• - الموافق2024/11/05م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الابعاد الاستراتيجية والاجرائية للاحتلال الامريكي في تقسيم العراق

الابعاد الاستراتيجية والاجرائية للاحتلال الامريكي في تقسيم العراق


 الأمة الإسلامية مصطلح لطالما سبب القلق والرعب للدول الغربية وللماسونية العالمية، ولذا عملت جاهدة وبكل ما أوتيت من قوة ومكر وخبث على تفكيك هذه الأمة الواحدة، وتفتيتها إلى دويلات ليسهل السيطرة عليها. وما اجتمع الغرب الصليبي والصهيوني على تباين أهدافهم مثلما اجتمعوا على هذا الهدف، وما حدثت عملية تقسيم أو تم التخطيط لها إلا أعقبها مباشرة إنجاز للصهيونية العالمية، وتجلت أول أعمالهم التقسيمية في إنهاء الخلافة العثمانية التي مثلت على ضعفها أهم الرموز السياسية لوحدة الأمة الإسلامية، وبعد أن تداعى الاستعمار الأوروبي على البلدان الإسلامية ولاسيما العربية توافق على تقسيم البلدان العربية ضمن معاهدة سايكس- بيكو عام 1916، وتم ترسم الحدود التجزيئية بين البلدان ليسهل الاستفراد بكل كيان سياسي، فأعقب ذلك بعام وعد وزير الخارجية البريطاني بلفور للصهاينة بإقامة وطن يهودي لهم في فلسطين، وبعد تقسيم الوطن العربي إلى ما يزيد عن 20 دولة عمدت الماسونية العالمية وأدواتها إلى تقسيمها إلى أربع دوائر؛ الأولى: دائرة الهلال الخصيب التي تشمل العراق ودول الشام. والثانية: دائرة وادي النيل، وتضم مصر والسودان. والثالثة: دائرة الجزيرة العربية، وتشمل دول الخليج واليمن. والرابعة: دائرة المغرب العربي.

وحينما استطاعت بعض الدول العربية لا سيما المؤثرة في تلك الدوائر أن تستجمع قواها وتشكل قوة عسكرية واقتصادية مقتدرة في المنطقة أفزع ذلك الدوائر الاستعمارية الغربية والصهيونية، فطرحت مشاريع تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، وكان البدء بالدول العصية على المشروع الصهيوصليبي وفي مقدمتها العراق، يقول د. عبد العزيز كامل في مقال له في مجلة البيان بعنوان (تقسيم العراق.. الضرر والضرورة): قامت (نظرية الأمن الصهيوني) على ست دعائم، ومنها: تفتيت وتقسيم الدول العربية، والعراق كان دائماً في طليعة الدول العربية المستهدفة بالتفتيت، في ضمن قائمة من الدول العربية الأخرى. وفي تقـرير المنـظمة الصـهيـونية العالمية الذي نشرته مجلة (كيفونيم) «اتجاهات» الصهيونية الصادرة في 14 فبراير 1982م، والذي نقلته في حينه صحيفة (الأهـرام الاقتـصادي) المصرية؛ جاءت عبارات صريحة تحكي ما يحدث للعراق الآن، وما يُدبَّر لسورية من ذلك الأوان: العراق الغنيّ بنفطه، والفريسة للصراعات الداخلية، هو في مرمى التشتيت الصهيوني، وانهياره سيكون بالنسبة لنا أهم من انهيار سورية؛ لأن العراق يمثل أقوى تهديد للدولة العبرية في المدى المنظور.
وقبل ذلك ظهر كتاب في عام 1957م بعنوان (خنجر إسرائيل) للكاتب (ر. ك. كرانيجيا)، وقد تضمن ذلك الكتاب وثيقة عرفت باسم (وثيقة كرانيجيا)، على اسم ذلك الصحفي الهندي وكان الرئيس المصري الأسبق (جمال عبد الناصر) قد أعطاه إياها لنشرها، بعد أن تسربت من هيئة أركان الجيش الصهيوني، وهذه الوثيقة تتضمن مخططات مستقبلية حول تقسيم البلدان العربية تقسيماً جديداً بعد تقسيمات (سايكس بيكو)، وفيها اقتطاع دولة كردية في العراق، وأخرى شيعية في جنوبه! وعندما زار (بنيامين نتنياهو) واشنطن عام 1996م؛ قدَّم له المحافظون الجدد من اليهود مشروعاً لتقسيم العراق، ليرتّب على أساسه سياسات الدولة الصهيونية العسكرية في المرحلة المقبلة، وقد أُعيد تطوير وتقديم هذه الأفكار في مشروع يحمل اسم (بداية جديدة) عام 2000م. ودعا المؤرخ الإسرائيلي (ببني موريس) في حديث إلى إحدى الإذاعات الأمريكية إلى تقسيم العراق بعد غزوه، وقال: «إن العراق دولة مصطنعة (!!) رسمها الإنجليز، وخلطوا فيها عشوائياً شعوباً وطوائف لا تريد في الحقيقة أن تتعايش مع بعضها»! وهو المعنى نفسه الذي كان يردِّده المؤرخ الأمريكي اليهودي (برنارد لويس) الذي كان يَعدُّ العراق أيضاً كياناً غير طبيعي، قام على أساس خطأ تاريخي تسببت فيه إنجلترا، وإن احتلال العراق ثم تقسيمه فرصة لتصحيح ذلك الخطأ.

