دورات العلاج بالطاقة: تقويم من الداخل
إن المتابع للواقع الفكري المعاصر يلحظ مدّاً واضحًا للمعتقدات والمبادئ الفلسفية
الروحية الشرقية، التي يُعمل على بعثها وإحيائها بطرق تتناسب وثقافة العصر، وأنماط
المعيشة الجديدة، وتتوافق في كثير من مضامينها وتطبيقاتها مع دعوات العولمة
والانفتاح الثقافي والأخوة الكونية.
ولعل أبرز الطرق التي تحمل وتنشر كماً كبيراً من هذه المبادئ الفلسفية والمعتقدات
الدينية الشرقية اليوم تلك التي أخذت طابع التدريب أو العلاج؛ لكونها باطنية المنهج
لا تُظهر حقيقتها الدينية، ولأن قوالبها التطبيقية تلبي حاجة الناس اليومية،
وتتواءم مع تطلعاتهم في الوصول إلى الصحة والسعادة ولا سيما قد أصبح القلق على
الصحة سمة عصرية بارزة نتيجة للتغيرات الكونية ومخلفات التقدم الصناعي، كما أن سرعة
وصول الأخبار وتهويلها، وانتشار الشائعات حول الحروب والكوارث والأمراض الوبائية
وغيرها أسهم بشكل كبير في زيادة مشاعر الخوف والقلق لدى عامة الناس مما يدفعهم إلى
قبول ما يُعرض لتطويرهم وتعزيز صحتهم قبل أن يتأكدوا من صحته.
ومن هنا يبرز دور المختصين في مجال الطب، ومجال الفكر والعقائد، وأهمية جهودهم في
تتبع هذا الكم المطروح لعامة الناس في الدورات التدريبية أو العلاجية وتجلية حقيقته
وبيان فوائده أو مخاطره. وهذه المقالة هي جانب من هذه الجهود تقدم صورة من الداخل
لدورات العلاج بالطاقة التي ذاع صيتها وتنوعت صورها في المجتمعات المسلمة اليوم ما
بين دورات «الماكروبيوتيك» ذات الطابع الغذائي، ودورات «الفينغ شوي» ذات الطابع
الهندسي، ودورات «الريكي» ذات الطابع العلاجي، وبين هذه وتلك أسماء متعددة وتطبيقات
متنوعه قوالبها مختلفة وفلسفتها وحقيقتها واحدة تتمحور وتنطلق من الفلسفة الشرقية
القائمة على عقيدة «وحدة الوجود» Pantheism.
انتشار الفلسفة الشرقية في الغرب في العصر الحديث
كان للتقدم السريع في الاتصالات والانفتاح المعرفي الكبير على ثقافة الشرق في العصر
الحديث أثر واضح في انتشار المبادئ والفلسفات الشرقية بعقائدها الوثنية وطقوسها
اليومية متخطية أتباعها إلى غيرهم، وأسهم في ذلك كونها وجدت مكاناً مميزاً في
الحضارة الغربية الغالبة في العصر الحديث، فكثير من الغربيين بهرتهم روحانيات الشرق
لما يعيشونه من فصام بين بقايا دينهم المحرف ومعطيات العصر الحديث، وهم يحملون
مخلّفات الصراع الكبير بين العلم والدين الذي ذاقوا ويلاته سنين. ومن ثم وجد من
سموا بـ «المرشدين الروحانيين» القادمين من الهند والتبت قبولاً كبيراً بينهم،
فانتشروا يبشرون بأديانهم الشرقية في أمريكا وأوروبا عبر تطبيقاتهم الروحانية
المتنوعة، وتكونت من أثر دعواتهم طوائف كثيرة في المجتمع الغربي تجتمع حول
الممارسات الروحية الشرقية. font-family:"Tahoma","sans-serif";mso-fareast-font-family:"Times
New Roman"" lang="AR-SA">
لمحة عن الحركات الروحانية في الغرب:
في الستينيات الميلادية من القرن المنصرم بدأ ظهور حركات روحانية منظمة في الغرب
كان من أبرزها (حركة القدرات البشرية الكامنة) Human
Potential Movement التي
ضمت مجموعة من فلاسفة وعلماء غربيين متخصصين في فروع العلم المختلفة، جمعهم الإيمان
بأن لدى الإنسان قدرات كامنة، متجاوزة الطبيعة البشرية المعروفة، وأنه يجب العمل
على تحريرها وإبرازها لعموم الناس للاستفادة منها في جوانب حياتهم.
