد عمر، والسيد عثمان، والسيد علي، رضي الله تعالى عنهم أجمعين. ولا يوجد بيت من بيوت الصوماليين إلا ويوجد فيه فتاة أو أكثر سميت بأسماء الصحابيات الكريمات.
ولا يعني هذا الحب الجارف للصحابة الكرام أن المغريات والحاجة والعوز وقلة ذات اليد والفقر والتطلع إلى حبل النجاة لمن لا يجد رمق العيش يكون سداً منيعاً لميل الإنسان وحبه لمن أحسن إليه ما دام يتظاهر بالمبادئ السامية ولو كان له مآرب أخرى، لأن الفقر كاد أن يكون كفراً، وما المصائب التي أوقعت كثيراً من الناس في الانحراف أو التساهل في أمر دينهم إلا بسببه. ولكي يستعيد الشعب الصومالي حرمته ويلملم ما أصابه من ثلمة التشويش في ثوابته، يجب على الدعاة والعلماء وأهل الرأي والفكر القيام بتوعية شاملة لجميع شرائح المجتمع وتحذيره من مغبة الإصغاء لهذا الصوت الناشز الذي يريد النيل من مصدر عزنا وشرفنا، كما ينبغي المساهمة والمشاركة في إغاثة الملهوفين والمحتاجين حتى لا تستغل المنظمات المشبوهة ذلك في نشر المذهب الرافضي في أوساط الصوماليين.
:: مجلة البيان العدد 349 رمــضــان 1437هـ، يـونـيـو 2016م.