الاستدلال بالقرآن على فرضية التطور الموجه.. قراءة نقدية
ظهر في الفكر الغربي تيار
علمي كبير يقرّ بصحة فرضية التطور، وينكر القول بالخلق المباشر للأنواع الحيوانية،
ويسلّم بأن وجودها في الأرض كان نتيجة تطور بيولوجي طويل الأمد، لكنه مع ذلك ينكر
أن يكون حصول هذا التطور ناتجاً بالصدفة، ويرجعه إلى خلق الله وإرادته، وأضحت تسمى
هذه النظرة: «فرضية التطور الموجه».
ولم يقتصر تبنّي فرضية
التطور الموجه على المفكرين الغربيين، وإنما تبنّاها عدد من المفكرين العرب
المعاصرين، ورأوا فيها موقفاً راشداً جامعاً بين جميع الشواهد العلمية.
ومن أشهر أولئك: الدكتور
عمرو شريف، وهو يعد من أكثر من كتب في شرح هذه الفرضية والانتصار لها، وسيكون
الحديث هنا مرتكزاً على أقواله واستدلالاته؛ لانتشارها وشيوعها في واقعنا.
فقد ذكر أن المعترضين على
فرضية التطور الدارويني صنفان، الأول: من ينكر التطور كلية ويؤمن بمفهوم الخلق
الخاص لكل نوع، وهؤلاء يسمون «الخلوقيين». والآخر: من يقرّ بحدوث التطور وبأن
الأنواع الحيوانية تشترك في أصل واحد وتطورت عنه إلى أنواعها الموجودة، لكنه ينكر
أن يكون حدوث ذلك راجعاً إلى العشوائية والصدفة، وهؤلاء يسمون «مدرسة التطور الموجه»[1].
وجزم الدكتور عمرو شريف
بأن كل الأدلة التي يستدل بها القائلون بالخلق الخاص، لا تبطل أصل فكرة التطور،
وإنما تبطل الدارونية القائمة على الصدفة والعشوائية فقط[2].
ويرى أن حدوث الأنواع
الحيوانية عن طريق التطور، حقيقة علمية ثابتة لا تقبل النقاش، وأن إنكارها يعد
مخالفاً للمنهج العلمي، حيث يقول: «وقد جعلت منها الأدلة القوية حقيقة علمية ينبني
عليها علم البيولوجيا بفروعه المختلفة»[3].
ويقول في نقده مواقف من خالفه من علماء المسلمين: «لقد وضع هؤلاء القرآن في موضع
الرافض لما يتوصل إليه العلم من حقائق»[4].
ومع أنه يوافق أتباع
الدارونية في قولهم بالتطور، إلا أنه أبطل أكثر أدلتهم، ويذكر أنه «بالرغم من
اقتناعنا بالتطور فقد فنّدنا بموضوعية ما في هذه الأدلة والرسومات الكلاسيكية من
تجاوز وأخطاء، ووضعنا الصحيح منها في موضعه، ونكرر مرة أخرى أن معظم هذه الأدلة قد
أصبحت في ذمة التاريخ، وانتقل التطور إلى ملعب البيولوجيا الجزيئية جملة وتفصيلاً»[5].
وحين انتهى الدكتور عمرو
شريف من عرض فكرة التطور الموجه، انتقل إلى بيان العلاقة بين هذه الفرضية ودلالات
القرآن الكريم في خلق الإنسان، فابتدأ بالهجوم على المخالفين له، وقدح في
موضوعيتهم ومنهجهم العلمي، وادَّعى بأن هناك «حاجزاً ضخماً يقف حائلاً بين
المعترضين وبين التطور، حاجز ليس له علاقة بحقائق العلم وقوة أدلته ولا بآيات
القرآن الكريم المحكمة، إنه حاجز يتمثل في إصرار الكثير على التمسك بالتفسيرات
التراثية لآيات الخلق في القرآن الكريم»[6].
فهو إذن يرى أن دلالة
نصوص القرآن على فرضية التطور الموجه محكمة ظاهرة، وأن من يخالف فيها ليست لديه
حجة إلا الاعتماد على الآثار التراثية عن السلف والتمسك بها! ثم ذكر أن السلف إنما
أخذوا بالخلق الخاص وفسروا القرآن بذلك؛ لنقص علمهم بالتاريخ والبيولوجيا.
ولم يقتصر في تأثيره على
عواطف القراء بالقدح في موضوعية المخالفين له، وإنما استحضر تاريخ الكنيسة الأسود
في العصور الوسطى وأخذ يلوح به في وجه من يخالفه، فقال: «إن هذا الفصل صيحة نذير..
فالليالي قد تتشابه.. في العصور الوسطى عذبت الكنيسة في أوروبا العلماء وحرقت بعضهم؛
لأنها رفضت كلمة العلم حول كروية الأرض ودورانها حول الشمس، وأصرت على فرض مفاهيم
أرسطو وبطليوس باعتبارها من أمور العقيدة..
وفي هذا العصر نكاد نحيا
في علمنا الإسلامي ليلة تتشابه مع ليالي البارحة، فما زال بعض رموز علماء الدين
المسلمين ممن لهم الكلمة المسموعة، يحيون على علوم العصور الوسطى وعلى فهم
الأقدمين للآيات الكونية وآيات الخلق في القرآن وأحاديث الرسول»[7].
وما ذهب إليه الدكتور
عمرو شريف في موقفه من فرضية التطور ودلالة القرآن عليها وطريقة تعامله مع تفسير
القرآن؛ غير صحيح، وهو مبني على مقدمات خاطئة وتوصيف غير دقيق لمواقف المخالفين
له، ومبالغة في نعت قوة موقفه وحججه، ويتبيَّن ذلك بالأمور التالية:
الأمر الأول: ينطلق
الدكتور عمرو شريف من أن فرضية التطور باتت نظرية علمية لا يقبل ثبوتها الشك أو
الارتياب، وأن أمر صحتها محسوم باليقين، وجعلها الممثلة للعلم، وأنها لا تختلف عن
النظريات العلمية الأخرى الثابتة، ووصف من يخالفها بأنه يخالف ما هو ثابت علمياً.