وكان من أهم أهداف الحركة دراسة هذه القدرات والعمل على إعادة تصميم الطقوس
المساعدة على اكتسابها بشكل يتناسب مع طبيعة العصر العلمية. وحرصت الحركة على إبراز
الحياد الديني وادّعت أن التطبيقات التي تصممها، وتدعو لها تتناسب مع مختلف
الديانات والعقائد، ولا تختص بأهل الديانات والفلسفات الشرقية رغم أنها مقتبسة
منها. وهكذا تم إنتاج برامج متنوعة تحت اسم «التنمية البشرية»Human
Potential of
Development مثّلت
تطبيقات عملية للفكر المستقى من الفلسفات الشرقية والعقائد الوثنية المختلفة، وبدأ
تسويق تلك البرامج لعامة الناس من أجل تمكينهم من اكتشاف قدراتهم الكامنة وتحريرها
والاستفادة القصوى منها لينعم الناس بقدرات علمية وتأثيرية توصلهم لما ينشدون من
السعادة. وقد ظهر واضحاً للأوساط العلمية في الغرب التي تابعت انتشار تلك البرامج
تأثر أصحابها وأتباعهم بالأديان الشرقية واعتبار البوذيين أنموذجاً لتلك القدرات
المحررة دون اعتبار لصدق ما يُنشر من مفاهيم وما يُدّعى من نتائج، دون الاهتمام
بالمنهج العلمي لما يُنشر بين العامة على أنه حقائق علمية.
ومن المؤكد أن قوة التيار المنادي بالعودة للروحانيات في الغرب كان له دور بارز في
قبول تلك البرامج بل تأسيس مراكز ومعاهد متعددة تدعو إلى الهدف نفسه: البحث في
أسرار القوى الكامنة لدى الروحانيين الشرقيين، وإمكان فهمها وصياغتها في قوالب
قابلة للتطبيق لدى عامة الناس من مختلف الديانات. ومن أبرز تلك المراكز «معهد
إيسالن»Esalen[1]،
الذي يعد محضناً رئيساً للفكر الروحاني الشرقي، ومركزاً يهدف إلى الجمع بين فلسفات
الشرق وعلم النفس الإنساني (الغربي)، ومقراً لدراسة الطقوس والممارسات الشرقية
واكتشاف أسرارها وإمكان نشرها لعموم الناس.
وفي معهد إيسالن ولدت حركة «العصر الجديد» New
Age Movement التي
تخصصت بشكل أوسع في نشر الفكر الفلسفي الروحاني وتسويق تطبيقاته وممارساته المتنوعة
لعموم الناس إيذاناً ببداية عصر جديد يكتشف فيه الإنسان قدراته الكبيرة، ويستغني عن
أي مصدر خارج نفسه ومنه الإله الذي تخبر عنه الديانات السماوية – بحسب ما يعتقدون
-.
وقد صممت حركة العصر الجديد عشرات البرامج التدريبية والاستشفائية المقتبسة من
الديانات الشرقية وعقائد وطقوس القبائل الوثنية ونشرتها تحت اسم «التنمية البشرية» Human Potential of
Development أو Personal
Development،
وتفوقت برامجها كماً وكيفاً وتسويقاً على البرامج السابقة، فانتشرت بشكل واسع في
أمريكا أولاً ثم أوربا، ثم اجتاحت العالم العربي والإسلامي خاصة بعد أن تبناها
مدربون مسلمون حاولوا التوفيق بينها وبين الدين الإسلامي بدعوى (أسلمة) العلوم!
وكما هو ملاحظ فإن اسم «التنمية البشرية» Human
Potential of Development اسم
جذاب، ولفظ مجمل يدل على تطوير المهارات، وتنمية جوانب الشخصية ونحوه مما هو مطلب
حضاري ملح يسعى إليه عموم الناس على اختلاف دياناتهم للوصول إلى النجاح في حياتهم.
كما أنه اسم يشبه اسم «تنمية الموارد البشرية» Human
Resources Development الذي
هو محل اهتمام عالمي وحضاري على مستوى الدول والمؤسسات، ويقدّم تحت مظلته كثير من
البرامج العلمية والتدريبية النافعة سواء كانت المتعلقة بالجوانب الإدارية؛
كالتخطيط، ورسم الأهداف، وإدارة الوقت، أو الدورات المتعلقة بالجوانب الاجتماعية؛
كدورات تربية الأبناء وفنون العلاقات الأسرية، أو الدورات المتعلقة بالمهارات؛
كدورات فنون الحوار ومهارات الاتصال والإلقاء ومهارات اللغات والحاسوب وغيرها، أو
ما يتعلق بالجوانب النفسية؛ كبرامج التحفيز والتخلص من ضغوط العمل ونحوها مما هو
نافع ومفيد لتنمية شاملة مستدامة والعمل جاد على إيجاده والتدريب عليه في المؤسسات
العامة ومؤسسات التعليم العالي وغيرها في العالم.