إن مشروع تقسيم العراق له عمق تاريخي وأبعاد عقدية وسياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية، وقد حظي باهتمام الباحثين وأصحاب القرار منذ أمد بعيد وأعدت دراسات ومؤلفات عدة لتغطية هذا الجانب وهي متجددة لتجدد تداعياته وتطوره على الساحة السياسية.
 ومواكبة لتغطية مجلة البيان في معالجة الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية وتداعياته على المشهد العراقي فإننا سنقتصر في هذا المقال على الأبعاد الإستراتيجية والإجرائية لتأثير الاحتلال الأمريكي في تقسيم العراق.

تقسيم العراق مشروع أمريكي

يمكن أن نرصد الدور الأمريكي في مشروع تقسيم العراق من خلال ثلاث حقب زمنية وهي: ما قبل احتلال العراق، وفي أثنائه، وما بعد الانسحاب الأمريكي، واعتمدنا في الحقبتين الأولى والثانية على معطيات إستراتيجية وإجراءات عملية، وأما الحقبة الثالثة فهي قراءة مستقبلية بناء على ما سبق.

تقسيم العراق قبل الاحتلال الأمريكي:

مثّل تقسيم العراق إلى دويلات إثنية إحدى أهم الاستراتيجيات في السياسة الأمريكية التي رسخها اللوبي اليهودي في الإدارة الأمريكية، ولذا كان أحد أهداف الاحتلال ولم يكن وليدة الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، أو حتى نتاج الغزو الأمريكي للعراق، بل كان أحد أهم الأهداف الحقيقية الخفية للاحتلال، من أجل الحفاظ على المصلحة الأمريكية والصهيونية التي اقتضت إسقاط «الدولة العراقية»، والسيطرة على الموارد النفطية، وتقسيم العراق، فقد ذكر مركز «جلوبال ريسيرش» الكندي المستقل، وهو مجموعة بحثية إعلامية، في دراسة نشرت له في تشرين الأول - أكتوبر  عام 2002: أن تقسيم العراق على أسس عرقية، وإعادة ترسيم الحدود القومية كان جزءًا من أجندة السياسة الخارجية والأجندة العسكرية للولايات المتحدة، وذكر مركز ستراتفور في تقرير له: أن إحدى الاستراتيجيات الأساسية طويلة الأمد التي يدرسها مخططو الحرب الأمريكية هي استراتيجية تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق منفصلة. وتحت هذه الخطة سينتهي وجود العراق، والدويلات هي: الأولى في وسط العراق الذي يسكنه العرب السنة وسيتم ضمه إلى الأردن ليشكل «المملكة الهاشمية المتحدة»، والثانية كردية في شمال العراق والشمال الغربي، بما في ذلك الموصل وحقول النفط الواسعة في كركوك، والثالثة شيعية في جنوب العراق، بما في ذلك البصرة، وعلى الأرجح سيتم ضمها إلى الكويت (أو إلى إيران).

وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية أن الهدف الأمريكي في العراق هو تشكيل مملكة هاشمية متحدة تضم بين دفتيها الأردن والمناطق السنية بالعراق. كما كرر ذلك للتليفزيون الروسي الخبير الصهيوني في شؤون «الإرهاب»، «إيهود سبرينزاك»، يوم 24 سبتمبر، وأكد أن معدي خطة «المملكة الهاشمية المتحدة» هما «ديك تشيني» و«بول وولفويتز»، وهما من أقوى الصقور في إدارة بوش الابن.

وطرح كيسنجر مشروعاً في العام (1973) وأثير مجدداً في العام (1983) ولا يشمل تقسيم العراق فحسب وإنما يشمل تقسيم كل الدول العربية على أسس (إثنية وطائفية) وطرح مجدداً في العام (1998) عندما سن الكونجرس الأمريكي مشروع قانون «تحرير العراق».

وأما على مستوى الخطوات الإجرائية فيتمثل بالتالي:

- الضغط على مجلس الأمن لإصدار قرار يحدد المناطق الآمنة للأكراد والشيعة، وبموجبه فرضت أمريكا مناطق محظورة الطيران على الدولة العراقية لحماية الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال، دعماً لهما في بناء كيان سياسي مستقبلي يمكن الإفادة منه لاحتلال العراق ومن ثم تقسيمه.
- ترسيخ الولايات المتحدة الأمريكية فكرة تقسيم العراق (تحت عنوان الفيدرالية) (وحق الأكراد في تحقيق المصير) وعدّه واحداً من الخيارات المطروحة أمام المعارضة العراقية قبل الحرب على العراق في اجتماعها بلندن في كانون الأول 2001 ومن ثم في واشنطن في آب 2002 وفي أربيل في تشرين الثاني 2002.

- دعم الإدارة الأمريكية للدراسات الداعية إلى تقسيم العراق ومنها ما طرحته جامعة تكساس من خريطة للتوزيع العشائري للعراق وحددت أسماءها ومناطق نفوذها (ومذهبيتها) ووضعتها كما يبدو أمام المخابرات الأمريكية لاستغلالها في تنفيذ فكرة التقسيم الإثني للسكان في العراق، وما اقترحه أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا والباحث في معهد (انترابرايز) الصهيوني (جون ديو) في مقال في صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) من التعجيل بتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم، وكتب أستاذ قانون أمريكي آخر، وهو (آلان توبول) أحد مستشاري الحكومات الأمريكية المتعاقبة، وأحد منظِّري اليمين الإنجيلي في إدارة بوش، كتب في موقع (Military) الخاص بالجيش الأمريكي مقالاً يدعو فيه إلى البدء في إنجاز مشروع تقسيم العراق، معتبراً أن دول العالم التي وصل عددها إلى 193 دولة لن يضيرها شيء إذا زادت من أعضائها لتصبح 196 دولة بعد نشوء الدول الجديدة في العراق!

مشروع التقسيم في أثناء الاحتلال

في هذه الحقبة سبقت الخطوات الإجرائية الدعوات التي أطلقها مسؤولون في الإدارة الأمريكية، والقرارات التي اتخذتها مؤسسات سياسية أمريكية، ولعل من أبرز الإجراءات التي اتخذتها القيادة الأمريكية تعزيزاً لمشروع تقسيم العراق ما يلي :

- إقرار المحاصصة العرقية والطائفية في تشكيل مجلس الحكم إبان الاحتلال الأمريكي.

- التأكيد على مسألة الأغلبية الشيعية والأقلية السنية (وهي أكذوبة فنّدتها دراسات عدة) وبناء القرارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على وفقها.

- تضمين بذور التقسيم في الدستور العراقي الجديد، ولا سيما في المواد المتعلقة بالفيدرالية شكلاً، والتقسيم مضموناً، ومعلوم أن صياغة هذا الدستور أُسندت إلى اليهودي (نوح فيلدمان)!