وهذا الأمر مخالف للواقع،
فإن فرضية التطور لم يحسم فيها الأمر بعد، وما زالت مثاراً للجدل والنقاش الحاد
حتى يومنا هذا، وما زالت التيارات العلمية تتصارع حولها بشدة في كل محفل ونادٍ[8].
ومع أن عدداً من
المتبنّين لها أكثر من عدد الرافضين حتى وقتنا الحاضر، إلا أن عدد الرافضين ليس
قليلاً، وشأنهم ليس ضعيفاً؛ فكثير منهم من العلماء البارزين في تخصصاتهم، وهناك
هيئات علمية كاملة أعلنت رفضها نظرية التطور، وقد أنشئ موقع خاص على الشبكة
الإلكترونية للعلماء المعارضين لفرضية التطور، وقد بلغ عددهم المئات، وهم مختلفون
في توجّـهاتهم واختصـاصاتهم العـلمية[9]،
وما زالوا يقدمون من الأدلة والبراهين ما يضعف من فرضية التطور ويزيد من قوة
موقفهم.
والغريب حقاً أن الدكتور
عمرو شريف صرّح في بعض كتبه الأخيرة بأن فرضية التطور ما زالت في مرحلة الظن، حيث
يقول: «وينبغي التأكيد على أن هذه الأدلة ليست قاطعة على حدوث التطور، لكنها
مرجحة، ويؤازر بعضها بعضاً، ويعتبر القول بالتطور أفضل التفسيرات لوجودها!»[10].
الأمر الثاني: أما
ما حَكَم به الدكتور عمرو شريف من أن جميع الأدلة والبراهين التي نقض بها
الخلوقيون فرضية التطور، لا تدل على إبطال مبدأ التطور، وإنما غاية ما تدل عليه
إبطال العشوائية والصدفة؛ فهو توصيف غير صحيح، بل إن الأدلة والبراهين التي قدموها
تدل على أمرين أساسيين، هما:
الأول: إبطال وجود أي أثر
للصدفة والعشوائية في الكون والحياة، وذلك عن طريق إثبات التعقيد غير القابل
للاختزال.
والآخر: إبطال حدوث
التطور بالانتخاب الطبيعي البطيء، وذلك عن طريق حساب الاحتمالات الذي أثبتوا من
خلاله أن الزمن الذي يتطلبه حصول التطور يفوق عمر الكون بأضعاف مضاعفة، وقد وافقهم
على هذه الدلالة بعض أتباع فرضية التطور، ولجؤوا لأجل ذلك إلى القول بالطفرات
والقفزات الانتقالية.
فتبيّن إذن أن توصيف
الدكتور عمرو شريف لطبيعة دلالة براهين المعارضين لفرضية التطور؛ غير صحيح، وثبت
أنه اختزل دلالتها بصورة كبيرة جداً.
ومن أراد أن يثبت التطور
الموجه فعليه مع إثبات بطلان الصدفة أن يقدم جواباً مقنعاً عن أن ما يدل عليه حساب
الاحتمالات من إثبات أن التطور البطيء للأنواع الحيوانية يمكن أن ينسجم مع العمر
المحدد للكون، وهذا ما لم يفعله الدكتور عمرو شريف.
الأمر الثالث:
أما إشارة الدكتور عمرو شريف إلى أن المخالفين له إنما خالفوا فرضية التطور الموجه
بناء على اعتبارات غير علمية، وأن ذلك راجع إلى التمسك بالتفسيرات التراثية؛ فهذا
التوصيف هو الآخر غير صحيح، ولا يقوم على أسس علمية مستقيمة؛ فإن مخالفة فرضية
التطور ليست خاصة بأهل الإسلام ولا أهل الأديان الأخرى، فإن هناك عدداً من
المخالفين لفرضية التطور التدريجي - سواء كان موجهاً أو مبنياً على الصدفة - ليسوا
من أتباع الأديان، وكانوا يعتمدون على أسس علمية محضة، ولا علاقة لهم بتفسيرات
النصوص الدينية[11].
ثم إن ما ذكره الدكتور
عمرو مجرد دعوى لا دليل عليها، ويمكن للمخالفين له أن يقلبوا عليه الدعوى فيقولون:
إن المدّعين أن القرآن يدل على فرضية التطور الموجه ليست الدافع لهم قوة دلالة
النصوص الشرعية على ذلك، ولا كثرتها، وإنما هو محاولة الخروج من ضغط الجو العلمي
المتبني لفرضية التطور، ومحاولة الانفكاك عن مصادمته الظاهرة لدلالة النصوص
القرآنية. وأي جواب يقدمه للخروج من هذا الدعوى يصح أن يكون جواباً للمخالفين له.
الأمر الرابع: أن
الدكتور عمرو شريف وقع في خلل منهجي ظاهر في تفسير القرآن وفهم دلالاته، فإنه لم
يسلك الطريقة العلمية المعتمدة على قواعد التفسير وأصوله، فلم يلتزم بدلالات
السياق ولا بمقتضيات اللغة العربية، ولم يحرص على تحرير فهم الصحابة وعلماء
التفسير للآيات، بل إنه أشار إلى ذم التمسك بتلك التفسيرات التراثية – كما يقول -،
وأخذ يبني فهوماً للنصوص الشرعية لم يذكرها أحد من العلماء المتقدمين، بل تتناقض
مع ما يقولونه.
وفضلاً عما في هذا الموقف
من نسبة عموم الأمة الإسلامية إلى الجهل وعدم معرفة مراد الله من كلامه مدة القرون
الماضية؛ فإن عمرو شريف لم يتكئ على نظرية علمية مستقرة، ولم تصل إلى درجة اليقين
والقطع، والغريب أنه بنفسه صرح بذلك في بعض كلامه فيقول: «وينبغي التأكيد على أن
هذه الأدلة ليست قاطعة على حدوث التطور، لكنها مرجحة، ويؤازر بعضها بعضاً، ويعتبر
القول بالتطور أفضل التفسيرات لوجودها!»[12].