وقد كان لهذا الإجمال في الاسم والتشابه بين اللفظين أثر كبير في امتزاج برامج
«التنمية البشرية» روحانية الطابع مع برامج «تنمية الموارد البشرية» القائمة على
نتاج العلوم التجريبية الموضوعية، واشتبه الأمر لدى كثير من الجهات المستفيدة
أفراداً وجماعات ولا سيما قد أصبح التدريب تجارة رائجة وسوقاً مفتوحة تعتمد على قوة
الدعاية وشهرة شخصيات المدربين.
والحق أن الاختلاف كبير بين برامج «التنمية البشرية» وبرامج «تنمية الموارد
البشرية» في الجوهر والحقيقة، وفي الأهداف والمخرجات؛ فبرامج «تنمية الموارد
البشرية» برامج أنتجتها الحضارة الغربية عندما اهتمت بالعقل والوقت والعلم، بينما
برامج «التنمية البشرية» برامج أنتجتها المدارس الفكرية الغربية المتأثرة بالفلسفة
الشرقية التي تنظر إلى الإنسان على أنه مخلوق روحاني محبوس في جسد يعطل كثيراً من
قواه وإمكانياته، وأنه بالتدريب الروحاني تتحرر قواه، ويترقى إلى حيث «الإنسان
الكامل» Trancendentalism.
دورات العلاج بالطاقة:
مع تزايد الاهتمام ببرامج الطب والاستشفاء البديل وتطبيقاته المختلفة عالمياً، التي
شكّلت ملاذاً للخائفين على صحتهم مع انتشار الأوبئة ومخلفات الكوارث البيئية،
والراغبين في الاستغناء عن العلاج التقليدي الكيميائي ولا سيما بعد كثرة الحديث عن
أخطاء الأطباء وتجارة الدواء وعن الأضرار الجانبية الخطيرة للأدوية الكيميائية. ومع
انتشار برامج التنمية البشرية بالمفهوم الهندوسي والبوذي ظهر ما سُمي بـدورات
«العلاج بالطاقة»، ورغم أنه لم يثبت جدواه في الدراسات العلمية المعتبرة عالميًا
حول الطب البديل؛ إلا أن ارتباطه بالتدريب والتطوير والتنمية البشرية من وجه،
وارتباطه بمراكز التغذية والنوادي الصحية ومراكز الطب البديل من وجه آخر؛ جعله يصل
إلى عامة الناس بشكل سريع، فانتشرت دورات وجلسات العلاج بالطاقة التي لم تؤسس على
علم الأمراض، وليس لها علاقة حقيقية بالطب، وإنما هي معتقدات فلسفية، وطقوس وثنية
مُزجت بقليل من التمارين الرياضية، وشيء من النظريات العلمية، ولاقت قبولاً عند
شرائح من المرضى وشرائح من الراغبين في امتلاك قدرات العلاج ولا سيما بعد تبني بعض
من يعدون علماء غربيين هذه البرامج لتأثرهم بالفلسفة الشرقية، وبعد سكوت كثير من
الأطباء وعدم تحذيرهم منها إما لعدم معرفتهم بها أو لاعتبارها نوعاً من العلاج
بالوهم قد ينفع بعض أصحاب الأمراض المستعصية ويجعلهم يعيشون باقي حياتهم ضمن إطار
من الأمل! وهكذا انتشرت برامج العلاج بالطاقة في العالم ومنه العالم الإسلامي وافدة
من الشرق عبر الغرب تحت مظلة «الطب البديل» أو «التكاملي».
ماهية الطاقة وحقيقتها:
تعتمد برامج «العلاج بالطاقة» على الاعتقاد بـما يسمى «الطاقة» وهي مبدأ وفلسفة
ليس له علاقة بعلم الفيزياء، ولا باسم الطاقة المعروف فيه؛ لذا يطلق عليها علماء
الفيزياء اسم «علم زائف» Pseudoscience،
فالطاقة المقصودة في برامج العلاج بالطاقة هي مبدأ يعتقد أصحاب الديانات الشرقية
أنه سبب وجود كل شيء، وجوهر كل شيء. وأنه انقسم في القديم إلى قسمين، انساب أحدهما
في الكون بشكل حر يمكن للإنسان التدرب على كيفية استمداده والاتحاد معه، من أجل
تحصيل السعادة والحكمة والصحة. ويسمى هذا القسم باللغة السنسكريتية «برانا» Pranaوفي
اللغة اليابانية «كي» ki،
ويسمى «تشي» Chi-Qi في
اللغة الصينية.