- تغيير قانون الجنسية العراقي وإصدار قانون جديد يمكن بواسطته منح الجنسية لآلاف العوائل القادمة من الخارج، وبشكل فوري وسريع اغتناماً للفوضى العارمة التي شهدها العراق؛ سعياً لاستيطانهم وتخندقهم لاسيما في المناطق الكردية والشيعية تنفيذاً لقرارات مؤتمر المعارضة في لندن في العام 2002.

- تغذية الفرز الطائفي والعرقي وترسيخ المحاصصة الجغرافية، ترغيباً بالتعويضات المالية، وترهيباً بتصعيد العنف الطائفي والعرقي، ومن ثم التمهيد لحرب أهلية تجلت بعد تفجيرات سامراء 2006، والغرض منها ترحيل العوائل إلى مناطق أغلبيتها، فكانت ضد العوائل السنية - وهي الأشد - في المناطق الجنوبية والعربية في المناطق الشمالية ولاسيما في محافظتي كركوك وديالى، وضد العوائل الشيعية في غرب العراق وشماله لترحيلهم طوعاً أوكرهاً إلى مناطق أغلبيتهم، كما أوعزت الإدارة الأمريكية إلى الأحزاب الموالية لها (الكردية والشيعية) لحث أتباعها على فعل ذلك لتتخذها ذريعة للقيام برد فعل معاكس مبرر ضد المناطق السنية المناهضة والمقاومة للاحتلال، تمهيداً لتقبل أطياف الشعب العراقي لمشروع التقسيم أو على الأقل عدم مواجهته، ففي لقاء مع صحيفة نيويورك تايمز شدد مسعود البرزاني على أنه يعتقد بأن الأمل الوحيد المتروك لتحقيق الاستقرار في العراق هو في تقسيمه إلى فيدراليات، والمفضل ثلاث: الأكراد في الشمال والسنة العرب في الوسط والغرب والشيعة في الجنوب، مؤكداً ان الأمريكيين وإن سعوا إلى تليين المطالب الكردية فإنهم مستمرون بإظهار الدعم لاستقلالهم الذاتي وحق تقرير المصير، في حين تزعم المجلس الإسلامي الأعلى في العراق على لسان زعيمه عبدالعزيز الحكيم وابنه عمار؛ دعوات بإقامة إقليم الجنوب على غرار إقليم كردستان، وتبناها في حملته الانتخابية، وسبق ذلك تحريض عشائر الجنوب ضد عشائر المنطقة الغربية برسالة موقعة من 67 عشيرة تطالب بالثأر والقصاص من عشائر الفلوجة، والمشاركة الفعلية في الهجوم على مدن الفلوجة وبعقوبة وسامراء وتلعفر، بل إن عضو الائتلاف العراقي (الشيعي) وائل عبد اللطيف نجح في إقناع الأمم المتحدة بإجراء استفتاء على جعل محافظة البصرة إقليماً مستقلاً لكن العشائر العربية أفشلت هذا المشروع، كما أن أطرافاً سياسية سنية بدأت بالتفكير الجاد في موضوع الإقليم السني بوصفه حلاً بديلاً للحفاظ على حقوق أهل السنة وحمايتهم، على الرغم من المعارضة الشديدة له من قبل المقاومة العراقية والقوى المناهضة للاحتلال.

يقول د. مهند العزاوي مدير مركز صقر للدراسات الإستراتيجية في دراسة له بعنوان: تضاريس طائفية سياسية لتقسيم العراق: لقد أثبتت الحقائق والوقائع أن التهجير لم يكن عملاً اعتباطياً أو رد فعل عاطفي كما يسوقه الإعلام الأمريكي والغربي والإعلام التابع له والملحق به، بل هو مخطط صهيوأمريكي إيراني أعد له قبل غزو العراق ونفذ باستخدام حرب التغيير الديموغرافي الذي طال جميع مدن ومناطق العراق لفرض واقع تضاريس طائفية سياسية تقود إلى تقسيم العراق، وذلك باستخدام وسائل التقطيع القاسي كالقتل والتعذيب والاغتصاب والتفجير والحواجز الكونكريتية والاعتقالات والمداهمات والتجويع ناهيك عن وسائل التقطيع الناعم السياسية والاجتماعية والقانونية والبحثية.. جميعها حزم ضغوط لإجبار أبناء تلك المناطق للمطالبة بدويلة الوسط نظراً لحجم الجرائم والظلم والتقتيل والتجويع والتهميش الذي مورس ضدهم بإرادة أمريكية.