إن الطريقة التي سار
عليها الدكتور عمرو شريف في التعامل مع القرآن تؤدي إلى العبث به وبمعانيه، فكما
أنه يخشى من الوصول إلى الحالة التي وصلت إليها الكنيسة في معارضة العلم، فإن
منهجه في فهم النصوص يخشى منه أن يصل إلى حالة العبث بالقرآن وإضعاف قوته وثبوته،
وذلك حين لا نلتزم في فهم نصوصه بالقواعد العلمية المنهجية، وحيث نصرّ على ربطه
بنظريات لم تصل إلى درجة اليقين بعد، وما زال الجدل محتدماً حولها بين علماء
الاختصاص ذاته.
نقص
استدلالات الدكتور عمرو بالنصوص القرآنية على التطور الموجه:
حرص الدكتور عمرو على
إثبات أن القرآن الكريم لا يعارض فرضية التطور الموجهة في خلق الإنسان، بل إنه
تجاوز ذلك وادَّعى أن القرآن يدل عليها ويؤديها، وأكد أنه لا يمكن الجمع بدقة بين
كل ما جاء في القرآن الكريم عن خلق آدم إلا من خلال مفهوم التطور الموجه[13]،
وحاول أن يجيب عن كل الآيات التي تتعارض مع قوله.
ولأجل أن يكون الحديث
واضحاً فإنا سنعرض أولاً النصوص الدالة على الخلق الخاص لآدم، ونكشف عن وجه
معارضتها لفرضية التطور الموجه، ونجيب عن تأويلات الدكتور عمرو لها، ثم نعرض
ثانياً الآيات التي استدل بها على صحة فرضيته، ونكشف عن وجه الخلل الذي وقع فيه.
أولاً:
النصوص الشرعية الدالة على الخلق الخاص لآدم:
هناك أدلة شرعية عديدة
تدل دلالة ظاهرة قوية على أن الله خلق آدم – أبا البشر والإنسان - خلقاً خاصاً،
وأن وجوده في الأرض لم يكن نتيجة تطور بيولوجي من أنواع حيوانية أخرى سابقة عليه،
ومن أهم تلك النصوص الشرعية:
الدليل الأول: قوله
تعالى مخاطباً إبليس: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ
مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ
مِنَ الْعَالِين}[ص:75]. وهناك نصوص أخرى تدل على المعنى
نفسه، ومنها: حديث الشفاعة الطويل، وفيه أن الناس يأتون إلى آدم فيقولون له: «يا
آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده»[14].
فهذه النصوص تدل بوضوح
على أن الله خلق آدم – أبا البشر والإنسان - خلقاً خاصاً؛ حيث إنه خلقه بيديه
مباشرة، وميزه على غيره من المخلوقات بهذه الطريقة في الخلق، ولو لم يكن لخلق آدم
بيد الله ميزة لما ذكره الله في سياق الإنكار على إبليس في بيان فضل آدم، ولما كان
لذكر الناس له يوم القيامة أي معنى.
وقد حاول الدكتور عمرو
الجواب عن دلالة هذه النصوص فذكر أن الخلق باليد ليس خاصاً بآدم، وإنما هناك أشياء
أخرى خلقها الله بيده، فالله – كما يقول – خلق الأنعام بأياد كما في قوله تعالى: {أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ
لَهَا مَالِكُون} [يس: 71]، وبنى السماء بأيد كما في قوله
تعالى: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ
وَإِنَّا لَمُوسِعُون} [الذاريات: 47]، واستدل
بهذا على أن اليد المستعملة في الخلق ترجع إلى معنى القدرة التي أوجدت كل
المخلوقات[15].
لكن هذا الجواب غير صحيح،
أما أولاً: فلأن كلامه ليس فيه نفي الخلق المباشر لآدم، فعلى القول بأن الخلق
باليد ليس خاصاً بآدم، فإن ذلك لا يدل على أنه خلق بالتطور؛ لكون دلالة تلك الآيات
قائمة على إثبات الخلق باليد مباشرة وليست قائمة على إثبات خصوصية آدم بذلك، فسواء
ثبتت خصوصيته بذلك أو لم تثبت فإن دلالتها على الخلق المباشر ما زالت قائمة.
وأما ثانياً: فلأنه سلك
في فهم النصوص فهماً منحرفاً عن الطريقة الصحيحة، وذلك أنه فهم اليد المنسوبة إلى
الله تعالى فيها على أنها بمعنى القدرة، وهو فهم خاطئ معتمد على التأويل الكلامي
لصفات الله المخالف لطريقة القرآن والسنة وفهم الصحابة الكرام وتلاميذهم.
وقد أثبت علماء السلف من
خلال دلالات النصوص الشرعية الكثيرة، أن لله تعالى يدين حقيقيّتين تليق بجلاله
وكماله، وأثبتوا أنها ليست بمعنى القدرة والنعمة[16].
بل أثبتوا أن لفظ اليدين
الذي جاء في آية خلق الله لآدم يستحيل أن يكون المراد بها القدرة، وأن المراد
القطعي به اليد الحقيقية، وذلك من أوجه عدة، منها: أن الله أضاف الخلق إلى اليد
مباشرة وعداها بحرف الباء، وهذا التركيب في لغة العرب يدل على المباشرة باليد،
ومنها: أن الله ذكرها في سياق إظهار فضل آدم على الخلق وتميزه عن غيره، ولو كان
المراد باليد القدرة فإنه لا يكون لآدم أي تميز على غيره؛ لأن كل المخلوقات مخلوقة
بقدرة الله[17].
وأما استدلال الدكتور
عمرو بقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا
لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُون} على
نفي اختصاص آدم بالخلق باليد؛ فهو فهم غير صحيح؛ لأن الله لم يذكر أنه خلق الأنعام
بيديه، ولم يعديها بالباء كما ذكر في خلق آدم، وإنما أضاف العمل إلى الأيدي، وهذا
أسلوب معروف في لغة العرب يعبَّر به عن نسبة العمل إلى صاحبه، سواء باشره بيده أو
بغيرها، وقد جاء هذا الأسلوب كثيراً في القرآن، ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَا
أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير} [الشورى:
30]، أي: بما فعله الناس من أعمال، سواء بأيديهم أو بأرجلهم أو بألسنتهم أو
بغيرها.