وإنما أطلق عليها اسم «الطاقة» عندما تبنتها الفلسفة الغربية الروحية، وأضافت حركة
«العصر الجديد» لأسمائها الشرقية السابقة أسماء ذات صبغة علمية أو دعائية، منها:
«الطاقة الروحية» و«قوة الحياة» باعتبارها مصدر الحياة ومنبعها، و«قوة الشفاء»
باعتبار ما ينسب لها من قدرات شفائية، و«الطاقة الكونية» لكونها أصل الكون وهي
مبثوثة فيه، و«الطاقة البشرية» باعتبار أنها قابلة للاستمداد عند البشر ومن ثم
إيصالهم من خلالها إلى ما يؤملون بحسب الفلسفة الشرقية[2].
وفي الفلسفة الباطنية الحديثة التي تروجها الحركات الروحية الغربية تمثل «الطاقة»
أول مبدأ ينبغي أن يؤمن به المستشفِي، ويعتقد أهميته وقوته، ويمارس كيفية الشعور به
واستمداده، والاتحاد به. ويُدّعى أن فهم حقيقة «الطاقة» والتناغم معها كان سرًا
مهمًا، وصل إليه الباطنيون الأوائل والحكماء والمتنورون والأنبياء على امتداد
الزمان برياضات روحية خاصة، وتجارب ذوقية وجدية لم تكن تُفشى لعامة الناس، وأن حركة
«العصر الجديد» تولت إفشاء هذا السر، ونشره لعامة الناس وجعل تطبيقه في متناولهم
جميعاً دون تمايز طبقي أو ديني في عصر الاتصال والانفتاح المعاصر، وأصبح شرح هذه
الفلسفة يمثل الإطار النظري لجميع برامجها الرامية إلى إحداث التغيير الشامل على
المستوى الفردي بمضاعفة القدرات البشرية، وعلى المستوى العالمي بإلغاء الفوارق
الدينية وتحقيق السلام الشامل، وهكذا انتشرت هذه الفلسفة على أوسع نطاق متداخلة مع
جوانب حياة الناس اليومية عبر تطبيقاتها ومنها برامج «العلاج بالطاقة».
نظرة في دورات «العلاج بالطاقة» من الداخل:
تشتمل جميع البرامج المقدمة باسم «الطاقة» على نسب متفاوتة من أصل هذه الفلسفة
الباطنيةEsoteric «فلسفة
الطاقة الكونية» ، ويتم فيها شرحها على أنها حقائق علمية عن أصل الكون ونشأته، وأصل
الإنسان، والمؤثرات الماورائية فيه. وفي الأجواء التدريبية والعلاجية باسم «الطاقة»
يمارس المتدربون التمارين المتنوعة دون الانتباه لكون كثير منها طقوس خاصة بديانات
وفلسفات شرقية وثنية. فكونها تُقدم باسم «الطاقة» الذي يشتبه بالمصطلح العلمي
المعروف في العلوم الطبيعية يجعل المتدربين يعتقدون أنها علم موضوعي، بل يرمون من
يوضح حقيقتها الزائفة برفض العلوم الحديثة!
كما أن تقديمها بأسمائها الأصلية في اللغات الشرقية كـ «الريكي» و«التشي كونغ»
و«الفينغ شوي» و«التاي تشي» و«اليوغا» و«البرانا هلينغ» وغيرها يجذب كثيرين ممن
يرون للشرق - الهند والصين - تقدماً في الصحة وتفوقاً في أنواع الطب البديل.
ومن البرامج المقدمة باسم «العلاج بالطاقة» برنامج التنفس التحولي والعميق Transformational
Breathing وبرنامج
التأمل الارتقائي التجاوزي Trancsendental
Meditation:
وهما برنامجان يدربان على استجلاب طاقة «البرانا» الكونية! ويتضمن برنامج التنفس
تدريبات متنوعة على كيفية استشعار تدفق هذه الطاقة «البرانا» في الجسم، من خلال
الدخول في حالة من الاسترخاء العميق الموصلة إلى مرحلة «النشوة»، حيث يتم التخلص
مما يسمونه «الطاقات السلبية» وتحصيل السكينة وشفاء من كثير من الأمراض.
ويُعد التنفس العميق برنامج تعليم روحي يُقدّم للعلاج والصحة ضمن برامج المعالجة
الفلسفية (معالجة الروح والعقل والنفس معًا)، كذلك يُقدَّم «التنفس» كتمرين مهم في
أكثر برامج «الطاقة» الأخرى؛ لأنه طريقة من طرق الدخول في حالات الوعي المغيّرة،
التي تعتمد عليها أكثر هذه البرامج بهدف إطلاق القدرات الكامنة عند مرحلة
«اللاوعي»، التي يعتقدون أنها المرحلة التي يعيش فيها الإنسان تجربة روحية فريدة
تجعله يكتشف قواه الكامنة، ويشعر بنشوة وفرح، وتقوى لديه الذاكرة والاستبصار لذا
يتم التدريب على التنفس وممارسته في دورات طاقة خاصة في العالم الإسلامي من أجل
تحصيل خشوع دائم! ومن أجل التلذذ بالصلاة والعبادة! وفي دورات «أفكار إبداعية لحفظ
القرآن الكريم» لتنشيط القدرات الخارقة للحفظ!