وحتى الخدمات استخدمت في الترويج لمشروع التقسيم، فقد وصف أحد السياسيين العراقيين الفدرالية بأنها العلاج لأزمة الكهرباء والماء ونقص الخدمات وهي الدواء لمرض البطالة وأنها لا تهدف سوى إلى زيادة صلاحيات الأقاليم، وهذا الأمر بطبيعة الحال يمهد لمشروع التقسيم.

المقاومة العراقية وإفشال مشروع التقسيم

مع تصاعد عمل المقاومة العراقية التي أحرجت الإدارة الأمريكية وهو ما جعلها تعيد حساباتها في تبني مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، ونتيجة لذلك تصاعدت الدعوات في تقديم الاستراتيجيات للخروج من المأزق العراقي وكان من ضمنها إستراتيجية تقسيم العراق، فهو أحد الخيارات التي تضعها الإدارة الأمريكية على الطاولة بوصفه خياراً بديلاً عن انسحاب مذل ومهين، فقد أكد هنري كيسنجر في دراسة له في عام 2005: إن النفوذ الأمريكي بالعراق مهدد، ما لم يرتكز على عناصر أربعة.
الأول: منع أي جماعة من استخدام العملية السياسية لإقامة ذلك النوع من الهيمنة الذي تمتع به السنة.

والثاني: منع أية منطقة من الانحدار نحو ظروف طالبان بوصفها ملاذاً ومراكز تجنيد للمجاهدين.

والثالث: منع تحول الحكومة الشيعية إلى حكومة دينية، سواء كانت إيرانية أو وطنية.

أما العنصر الرابع فهو: ترك مجال للاستقلال الذاتي الإقليمي في إطار الدولة العراقية. ونلاحظ أن العنصرين الأول والرابع يرميان إلى عدم السماح بإقامة دولة عراقية قوية والنيل من وحدة العراق أرضاً وشعباً، وهما بلا شك أساس تقسيم العراق. وفي تقرير لجنة (بيكر هاملتون) التي كلفتها الإدارة الأمريكية السابقة بوضع تصور عن حلٍّ للأزمة العراقية عام 2006م، قدم في أحد بنوده (تقسيم العراق) بوصفه أحد الحلول الناجعة لأزمة العراق. وأصدر مجلس الشيوخ الأمريكي (الكونجرس) في 26/9/2007م قراراً ينصح فيه الحكومة الأمريكية (ولا يُلزمها) بتبنِّي خطة تقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات؛ وافترض الكونجرس أن هذا الإجراء هو الحل الأمثل لإعادة الاستقرار إلى العراق! علماً بأن من قدَّم مشروع القرار إلى الكونجرس هو السيناتور الديمقراطي (جوزيف بايدن) رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ آنذاك، ونائب الرئيس الأمريكي حالياً، وكان معاونه (ليزلي) قد طرح في 25/11/2003م أفكاراً لتنفيذ مشروع التقسيم، نشرتها صحيفة (نيويورك تايمز)، في مقالة بعنوان (حل الدول الثلاث)، وتعاون (جوزيف بايدن) نفسه معه في شرح هذه الأفكار وتقديمها. وقد حظي هذا القرار بموافقة 75 عضواً في مجلس الشيوخ من أصل مئة.