وعلى هذا، فما ذكره الله
من خلق الأنعام فإن المراد به نسبة خلقها إلى الله تعالى من غير تحديد طريقة
الخلق، وآية خلق آدم تدل على أن الأنعام لم تخلق بيد الله مباشرة؛ إذ لو كانت كذلك
لما كان لآدم ميزة على غيره[18].
وأما الاستدلال بقوله
تعالى: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا
لَمُوسِعُون} [الذاريات: 47]، فهو غير صحيح أيضاً؛ لأن
الصحيح أن المراد بالأيدي هنا القوة وليس اليد الحقيقية[19]؛
لكون لفظ الأيدي في هذه الآية ليس جمع اليد الحقيقية، وإنما هو لفظ عربي آخر
يعبَّر به عن القوة، وقد استعمل في القرآن بهذا المعنى في مواطن عدة، منها قوله
تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ
وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَار} [ص:
45]، أي أولي القوة[20]،
ومما يؤكد ذلك أن الله لم يضف الأيدي إلى نفسه وإنما ذكرها من غير إضافة.
الدليل الثاني: قوله
تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ
كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون} [آل
عمران:59]، وهذه الآية ظاهرة في الدلالة على أن الله تعالى خلق آدم خلقاً خاصاً من
تراب، وأنه لم يكن نتيجة تطور من أنواع أخرى؛ وذلك أن هذه الآية جاءت في سياق الرد
على النصارى ونقض قولهم في عيسى ابن مريم عليه السلام، ومن المعلوم أن النصارى
ظنوا أن مجيء عيسى من غير أب دليل على أنه ابن الله، فبيّن الله لهم أن آدم جاء من
غير أب ولا أم، ومع ذلك فهو ليس ابناً لله، فلأن يكون عيسى ابناً لله من باب أولى
وأحرى.
وتفسير الآية بهذا المعنى
هو المستقر عند المفسرين، اعتماداً منهم على السياق الذي جاءت فيه، وعلى الغرض
الأساسي لها، وفي بيانها يقول الطاهر بن عاشور: «وهذا شروع في إبطال عقيدة النصارى
من تألِيهِ عيسى، وردّ مطاعنهم في الإسلام، وهو أقطع دليل بطريق الإلزام؛ لأنهم
قالوا بإلاهية عيسى من أجل أنه خلق بكلمةٍ من الله وليس له أب، فقالوا: هو ابن
الله. فأراهم الله أنّ آدم أوْلَى بأن يُدّعَى له ذلك، فإذا لم يكن آدم إلهاً مع
أنه خلق بدون أبوين فعيسى أولى بالمخلوقية من آدم.
ومحل التمثيل كون كليهما
خُلق من دون أب، ويزيد آدمُ بكونه من دون أم أيضاً، فلذلك احتيج إلى ذكر وجه الشبه
بقوله: (خلقه من تراب) الآية، أي خلقه دون أب ولا أم، بل بكلمة كن، مع بيان كونه
أقوى في المشبه به على ما هو الغالب. وإنما قال عند الله أي نسبته إلى الله لا
يزيد على آدم شيئاً في كونه خلْقاً غيرَ معتاد»[21].
وقد حاول الدكتور عمرو أن
ينفك عن دلالة هذه الآية فذكر أنها «تنص على أن عيسى كآدم خلق من تراب بكلمة كن،
ونحن نعلم أن عيسى ولد من مريم العذراء، فإذا عيسى من تراب ونحن من تراب رغم وجود
آباء لنا، فلم لا نفهم من القول بأن آدم من تراب أنه هو الآخر له آباء وأجداد
بدؤوا من التراب»[22].
لكن هذا الفهم للآية خطأ
ظاهر؛ لأن فيه قفزاً متعسفاً لسياق الآية وتجاوزاً كبيراً للغرض الأساسي الذي جاءت
من أجله، فالله تعالى لا يريد أن يخبرنا خبراً مجرداً بكيفية خلق آدم وعيسى فقط،
وإنما يريد أن ينقض دعوى النصارى في استدلالهم بوجود عيسى بغير أب على أنه ابن
لله، فأثبت الله لهم بأنه لو كان استدلالهم صحيحاً لكان الأولى أن يكون آدم ابناً
لله؛ لأنه وجد بغير أب ولا أم، ومع ذلك فهم لا يقولون ببنوة آدم لله.
ولو كان معنى الآية كما
تصوره الدكتور عمرو لما كان فيها إلزام للنصارى ولا إبطال لقولهم؛ لأن غاية ما يدل
عليه – بناء على فهمه – إخبار الله عن خلق آدم وعيسى من تراب، وهذا الإخبار ليس
فيه حجة عقلية ملزمة للمخالفين.
الدليل الثالث: النصوص
التي أوضحت تشكل المادة التي خلق منها آدم، فالله تعالى ذكر في القرآن الكريم
المادة التي خلق منها آدم بأوصاف متعددة، مثل: التراب والطين والحمأ المسنون
والصلصال، وقد أوضح عدد من المفسرين أن هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف المراحل التي
مرّ بها تشكل المادة التي خلق منها أبو آدم، وفي بيان دلالتها يقول محمد الأمين
الشنقيطي: «اعلم أن الله جل وعلا أوضح في كتابه أطوار هذا الطين الذي خلق منه آدم،
فبيّن أنه أولاً تراب، بقوله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى
عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} [آل
عمران:59]، وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إن كُنتُمْ فِي
رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ} [الحج:
٥]، وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ
ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} الآية [غافر: 67]، إلى
غير ذلك من الآيات، ثم أشار إلى أن ذلك التراب بلَّ فصار طيناً يعلق بالأيدي في
مواضع أخرى، كقوله: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ}
[الصافات: 11]، وقوله: {وَلَقَدْ
خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون:
12]، وقوله: {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسَانِ مِن طِينٍ} [السجدة:
٧]، إلى غير ذلك من الآيات، وبيّن أن ذلك الطين أسود وأنه متغير بقوله هنا: {حَمَأٍ
مَسْنُونٍ}، وبيّن أيضاً أنه يبس حتى صار صلصالاً، أي:
تسمع له صلصلة من يبسه، بقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا
الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ} الآية [الحجر: 26]،
وقوله: {خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ
كَالْفَخَّارِ} الآية [الرحمن: 14]»[23].