أما التأمل التجاوزي فهو نوع من الطقوس المعروفة في الديانة «المهاريشية» Maharishi أخذاً
من الأصول البوذية والهندوسية، بهدف الترقّي والسمو، وتجاوز القدرات المحدودة في
الجسد البشري بالوصول للاسترخاء الكامل، والدخول في حالة من اللاوعي، ومن ثم الوصول
إلى مرحلة النشوة «النيرفانا» التي يتمكن فيها الإنسان – بحسب معتقدهم - من استعادة
القوة والصفاء لملكاته وقواه فوق البشرية، والحصول على الطمأنينة والحكمة والقدرة
على شفاء نفسه من الأمراض والآفات.
ويُعرّف في صورته المروجة ضمن برامج العلاج بالطاقة المعاصرة بأنه تقنية عقلية تتيح
للعقل تجربة مراحل عليا من الفكر تتجاوز المستوى البشري وتصل إلى مصدر (الوعي
الكامل) عند الاتحاد بالمطلق، وتشمل تدريبات برنامج «التأمل الارتقائي» تمارين
للتنفس العميق والتنفس التحولي، مع الهدوء التام والتركيز في بعض الأشكال الهندسية
والرموز والنجوم، وتخيّل الاتحاد بها، وترديد رتيب لترانيم هندوسية مقدسة أقواها –
بحسب أدبياتهم -: (aum)
«أوم...أوم....» وهو رمز الثالوث المقدس في الديانات الشرقية: الخالق والهادم
والحافظ، ويعتقد الهندوس أنه الصوت الذي خلق الكون بواسطته.
ويُقدم التأمل التجاوزي كبرنامج علاجي في دورات أو جلسات وبمستويات متعددة، يتم فيه
التخلص تدريجياً مما يسمونه «الطاقات السلبية» المسببة للأمراض ليتشافى الجسم
ذاتياً، ثم يكتسب القدرة على شفاء الآخرين! وتتجاوز منافع التأمل التجاوزي المدّعاة
ذلك لتشمل التأثير في جميع جوانب حياة الإنسان؛ فيتفتح عقل ممارس التأمل، وينجح في
عمله وعلاقاته الاجتماعية. وفي مستويات متقدمة من البرنامج يُزعم أن المتأملين
عندما يصلون إلى مرحلة تسمى «النشوة المحضة» Pure
Bliss يحققون
أموراً خارقة لطباع البشر كالطيران والاختفاء، ويكتسبون فيها العلم كله دفعة واحدة
! وتنفتح أمامهم جميع الإمكانات!
ومن أهم برامج العلاج بالطاقة العلاج بالريكي Reiki،
وكلمة ريكي مكونة من شقين ري Rei بمعنى
الروح الكونية، وكي Ki.
والريكي اسم لمجموعة برامج تدريبية، وتطبيقات استشفائية تعتمد على الاعتقاد بالطاقة
الكونية وتقدم لتطوير النفس والقدرات ولإكساب المتدربين قوة الشفاء الذاتية، وقوة
العلاج للآخرين بمجرد اللمس، كما يدرب في مستوياته العليا على كيفية تدفيق الطاقة
الكونية في الجسم للوصول إلى حالة الإشراق أو النيرفانا. يقول مدرب الريكي المسلم:
«تدرب.. تدرب فيما الكي تتدفق في داخلك حتى تتصل بالعقل الفعال»[3].
ويقول آخر واصفاً مشاعر ممارسي الريكي عند الوصول إلى حالة نيرفانا: «ندرك في هذه
اللحظات كم نحن ضئيلون ولا نعرف إلا القليل عن جوهر الريكي، تمامًا كحبة المطر
بالنسبة للمحيط، لهما نفس الطبيعة، وفي النهاية يمتزجان معاً ويصبحان شيئاً واحداً»[4].
ورغم وضوح عقائد الضلال في برامج الريكي إلا أنه ينتشر في أوساط المسلمين لكون
المدربين المسلمين أضفوا عليه مسحة إسلامية وزعموا أنه صورة من صور (الرقية
الشرعية) ومشتق من اسمها بلكنة أعجمية! ومنهم من يردد بأن محمد صلى الله عليه وسلم
كان أستاذاً عظيماً في تدريبات تنمية الطاقة! – وحاشاه -.