وماذا بعد الانسحاب الأمريكي؟

يمكن أن نلخص قراءتنا المستقبلية للمشروع الصهيوأمريكي الرامي إلى تقسيم العراق بعد الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية المحتلة وصولاً إلى الانسحاب النهائي (ولو بعد حين) بالتالي:
- سيبقى مشروع تقسيم العراق قائماً وإن انسحبت القوات الأمريكية من العراق نتيجة ضربات المقاومة العراقية، وستبقى الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية العالمية ترعى وتدعم هذا المشروع سواء كان ذلك بصورة مباشرة ضمن سياسة إعادة الانتشار التي أبرمتها الإدارة الأمريكية مع حكومة المالكي، أو بصورة غير مباشرة من خلال أذرعها وأذنابها الذين ستمكن لهم من التسلط على الحكم في العراق، فالعراق وإن كان اليوم في أضعف مراحله السياسية والعسكرية والأمنية (لكونه محتلاً ومخترقاً وتتولى إدارته حكومة هزيلة ذليلة متشظية ذات ولاءات خارجية ومصالح فئوية وشخصية)؛ إلا أن إمكانية عودته إلى قوته لن تستغرق وقتاً طويلاً إذا ما تولت السلطة فيه قيادة عراقية مستقلة وموحدة وحريصة على تحقيق مصالح شعبها والحفاظ على سيادته وهويته العربية والإسلامية.

إن تقسيم العراق سيبقى مطلباً لقوى الاستعمار والاستكبار العالمية ما وجدت أو استشعرت أن في وحدة العراق عائقا أمام الحفاظ على مصالحها وتحقيق مطامعها، وقد تغض النظر عنه حينما تكون وحدته سبيلاً آمناً لتحقيق مصالحه، والحد من التدخلات الإقليمية فيه لا سيما تدخل تركيا في شماله وإيران في وسطه وجنوبه وهو ما توصل إليه المحلل السياسي «إريك ماركواردت» في تقريره الذي نشره موقع مؤسسة «تقرير أخبار القوة والمصلحة» PINR البحثية المستقلة في 28 يناير عام 2004 تحت عنوان: «تقسيم العراق سيؤدي على الأرجح إلى عدم استقرار إقليمي».

إن وحدة القوى المقاومة والمناهضة للاحتلال أو انضمامها في مشروع سياسي تنسيقي شعبي تكاملي، يرمي إلى تحرير العراق من الاحتلال بصوره وأشكاله جميعها، والعمل على إدارة سلطته تحت مظلة الحكم الرشيد الذي يحقق العدل والإنصاف لأبنائه جميعهم على اختلاف أطيافهم؛ هي السبيل الأمثل لإفشال مشاريع التقسيم.

إن الحفاظ على العمق العربي والإسلامي ضمان لوحدة العراق، وإن تحرر الدول العربية من الضغوط التي دفعتها إلى التعاطي السلبي مع القوى المناهضة والمقاومة للاحتلال سيقصر الطريق أمامها لتحرير العراق واستقلاله وإفشال مشروع تقسيمه وصولاً إلى تحقيق الاستقرار الآمن للعراق أولاً وللمنطقة ثانياً.

إن رفض مشروع التقسيم لا يتعارض مع حرص القوى العراقية الصادقة على العناية والاهتمام بالمناطق السنية التي لا تزال تعاني إهمالاً وتهميشاً وتضييقاً وتجهيلاً وعوز اًونفوذ النفعيين فيها، والمطالبة بحقوق أبنائها التي انتهكتها قوات الاحتلال والحكومات الطائفية، والمحافظة على هويتها وعقيدتها وقيمها المهددة من قبلها، بل جعله أحد الخيارات البديلة – وإن كان بعيداً - إذا ما تطور العنف أو تجددت الحرب الأهلية لا قدر الله، وذلك كله وفق سنن الله تعالى في الأفراد والجماعات والصراع بين الحق والباطل. إن التهديد بالتقسيم لا ينبغي أن يدرج بوصفه ورقة ضغط في مقايضة القوى الرافضة له، وينبغي أن يجلى لدعاته حقيقة الأهمية الإستراتيجية الآنية والمستقبلية لمناطق وسط العراق وغربه وشماله (أو ما يطلقون عليه الإقليم السني)، فضلا ًعن أهميته في الحفاظ على الهوية الإسلامية لأهلها ولأجيالهم.

 

أعلى