وهذا التوضيح والتفصيل
يدلان بجلاء على أن خلق الإنسان كان مختلفاً عن غيره من المخلوقات، وأنه مرّ
بمراحل مختلفة كل الاختلاف عن المراحل التي يدّعيها له أتباع فرضية التطور الموجه.
ثانياً:
النصوص التي استدل بها أتباع فرضية التطور الموجه:
جمع الدكتور عمرو شريف
عدداً من الآيات ليثبت من خلالها أن القرآن متفق مع فرضية التطور الموجه، وأنه يدل
على صحتها، وقد ذكر ذلك من خلال وقفات مطولة، ويتحصل أهم ما استدل به في ستة أدلة،
هي:
الدليل الأول: التفريق
بين البشر والإنسان في القرآن، ويقوم هذا الدليل على أن القرآن يفرق بين زمن خلق
الإنسان وزمن خلق البشر؛ لكونه يعبّر عن خلق الإنسان بفعل الماضي، كما في قوله
تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن
صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُون} [الحِجر: 26]، ويعبّر عن
خلق البشر باسم الفاعل الذي يدل على الحاضر والمستقبل، كما في قوله تعالى: {وَإِذْ
قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ
حَمَإٍ مَّسْنُون} [الحِجر: 28].
وفي بيان الاستدلال بهذه
الآيات يقول عمرو شريف: تبيّن هذه الآيات «أن الإنسان كان قد خلق فعلاً قبل أن
يخبر الله عز وجل ملائكته بأنه سيخلق بشراً من نفس مادة الإنسان، كلاهما من صلصال
من حمأ مسنون، بل هو منه متطور عنه»[24].
فالإنسان وجد قبل البشر،
ولم يتحول الإنسان إلى بشر إلا بعد أن نفخ الله فيه من روحه، ويؤيد هذا الفهم –
نظر عمرو شريف – أن الله عز وجل لم يطلق على أي من رسله وأنبيائه لفظ إنسان، بل
تحدث عنهم دائماً بلفظ البشر فقط[25].
لكن هذا الاستدلال غير
صحيح، وهو في غاية البُعد عن الصواب؛ لأنه قائم على تفريق مدَّعى لا حقيقة له،
فنحن لا ننكر أن هناك فرقاً بين معنى لفظ الإنسان ولفظ البشر من حيث الاشتقاق
اللغوي، ولا ننكر أن القرآن غاير بين اللفظين في الاستعمال، لكن هذه المغايرة لا
تدل بحال على تنوع الحقيقة الوجودية التي يعبّران عنها.
وهذا الأسلوب شائع الاستعمال
في القرآن ولغة العرب؛ ففي التعبير عن حقيقة كلام الله يعبّر تارة بلفظ الكتاب،
وتارة بلفظ القرآن، وتارة بلفظ الذكر، ولا شك في أن هذه الألفاظ مختلفة في مدلولها
اللغوي، ولا شك في أن القرآن لا يعبّر بأحدهما إلا وهو يقصد المعنى الذي يدل عليه
في محله الذي ورد فيه، لكن ذلك كله لا يدل بحال على تنوع الحقيقة الوجودية لكلام
الله.
وكذلك الحال في التعبير
عن حقيقة آدم ونسله، فإن القرآن يعبر عنها بألفاظ مختلفة؛ كلفظ البشر والإنسان
والناس وبني آدم، وكل لفظ من هذه الألفاظ يؤدي معنى مقصوداً لا يؤديه غيره، لكن
ذلك لا يعني الاختلاف في الحقيقة الوجودية للإنسان.
ومما يدل على أن التغاير
بين لفظي الإنسان والبشر في القرآن لا يعني الاختلاف في الحقيقة الوجودية؛ أنه
عبّر بهما عن أصل خلقة بني آدم، كما في قوله تعالى: {الَّذِي
أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِين} [السجدة:
7]، وقوله تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ
إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِين}[ص: 71].
ومما يدل على ذلك أيضاً:
أن القرآن استعمل لفظ الإنسان في التعبير عن المرحلة التي يسميها عمرو شريف مرحلة
البشرية؛ مرات كثيرة بلغت العشرات، من ذلك: قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ
الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36]، وقوله
تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ
بِرَبِّكَ الْكَرِيم} [الانفطار: 6]، وقوله
تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ
يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُور} [الحج:
66]، وقوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن
يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُون} [العنكبوت:
2].
بل إن القرآن لم يستعمل
في التعبير عن تكليف بني آدم بالرسالات إلا لفظ الإنسان، فلو كان القرآن يغاير بين
لفظي الإنسان والبشر في الدلالة على الحقائق الوجودية فكيف يصح أن يعبّر بالإنسان
عن المرحلة البشرية كما يعتقد عمرو شريف؟!
وأما الاعتماد على التفريق
بين استعمال فعل الماضي واسم الفاعل، فهو خطأ ظاهر؛ لأن ذلك التفريق ليس راجعاً
إلى اختلاف زمن الخلق، ولا إلى اختلاف حقيقة الإنسان عن حقيقة البشر، وإنما راجع
إلى طبيعة السياق الذي جاءت فيه تلك الصيغ؛ فالتعبير بالماضي جاء في سياق إخبار
الله لنا عن خلق آدم، فمن الطبيعي أن يكون بلفظ الماضي؛ لأن خلق آدم بالنسبة لنا
أمر ماضٍ، واستعمال اسم الفاعل جاء في سياق إخبار الله الملائكة عن إرادته خلق
الإنسان، فمن الطبيعي أن يكون بصيغة اسم الفاعل.
ومما يدل على ذلك أيضاً
أن الله أخبر الناس في عصر النبوة – وهم في طور البشرية عند عمرو شريف - عن أصل
خلقتهم بلفظ الماضي أيضاً، كما في قوله تعالى: {يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم
مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ
مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ }[الحج: 5]، وكما في قوله
تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ
مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ
تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ
عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير}
[فاطر: 11].
ما سبق يدل على أن
الاختلاف في ضيع التعبير عن خلق آدم وذريته ليس دليلاً على اختلاف الحقيقة
الوجودية التي نتحدث عنها.