ومن برامج العلاج بالطاقة أيضاً «اليوجا Yoga»
، التي انتشرت بين عامة الناس عندما قُدّمت في مراكز الطب البديل والنوادي الصحية
في العالم العربي والإسلامي على أنها مجرد تمارين رياضية للرشاقة والصحة! ذات
مستويات متعددة ومتدرجة في المحتوى، فلا يفهم أبعاد فلسفتها إلا من ينتظم في جلسات
(اليوجا) ويواظب عليها بشكل يومي زمناً طويلاً فيرتقي في مستويات التدريب العليا
ويقترب تدريجياً من فهم مبادئ (اليوجا) الفلسفية بعد أن تصبح جزءاً من حياته
اليومية كما في جميع البرامج التدريبية والاستشفائية ذات الأصول الفلسفية.
والحقيقة أن (اليوجا) كلمة سنسكريتية تعني الاتحاد والتوحد والتوحيد مع المطلق،
وتُعد اليوجا ممارسة عملية مهمة لتحقيق هدف الهندوسية والبوذية في تحقيق الاتحاد مع
القوة العظمى، وهي من أقدم تعاليم الديانات الهندية، واليوجي (ممارس اليوجا) – بحسب
تلك الديانات - هو شخص وصل إلى مرحلة السمو والإشراق، واكتسب قدرات خارقة استمدها
من معرفته بحقيقة نفسه «المقدسة» التي اكتشفها خلال جلسات اليوجا. ولهذا فاليوجي –
بحسب اعتقادهم - شخص يمكنه التحكم في عالم الأرواح وكل قوى الطبيعة مسخرات بأمره!
ومن أنواع العلاج بالطاقة كذلك: العلاج بطاقة الألوان والأحجار والمجسمات التي
يعتقدون أن لها خصائص روحانية، فالعلاج بطاقة الألوان يستعمل كتطبيق علاجي بعد
اكتشاف المعالج للون المناسب لطاقة لمريض والذي فيه سر شفائه أو سعده عن طريق فحص
هالة الطاقة «الأورا» المحيطة به، ثم يحث المريض على ارتداء الملابس ذات اللون
المناسب لطاقته، أو الالتفاف بالأقمشة الملونة. أو باستخدام مصابيح ملونة تسلط
أشعتها على المريض، أو عن طريق تناول أغذية تحمل اللون الذي يحتاجه المريض! أو شرب
ماء من كوب ملون أو مغطى بأقمشة ملونة مدة من الزمن، أو تعليق أحجار كريمة تحمل
الألوان التي يحتاجها المريض. وقد يكتفى بالتخيل في جلسات استرخاء يتصور فيها
المريض أو المتدرب اللون ويتفكر في أسراره وما له من قوة وأثر، ثم يوجه اللون
المتجسد في خياله لجسمه المحتاج أو للعضو المريض فيعالجه.
أما العلاج بطاقة الأحجار الكريمة والكريستال فيقوم على اعتقاد خصائص روحانية لها،
حيث تعتبر الأحجار الكريمة والبلورات الكرستالية في الفلسفة الشرقية والمعتقدات
الوثنية أحد تجليات الطاقة وصورها، ويمكن استخدامها لإعادة توازن الطاقة في الجسم
أو تنشيط سريانها فيه بحيث يحدد حجراً معيناً لمعالجة كل نوع من الأمراض ، ويتم
تحديد الحجر أو الأحجار المناسبة لكل شخص وفقاً لبرجه وتاريخ مولده ولون هالة
الطاقة حوله، ثم يعلقها المريض أو يتختم بها أو يشرب ماء نقيعها أو يبتلع مسحوقها،
أو يُدلّك بها من أجل التأثير على الجسم الطاقي ليحصل المريض على الصحة بل التوفيق
والنجاح.
كما تفيد الأحجار – بحسب المعتقدات والفلسفات الوثنية – بحفظ الإنسان من الأخطار
ومن العين ولدغ الثعابين، والأهم أنها تساعد الراغبين في تحقيق الهدف الفلسفي
الأعلى (الاتصال بالكلي) إذا وضعت في حالة تأمل أو استرخاء على العين الثالثة
(الجبين) فتفتح للمستشفي قدرات تنبئية بأحداث ماضية ومستقبلية.
ويحاول بعض المؤمنين بالأحجار تفسير ما يعتقدونه من خصائص شفائية ونفعية للأحجار
بمعطيات ونظريات العلم الحديث فيزعمون أن لها قوى مغناطيسية وإشعاعات وترددات
ذبذبية تؤثر على جسم الإنسان مما يدلس الحقيقة ويضلل فئام الناس.
