كيف نقاطع؟
عندما ندعو للمقاطعة هل نسلك طريقاً لم تسلك؟ أو نحاول أمراً لا
فائدة منه، كما يدَّعي البعض؟
الجواب: لا.. ففي عام 1891 منح شاه إيران
امتياز بيع التبغ لمستثمر بريطاني، فانطلقت حملة للتوقف عن بيع التبغ وتدخينه،
ونجحت بعد 55 يوماً فقط في إلغاء الامتياز.
وفي 1930 أطلق المهاتما غاندي حملته لمقاطعة
الملح الإنجليزي، ثم بعدها بعام أطلق حملة أخرى لمقاطعة المنسوجات الأجنبية، وكان
لهما أثر بالغ على المستعمر البريطاني.
وفي 1955 نفذ السود في جنوب الولايات
المتحدة حملة لمقاطعة حافلات مونتغمري التي كانت تمارس التمييز العنصري، وأجبروها
على إلغائه.
وقريباً في 2007 دعا ائتلاف المنظمات
الأهلية الأمريكية لمقاطعة الإعلانات على الشبكات التي تبث برنامج الإذاعي
الأمريكي مايكل سافيدج بعد سبه المسلمين، وانضم للحملة عديد من الشركات.
وفي 2008 أطلقت حملة في الهند لمقاطعة مطاعم
كنتاكي لمعاملتها السيئة للحيوان.
وفي 2010 قوطعت «نستله» لأنها تشتري الكاكاو
من مورّدين يستخدمون الأطفال كعبيد.
وفي 2011 قوطعت «أديداس» لاستخدامها جلد
الكنغر في بعض منتجاتها.
وفي 2012 قاطع الصينيون المنتجات اليابانية.
وفي هذه السنة قوطعت الخطوط الجوية الفرنسية
لنقلها القردة من إفريقيا لصالح مختبرات في أوروبا بطرق غير إنسانية.
وكذلك في هذه السنة اضطرت شركة أقطان مصرية
سحب إعلان لها كان سبباً في انطلاق حملة لمقاطعتها.
واضطرت مجموعة تلفزيونية شهيرة لإلغاء عرض
مسلسل مثير للجدل في رمضان بعد انطلاق حملة مقاطعة لها وللمعلنين فيها.
إذا اتفقنا على جدوى المقاطعة؛ فكيف يمكننا
استخدامها بشكل مؤثر؟
إذا كانت المقاطعة لمنتج أو منتجين، فالأمر
سهل، لكن التحدي حين تواجه قائمة طويلة من المنتجات، عندها لا بد من التحول إلى
مقاطعة انتقائية تترك الهجوم بطول خطة الجبهة إلى الاختراق “تركيز كل القوة على
مساحة صغيرة“، نفس الفكرة التي يقوم عليها المسمار.
والسبب أن اتساع نطاق المجابهة سيضعف الهجوم
ويقلل عدد المشاركين فيه، بعكس ما لو كانت القائمة لا تتجاوز منتجين أو ثلاثة يمكن
زرعها في وعي ولا وعي كل متلقٍّ بسهولة.
حتى من ناحية نفسية، فإن الشركة التي تتعرض
لمقاطعة منفردة ستكون تحت ضغط نفسي أكبر بكثير من تلك التي تكون ضمن قائمة طويلة
من الشركات، ومن ثم ستكون أكثر استعداداً للتجاوب، (إحدى شركات الحلويات الشهيرة
في الخليج لم تنتظر أكثر من يومين من بدء حملة لمقاطعتها لتعلن اعتذارها للجمهور
وتنفيذ مطالبه!).
ومن ثم، فإن هناك فرقاً بين الدعوة لمقاطعة
منتج واحد فقط، وبين الدعوة لمقاطعة كل البضائع الأمريكية.
فرق يبدأ بمجرد تصميم الرسالة الإعلامية
الداعية للمقاطعة، حتى التنفيذ الفعلي لها؛ فالرسالة الإعلامية لمقاطعة منتج واحد
يكفي فيها وضع شعار المنتج مع علامة (X) لتصل بسهولة، بعكس ما لو حمّلت بعشرات
المنتجات التي ينبغي الاطلاع عليها وحفظ أسمائها قبل مقاطعتها.
ويمكن الجمع بين الطريقتين بعرض القوائم
كلها، مع جعل المنتج المستهدف في الواجهة، والاقتصار عليه في الرسائل الإعلامية
القصيرة، وبيان أن التركيز في الفترة الحالية سيكون عليه.
إذا تجاوزنا مرحلة اختيار أسلوب المقاطعة،
فإننا بحاجة لتحديد الهدف الرئيس من الحملة، والأهداف الفرعية الموصلة له، وخطة
العمل.
الهدف الرئيس عادة هو إزالة السبب الذي أدى
لإطلاق الحملة، والذي بتحققه تتوقف، وهو على سبيل المثال في حالة مقاطعة إعلانات
في قناة منحرفة: تغيير سياسة القناة، أو سحب الشركة لإعلاناتها منها.