الدليل الثاني: قوله
تعالى: {إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً
وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ٣٣ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
[آل عمران: ٣٣، ٤٣]، وقد ذكر الدكتور عمرو أن هذه الآية تدل على صحة التطور الموجه
من جهتين، الأولى: من جهة أن الله أخبر أنه اصطفى آدم، «أي اختاره وفضله، ولا يكون
الاصطفاء إلا من بين أقران له»[26].
والأخرى: أن الآية ذكرت «أن آدم ذرية، أي: أنه ذرية لإنسان يسبقه، مثل: نوح وآل
إبراهيم وآل عمران»[27].
لكن هذا الاستدلال غير
صحيح؛ أما الجهة الأولى: وهي الاعتماد على معنى الاصطفاء والادعاء بأنه لا يكون
إلا من بين الأقران، فهذه دعوى غير صحيحة، فإن معنى الاصطفاء يرجع في اللغة إلى
التصفية والاختيار، سواء كان من جنس الشيء أو من غيره، يقول ابن فارس: «الصفي: ما
اصطفاه الإمام من المغنم لنفسه»[28]،
ومن المعلوم أن الغنائم قد تكون من أصناف مختلفة: سيوف ورماح وخيل ودراهم وسبايا
وغيرها.
وهذا يدل على أن القول
بأن الاصطفاء لا يكون إلا من بين الأقران فقط؛ غير صحيح، وغير معروف في لغة العرب.
وقد ذكر عدد من المفسرين
أن معنى اصطفاء آدم أن الله فضّله على أجناس العالم من الملائكة والجن وغيرهم بأن
خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وعلّمه أسماء كل شيء، وأسكنه جنته[29].
وأما الجهة الأخرى، وهي
كون آدم ذرية لإنسان سبقه؛ فهذا الفهم غير مستقيم؛ لأن الصحيح الذي عليه كثير من
المفسرين أن قوله تعالى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا
مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم} [آل عمران: 34] راجع إلى
آل إبراهيم وآل عمران؛ لأنهم الذين يصدق عليهم معنى الذرية في لغة العرب[30].
وعلى القول بأن لفظ
الذرية يشمل الأربعة – آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران -، فإنه لا يصح الاستدلال
به على أن آدم كان ذرية لغيره ممن سبقه؛ لأن الآية لم تصفهم بأنهم ذرية فقط، وإنما
وصفتهم بأنهم ذرية بعضهم من بعض، وهذا يدل على أن القصد من الآية إثبات أن كل
هؤلاء بينهم صلة قوية إما في الدين أو في النسب، فهي شبيهة بقول الله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ
وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ} [التوبة:
67]؛ ولهذا لم يفهم أحد من المفسرين قاطبة من تلك الآية أنها تدل على أن آدم كان
ذرية لغيره لا من جهة اللغة ولا من جهة الشرع.
الدليل الثالث: قوله
تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ
إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَآ
أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِين}[الأنعام:
133]، فالآية كما يقول عمرو شريف: «تبيّن أن الخالق الكريم قد أنشأنا نحن البشر من
ذرية قوم آخرين (الإنسان)، وهذا أقرب من القول بأن القوم الآخرين هم آدم أو أنهم
أجدادنا، فأجدادنا لا يوصفون بالآخرين»[31].
لكن الاستدلال بهذه الآية
على أن آدم تطور عن مخلوقات سابقة عليه، غير صحيح؛ لأن الصحيح أن المراد بالقوم
الآخرين في الآية هم الأجداد الذين كانوا سابقين على كفار قريش، وهذا القول ذهب
إليه كثير من المفسرين، اعتماداً منهم على السياق الذي جاءت فيه؛ وذلك أن الآية جاءت
في سياق تهديد الله المشركين الذين كانوا يستخفون بعذابه ويستعجلونه، فبيّن الله
لهم أنه متصف بالرحمة، وأنه لو شاء لأهلكهم واستخلف من بعدهم قوماً آخرين لا
يكونون مثلهم في العناد والعصيان، كما أنه سبحانه أنشأهم من قوم كانوا سابقين
عليهم، ثم بيّن لهم أن ما يوعدون من العذاب قريب منهم، فقال: {إنَّ
مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ 134 قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا
عَلَى مَكَانَتِكُمْ إنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ
عَاقِبَةُ الدَّارِ إنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِـمُونَ} [الأنعام:
134-135][32].
فسياق الآية إذن يدل على
أن الخطاب متعلق بأقوام الأنبياء، وتهديدهم بإفنائهم واستخلاف غيرهم بهم، وليس
متعلقاً بأصل جنس بني آدم.
ومع ذلك فقد فسر ابن جرير
الطبري قوله تعالى: {كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ
آخَرِين} بقوله: «كما أحدثكم وابتدعكم من بعد خلق
آخرين كانوا قبلَكم»[33]،
لكنه عقّب تفسيره هذا بكلام يدل على أنه يعتقد أن بني آدم لم يولدوا من أنواع
حيوانية أخرى فقال: «ومعنى (مِنْ) في هذا الموضع التعقيب، كما يقال في الكلام:
(أعطيتك من دينارك ثوباً)، بمعنى: مكانَ الدينار ثوباً، لا أن الثوب من الدينار
بعضٌ، كذلك الذين خوطبوا بقوله: {كَمَآ أَنشَأَكُم}،
لم يرد بإخبارهم هذا الخبر أنهم أنشئوا من أصلاب قوم آخرين، لكن معنى ذلك ما ذكرنا
من أنَّهم أنشئوا مكان خَلْقٍ خَلَف قوم آخرين قد هلكوا قبلهم»[34].
فابن جرير يحمل الآية على
أن الله يخبر أنه خلق بني آدم من ذرية قوم آخرين، لكن ذلك على جهة الإبدال في
المكان والحال وليس على جهة التولد والتطور البيولوجي كما يقول أتباع التطور
الموجه.
وأما الاعتماد على أن
أجدادنا لا يوصفون بالآخرين، فهو مخالف لاستعمال كلمة الآخرين في القرآن نفسه،
فإنها كثيراً ما تستعمل في التعبير عن الأصناف المختلفة من بني آدم أنفسهم، كما في
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ
الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا
بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ
لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ }
[المائدة: 41]، وكما في قوله تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن
قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِين}
[الأنبياء: 11]، وقوله تعالى: {كَذَلِكَ
وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِين} [الدخان: 28].
