• - الموافق2025/05/31م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
إنَّ مُعاذًا كان أُمَّة!

ومن المعاني التدبرية في هذا الأثر: ما يُومِئ إليه ابن مسعود من تربية تلامذته بنحو تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: «وكذلك كان معاذ»، كما يجد الباحث في هذا الأثر عِظَم تجرُّد الصحابة؛ فابن مسعود -رضي الله عنه- كان برتبة معاذ، وأقدم منه إسلامًا، ولك


أسند الطبري إلى فروة بن نوفل الأشجعي -رحمه الله تعالى- قال: «قال ابن مسعود: إن مُعاذًا كان أُمَّةً قانتًا لله حنيفًا، فقلت في نفسي: غلِط أبو عبدالرحمن، إنما قال الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ} [النحل: 120]؛ فقال: تدري ما الأُمَّةُ، وما القانت؟ قلت: الله أعلم! قال: الأُمَّةُ الذي يُعَلِّم الخير، والقانتُ: المطيعُ للهِ ولرسولِه، وكذلك كان معاذُ بن جبل؛ كان يُعلِّمُ الخيرَ، وكان مطيعًا للهِ ولرسوله»[1].

ويعتضد بأثر عمر -رضي الله عنه- قال: «لو استَخْلفت معاذ بن جبل... سمعت نبيك وهو يقول: إن العلماء إذا حضروا ربهم كان بين أيديهم رَتْوَة بحجر»[2].

والبُعد الإشراقي في هذا الأثر؛ تلك المعاني العميقة التي أراد ابن مسعود -رضي الله عنه- إيصالها للناس وعظًا واستصلاحًا، فمنها ما يظهر لذي النظر أنه -رضي الله عنه- أراد أن يُبيِّن للناس أن سيرة الأنبياء سيرة بشرية، وأنه بمقدور البشر التأسي بهم، وهذا من الأهمية بمكان؛ إذ يختلط على الناس مفهوم عصمة الأنبياء وإمكان التأسي بهم.

ومن المعاني التدبرية في هذا الأثر: ما يُومِئ إليه ابن مسعود من تربية تلامذته بنحو تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم  لهم: «وكذلك كان معاذ»، كما يجد الباحث في هذا الأثر عِظَم تجرُّد الصحابة؛ فابن مسعود -رضي الله عنه- كان برتبة معاذ، وأقدم منه إسلامًا، ولكنّها النفوس الكبيرة والأخلاق الرفيعة حين تتجسَّد في معاملات هؤلاء الكبار؛ رضي الله عنهم وأرضاهم.

ويظهر في الأثر: تعليم التدبُّر من خلال البناء المنهجي للهداية، في توظيف ابن مسعود -رضي الله عنه- لاستشكال ذهنية تلميذه واستثمارها في الهداية؛ مما يدل على أن السؤال والمباحَثة مع المتلقّين من المفاتيح المهمّة للمتدبّرين؛ فهي من أعظم طرق مُفاتَشة القرآن، كما أن تولّد السؤال يسبقه نظر وتأمل.

ويبيِّن الأثر وسيلة أخرى من وسائل التدبر؛ وهي: مجالس المُدَارَسة، فينبغي إحياؤها في المساجد والبيوت والدروس، كما كان يفعل السلف الصالح -رحمهم الله تعالى-.

فرضي الله عن ابن مسعود وعن معاذ وعن صحابة نبينا -صلى الله عليه وسلم- أجمعين.

 
 


[1] تفسير الطبري (14/394).

[2] الرتوة هنا الخطوة أي: يتقدمهم بخطوة، ويقال بدرجة، وقيل برمية سهم، وقيل بمثل، وقيل بمدى البصر. يُنظَر: لسان العرب، ابن منظور (14/ 308)، مادة (رَتَا)، والأثر أخرجه أحمد في فضائل الصحابة، فضائل أبي عبيدة بن الجراح (2 /742).

أعلى