ومن أنواع العلاج بالطاقة «العلاج بالأهرام» Pyramid
energy وهو
أحد أنواع العلاج بالطاقة، وبحسب فلسفة الطاقة يعتبر الشكل الهرمي شكلاً هندسياً له
خصائص فائقة في استجلاب الطاقة الكونية كما يمتص قوى وطاقات أرضية مما يعطي مجالاً
قوياً من الطاقة في داخل الهرم تستخدم للعلاج والصحة ولها فوائد كبيرة على الطاقة
الحيوية للإنسان تتعدى المادة إلى الروح والعقل! فالهرم الأحمر يساعد في اكتساب
النشاط واكتساب المال، والهرم الأزرق الفاتح للسمو والإلهام والتنبؤ وتكامل الشخصية
والسلامة من الأمراض النفسية والعصبية، بينما الهرم الأخضر إضافة إلى علاج الأمراض
المختلفة يؤثر بشكل كبير على العلاقات العاطفية، ويختص الهرم الأصفر بالعقل
والتفكير وقوة التركيز.
وينصح كثير من خبراء العلاج بالطاقة مراجعيهم بوضع أهرام في غرفة النوم لتنقية
الغرفة من الأشعة الضارة السلبية الناتجة من حديد التسليح في المباني الحديثة
والأشعة الضارة المنبعثة من الوصلات الكهربائية والمساعدة على نوم عميق وأحلام
واضحة ومفسرة[5].
كما نُشرت مجسمات متنوعة أخرى كثيرة للمعالجة بالطاقة منها الضفدع ذو الأرجل الثلاث
لعلاج الفقر وجلب الثروة، وزوج البط الخشبي لجلب الحظ والحب، وسوار الطاقة وقلادة
الطاقة، وقرص الطاقة الحيوي، وقلم الطاقة والبندول والدراوزينج وغيرها للعلاج
المتنوع، وبعض هذه المجسمات يظنه الناس منتجات علمية تمت صناعتها وفق أحدث التقنيات
المكتشفة في الفيزياء والنانو لتساعدهم على تحقيق مطلبهم في الصحة والنجاح!
ومن المهم تأكيد أن البرامج المعرّفة سابقاً والتطبيقات العلاجية ليست إلا أشهر ما
يروج تحت اسم «العلاج بالطاقة» فهي كثيرة جداً ومتلونة، ومن المدربين المسلمين من
يقدم هذه البرامج بالأسماء السابقة المعروفة بها عالمياً والواردة في هذه الدراسة،
ومنهم من يصمم برامج خاصة به بأسماء مقبولة أكثر في الثقافة العربية والإسلامية،
ويضمنها أساسيات هذه الفلسفة لضمان اعتماد شهادات المتدربين عنده من الاتحادات
العالمية التي أنشأها عرّابو هذه الفلسفات ومسوقوها. كما أن بعض المدربين المسلمين
الذين تشربوا مبادئ هذه البرامج وبعض فلسفاتها راحوا يمزجون مبادئها ومفاهيمها
الفلسفية الباطلة بما يقدمونه من برامج تدريبية مهارية صحيحة في أصلها؛ كدورة «فنون
الإلقاء والتأثير» التي يُضاف إلى مادتها العلمية لوثات هذه الفلسفة فيُدرب على
تنشيط ما يسمى بمنطقة «هارا» تحت السرة، وادّعاء أن ذلك كفيل بتحقيق مستويات عليا
من الثقة بالنفس والقدرة على الثبات والتأثير في الآخرين! ومنهم من اخترع علاجاً
جديداً للطاقة بـاستخدام «طاقة الأسماء الحسنى»!
ويبقى تأكيد وجود بعض النصائح المنطقية بلا شك في التعاليم الحياتية المقدمة تحت ما
يُسمى «العلاج بالطاقة» بتطبيقاته المتنوعة؛ كمراعاة تهوية المنـزل، والنصيحة بوضع
النباتات الطبيعية، والوصية بالاهتمام بنوعية الأكل وحسن المضغ، وضرورة ممارسة
الرياضة وغيرها، وهو أمر لا ينبغي أن يغتر به المسلمون فيعتبرون تطبيقات العلاج
بالطاقة لأجله فناً نافعاً فمزج الحق بالباطل طريقة شيطانية معروفة لتمرير الباطل،
كما أن أكثر النصائح المنطقية في هذه التطبيقات تهدف إلى ما يعتقدون من فوائد
ميتافيزيقية وراءها؛ فوضع النباتات في المنـزل مثلاً من أجل استقطاب حسن الحظ!