الدليل الرابع: قوله
تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ
إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ
فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ
قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُون}
[البقرة:30 ]. يقول عمرو شريف مبيّناً وجه استدلاله بهذه الآية: «كيف عرفت
الملائكة أن البشر الذين لم يخلقوا بعد سيفسدون في الأرض ويسفكون الدماء؟!»، ثم
ذكر الاحتمالات التي ذكرها المفسرون، فقال: «إن التفسير المباشر والأقرب من ذلك
كله أن إنساناً سابقاً للبشر كان يسكن الأرض ويقترف هذه الأفعال – قد يكون إنسان
نياندرتال -، وقد رأته الملائكة مرأى العين»[35].
لكن الاعتماد على هذه
الآية في إثبات أن القرآن يدل على أن آدم خلق بالتطور من حيوان سابق عليه؛ غير
مستقيم؛ لأنه لا يقوم على بيّنة ولا دليل مفيد للعلم ولا للظن الغالب، فإن سبب
سؤال الملائكة قد اختلف فيه المفسرون كثيراً، وذكروا احتمالات متعددة، والصحيح في
التعامل مع هذه القضية أنها تبقى في خانة الاحتمال التي لا يرجح فيها طرف على طرف؛
لأنها من الأمور المسكوت عنها في القرآن.
والدكتور عمرو شريف لم
يقدم على فهمه أيَّ برهان أو دليل، وإنما كان معتمداً على الظن والتخمين، وحين حكم
على الاحتمالات التي ذكرها المفسرون لم يقدم أي دليل على ذلك.
ثم إن الاحتمال الذي ذكره
يمكن أن يقابل باحتمال آخر لا يقل عنه في المنزلة، فيمكن أن يقال: إنه كانت
مخلوقات شبيهة بالإنسان في الشكل تفسد في الأرض، فأهلكها الله عن بكرة أبيها، ثم
خلق آدم خلقاً خاصاً مستقلاً عن ذلك النوع، فلما رأت الملائكة صورته المشابهة لتلك
المخلوقات تبادر إليهم السؤال.
الدليل الخامس: قوله
تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ مِن
سُلالَةٍ مِّن طِينٍ 12ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ 13 ثُمَّ
خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا
الْـمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَـحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ
خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْـخَالِقِينَ} [المؤمنون:
12 - 14]. يقول عمرو شريف في بيان دلالتها على قوله: «تشير الآية إلى أن الإنسان
لم يخلق من الطين مباشرة، بل من سلالة خلقت من طين، وهذه السلالة هي الكائنات
الحية التي خلقت من مادة الأرض، وتسلسل ظهورها حتى وصلنا إلى الإنسان»، ويتوسع في
إيضاح موقفه فيقول: «تأمل هذه الآيات - آيات سورة المؤمنون - مع الأخذ في الاعتبار
أن حرف العطف (ثم) يفيد التابع مع التراخي، بالتالي نفهمه على أنه عطف يشير إلى
الانتقال من نوع من الكائنات إلى نوع آخر، إذ يستغرق ذلك وقتاً طويلاً قد يمتد إلى
ملايين السنين»[36].
لكن الاستدلال بهذه
الآيات على أن القرآن يدل على أن آدم مخلوق من مخلوقات سابقة عليه؛ بعيد كل البُعد
عن مدلول الآية ومرادها؛ وذلك أن معنى السلالة مأخوذ من قولهم: سلَّ الشيء إذا
انتزعه واستخرجه من غيره، والشيء المسلول هو المنتزع من شيء آخر. والآية نصت على
أن الإنسان مستل ومستخرج من الطين، يقول ابن جرير في بيان معنى الآية: «قوله: {وَلَقَدْ
خَلَقْنَا الإنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ} أسللناه
منه، فالسلالة: هي المستلة من كلّ تربة، ولذلك كان آدم خلق من تربة أخذت من أديم
الأرض»[37].
فغاية ما تدل عليه الآية
إذن هو إثبات أن أصل خلقة بني آدم وابتداءها كانت من الطين، وهي متطابقة مع قوله
تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ
وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسَانِ مِن طِينٍ 7 ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن
مَّاءٍ مَّهِينٍ 8 ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ
السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ والأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ}
[السجدة: ٧ - ٩].
ثم إن ظاهر هذه الآية
يتناقض تمام المناقضة مع تصور أتباع فرضية التطور الموجه؛ لأن تصورهم يقوم على أن
آدم خُلق بطريق التطور عن كائنات أخرى، وأنه مولود لأبوين سابقين عليه، والآية تدل
على أن الله استله واستخرجه من الطين، وليس فيها ذكر لتلك الأنواع الأخرى التي
يدّعي عمرو شريف أنها أصل لآدم.
وما ذكره لا يعدو أن يكون
دعوى لا دليل عليها ولا برهان. ولو كان الإنسان مستلاً من حيوانات أخرى سابقة عليه
في الوجود، لأشار إليها القرآن ولو مرة واحدة، كما أشار مراراً على استلاله من
الطين والتراب.
وأما اعتماده على استعمال
أداة «ثم» التي جاءت في شرح تطور الجنين في بطن أمه، ودعواه أنها تدل على تطور
الخلق الإنساني عبر الأنواع الحيوانية التي كانت قبله؛ فهو في غاية الشطط والتكلف؛
لأن الآية تتحدث عن خلق الإنسان في بطن أمه وليس عن خلق أصل الإنسان وأوله الذي هو
آدم. ثم إنها سمّت المراحل التي تتعاقب على التراخي، وهي النطفة والعلقة والعظام
واكتساء العظام لحماً، وهذه الأوصاف معلومة المعنى في العربية، وهي في الوقت نفسه
لا تتطابق مع المراحل التي يذكرونها في تصور النوع الإنساني، فهل يقولون مثلاً إن
الإنسان كان في مرحلة من مراحل خلقته عظاماً دون لحم، ثم تطور وتحصل على اللحم في
طور آخر؟!