ولتحقيقه هناك هدفان جزئيان:
أحدهما: إقناع الناس بجدوى المقاطعة.
والآخر: إقناع التجار بتعرض استثماراتهم
للتدهور مع استمرارهم في الإعلان على تلك القناة.
وفي حالة مقاطعة منتجات دولة ما، يكون الهدف
إقناع المستثمر المحلي بأن استمراره في العمل تحت شعار تلك الشركة سيعرضه هو
للمقاطعة.
إذا تحققت هذه الأهداف، فإن تحقق الهدف
الأساس يصبح غالباً مسألة وقت.
وللوصول للهدفين السابقين ينبغي نشر
تقارير منوعة عن الفساد الذي تبثه تلك القنوات، أو عن أهمية مقاطعة منتجات الشركات
الأمريكية، والدعم الذي تقدمه بعض تلك الشركات لإسرائيل، ومدى تأثير المقاطعة ولو
بشكل غير مباشر على انحياز الولايات المتحدة لإسرائيل.
وعرض تلك المعلومات على علماء الدين
والمتخصصين في التربية والاجتماع والاقتصاد لأخذ رأيهم فيها، ثم إيصاله عبر
الوسائل الإعلامية المتاحة إلى المتلقين في كل مكان، مع مراعاة أن تتوسع الحملة
لتتجاوز حدود الجغرافيا، وحدود اللغة؛ فاشتراك بلدان ذات كثافة سكانية كبيرة كمصر
وباكستان وإندونيسيا، يعني الكثير، وكذلك ينبغي العمل على التأسيس لمقاطعة طويلة
المدى، وهذان الأمران مما تخشاه أي جهة تتعرض لمقاطعة.
بعد أن تكون الرسالة الأولى قد وصلت، يتم
البدء ببيان أسعار الإعلانات في تلك القنوات وكمية المال الذي تجنيه تلك القنوات
من الإعلانات لتستغله في إفساد المجتمع.
ويبيّن أن المال الذي يدفعه المعلنون لهذه
القنوات أتوا به من جيوبنا، خاصة إذا علمنا أن بعض القنوات المدمرة تأخذ على
الدقيقة الإعلانية ما يقارب 12 ألف دولار!
بعد ذلك يتم حصر كل المعلنين عبر القنوات
وليس السلع فقط، ثم حصر جميع السلع التي يعمل بها هؤلاء المعلنون لاختيار الخاصرة
الرخوة فيها، وتنفيذ المرحلة الأولى من المقاطعة عليها، ويكون الاختيار مبنياً على
أسس اقتصادية، بحيث يكون المنتج ذا دورة إنتاج قصيرة، وصلاحية استهلاك قصيرة.. كي
يتأثر بالمقاطعة مع أيامها الأولى.
يمكن أيضاً التنسيق مع الشركات المنافسة
مبكراً لتقوم بطرح منتجاتها مع عروض تسويقية مع بداية الحملة.
لكن ينبغي الإشارة إلى أنه قبل البدء الفعلي
للمقاطعة يجب إطلاق حملة إعلامية تخاطب صاحب المنتج وتدعوه بأسلوب مؤثر نفسياً
للتوقف عن دعم القناة بإعلاناته، ثم إرسال رسائل إعلامية أخرى تحذره من أن عدم
تجاوبه سيعرضه للمقاطعة، وبعد أن تأخذ هذه الرسائل دورتها يتم تحديد موعد قريب
لبدء الحملة.
كل ذلك سيوفر ضغطاً شديداً على تلك الشركة
لتعلن توقفها عن الإعلان في تلك القناة.
إذا حدث ذلك تكون حملة المقاطعة حققت هدفاً
من أهدافها الموصلة للهدف الرئيس، حيث تستغل هذا التراجع من الشركة لإقناع من لم
يقتنع بجدوى الحملة، ولتضغط بذلك على الشركات التي لم يحن دورها بعد.
وينبغي أن تعلن المقاطعة مطالب واضحة ومحددة
ويمكن تلبيتها، ولا تتوقف المقاطعة إلا بتحقيقها.
خاتمة القول: إن تفعيل المقاطعة ليس
لكونها وسيلة للتعبير عن الرفض فقط، بل لأنها زرع لثقة المجتمع بنفسه، وإشعار له
بما يملك من قدرات، ونقله من السلبية إلى الإيجابية، ولأنها تصويت لا يحتاج إلى
صندوق، ووسيلة ضغط حضارية تجبر الآخرين على الاعتراف عملياً بوجود المقاطعين، وعدم
إغفالهم من أي حسابات.
والتاريخ يشهد أن المقاطعة كانت سن
الرمح في إخراج المحتل الإنجليزي من الهند، وفي إلغاء نظام الفصل العنصري في جنوب
الولايات المتحدة. ويمكن أن تكون كذلك لفك الحصار عن غزة كخطوة أولى تمهد لمقاطعات
أكبر وأكثر تنظيماً تفتح الطريق لحل قضايا أخرى أعيت من يبحثون لها عن حلول.
:: مجلة البيان العدد 328 ذو الحجة 1435هـ، أكتوبر 2014م.