والتهوية من أجل طرد «الطاقات السالبة» بحسب فلسفة الطاقة الكونية الباطلة،
والرياضة من أجل تهذيب الروح واستمداد الطاقة الكونية![6].
وبعد: فبيان حقيقة دورات «العلاج بالطاقة» كاف في بيان خطورتها وفسادها؛ لأن
مروجيها يموهون باطلها، ويخلطونه ببعض الحق تلبيساً على الناس، فهي برامج تخفي وراء
ظاهر التدريب والتطبيب حقيقة فلسفية وطقوساً دينية ومعتقدات شركية، وتراثاً باطنياً
متوارثاً في أديان الشرق. وأي دارس للأديان الشرقية أو قارئ في المذاهب الفلسفية،
وعلوم الروحانيات والكواكب، بل المتصفح لبعض الكتب العامة المصنفة في هذه الأبواب؛
يرى بوضوح التطابق الظاهر والعلاقة الوثيقة بين هذه البرامج وتلك الفلسفات
والديانات. وقد انتهت دراسات تتبعية عقدية موسعة[7] في
هذا المجال إلى بيان حقيقة العلاج بالطاقة بتطبيقاته المختلفة وبينت أنه مبني على
أسس فلسفية مستمدة من الديانات الشرقية، ووثنيات الشامان، وفلسفات ملحدة شتى، أعادت
«حركة العصر الجديد» في الغرب صياغتها، وتصميمها في قوالب معاصرة وسوقتها ونشرتها
بين جميع الناس ومنهم أصحاب الأديان السماوية، عن طريق المنهج الباطني الذي يعتمد
على المزاحمة لا المواجهة، فيُرغَّب الناس في إضافة تطبيقات هذه البرامج إلى حياتهم
اليومية لتحقيق السعادة والصحة والسلام! دون أن يتعرضوا لاعتقاداتهم الدينية
السابقة بشيء من النقد أو المخالفة. وقد أدى انتشارها في العالم الإسلامي إلى ظهور
نوع من الإلحاد روحاني الطابع، يفسر الدين والنصوص الشريفة وفق معطيات الفلسفة
الشرقية الباطنية. وقد تأثر بالفكر الباطني الذي تتضمنه هذه العلاجات والدورات فئام
من المسلمين تولوا الترويج لها ونشرها عبر مؤسسات جديدة تدعم الفكر الباطني وتروج
لتطبيقاته ومن أشهرها مجموعات سلام، ومراكز العلاج بالحكمة، والأكاديمية الدولية
للتنمية الذاتية التي تقدم لطلابها الدورات وتنظم الأمسيات التنويرية وتقوم على
ترجمة التراث الباطني وصبغه بالصبغة الإسلامية، وهو ما يحتم على المختصين والدعاة
بيان حقيقة هذه العقائد الباطنية المتخفية في لباس دورات التطوير والعلاج ، والله
المستعان وعليه التكلان.
:: ملف خاص بعنوان " الوثنية الحديثة.. ومحاولات الأسلمة
:: مجلة البيان العدد 329 محرّم 1436هـ، أكتوبر - نوفمبر 2014م.
[1] معهد إيسالن Esalen بولاية
كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية أنشئ عام 1961م. ويهدف إلى نشر الفكر
الروحانيSpirtituality ويجعله
بديلاً عن الدين Religion.
ينظر: موقع المعهد: org .esalen.www
-The Upstart Springs: Esalen and the Human Potential Movement, Walter
T. Anderson, iUniverse,Lincoln, NE, USA, 2004.
[2] ينظر: الشفاء بالطاقة الحيوية: 6، العلاج بالطاقة والماكروبيوتيك: 67.
[3] ينظر: مذكرة المستوى الأول ريكي دي جو، طلال خياط.
[4] ينظر: الريكي للمبتدئين: 131.
[5] ينظر: القوة النفسية للأهرام: 12 ، وموقع العلاج بالطاقة الحيوية:
http://www.aah3.com/vital-energy-therapy.htm
[6] ينظر: مجلة الدليل إلى الطب البديل، عدد أغسطس 2003م ص:69: وضع زهرات الفاوانيا
في المنـزل يزيد فرص الزواج للفتاة العزباء في المنـزل!
[7] منها كتاب: حركة العصر الجديد، وكتاب المذاهب الفلسفية الإلحادية الروحية
وتطبيقاتها المعاصرة ، وكتاب: ےالفلسفة الشرقية والعقائد الوثنية في برامج التدريب
والاستشفاء المعاصرة للدكتورة: فوز بنت عبداللطيف كردي، وكتاب: حركة العصر الجديد،
وكتاب تطبيقات الاستشفاء الشرقية للدكتورة هيفاء بنت ناصر الرشيد.