الدليل السادس: قوله
تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي
أَحْسَنِ تَقْوِيم} [التين: 4]، يقول عمرو شريف في بيان
استدلاله بهذه الآية: «جاء في معجم ألفاظ القرآن الكريم أن قوله: {فِي
أَحْسَنِ تَقْوِيم} يعني كان معوجاً فقوّمه، فكلمة تقويم تعني
تعديل وإزالة عوج.. إذن يمكن أن نفهم من الآية الكريمة أن الإنسان لم يخلق خلقاً
مباشراً على صورته، بل خلق تعديلاً، ولا يكون التعديل إلا عن خلق سبقه»[38].
وأول ما يفاجئنا به
الدكتور عمرو في هذا الاستدلال أنه ترك كل التفاسير المتعمدة عند أهل الاختصاص
واعتمد على معجم ألفاظ القرآن الكريم الذي أصدره مجمع اللغة العربية! وهذا خلل
منهجي ظاهر في التعامل مع تفسير القرآن الكريم؛ لأن فيه قفزاً للمصادر الأصلية
وانتقالاً إلى المصادر الثانوية التي لا تهتم بتحديد المراد من الآية بدقة.
ونحن إذا رجعنا إلى كتب
التفسير نجد أن المفسرين اختلفوا في معنى: {فِي
أَحْسَنِ تَقْوِيم}، فقال أكثرهم: أي في أحسن صورة وأفضل شكل
وأعدل قامة، وقد قال بهذا التفسير ابن عباس وإبراهيم النخعي وأبو العالية ومجاهد
وغيرهم. وقال بعضهم: أي إن الإنسان يبلغ في شبابه إلى أعلى قوة واعتدال ثم ينحدر
في شيخوخته إلى الضعف.
والصحيح القول الأول،
يقول ابن جرير في بيان وجه صحته: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن معنى
ذلك: لقد خلقنا الإنسان في أحسن صورة وأعدلها؛ لأن قوله: {فِي
أَحْسَنِ تَقْوِيم} إنما هو نعت لمحذوف، وهو في تقويم أحسن
تقويم، فكأنه قيل: لقد خلقناه في تقويم أحسن تقويم»[39].
ثم
إن معنى تقويم في لغة العرب لا يلزم منه أن يكون الشيء معوجاً قبل ذلك، وإنما يعني
جعل الشيء في قَوام، أي في اعتدال واستقامة وكمال، يقول ابن فارس: «القاف والواو
والميم أصلان صحيحان، يدل أحدهما على جماعة ناس، وربما استعير في غيرهم، والآخر
على انتصاب أو عزم»[40]؛
ولأجل هذا توارد جمهور المفسرين على تفسير الآية بكون الإنسان خلق في أحسن صورة
واعتدال وانتصاب، ولم يذكر أحد منهم أن لازم ذلك أن أصله كان غير ذلك.
:: مجلة البيان العدد 326 شوّال 1435هـ، أغسطس 2014م.
[1] انظر: كيف بدأ الخلق (189).
[2] المرجع السابق (190).
[3] المرجع السابق (337).
[4] المرجع السابق (322).
[5] المرجع السابق (204).
[6] المرجع السابق (321).
[7] المرجع السابق (322).
[8] انظر في مناقشة تصورات الدكتور عمرو
شريف عن فرضية التطور: الدارونية المتأسلمة، عمرو عبد العزيز، فقد خصصه لمناقشة ما
جاء به من أفكار.
[9] انظر: هذا الرابط:
http://www.discovery.org/scripts/viewDB/filesDB-download.php?command=download&id=660.
[10] خرافة الإلحاد (181).
[11] انظر في بعض أسماء هؤلاء: التطور نظرية
علمية أم أيديولوجيا؟ عرفان يلماز (234)؛ والحياة وشيفرتها الإلهية، كازو موراكمي
(138-140)؛ وانظر: خلق لا تطور، نخبة من المؤلفين، (85-88).
[12] خرافة الإلحاد (181).
[13] انظر: المرجع السابق (364).
[14] أخرجه: البخاري رقم (7518)، ومسلم
رقم (2829).
[15] انظر: كيف بدأ الخلق (328).
[16] انظر: التوحيد وإثبات صفات الرب لابن
خزيمة (1/146-200)، ونقض الإمام الدارمي على المريسي (1/230، 243، 266، 285، 299).
[17] انظر: التوحيد في إثبات صفات الرب
لابن خزيمة (1199)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (6/605)، وبيان تلبيس الجهمية لابن
تيمية (1/40).
[18] انظر: القواعد المثلى، محمد
العثيمين، (130-131).
[19] انظر: تفسير ابن جرير الطبري،
(22/438).
[20] انظر: تفسير ابن جرير الطبري،
(21/215).
[21] التحرير والتنوير (3/263)، وانظر:
تفسير ابن كثير (2/49).
[22] كيف بدأ الخلق (330).
[23] أضواء البيان في إيضاح القرآن
بالقرآن (3/107-108).
[24] كيف بدأ الخلق (352).
[25] انظر: المرجع السابق (352).
[26] كيف بدأ الخلق (253).
[27] المرجع السابق (253).
[28] معجم مقاييس اللغة (3/292).
[29] انظر: تفسير ابن كثير (2/33)،
والمحرر الوجيز لابن عطية (3/82).
[30] انظر: تفسير ابن جرير الطبري
(6/327)، والتحرير والتنوير للطاهر بن عاشور (3/231).
[31] كيف بدأ الخلق (354).
[32] انظر: تفسير ابن كثير (3/343)،
وتفسير البغوي (3/191)، وتفسير البيضاوي (1/454)، وزاد المسير لابن الجوزي
(3/127)، والكشاف للزمخشري (2/64)، والمحرر الوجيز لابن عطية (5/355).
[33] تفسير ابن جرير الطبري (12/126).
[34] المرجع السابق (12/127).
[35] كيف بدأ الخلق (354).
[36] كيف بدأ الخلق (257-258).
[37] تفسير ابن جرير الطبري (19/14).
[38] كيف بدأ الخلق (328).
[39] تفسير ابن جرير الطبري (24/504).
[40] معجم مقاييس اللغة (5/43).